فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَلَا تَتَّخِذُوٓاْ أَيۡمَٰنَكُمۡ دَخَلَۢا بَيۡنَكُمۡ فَتَزِلَّ قَدَمُۢ بَعۡدَ ثُبُوتِهَا وَتَذُوقُواْ ٱلسُّوٓءَ بِمَا صَدَدتُّمۡ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ وَلَكُمۡ عَذَابٌ عَظِيمٞ} (94)

{ وَلاَ تَتَّخِذُواْ أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا وَتَذُوقُواْ الْسُّوءَ بِمَا صَدَدتُّمْ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَلَكُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ( 94 ) }

ثم لما نهاهم سبحانه عن نقض مطلق الإيمان نهاهم عن نقض أيمان مخصوصة ، فقال : { وَلاَ تَتَّخِذُواْ أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ } ، قال الشهاب وغيره : ولما كان اتخاذ الأيمان دخلا قيدا للمنهي عنه كان منهيا عنه ضمنا ، فصرح به هنا تأكيدا ومبالغة في قبح المنهي عنه .

قال في الجمل : وعلى هذا فهو تأسيس ، لا تأكيد ولا تكرير ، قال أبو حيان : لم يتكرر النهي ، وإنما الذي سبق إخبار بأنهم اتخذوا أيمانهم دخلا معللا بشيء خاص ، هو أن تكون أمة هي أربى من أمة ، وجاء النهي بقوله هذا استئنافا للنهي عن اتخاذ الأيمان دخلا على العموم ، أي : في كل حال ، فيشمل جميع الصور من الخديعة في المبايعة وقطع الحقوق المالية وغير ذلك .

قال الواحدي : قال المفسرون : وهذا في نهي الذين بايعوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن نقض العهد على الإسلام ونصرة الدين ، واستدلوا على هذا التخصيص بما في قوله : " فتزل قدم بعد ثبوتها " ، من المبالغة ، وبما في قوله : " وتذوقوا السوء بما صددتم " ؛ لأنهم إذ نقضوا العهد مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صدوا غيرهم عن الدخول في الإسلام ؛ وعلى تسليم أن هذه الأيمان مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هي سبب نزول هذه الآية ، فالاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب .

{ فَتَزِلَّ قَدَمٌ } ، أي : قدم من اتخذ يمينه دخلا عن محجة الحق ، { بَعْدَ ثُبُوتِهَا } عليها ورسوخها فيها ، قيل : وإفراد القدم وتنكيرها للإيذان بأن زلل قدم واحدة ، أية قدم كانت ، عزت أو هانت ، محذور عظيم ، فكيف بأقدام كثيرة ، وهذا استعارة للمستقيم الحال يقع في شر عظيم ويسقط فيه ؛ لأن القدم إذا زلت نقلت الإنسان من حال غير حال شر ، ويقال لمن أخطأ في شيء زلت به قدمه .

{ وَتَذُوقُواْ الْسُّوءَ } ، أي : العذاب السيئ في الدنيا ، أو في الآخرة ، أو فيهما ، ب { مَا صَدَدتُّمْ } ، أي : بسبب امتناعكم وصدودكم { عَن سَبِيلِ اللّهِ } ، وهو الإسلام ، أو بسبب صدكم لغيركم عن الإسلام ، فإن من نقض البيعة وارتد اقتدى به غيره في ذلك ، فكان فعله سنة سيئة عليه وزرها ووزر من عمل بها ، ولهذا قال : { وَلَكُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ } ، أي : متبالغ في العظم ، وهو عذاب الآخرة إن كان المراد بما قبله عذاب الدنيا .