معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَلَا تَتَّخِذُوٓاْ أَيۡمَٰنَكُمۡ دَخَلَۢا بَيۡنَكُمۡ فَتَزِلَّ قَدَمُۢ بَعۡدَ ثُبُوتِهَا وَتَذُوقُواْ ٱلسُّوٓءَ بِمَا صَدَدتُّمۡ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ وَلَكُمۡ عَذَابٌ عَظِيمٞ} (94)

قوله تعالى : { ولا تتخذوا أيمانكم دخلاً } ، خديعة وفساداً ، { بينكم } ، فتغرون بها الناس ، فيسكنون إلى أيمانكم ، ويأمنون ثم تنقضونها ، { فتزل قدم بعد ثبوتها } ، فتهلكوا بعد ما كنتم آمنين ، والعرب تقول لكل مبتلي بعد عافية ، أو ساقط في ورطة بعد سلامة : زلت قدمه . { وتذوقوا السوء بما صددتم عن سبيل الله } ، قيل : معناه : سهلتم طريق نقض العهد على الناس بنقضكم العهد ، { ولكم عذاب عظيم } .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَلَا تَتَّخِذُوٓاْ أَيۡمَٰنَكُمۡ دَخَلَۢا بَيۡنَكُمۡ فَتَزِلَّ قَدَمُۢ بَعۡدَ ثُبُوتِهَا وَتَذُوقُواْ ٱلسُّوٓءَ بِمَا صَدَدتُّمۡ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ وَلَكُمۡ عَذَابٌ عَظِيمٞ} (94)

{ 94 } { وَلَا تَتَّخِذُوا أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا وَتَذُوقُوا السُّوءَ بِمَا صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَلَكُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ } .

أي : { وَلَا تَتَّخِذُوا أَيْمَانَكُمْ } ، وعهودكم ومواثيقكم تبعا لأهوائكم متى شئتم وفيتم بها ، ومتى شئتم نقضتموها ، فإنكم إذا فعلتم ذلك تزل أقدامكم بعد ثبوتها على الصراط المستقيم ، { وَتَذُوقُوا السُّوءَ } ، أي : العذاب الذي يسوءكم ويحزنكم ، { بِمَا صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ } ، حيث ضللتم وأضللتم غيركم ، { وَلَكُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ } ، مضاعف .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَلَا تَتَّخِذُوٓاْ أَيۡمَٰنَكُمۡ دَخَلَۢا بَيۡنَكُمۡ فَتَزِلَّ قَدَمُۢ بَعۡدَ ثُبُوتِهَا وَتَذُوقُواْ ٱلسُّوٓءَ بِمَا صَدَدتُّمۡ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ وَلَكُمۡ عَذَابٌ عَظِيمٞ} (94)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَلاَ تَتّخِذُوَاْ أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ فَتَزِلّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا وَتَذُوقُواْ الْسّوَءَ بِمَا صَدَدتّمْ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَلَكُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ } .

يقول تعالى ذكره : ولا تتخذوا أيمانكم بينكم دَخَلاً وخديعة بينكم ، تَغُرّون بها الناس ، { فَتَزِلّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِها } ، يقول : فتهلكوا بعد أن كنتم من الهلاك آمنين . وإنما هذا مثل لكلّ مبتلى بعد عافية ، أو ساقطٍ في ورطة بعد سلامة ، وما أشبه ذلك : «زلّت قدمه » ، كما قال الشاعر :

سيَمْنَعُ منكَ السّبْقُ إنْ كُنْتَ سابِقا *** وتُلْطَعُ إنْ زَلّتْ بكَ النّعْلانِ

وقوله : { وَتَذُوقُوا السّوءَ } ، يقول : وتذوقوا أنتم السوء ، وذلك السوء هو عذاب الله الذي يعذّب به أهل معاصيه في الدنيا ، وذلك بعض ما عذّب به أهل الكفر . { بِمَا صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللّهِ } ، يقول : بما فَتنتم من أراد الإيمان بالله ورسوله عن الإيمان . { وَلَكُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ } ، في الآخرة ، وذلك نار جهنم . وهذه الآية تدلّ على أن تأويل برَيُدة الذي ذكرنا عنه في قوله : { وأوْفُوا بعَهْدِ اللّهِ إذَا عاهَدْتُمْ } ، والآيات التي بعدها ، أنه عُنِي بذلك : الذين بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم على الإسلام ، عن مفارقة الإسلام لقلة أهله ، وكثرة أهل الشرك ، هو الصواب ، دون الذي قال مجاهد أنهم عنوا به ؛ لأنه ليس في انتقال قوم تحالفوا عن حلفائهم إلى آخرين غيرهم صدّ عن سبيل الله ولا ضلال عن الهدى ، وقد وصف تعالى ذكره في هذه الآية فاعِلِي ذلك أنهم باتخاذهم الأيمان دخلا بينهم ونقضهم الأيمان بعد توكيدها ، صادّون عن سبيل الله ، وأنهم أهل ضلال في التي قبلها ، وهذه صفة أهل الكفر بالله ، لا صفة أهل النّقْلة بالحلف عن قوم إلى قوم .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَلَا تَتَّخِذُوٓاْ أَيۡمَٰنَكُمۡ دَخَلَۢا بَيۡنَكُمۡ فَتَزِلَّ قَدَمُۢ بَعۡدَ ثُبُوتِهَا وَتَذُوقُواْ ٱلسُّوٓءَ بِمَا صَدَدتُّمۡ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ وَلَكُمۡ عَذَابٌ عَظِيمٞ} (94)

{ ولا تتخذوا أيمانكم دخَلاً بينكم } ، تصريح بالنهي عنه بعد التضمين تأكيدا ومبالغة في قبح المنهي . { فتزلّ قدم } ، أي : عن محجة الإسلام . { بعد ثبوتها } عليها ، والمراد : أقدامهم ، وإنما وحد ونكر للدلالة على أن زلل قدم واحدة عظيم ، فكيف بأقدام كثيرة . { وتذوقوا السوء } ، العذاب في الدنيا . { بما صددتم عن سبيل الله } ، بصدكم عن الوفاء أو صدكم غيركم عنه ، فإن من نقض البيعة وارتد جعل ذلك سنة لغيره . { ولكم عذاب عظيم } ، في الآخرة .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَلَا تَتَّخِذُوٓاْ أَيۡمَٰنَكُمۡ دَخَلَۢا بَيۡنَكُمۡ فَتَزِلَّ قَدَمُۢ بَعۡدَ ثُبُوتِهَا وَتَذُوقُواْ ٱلسُّوٓءَ بِمَا صَدَدتُّمۡ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ وَلَكُمۡ عَذَابٌ عَظِيمٞ} (94)

لما حذّرهم من النّقض الذي يؤول إلى اتخاذ أيمانهم دخلاً فيهم ، وأشار بالإجمال إلى ما في ذلك من الفساد فيهم ، أعاد الكرّة إلى بيان عاقبة ذلك الصنيع إعادة تفيد التصريح بالنهي عن ذلك ، وتأكيد التحذير ، وتفصيل الفساد في الدنيا ، وسوء العاقبة في الآخرة ، فكان قوله تعالى : { ولا تتخذوا } تصريحاً بالنهي ، وقوله تعالى : { تتخذوا أيمانكم دخلاً بينكم } تأكيداً لقوله قبله : { تتخذون أيمانكم دخلاً بينكم } [ سورة النحل : 92 ] ، وكان تفريع قوله تعالى : { فتزل قدم } إلى قوله : { عن سبيل الله } تفصيلاً لما أجمل في معنى الدَخَل .

وقوله تعالى : { ولكم عذاب عظيم } المعطوف على التفريع وعيد بعقاب الآخرة . وبهذا التّصدير وهذا التّفريع الناشىء عن جملة { ولا تتخذوا أيمانكم دخلاً بينكم } فارقت هذه نظيرتَها السابقة بالتفصيل والزيادة فحقّ أن تعطف عليها لهذه المغايرة وإن كان شأن الجملة المؤكدة أن لا تعطف .

والزّلل : تزلّق الرّجل وتنقّلها من موضعها دون إرادة صاحبها بسبب ملاسة الأرض من طين رطب أو تخلخل حصى أو حجر من تحت القدم فيسقط الماشي على الأرض . وتقدم عند قوله تعالى : { فأزّلهما الشيطان عنها } في سورة البقرة ( 36 ) .

وزلل القدم تمثيل لاختلال الحال والتعرّض للضرّ ، لأنه يترتّب عليه السقوط أو الكسر ، كما أن ثبوت القدم تمكّن الرّجل من الأرض ، وهو تمثيل لاستقامة الحال ودوام السير .

ولما كان المقصود تمثيل ما يجرّه نقض الأيْمان من الدخل شبّهت حالهم بحال الماشي في طريق بينما كانت قدمه ثابتة إذا هي قد زلّت به فصرع . فالمشبه بها حال رجل واحد ، ولذلك نكرت { قدم } وأفردت ، إذ ليس المقصود قدماً معيّنة ولا عدداً من الأقدام ، فإنك تقول لجماعة يترددون في أمر : أراكم تقدّمون رجلاً وتؤخّرون أخرى . تمثيلاً لحالهم بحال الشخص المتردّد في المشي إلى الشيء .

وزيادة { بعد ثبوتها } مع أن الزّلل لا يتصوّر إلا بعد الثبوت لتصوير اختلاف الحالين ، وأنه انحطاط من حال سعادة إلى حال شقاء ومن حال سلامة إلى حال محنة .

والثبوت : مصدر ثبت كالثّبات ، وهو الرسوخ وعدم التنقّل ، وخصّ المتأخرون من الكتاب الثبوت الذي بالواو بالمعنى المجازي وهو التحقّق مثل ثبوت عدالة الشاهد لدى القاضي ، وخصّوا الثبات الذي بالألف بالمعنى الحقيقي وهي تفرقة حسنة .

والذّوق : مستعار للإحساس القويّ كقوله تعالى : { ليذوق وبال أمره } وتقدم في سورة العقود ( 95 ) .

والسّوء : ما يؤلم . والمراد به : ذوق السوء في الدنيا من معاملتهم معاملة الناكثين عن الدين أو الخائنين عهودهم .

و { صددتم } هنا قاصر ، أي بكونكم معرضين عن سبيل الله . وتقدّم آنفاً . ذلك أن الآيات جاءت في الحفاظ على العهد الذي يعاهدون الله عليه ، أي على التمسّك بالإسلام .

فسبيل الله : هو دين الإسلام .

وقوله تعالى : { ولكم عذاب عظيم } هو عذاب الآخرة على الرجوع إلى الكفر أو على معصية غدْر العهد .

وقد عصم الله المسلمين من الارتداد مدة مقام النبي صلى الله عليه وسلم بمكة . وما ارتدّ أحد إلا بعد الهجرة حين ظهر النفاق ، فكانت فلتة عبد الله بن سعد بن أبي سرح واحدة في المهاجرين وقد تاب وقبل توبته النبي صلى الله عليه وسلم .