معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{مَّن يُطِعِ ٱلرَّسُولَ فَقَدۡ أَطَاعَ ٱللَّهَۖ وَمَن تَوَلَّىٰ فَمَآ أَرۡسَلۡنَٰكَ عَلَيۡهِمۡ حَفِيظٗا} (80)

قوله تعالى : { من يطع الرسول فقد أطاع الله } . وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول : ( من أطاعني فقد أطاع الله ، ومن أحبني فقد أحب الله ) ، فقال بعض المنافقين : ما يريد هذا الرجل إلا أن نتخذه رباً كما اتخذت النصارى عيسى بن مريم رباً . فأنزل الله تعالى : { من يطع الرسول فقد أطاع الله } أي : من يطع الرسول فيما أمر به فقد أطاع الله .

قوله تعالى : { ومن تولى } عن طاعته .

قوله تعالى : { فما أرسلناك } ، يا محمد .

قوله تعالى : { عليهم حفيظاً } ، أي : حافظاً ورقيباً ، بل كل أمورهم إلي . قيل : نسخ الله عز وجل هذا بآية السيف ، وأمره بقتال من خالف الله ورسوله .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{مَّن يُطِعِ ٱلرَّسُولَ فَقَدۡ أَطَاعَ ٱللَّهَۖ وَمَن تَوَلَّىٰ فَمَآ أَرۡسَلۡنَٰكَ عَلَيۡهِمۡ حَفِيظٗا} (80)

{ مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا * وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ فَإِذَا بَرَزُوا مِنْ عِنْدِكَ بَيَّتَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ وَاللَّهُ يَكْتُبُ مَا يُبَيِّتُونَ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا }

أي : كل مَنْ أطاع رسول الله في أوامره ونواهيه { فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ } تعالى لكونه لا يأمر ولا ينهى إلا بأمر الله وشرعه ووحيه وتنزيله ، وفي هذا عصمة الرسول صلى الله عليه وسلم لأن الله أمر بطاعته مطلقا ، فلولا أنه معصوم في كل ما يُبَلِّغ عن الله لم يأمر بطاعته مطلقا ، ويمدح على ذلك . وهذا من الحقوق المشتركة فإن الحقوق ثلاثة :

حق لله تعالى لا يكون لأحد من الخلق ، وهو عبادة الله والرغبة إليه ، وتوابع ذلك .

وقسم مختص بالرسول ، وهو التعزير والتوقير والنصرة .

وقسم مشترك ، وهو الإيمان بالله ورسوله ومحبتهما وطاعتهما ، كما جمع الله بين هذه الحقوق في قوله : { لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا } فمَنْ أطاع الرسول فقد أطاع الله ، وله من الثواب والخير ما رتب على طاعة الله { وَمَنْ تَوَلَّى } عن طاعة الله ورسوله فإنه لا يضر إلا نفسه ، ولا يضر الله شيئًا { فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا } أي : تحفظ أعمالهم وأحوالهم ، بل أرسلناك مبلغا ومبينا وناصحا ، وقد أديت وظيفتك ، ووجب أجرك على الله ، سواء اهتدوا أم لم يهتدوا . كما قال تعالى : { فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ } الآية .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{مَّن يُطِعِ ٱلرَّسُولَ فَقَدۡ أَطَاعَ ٱللَّهَۖ وَمَن تَوَلَّىٰ فَمَآ أَرۡسَلۡنَٰكَ عَلَيۡهِمۡ حَفِيظٗا} (80)

القول في تأويل قوله تعالى :

{ مّنْ يُطِعِ الرّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ وَمَن تَوَلّىَ فَمَآ أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً } . .

وهذا إعذار من الله إلى خلقه في نبيه محمد صلى الله عليه وسلم ، يقول الله تعالى ذكره لهم : من يطع منكم أيها الناس محمدا ، فقد أطاعني بطاعته إياه ، فاسمعوا قوله ، وأطيعوا أمره ، فإنه مهما يأمركم به من شيء فمن أمري يأمركم ، وما نهاكم عنه من شيء فمن نهيي ، فلا يقولن أحدكم : إنما محمد بشر مثلنا يريد أن يتفضل علينا ! ثم قال جل ثناؤه لنبيه : ومن تولى عن طاعتك يا محمد ، فأعرض عنه ، فإنا لم نرسلك عليهم حفيظا ، يعني حافظا لما يعملون محاسبا ، بل إنما أرسلناك لتبين لهم ما نزل إليهم ، وكفى بنا حافظين لأعمالهم ولهم عليها محاسبين . ونزلت هذه الاَية فيما ذكر قبل أن يؤمر بالجهاد . كما :

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : سألت ابن زيد عن قول الله : { فَمَا أرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظا } قال : هذا أول ما بعثه ، قال : { إنْ عَلَيْكَ إلاّ البَلاغُ } ، قال : ثم جاء بعد هذا يأمره بجهادهم والغلظة حتى يسلموا .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{مَّن يُطِعِ ٱلرَّسُولَ فَقَدۡ أَطَاعَ ٱللَّهَۖ وَمَن تَوَلَّىٰ فَمَآ أَرۡسَلۡنَٰكَ عَلَيۡهِمۡ حَفِيظٗا} (80)

والمعنى أن الرسول إنما يأمر وينهى بياناً من الله وتبليغاً ، فإنما هي أوامر الله ونواهيه ، وقالت فرقة سبب هذه الآية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «من أحبني فقد أحب الله » فاعترضت اليهود عليه في هذه المقالة ، وقالوا : هذا محمد يأمر بعبادة الله وحده ، وهو في هذا القول مدّع للربوبية ، فنزلت هذه الآية تصديقاً للرسول عليه السلام ، وتبييناً لصورة التعلق بينه وبين فضل الله تعالى ، و { تولى } معناه أعرض ، وأصل { تولى } في المعنى أن يتعدى بحرف ، فنقول تولى فلان عن الإيمان ، وتولى إلى الإيمان لأن اللفظة تتضمن إقبالاً وإدباراً ، لكن الاستعمال غلب عليها في كلام العرب على الإعراض والإدبار ، حتى استغني فيها عن ذكر الحرف الذي يتضمنه ، و { حفيظاً } يحتمل معنيين ، أي ليحفظهم حتى لا يقعوا في الكفر والمعاصي ونحوه ، أو ليحفظ مساوئهم وذنوبهم ويحسبها عليهم ، وهذه الآية تقتضي الإعراض عن من تولى والترك له ، وهي قبل نزول القتال وإنما كانت توطئة ورفقاً من الله تعالى حتى يستحكم أمر الإسلام .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{مَّن يُطِعِ ٱلرَّسُولَ فَقَدۡ أَطَاعَ ٱللَّهَۖ وَمَن تَوَلَّىٰ فَمَآ أَرۡسَلۡنَٰكَ عَلَيۡهِمۡ حَفِيظٗا} (80)

هذا كالتكملة لقوله : { وأرسلناك للناس رسولاً } [ النساء : 79 ] باعتبار ما تضمّنه من ردّ اعتقادهم أنّ الرسول مصدرُ السيّئات التي تصيبهم ، ثم من قوله : { ما أصابك من حَسَنَةٍ فمِنَ الله } [ النساء : 79 ] الخ ، المؤذن بأنّ بين الخالق وبين المخلوق فَرْقا في التأثير وأنّ الرسالة معنَّى آخر فاحترَس بقوله : { من يطع الرسول فقد أطاع الله } عن توهّم السامعين التفرقة بين الله ورسوله في أمور التشريع ، فأثبت أنّ الرسول في تبليغه إنّما يبلّغ عن الله ، فأمره أمرُ الله ، ونهيُه نهيُ الله ، وطاعتُه طاعةُ الله ، وقد دلّ على ذلك كلّه قولُه : { من يطع الرسول فقد أطاع الله } لاشتمالها على إثبات كونه رسولاً واستلزامها أنّه يأمر وينهى ، وأنّ ذلك تبليغ لمراد الله تعالى ، فمن كان على بيّنة من ذلك أو كان في غفلة فقد بيّن الله له اختلاف مقامات الرسول ، ومن تولّى أو أعرض واستمرّ على المكابرة { فما أرسلناك عليهم حفيظاً } ، أي حارساً لهم ومسؤولاً عن إعراضهم ، وهذا تعريض بهم وتهديد لهم بأنْ صَرَفه عن الاشتغال بهم ، فيعلم أنّ الله سيتولّى عقابهم .

والتولّي حقيقته الانصراف والإدبار ، وقد تقدّم في قوله تعالى : { وإذا تَولَّى سعى في الأرض ليفسد فيها } [ البقرة : 205 ] وفي قوله : { مَا ولاَهُم عن قبلتهم } في سورة البقرة ( 142 ) . واستعمل هنا مجازاً في العصيان وعدم الإصغاء إلى الدعوة .