قوله تعالى : { ومن لم يستطع منكم طولاً } . أي : فضلاً وسعة .
قوله تعالى : { أن ينكح المحصنات المؤمنات } ، الحرائر .
قرأ الكسائي { المحصنات } بكسر الصاد حيث كان إلا قوله في هذه السورة { والمحصنات من النساء } . وقرأ الآخرون بفتح جميعها .
قوله تعالى : { فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم } . إمائكم .
قوله تعالى : { المؤمنات } . أي : من لم يقدر على مهر الحرة المؤمنة فليتزوج الأمة المؤمنة ، وفيه دليل على أنه لا يجوز للحر نكاح الأمة إلا بشرطين : أحدهما :
أن لا يجد مهر حرة ، والثاني أن يكون خائفاً على نفسه من العنت وهو الزنا ، لقوله تعالى في آخر الآية : { ذلك لمن خشي العنت منكم } ، وهو قول جابر رضي الله عنه وبه قال طاووس وعمرو وابن دينار ، وإليه ذهب مالك والشافعي . وجوز أصحاب الرأي للحر نكاح الأمة إلا أن تكون في نكاحه حرة ، أما العبد : فيجوز له نكاح الأمة ، وإن كان في نكاحه حرة أو أمة ، وعند أبي حنيفة رضي الله عنه لا يجوز إذا كانت تحته حرة ، كما يقول في الحر ، وفي الآية دليل على أنه لا يجوز للمسلم نكاح الأمة الكتابية لأنه قال : { فمما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات } . جوز نكاح الأمة بشرط أن تكون مؤمنة ، وقال في موضع آخر : { وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب } . [ المائدة :5 ] أي : الحرائر ، جوز نكاح الكتابية ، بشرط أن تكون حرة ، وجوز أصحاب الرأي للمسلم نكاح الأمة الكتابية ، وبالاتفاق يجوز وطؤها بملك اليمين .
قوله تعالى : { والله أعلم بإيمانكم } . أي : لا تعترضوا للباطن في الإيمان ، وخذوا بالظاهر فإن الله أعلم بإيمانكم .
قوله تعالى : { بعضكم من بعض } ، قيل : بعضكم إخوة لبعض ، وقيل : كلكم من نفس واحدة ، فلا تستنكفوا من نكاح الإماء .
قوله تعالى : { فانكحوهن } ، يعني : الإماء .
قوله تعالى : { بإذن أهلهن } ، أي : مواليهن .
قوله تعالى : { وآتوهن أجورهن } ، مهورهن .
قوله تعالى : { بالمعروف } . من غير مطل وضرار .
قوله تعالى : { محصنات } . عفائف بالنكاح .
قوله تعالى : { غير مسافحات } ، أي : غير زانيات .
قوله تعالى : { ولا متخذات أخدان } ، أي أحباب . تزنون بهن في السر ، قال الحسن : المسافحة هي أن كل من دعاها تبعته ، وذات خدن أي : تختص بواحد لا تزني إلا معه ، والعرب كانت تحرم الأولى وتجوز الثانية .
قوله تعالى : { فإذا أحصن } ، قرأ حمزة والكسائي وأبو بكر بفتح الألف والصاد ، أي :حفظن فروجهن ، وقال ابن مسعود : أسلمن ، وقرأ الآخرون : { أحصن } . بضم الألف وكسر الصاد أي تزوجن .
قوله تعالى : { فإن أتين بفاحشة } يعني : الزنا .
قوله تعالى : { فعليهن نصف ما على المحصنات } ، أي : ما على الحرائر الأبكار إذا زنين .
قوله تعالى : { من العذاب } . يعني : الحد ، فيجلد الرقيق إذا زنى خمسين جلدة ، وهل يغرب ؟ فيه قولان : فإن قلنا يغرب فيغرب نصف سنة على القول الأصح ، ولا رجم على العبيد .
روي عن عبد الله بن عباس بن أبي ربيعة قال : أمرني عمر بن الخطاب رضي الله عنه في فئة من قريش فجلدنا ولائد من ولائد الإماء ، خمسين في الزنا . ولا فرق في حد المملوك بين من تزوج أو لم يتزوج عند أكثر أهل العلم ، وذهب بعضهم إلى أنه لا حد على من لم يتزوج من المماليك إذا زنى ، لأن الله تعالى قال : { فإذا أحصن فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات } . وروي ذلك عن ابن عباس رضي الله عنهما ، وبه قال طاووس . ومعنى الإحصان عند الآخرين الإسلام ، وإن كان المراد منه التزويج فليس المراد منه أن التزويج شرط لوجوب الحد عليه ، بل المراد منه التنبيه على أن المملوك وإن كان محصناً بالتزويج فلا رجم عليه ، إنما حده الجلد بخلاف الحر ، فحد الأمة ثابت بهذه الآية ، وبيان أنها تجلد في الحد هو :
أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي ، أنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنا محمد بن يوسف ، أنا محمد بن إسماعيل ، أنا عبد العزيز بن عبد الله ، حدثني الليث عن سعيد يعني المقبري عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنهم قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : ( إذا زنت أمة أحدكم فتبين زناها فليجلدها الحد ، ولا يثرب عليها ، ثم إن زنت فيجلدها الحد ، ولا يثرب عليها ، ثم إن زنت الثالثة فتبين زناها فليبعها ولو بحبل من شعر .
قوله تعالى : { ذلك } ، يعني : نكاح الأمة عند عدم الطول .
قوله تعالى : { لمن خشي العنت منكم } ، ، يعني : الزنا ، يريد المشقة لغلبة الشهوة .
قوله تعالى : { وأن تصبروا } ، عن نكاح الإماء متعففين .
قوله تعالى : { خير لكم } ، لئلا يخلق الولد رقيقاً . { والله غفور رحيم } .
{ وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ }
ثم قال تعالى { وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا } الآية .
أي : ومن لم يستطع الطول الذي هو المهر لنكاح المحصنات أي : الحرائر المؤمنات وخاف على نفسه العَنَت أي : الزنا والمشقة الكثيرة ، فيجوز له نكاح الإماء المملوكات المؤمنات . وهذا بحسب ما يظهر ، وإلا فالله أعلم بالمؤمن الصادق من غيره ، فأمور الدنيا مبنية على ظواهر الأمور ، وأحكام الآخرة مبنية على ما في البواطن .
{ فَانْكِحُوهُنَّ } أي : المملوكات { بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ } أي : سيدهن واحدا أو متعددا .
{ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ } أي : ولو كن إماء ، فإنه كما يجب المهر للحرة فكذلك يجب للأمة . ولكن لا يجوز نكاح الإماء إلا إذا كن { مُحْصَنَاتٍ } أي : عفيفات عن الزنا { غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ } أي : زانيات علانية . { وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ } أي : أخلاء في السر .
فالحاصل أنه لا يجوز للحر المسلم نكاح أمة إلا بأربعة شروط ذكرها الله : الإيمان بهن والعفة ظاهرا وباطنا ، وعدم استطاعة طول الحرة ، وخوف العنت ، فإذا تمت هذه الشروط جاز له نكاحهن .
ومع هذا فالصبر عن نكاحهن أفضل لما فيه من تعريض الأولاد للرق ، ولما فيه من الدناءة والعيب . وهذا إذا أمكن الصبر ، فإن لم يمكن الصبر عن المحرم إلا بنكاحهن وجب ذلك . ولهذا قال : { وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ }
وقوله : { فَإِذَا أُحْصِنَّ } أي : تزوجن أو أسلمن أي : الإماء { فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ } أي : الحرائر { مِنَ الْعَذَابِ }
وذلك الذي يمكن تنصيفه وهو : الجَلد فيكون عليهن خمسون جَلدة . وأما الرجم فليس على الإماء رجم لأنه لا يتنصف ، فعلى القول الأول إذا لم يتزوجن فليس عليهن حد ، إنما عليهن تعزير يردعهن عن فعل الفاحشة .
وعلى القول الثاني : إن الإماء غير المسلمات ، إذا فعلن فاحشة أيضا عزرن .
وختم هذه الآية بهذين الاسمين الكريمين " الغفور والرحيم " لكون هذه الأحكام رحمةً بالعباد وكرمًا وإحسانًا إليهم فلم يضيق عليهم ، بل وسع غاية السعة .
ولعل في ذكر المغفرة بعد ذكر الحد إشارة إلى أن الحدود كفارات ، يغفر الله بها ذنوب عباده كما ورد بذلك الحديث . وحكم العبد الذكر في الحد المذكور حكم الأمة لعدم الفارق بينهما .
{ وَمَن لّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً أَن يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مّن فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ وَاللّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُمْ مّن بَعْضٍ فَانكِحُوهُنّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنّ وَآتُوهُنّ أُجُورَهُنّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلاَ مُتّخِذَاتِ أَخْدَانٍ فَإِذَآ أُحْصِنّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَن تَصْبِرُواْ خَيْرٌ لّكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رّحِيمٌ } . .
اختلف أهل التأويل في معنى الطول الذي ذكره الله تعالى في هذه الاَية ، فقال بعضهم : هو الفضل والمال والسعة . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله : { وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً } قال : الغنى .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، قال : ثنى معاوية بن صالح ، عن عليّ بن أبي طلحة ، عن ابن عباس قوله : { وَمَنْ لَم يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً } يقول : من لم يكن له سعة .
حدثنا بشر بن معاذ ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً } يقول : من لم يستطع منكم سعة .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثنا هشيم ، قال : حدثنا أبو بشر ، عن سعيد بن جبير ، قوله : { وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً } قال : الطّوْل : الغنى .
حدثني ابن المثنى ، قال : حدثنا حبان بن موسى ، قال : أخبرنا ابن المبارك ، قال : أخبرنا هشيم ، عن أبي بشر ، عن سعيد بن جبير في قوله : { وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً } قال : الطول : السعة .
حدثنا محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن المضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ : { وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً } أما قوله طولاً : فسعة من المال .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله : { وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً } . . . الاَية ، قال : طولاً : لا يجد ما ينكح به حرّة .
وقال آخرون : معنى الطول في هذا الموضع : الهَوَى . ذكر من قال ذلك :
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : ثنى عبد الجبار بن عمر ، عن ربيعة أنه قال في قول الله : { وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً } قال : الطّوْلُ : الهوى ، قال : ينكح الأمة إذا كان هواه فيها .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد : كان ربيعة يلين فيه بعض التليين ، كان يقول : إذا خشي على نفسه إذا أحبها أي الأمة وإن كان يقدر على نكاح غيرها فإني أرى أن ينكحها .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا حبان بن موسى ، قال : أخبرنا ابن المبارك ، قال : أخبرنا حماد بن سلمة ، عن أبي الزبير ، عن جابر أنه سئل عن الحرّ يتزوّج الأمة ، فقال : إن كان ذا طول فلا . قيل : إن وقع حبّ الأمة في نفسه ؟ قال : إن خشي العنت فليتزوّجها .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا جرير ، عن منصور ، عن عبيدة ، عن الشعبي ، قال : لا يتزوّج الحرّ الأمة إلا أن لا يجد . وكان إبراهيم يقول : لا بأس به .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا حبان بن موسى ، قال : أخبرنا ابن المبارك ، قال : أخبرنا ابن جريج ، قال : سمعت عطاء يقول : لا نكره أن ينكح ذو اليسار الأمة إذا خشي أن يُسْعَى بها .
قال أبو جعفر : وأولى القولين في ذلك بالصواب قول من قال : معنى الطول في هذا الموضع : السعة والغنى من المال ، لإجماع الجميع على أن الله تبارك وتعالى لم يحرّم شيئا من الأشياء سوى نكاح الإماء لواجد الطول إلى الحرّة ، فأحلّ ما حرّم من ذلك عند غلبته المحرم عليه له لقضاء لذة . فإذ كان ذلك إجماعا من الجميع فيما عدا نكاح الإماء لواجد الطول ، فمثله في التحريم نكاح الإماء لواجد الطول : لا يحلّ له من أجل غلبة هوى سرّه فيها ، لأن ذلك مع وجوده الطول إلى الحرة منه قضاء لذة وشهوة وليس بموضع ضرورة تدفع ترخصه كالميتة للمضطر الذي يخاف هلاك نفسه فيترخص في أكلها ليحيى بها نفسه ، وما أشبه ذلك من المحرّمات اللواتي رخص الله لعباده في حال الضرورة والخوف على أنفسهم الهلاك منه ما حرم عليهم منها فيغيرها من الأحوال . ولم يرخص الله تبارك وتعالى لعبد في حرام لقضاء لذة ، وفي إجماع الجميع على أن رجلاً لو غلبه هوى امرأة حرة أو امرأة أنها لا تحلّ له إلا بنكاح أو شراء على ما أذن الله به ، ما يوضح فساد قول من قال : معنى الطول في هذا الموضع : الهوى ، وأجاز لواجد الطول لحرة نكاح الإماء .
فتأويل الاَية إذ كان الأمر على ما وصفنا : ومن لم يجد منكم سعة من مال لنكاح الحرائر ، فلينكح مما ملكت أيمانكم . وأصل الطّوْل : الإفضال ، يقال منه : طال عليه يَطُول طَوْلاً في الإفضال ، وطال يَطُول طُولاً في الطول الذي هو خلاف القصر .
القول في تأويل قوله تعالى : { إنْ يَنْكِحَ المُحْصَناتِ المُؤْمناتِ فَمِمّا مَلَكَتْ أيمَانُكُمْ مِنْ فَتَياتِكُمُ المُؤْمِناتِ } .
يعني بذلك : ومن لم يستطع منكم أيها الناس طولاً ، يعني : من الأحرار أن ينكح المحصنات وهنّ الحرائر المؤمنات اللواتي قد صدّقن بتوحيد الله وبما جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم من الحقّ .
وبنحو ما قلنا في المحصنات قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثني المثنى ، قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، قال : ثنى معاوية بن صالح ، عن عليّ بن أبي طلحة ، عن ابن عباس ، قوله : { أنْ يَنْكِحَ المُحْصَناتِ } يقول : أن ينكح الحرائر ، فلينكح من إماء المؤمنين .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : { أنْ يَنْكَحَ المُحْصَناتِ المُؤْمِناتِ فَمِمّا مَلَكَتْ أيمَانُكُمْ } قال : المحصنات الحرائر ، فلينكح الأمة المؤمنة .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .
حدثنا محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن المفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السدّي : أما فيتاتكم : فإماؤكم .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : أخبرنا هشيم ، قال : أخبرنا أبو بشر ، عن سعيد بن جبير : { أنْ يَنْكِحَ المُحْصَناتِ المُؤْمِناتِ فَمِمّا مَلَكَتْ أيمَانُكُمْ مِنْ فَتَياتِكُمُ المُؤْمِناتِ } قال : أما من لم يجد ما ينكح به الحرّة فيتزوّج الأمة .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله : { أنْ يَنْكِحَ المُحْصَناتِ المُؤْمِناتِ فَمِمّا مَلَكَتْ أيمَانُكُمْ مِنْ فَتَياتِكُمْ المُؤْمِناتِ } قال : من لم يجد ما ينكح به حرة فينكح هذه الأمة فيتعفف بها ويكفيه أهلها مؤنتها ، ولم يحل الله ذلك لأحد إلا لمن لا يجد ما ينكح به حرّة وينفق عليها ، ولم يحلّ له حتى يخشى العنت .
حدثنا المثنى ، قال : حدثنا حبان بن موسى ، قال : أخبرنا ابن المبارك ، قال : أخبرنا سفيان ، عن هشام الدستوائي ، عن عامر الأحول ، عن الحسن : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن تنكح الأمة على الحرة وتنكح الحرة على الأمة ، ومن وجد طَوْلاً لحرة فلاينكح أمة .
واختلفت القراء في قراءة ذلك ، فقرأته جماعة من قراء الكوفيين والمكيين : { أنْ يَنْكِحَ المُحْصِناتِ } بكسر الصاد مع سائر ما في القرآن من نظائر ذلك سوى قوله : { والمُحْصَناتِ مِنَ النّساءِ إلاّ ما مَلَكَتْ أيَمَانُكُمْ } فإنهم فتحوا الصاد منها ، ووجهوا تأويله إلى أنهنّ محصنات بأزواجهنّ ، وأن أزواجهنّ هم أحصنوهنّ . وأما سائر ما في القرآن فإنهم تأوّلوا في كسرهم الصاد منه إلى أن النساءهنّ أحصنّ أنفسهنّ بالعفة . وقرأت عامة قراء المدينة والعراق ذلك كله بالفتح ، بمعنى أن بعضهن أحصنّهن أزواجهن ، وبعضهن أحضهن حريتهن أو إسلامهن . وقرأ بعض المتقدمين كل ذلك بالكسر ، بمعنى أنهن عففن وأحصن أنفسهنّ . وذكرت هذه القراءة أعني بكسر الجميع عن علقمة على الاختلاف في الرواية عنه .
قال أبو جعفر : والصواب عندنا من القول في ذلك أنهما قراءتان مستفيضتان في قراءة الأمصار مع اتفاق ذلك في المعنى ، فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب الصواب ، إلا في الحرف الأوّل من سورة النساء ، وهو قوله : { والمُحْصَناتُ مِنَ النّساءِ إلاّ ما مَلَكَتْ أيمَانُكمْ } فإني لا أستجيز الكسر في صاده لاتفاق قراءة الأمصار على فتحها . ولو كانت القراءة بكسرها مستفيضة استفاضتها بفتحها كان صوابا [ القراءة بكسرها مستفيضة استفاضتها بفتحها كان صوابا ] القراءة بها كذلك لما ذكرنا من تصرّف الإحصان في المعاني التي بيناها ، فيكون معنى ذلك لو كسر : والعفائف من النساء حرام عليكم ، إلا ما ملكت أيمانكم ، بمعنى أنهنّ أحصنّ أنفسهنّ بالعفة . وأما الفتيات فإنهنّ جمع فتاة ، وهنّ الشواب من النساء ، ثم يقال لكل مملوكة ذات سنّ أو شابة فتاة ، والعبد فتى .
ثم اختلف أهل العلم في نكاح الفتيات غير المؤمنات ، وهل عنى الله بقوله : { مِنْ فَتَياتِكُمْ المُؤْمناتِ } تحريم ما عدا المؤمنات منهنّ ، أم ذلك من الله تأديب للمؤمنين ؟ فقال بعضهم : ذلك من الله تعالى ذكره دلالة على تحريم نكاح إماء المشركين . ذكر من قال ذلك :
حدثنا محمد بن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : أخبرنا سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : { مِنْ فَتَياتِكُمُ المُؤْمِناتِ } قال : لا ينبغي أن يتزوّج مملوكة نصرانية .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : { مِنْ فَتَياتِكُمُ المُؤْمِناتِ } قال : لا ينبغي للحرّ المسلم أن ينكح المملوكة من أهل الكتاب .
حدثنا عليّ بن سهل ، قال : حدثنا الوليد بن مسلم ، قال : سمعت أبا عمرو ، وسعيد بن عبد العزيز ، ومالك ابن أنس ، ومالك بن عبد الله بن أبي مريم ، يقولون : لا يحلّ لحرّ مسلم ولا لعبد مسلم الأمة النصرانية ، لأن الله يقول : { مِنْ فَتَياتِكُمْ المُؤْمِناتِ } يعني بالنكاح .
وقال آخرون : ذلك من الله على الإرشاد والندب ، لا على التحريم . وممن قال ذلك جماعة من أهل العراق . ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا جرير ، عن منصور ، عن مغيرة ، قال : قال أبو ميسرة ، أما أهل الكتاب بمنزلة الحرائر .
ومنهم أبو حنيفة وأصحابه . واعتلوا لقولهم بقول الله : { أُحِلّ لَكُمُ الطّيّباتُ وَطَعامُ الّذِينَ أُوتُو الكِتابَ حِلّ لَكُمْ وَطَعامُكُمْ حِلّ لَهُمْ والمُحْصَناتُ مِنَ المُؤْمِناتِ وَالمُحْصَناتُ مِنَ الّذِينَ أُوتُوا الكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إذَا آتَيْتُمُوهُنّ أُجُورَهُنّ } قالوا : فقد أحلّ الله محصنات أهل الكتاب عاما ، فليس لأحد أن يخصّ منهنّ أمة ولا حرّة . قالوا : ومعنى قوله : { فَتَياتِكُمُ المُؤْمِناتِ } : غير المشركات من عبدة الأوثان .
قال أبو جعفر : وأولى القولين في ذلك بالصواب قول من قال : هو دلالة على تحريم نكاح إماء أهل الكتاب فإنهن لا يحللن إلا بملك اليمين¹ وذلك أن الله جلّ ثناؤه أحلّ نكاح الإماء بشروط ، فما لم تجتمع الشروط التي سماها فيهنّ ، فغير جائز لمسلم نكاحهنّ .
فإن قال قائل : فإن الاَية التي في المائدة تدلّ على إباحتهنّ بالنكاح ؟ قيل : إن التي في المائدة قد أبان أن حكمها في خاصّ من محصناتهم ، وأنها معنّى بها حرائرهم دون إمائهم ، قوله : { مِنْ فَتَياتِكُمُ المُؤْمِناتِ } وليست إحدى الاَيتين دافعة حكمها حكم الأخرى ، بل إحداهما مبينة حكم الأخرى ، وإنما تكون إحداهما دافعة حكم الأخرى لو لم يكن جائزا اجتماع حكميهما على صحة ، فأما وهما جائز اجتماع حكمهما على الصحة ، فغير جائز أن يحكم لإحدهما بأنها دافعة حكم الأخرى إلا بحجة التسليم لها من خبر أو قياس ، ولا خبر بذلك ولا قياس ، والاَية محتملة ما قلنا : والمحصنات من حرائر الذين أوتوا الكتاب من قبلكم دون إمائهم .
القول في تأويل قوله تعالى : { وَاللّهُ أعْلَمُ بإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ } .
وهذا من المؤخر الذي معناه التقديم وتأويل ذلك : ومن لم يستطع منكم طولاً أن ينكح المحصنات المؤمنات ، فمما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات ، فلينكح بعضكم من بعض ، بمعنى : فلينكح هذا فتاة هذا . ف«البعض » مرفوع بتأويل الكلام ، ومعناه إذ كان قوله : { فَمِمّا مَلَكَتْ أيمَانُكُمْ } في تأويل : فلينكح مما ملكت أيمانكم ، ثم ردّ بعضكم على ذلك المعنى فرفع . ثم قال جلّ ثناؤه : { واللّهُ أعْلَمُ بإيمَانِكُمْ } : أي والله أعلم بإيمان من آمن منكم بالله ورسوله ، وما جاء به من عند الله ، فصدق بذلك كله منكم ، يقول : فلينكح من لم يستطع منكم طولاً لحرة من فتياتكم المؤمنات ، لينكح هذا المقتر الذي لا يجد طولاً لحرّة من هذا الموسر فتاته المؤمنة التي قد أبدت الإيمان فأظهرته وكِلوا سرائرهنّ إلى الله ، فإن علم ذلك إلى الله دونكم ، والله أعلم بسرائركم وسرائرهن .
القول في تأويل قوله تعالى : { فانْكِحُوهُنّ بإذْنِ أهْلِهِنّ وآتُوهُنّ أُجُورَهُنّ بالمَعْرُوفِ } .
يعني بقوله جل ثناؤه : { فانْكِحُوهُنّ } فتزوّجوهنّ ، وبقوله : { بإذْنِ أهْلِهنّ } : بإذن أربابهن وأمرهم إياكم بنكاحهنّ ورضاهم ويعني بقوله : { وآتُوهُنّ أُجُورَهُنّ } : وأعطوهنّ مهورهنّ : كما :
حدثنا يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد : { وآتُوهُنّ أُجُورَهُنّ } قال : الصداق .
ويعني بقوله { بالمَعْرُوفِ } على ما تراضيتم به مما أحلّ الله لكم وأباحه لكم أن تجعلوه مهورا لهن .
القول في تأويل قوله : { مُحْصَناتٍ غَيْرَ مُسافِحاتٍ وَلا مُتّخِذَاتِ أخْدَانٍ } .
يعني بقوله : { مُحْصَناتٍ } عفيفات ، { غيرَ مُسافِحاتٍ } غير مزانيات ، { ولا مُتّخِذَاتِ أخْدَانٍ } يقول : ولا متخذات أصدقاء على السفاح . وقد ذكر أن ذلك قيل كذلك ، لأن الزواني كنّ في الجاهلية في العرب المعلنات بالزنا ، والمتخذات الأخدان : اللواتي قد حبسن أنفسهنّ على الخليل والصديق للفجور بها سرّا دون الإعلان بذلك . ذكر من قال ذلك :
حدثنا المثنى ، قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، قال : ثنى معاوية بن صالح ، عن عليّ بن أبي طلحة ، عن ابن عباس ، قوله : { مُحْصَناتٍ غيرَ مُسافِحَاتٍ وَلا مُتّخذَاتِ أخْدَانٍ } يعني : تنكحوهنّ عفائف غير زواني في سرّ ولا علانية . { وَلا مُتّخِذَاتِ أخْدَانٍ } يعني : أخلاّء .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثنى أبي ، قال : ثنى عمي ، قال : ثنى أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : { غيرَ مُسافِحاتٍ } المسافحات : المعالنات بالزنا . { وَلاَ مُتّخِذَاتِ أخْدَانٍ } ذات الخليل الواحد . قال : كان أهل الجاهلية يحرّمون ما ظهر من الزنا ، ويستحلون ما خفي ، يقولون : أما ما ظهر منه فهو لؤم ، وأما ما خفي فلا بأس بذلك . فأنزل الله تبارك وتعالى : { وَلا تَقْرَبُوا الفَوَاحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها ما بَطَنَ } .
حدثني محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا معتمر ، قال : سمعت داود يحدّث عن عامر ، قال : الزنا زنيان : تزني بالخدن ولا تزني بغيره ، وتكون المرأة شؤما . ثم قرأ : { مُحْصَناتٍ غيرَ مُسافِحاتٍ وَلا مُتّخِذَاتِ أخْدَانٍ } .
حدثنا محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن مفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السدّي : أما المحصنات : فالعفائف ، فلتنكح الأمة بإذن أهلها محصنة ، والمحصنات : العفائف ، غير مسافحة ، والمسافحة : المعالنة بالزنا ، ولا متخذة صديقا .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : { وَلا مُتّخِذَاتِ أخْدَانٍ } قال : الخيلة يتخذها الرجل ، والمرأة تتخذ الخليل .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .
حدثنا بشربن معاذ ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : { مُحْصَناتٍ غيرَ مُسافِحاتٍ وَلا مُتّخِذَاتِ أخْدَانٍ } المسافحة : البغيّ التي تؤاجر نفسها مَن عرض لها ، وذات الخدن : ذات الخليل الواحد . فنهاهم الله عن نكاحهما جميعا .
حُدثت عن الحسين بن الفرج ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : حدثنا عبيد بن سليمان ، قال : سمعت الضحاك بن مزاحم يقول في قوله : { مُحْصَناتٍ غير مُسافِحَاتٍ وَلا مُتّخِذَاتِ أخْدانٍ } أما المحصنات ، فهنّ الحرائر ، يقول : تزوّج حرّة . وأما المسافحات : فهنّ المعلنات بغير مهر . وأما متخذات أخدان : فذات الخليل الواحد المسترّة به . نهى الله عن ذلك .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثنا هشيم ، قال : أخبرنا إسماعيل بن سالم ، عن الشعبي ، قال : الزنا وجهان قبيحان ، أحدهما أخبث من الاَخر : فأما الذي هو أخبثهما فالمسافحة التي تفجر بمن أتاها ، وأما الاَخر فذات الخدن .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله : { مُحْصَناتٍ غَيرَ مُسافِحاتٍ وَلا مُتّخِذَاتِ أخْدَانٍ } قال : المسافح : الذي يَلْقَى المرأة فيفجُر بها ، ثم يذهب وتذهب . والمخادن : الذي يقيم معها على معصية الله وتقيم معه ، فذاك «الأخدان » .
القول في تأويل قوله تعالى : { فإذَا أُحْصِنّ } .
اختلفت القراء في قراءة ذلك ، فقرأه بعضهم : «فإذا أَحْصَنّ » بفتح الألف ، بمعنى : إذا أسلمن فصرن ممنوعات الفروج من الحرام بالإسلام .
وقرأه آخرون : { فإذَا أُحْصِنّ } بمعنى : فإذا تزوجن فصرن ممنوعات الفروج من الحرام بالإزواج .
قال أبو جعفر : والصواب من القول في ذلك عندي أنهما قراءتان معروفتان مستفيضتان في أمصار الإسلام ، فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب في قراءته الصواب . فإن ظنّ ظانّ أن ما قلنا في ذلك غير جائز إذ كانتا مختلفتي المعنى ، وإنما تجوز القراءة بالوجهين فيما اتفقت عليه المعاني فقد أغفل¹ وذلك أن معنيي ذلك وإن اختلفا فغير دافع أحدهما صاحبه ، لأن الله قد أوجب على الأمة ذات الإسلام وغير ذات الإسلام على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم الحد ، فقال صلى الله عليه وسلم : «إذَا زَنَتْ أمَةُ أحَدِكُمْ فَلْيَجْلِدْها كِتابَ اللّهِ وَلا يُثَرّبْ عَلَيْها ، ثُمّ إنْ عادتْ فَلْيَضْرِبْها كِتابَ اللّهِ وَلاَ يُثرّبْ عَلَيْها ، ثُمّ إنْ عادَتْ فَلْيَضْرِبْها كِتابَ اللّهِ وَلا يُثَرّبْ عَلَيْها ، ثُمّ إنْ زنَتْ الرّابِعَةَ فَلْيَضْرِبْها كِتابَ اللّهِ ولْيَبِعها ولَوْ بِحَبْلٍ مِنْ شَعْرٍ » . وقال صلى الله عليه وسلم : «أقِيمُوا الحُدُودَ على ما مَلَكَتْ أيمَانُكُمْ » . فلم يخصص بذلك ذات زوج منهنّ ولا غير ذات زوج ، فالحدود واجبة على موالي الإماء إقامتها عليهنّ إذا فجرن بكتاب الله وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم .
فإن قال قائل : فما أنت قائل فيما :
حدثكم به ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا مالك بن أنس عن الزهري ، عن عبيد الله بن عبد الله ، عن أبي هريرة وزيد بن خالد : أن النبيّ صلى الله عليه وسلم سئل عن الأمة تزني ولم تحصن ، قال : «اجْلِدْها ، فإنْ زَنَتْ فاجْلِدْها ، فإنْ زَنَتْ فاجْلِدْها ، فإنْ زَنَتْ فقال في الثالثة أو الرابعة : فَبِعْهَا وَلَوْ بِضٍفِيرٍ » والضفير : الشعر .
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا ابن عيينة ، عن الزهري ، عن عبيد الله بن عبد الله ، عن أبي هريرة وزيد بن خالد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل فذكر نحوه .
فقد بين أن الحدّ الذي وجب إقامته بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم على الإماء هو ما كان قبل إحصانهنّ¹ فأما ما وجب من ذلك عليهنّ بالكتاب ، فبعد إحصانهنّ ؟ قيل له : قد بينا أن أحد معاني الإحصان : الإسلام ، وأن الاَخر منه التزويج وأن الإحصان كلمة تشتمل على معان شتى ، وليس في رواية من روى عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه سئل عن الأمة تزنى قبل أن تحصن ، بيان أن التي سئل عنها النبيّ صلى الله عليه وسلم هي التي تزنى قبل التزويج ، فيكون ذلك حجة لمحتجّ في أن الإحصان الذي سنّ صلى الله عليه وسلم حدّ الإماء في الزنا هو الإسلام دون التزويج ، ولا أنه هو التزويج دون الإسلام . وإذ كان لا بيان في ذلك ، فالصواب من القول ، أن كل مملوكة زنت فواجب على مولاها إقامة الحدّ عليها ، متزوّجة كانت أو غير متزوّجة ، لظاهر كتاب الله والثابت من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إلا من أخرجه من جوب الحدّ عليه منهنّ بما يجب التسليم له . وإذ كان ذلك كذلك تبين به صحة ما اخترنا من القراءة في قوله : { فإذَا أُحْصِنّ } . فإن ظنّ ظانّ أن في قول الله تعالى ذكره : { وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أنْ يَنْكِحَ المُحْصَناتِ المُؤْمِناتِ فَمِمّا مَلَكَتْ أيمَانُكُمْ مِنْ فَتَياتِكُمُ المُؤْمِناتِ } دلالة على أن قوله : { فإذَا أُحْصِنّ } معناه : تزوّجن ، إذ كان ذكر ذلك بعد وصفهنّ بالإيمان بقوله : { مِنْ فَتَياتِكُمُ المُؤْمِناتِ } وحسب أن ذلك لا يحتمل معنى غير معنى التزويج ، مع ما تقدم ذلك من وصفهنّ بالإيمان ، فقد ظنّ خطأ¹ وذلك أنه غير مستحيل في الكلام أن يكون معنى ذلك : ومن لم يستطع منكم طولاً أن ينكح المحصنات المؤمنات فمما ملكت أيمانكم من فيتاتكم المؤمنات ، فإذا هنّ آمن فإن أتين بفاحشة ، فعليهنّ نصف ما على المحصنات من العذاب ، فيكون الخبر بيانا عما يجب عليهنّ من الحدّ إذا أتين بفاحشة بعد إيمانهنّ بعد البيان عما لا يجوز لناكحهنّ من المؤمنين من نكاحهنّ ، وعمن يجوز نكاحه له منهنّ . فإذ كان ذلك غير مستحيل في الكلام فغير جائز لأحد صرف معناه إلى أنه التزويج دون الإسلام ، من أجل ما تقدّم من وصف الله إياهنّ بالإيمان غير أن الذي نختار لمن قرأ : «مُحْصَناتٍ غيَرَ مُسافِحاتٍ » بفتح الصاد في هذا الموضع أن يقرأ { فإذَا أُحْصِنّ فإنْ أتَيْنَ بِفاحِشَةٍ } بضم الألف ، ولمن قرأ { مُحْصِناتٍ } بكسر الصاد فيه ، أن يقرأ : «فإذَا أحْصَنّ » بفتح الألف ، لتأتلف قراءة القارىء على معنى واحد وسياق واحد ، لقرب قوله : «محصنات » من قوله : { فإذَا أُحْصِنّ } ولو خالف من ذلك لم يكن لحنا ، غير أن وجه القراءة ما وصفت .
وقد اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك نظير اختلاف القراء في قراءته ، فقال بعضهم : معنى قوله { فإذَا أُحْصِنّ } : فإذا أسلمن . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عبد الله بن بزيع ، قال : حدثنا بشر بن المفضل ، عن سعيد ، عن أبي معشر ، عن إبراهيم ، أن ابن مسعود ، قال : إسلامها إحصانها .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : أخبرني جرير بن حازم أن سليمان بن مهران حدثه عن إبراهيم بن يزيد ، عن همام بن الحرث : أن النعمان بن عبد الله بن مقرّن سأل عبد الله بن مسعود ، فقال : أَمَتي زنت ؟ فقال : اجلدها خمسين جلدة ! قال : إنها لم تحصن ! فقال ابن مسعود : إحصانها إسلامها .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن حماد ، عن إبراهيم : أن النعمان بن مقرن سأل ابن مسعود عن أمة زنت وليس لها زوج ، فقال : إسلامها إحصانها .
حدثني ابن المثنى ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شعبة ، عن حماد ، عن إبراهيم أن النعمان قال : قلت لابن مسعود : أمتي زنت ؟ قال : اجلدها ، قلت : فإنها لم تحصن ! قال : إحصانها إسلامها .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا جرير ، عن مغيرة ، عن إبراهيم ، عن علقمة ، قال : كان عبد الله يقول : إحصانها : إسلامها .
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا هشيم ، قال : أخبرنا إسماعيل بن سالم ، عن الشعبي أنه تلا هذه الاَية : { فإذَا أُحْصِنّ } قال : يقول : إذا أسلمن .
حدثنا أبو هشام الرفاعي ، قال : حدثنا يحيى بن أبي زائدة ، عن أشعث ، عن الشعبي ، قال : قال عبد الله : الأمة إحصانها : إسلامها .
حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا هشيم ، قال مغيرة : أخبرنا عن إبراهيم أنه كان يقول : { فإذَا أُحُصنّ } يقول : إذا أسلمن .
حدثنا أبو هشام ، قال : حدثنا يحيى بن أبي زائدة ، عن أشعث ، عن الشعبي ، قال : الإحصان : الإسلام .
حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا ابن علية ، عن برد بن سنان ، عن الزهري ، قال : جلد عمر رضي الله عنه ولائد أبكارا من ولائد الإمارة في الزنا .
حدثنا محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن مفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ : { فإذَا أُحْصِنّ } يقول : إذا أسلمن .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن إسرائيل ، عن جابر ، عن سالم والقاسم ، قالا : إحصانها : إسلامها وعفافها ، في قوله : { فإذَا أُحْصِنّ } .
وقال آخرون : معنى قوله : { فإذا أُحْصِنّ } : فإذا تزوّجن . ذكر من قال ذلك :
حدثني المثنى ، قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، قال : ثنى معاوية ، عن عليّ بن أبي طلحة ، عن ابن عباس ، قوله : { فإذا أُحْصِنّ } يعني : إذا تزوّجن حرّا .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثنا هشيم ، قال : أخبرنا حصين ، عن عكرمة ، عن ابن عباس أنه كان يقرأ : { فإذَا أُحْصِنّ } يقول : إذا تزوّجن .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا جرير ، عن مغيرة ، عن عكرمة أن ابن عباس كان يقرأ : { فإذَا أُحْصِنّ } يقول : تزوّجن .
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا ابن إدريس ، قال : سمعت ليثا ، عن مجاهد ، قال : إحصان الأمة أن ينكحها الحرّ ، وإحصان العبد أن ينكح الحرّة .
حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شعبة ، عن عمرو بن مرة ، أنه سمع سعيد بن جبير يقول : لا تضرب الأمة إذا زنت ما لم تتزوّج .
حدثنا محمد بن بشار ، قال : حدثنا عبد الأعلى ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، عن الحسن في قوله : { فإذَا أُحْصِنّ } قال : أحصنتهن البُعُولة .
حدثنا بشر بن معاذ ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : { فإذا أُحْصِنّ } قال : أحصنتهن البعولة .
حدثنا يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : أخبرني عياض بن عبد الله ، عن أبي الزناد أن الشعبي أخبره ، أن ابن عباس أخبره أنه أصاب جارية له قد كانت زنت ، وقال : أحصنتها .
قال أبو جعفر : وهذا التأويل على قراءة من قرأ : { فإذَا أُحْصِنّ } بضمّ الألف ، وعلى تأويل من قرأ : «فإذا أَحْصَنّ » بفتحها . وقد بينا الصواب من القول والقراءة في ذلك عندنا .
القول في تأويل قوله تعالى : { فإنْ أتَيْنَ بِفاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنّ نِصْفُ ما على المُحْصَناتِ مِنَ العَذَابِ } :
يعني جل ثناؤه بقوله : { فإنْ أتَيْنَ بِفاحِشَةٍ } : فإن أتت فتياتكم ، وهنّ إماؤكم ، بعد ما أَحْصنّ باسلام ، أو أحصنّ بنكاح بفاحشة ، وهي الزنا ، { فَعَلَيْهِنّ نِصْفُ ما على المُحْصَناتِ مِنَ العَذَابِ } يقول : فعليهنّ نصف ما على الحرائر من الحدّ إذا هن زنين قبل الإحصان بالأزواج والعذاب الذي ذكره الله تبارك وتعالى في هذا الموضع هو الحدّ . وذلك النصف الذي جعله الله عذابا لمن أتى بالفاحشة من ازاء إذا هنّ أحصنّ خمسون جلدة ، ونفي ستة أشهر ، وذلك نصف عام ، لأن الواجب على الحرّة إذا هي أتت بفاحشة قبل الإحصان بالزوج : جلد مائة ، ونفي حَوْل ، فالنصف من ذلك خمسون جلدة ، ونفي نصف سنة ، وذلك الذي جعله الله عذابا للإماء المحصنات إذا هن أتين بفاحشة . كما :
حدثني المثنى ، قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، ثنى معاوية بن صالح ، عن عليّ بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : { فَعَلَيْهِنّ نِصْفُ ما على المُحْصَناتِ مِنَ الَعذَابِ } .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { فإنْ أتَيْنَ بِفاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنّ نِصْفُ مَا عَلى المُحْصَناتِ مِنَ الَعذَابِ } خمسون جلدة ، ولا نفي ولا رجم .
فإن قال قائل : وكيف { فَعَلَيْهِنّ نِصْفُ مَا عَلى المُحْصَناتِ مِنَ العَذَابِ } وهل يكون الجلد على أحد ؟ قيل : إن معنى ذلك فلازم أبدانهنّ أن تجلد نصف ما يلزم أبدان المحصنات ، كما يقال : عليّ صلاة يوم ، بمعنى : لازم عليّ أن أصلي صلاة يوم ، وعليّ الحجّ والصيام مثل ذلك ، وكذلك عليه الحدّ بمعنى لازم له إمكان نفسه من الحدّ ليقام عليه .
القول في تأويل قوله تعالى : { ذَلِكَ لَمِنْ خَشِيَ العَنَتَ مِنْكُمْ } .
يعني تعالى ذكره بقوله ذلك : هذا الذي أبحت أيها الناس من نكاح فتياتكم المؤمنات لمن لا يستطيع منكم طولاً لنكاح المحصنات المؤمنات ، أبحته لمن خشي العنت منكم دون غيره ممن لا يخشى العنت .
واختلف أهل التأويل في هذا الموضع ، فقال بعضهم : هو الزنا . ذكر من قال ذلك :
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا ابن إدريس ، قال : سمعت ليثا ، عن مجاهد ، قوله : { لِمَنْ خَشِيَ العَنَتَ مِنْكُمْ } قال : الزنا .
حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا هشيم ، عن العوّام ، عمن حدثه ، عن ابن عباس أنه قال : ما ازْلَحَفّ ناكح الأمة عن الزنا إلا قليلاً .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، قال : ثنى معاوية بن صالح ، عن عليّ بن أبي طلحة ، عن ابن عباس ، قال : العنت : الزنا .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا عبيد بن يحيى ، قال : حدثنا شريك ، عن عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال : العنت : الزنا .
حدثني يعقوب ، قال : حدثنا هشيم ، قال : أخبرنا أبو بشر ، عن سعيد بن جبير ، قال : ما ازلحفّ ناكح الأمة عن الزنا إلا قليلاً ، ذلك لمن خشي العنت منكم .
حدثنا أبو سلمة ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شعبة ، عن أبي بشر ، عن سعيد بن جبير نحوه .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا حبان بن موسى ، قال : أخبرنا ابن المبارك ، قال : أخبرنا فضيل بن مرزوق ، عن عطية في قوله : { ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ العَنَتَ مِنْكُمْ } قال : الزنا .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا ابن أبي حماد ، قال : حدثنا فضيل ، عن عطية العوفي ، مثله .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا أبو زهير ، عن جويبر ، عن الضحاك في قوله : { لِمَنْ خَشِيَ العَنَتَ مِنْكُمْ } قال : الزنا .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثنا هشيم ، قال : أخبرنا عبيد ، عن الشعبي وجويبر ، عن الضحاك ، قالا : العنت : الزنا .
حدثنا أحمد بن حازم ، قال : حدثنا أبو نعيم ، قال : حدثنا فضيل بن مرزوق ، عن عطية : { ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ العَنَتَ مِنْكُمْ } قال : العنت : الزنا .
وقال آخرون : معنى ذلك : العقوبة التي تُعْنِتُهُ ، وهي الحدّ .
والصواب من القول في قوله : { ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ العَنَتَ مِنْكُمْ } : ذلك لمن خاف منكم ضررا في دينه وبدنه . وذلك أن العنت هو ما ضرّ الرجل ، يقال منه : قد عَنِتَ فلان فهو يَعْنَتُ عَنتا : إذا أتى ما يضره في دين أو دنيا ، ومنه قول الله تبارك وتعالى : { وَدّوا ما عَنِتّمْ } ويقال : قد أعنتني فلان فهو يعنتني : إذا نالني بمضرّة¹ وقد قيل : العنت : الهلاك . فالذين وجهوا تأويل ذلك إلى الزنا ، قالوا : الزنا ضرر في الدين ، وهو من العنت . والذين وجهوه إلى الإثم ، قالوا : الاَثام كلها ضرر في الدين وهي من العنت . والذين وجهوه إلى العقوبة التي تعنته في بدنه من الحدّ ، فإنهم قالوا : الحدّ مضرّة على بدن المحدود في دنياه ، وهو من العنت . وقد عمّ الله بقوله : { لِمَنْ خَشِيَ العَنَتَ مِنْكُمْ } جميع معاني العنت ، ويجمع جميع ذلك الزنا ، لأنه يوجب العقوبة على صاحبه في الدنيا بما يعنت بدنه ، ويكتسب به إثما ومضرّة في دينه ودنياه . وقد اتفق أهل التأويل الذي هم أهله ، على أن ذلك معناه . فهو وإن كان في عينه لذّة وقضاء شهوة فإنه بأدائه إلى العنت منسوب إليه موصوف به أن كان للعنت سببا .
القول في تأويل قوله تعالى : { وأنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ } .
يعني جلّ ثناؤه بذلك : وأن تصبروا أيها الناس عن نكاح الإماء خير لكم ، والله غفور لكم نكاح الإماء أن تنكحوهنّ على ما أحلّ لكم وأذن لكم به ، وما سلف منكم في ذلك إن أصلحتم أمور أنفسكم فيما بينكم وبين الله ، رحيم بكم ، إذ أذن لكم في نكاحهنّ عند الافتقاء وعدم الطول للحرة .
وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا هشيم ، قال : أخبرنا أبو بشر ، عن سعيد بن جبير : { وأنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ } قال : عن نكاح الأمة .
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا ابن إدريس ، قال : سمعت ليثا عن مجاهد : { وأنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ } قال : عن نكاح الإماء .
حدثنا محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن المفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ : { وأنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ } يقول : وأن تصبرَ ولا تنكح الأمة فيكون ولدك مملوكين فهو خير لك .
حدثنا محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : { وأنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ } يقول : وأن تصبروا عن نكاح الإماء خير لكم ، وهو حلّ .
حدثنا بشر بن معاذ ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : { وأنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ } يقول : وأن تصبروا عن نكاحهنّ ، يعني : نكاح الإماء خير لكم .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا حبان بن موسى ، قال : أخبرنا ابن المبارك ، قال : أخبرنا فضيل بن مرزوق ، عن عطية في قوله : { وأنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ } قال : أن تصبروا عن نكاح الإماء خير لكم .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا حبان ، قال : حدثنا ابن المبارك ، قال : أخبرنا ابن جريج ، قال : أخبرنا ابن طاوس ، عن أبيه : { وأنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ } قال : أن تصبروا عن نكاح الأمة خير لكم .
حدثني عليّ بن داود ، قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، قال : ثنى معاوية بن صالح ، عن عليّ بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : { وأنْ تَصْبرُوا خَيْرٌ لَكُمْ } قال : وأن تصبروا عن الأمة خير لكم .
و«أن » في قوله : { وأنْ تَصْبرُوا } في موضع رفع ب«خير » ، بمعنى : والصبر عن نكاح الإماء خير لكم .
{ ومن لم يستطع منكم طولا } غنى واعتلاء وأصله الفضل والزيادة . { أن ينكح المحصنات المؤمنات } في موضع النصب بطولا . أو بفعل مقدر صفة له أي ومن لم يستطع منكم أن يعتلي نكاح المحصنات ، أو من لم يستطع منكم غنى يبلغ به نكاح المحصنات يعني الحرائر لقوله : { فمما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات } يعني الإماء المؤمنات فظاهر الآية حجة للشافعي رضي الله تعالى عنه في تحريم نكاح الأمة على من ملك ما يجعله صداق حرة ، ومنع نكاح الأمة الكتابية مطلقا . وأول أبو حنيفة رحمه الله تعالى طول المحصنات بأن يملك فراشهن ، على أن النكاح هو الوطء وحمل قوله : { من فتياتكم المؤمنات } على الأفضل . كما حمل عليه في قوله : { المحصنات المؤمنات } ومن أصحابنا من حمله أيضا على التقييد وجوز نكاح الأمة لمن قدر على الحرة الكتابية دون المؤمنة حذرا عن مخالطة الكفار وموالاتهم ، والمحذور في نكاح الأمة رق الولد ، وما فيه من المهانة ونقصان حق الزوج . { والله أعلم بإيمانكم } فاكتفوا بظاهر الإيمان فإنه العالم بالسرائر وبتفاضل ما بينكم في الإيمان ، فرب أمة تفضل الحرة فيه ، ومن حقكم أن تعتبروا فضل الإيمان لا فضل النسب ، والمراد تأنيسهم بنكاح الإماء ومنعهم عن الاستنكاف منه ويؤيده . { بعضكم من بعض } أنتم وأرقاؤكم متناسبون نسبكم من آدم ودينكم الإسلام . { فانكحوهن بإذن أهلهن } يريد أربابهن واعتبار إذنهم مطلقا لا إشعار له ، على أن لهن أن يباشرن العقد بأنفسهم حتى يحتج به الحنفية . { وآتوهن أجورهن } أي أدوا إليهن مهورهن بإذن أهلهن ! فحذف ذلك لتقدم ذكره أو إلى مواليهن فحذف المضاف للعلم بأن المهر للسيد لأنه عوض عن حقه فيجب أن يؤدي إليه ، وقال مالك رضي الله عنه : المهر للأمة ذهابا إلى الظاهر { بالمعروف } بغير مطل وإضرار ونقصان . { محصنات } عفائف . { غير مسافحات } غير مجاهرات بالسفاح . { ولا متخذات أخدان } أخلاء في السر { فإذا أحصن } بالتزويج . قرأ أبو بكر وحمزة بفتح الهمزة والصاد والباقون بضم الهمزة وكسر الصاد . { فإن أتين بفاحشة } زنى . { فعليهن نصف ما على المحصنات } يعني الحرائر . { من العذاب } من الحد لقوله تعالى : { وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين } وهو يدل على أن حد العبد نصف حد الحر ، وأنه لا يرجم لأن الرجم لا ينتصف . { ذلك } أي نكاح الإماء . { لمن خشي العنت منكم } لمن خاف الوقوع في الزنى ، وهو في الأصل انكسار العظم بعد الجبر ، مستعار لكل مشقة وضرر ولا ضرر أعظم من مواقعه الإثم بأفحش القبائح . وقيل : المراد به الحد وهذا شرط آخر لنكاح الإماء . { وأن تصبروا خير لكم } أي وصبركم عن نكاح الإماء متعففين خير لكم . قال عليه الصلاة والسلام " الحرائر صلاح البيت والإماء هلاكه " . { والله غفور } لمن لم يصبر . { رحيم } بأن رخص له .
فَمِن مَّا مَلَكَتَ أَيْمَانُكُم مِّن فَتَيَاتِكُمًُ المُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيْمانِكُم بَعْضُكُم مِّنْ بَعْضٍ } قال ابن عباس ومجاهد وسعيد بن جبير والسدي وابن زيد ومالك بن أنس في المدونة : الطول هنا السعة في المال ، وقال ربيعة وإبراهيم النخعي : الطول هنا الجلد والصبر لمن أحب أمة وهويها حتى صار لذلك لا يستطيع أن يتزوج غيرها ، فإن له أن يتزوج الأمة إذا لم يملك هواها ، وإن كان يجد سعة في المال لنكاح حرة ، ثم يكون قوله تعالى : { لمن خشي العنت } على هذا التأويل بياناً في صفة عدم الجلد وعلى التأويل الآخر يكون تزوج الأمة معلقاً بشرطين : عدم السعة في المال وخوف العنت ، فلا يصح إلا باجتماعهما ، وهذا هو نص مذهب مالك في المدونة من رواية ابن نافع وابن القاسم وابن وهب وابن زياد أن الحر لا يتزوج الأمة على حال إلا ألا يجد سعة في المال لمهر حرة ، وأن يخشى العنت مع ذلك ، وقال مالك في كتاب محمد : إذا وجد المهر ولكنه لا يقدر على النفقة فإنه لا يجوز له أن يتزوج أمة . وقال أصبغ{[3947]} : ذلك جائز ، إذ نفقة الأمة على أهلها إذا لم يضمها إليه ، وقال مطرف{[3948]} ، وابن الماجشون : لا يحل للحر أن ينكح أمة ولا يقر إن وقع ، إلا أن يجتمع الشرطان كما قال الله تعالى ، وقاله أصبغ ، قال : وقد كان ابن القاسم يذكر أنه سمع مالكاً يقول : نكاح الأمة حلال في كتاب الله عز وجل .
قال القاضي أبو محمد : وهو في المدونة ، وقال سحنون في غيرها : ذلك في قوله تعالى : { وانكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم }{[3949]} [ النور : 32 ] وقاله ابن مزين .
قال القاضي أبو محمد : وليس في الآية ما يلزم منه تحليل الأمة لحر دون الشرطين . وقال مالك في المدونة : ليست الحرة بطول تمنع من نكاح الأمة إذا لم يجد سعة لأخرى وخاف العنت ، وقال في كتاب محمد : ما يقتضي أن الحرة بمثابة الطول . قال الشيخ أبو الحسن اللخمي : وهو ظاهر القرآن ، وروي نحو هذا عن ابن حبيب ، وقاله أبو حنيفة : فمقتضى هذا أن من عنده حرة فلا يجوز له نكاح أمة ، وإن عدم السعة وخاف العنت ، لأنه طالب شهوة وعنده امرأة ، وقال به الطبري واحتج له ، و { طولاً } - يصح في إعرابه أن يكون مفعولاً بالاستطاعة ، و { أن ينكح } في موضع نصب بدل من قوله { طولاً } أو في موضع نصب بتقدير لأن ينكح{[3950]} ، وفي هذا نظر ، ويصح أن يكون { طولاً } نصباً على المصدر والعامل فيه الاستطاعة لأنها بمعنى يتقارب ، و { أن ينكح } على هذا مفعول بالاستطاعة أو بالمصدر{[3951]} تقول : طال الرجل طولاً بفتح الطاء إذا تفضل ووجد واتسع عرفه{[3952]} ، و { وطولاً } بضم الطاء في ضد القصر { والمحصنات } في هذا الموضع الحرائر يدل على ذلك التقسيم بينهن وبين الإماء ، وقالت فرقة : معناه العفائف وهو ضعيف لأن الإماء يقعن تحته وقد تقدم الذكر للقراءة في { المحصنات } و { المؤمنات } صفة فأما من يقول في الرجل يجد طولاً لحرة كتابية لا لمؤمنة : إنه يمتنع عن نكاح الإماء ، فهي صفة غير مشترطة ، وإنما جاءت لأنها مقصد النكاح ، إذ الأمة مؤمنة ، وهذا المذهب المالكي ، نص عليه ابن الماجشون في الواضحة . ومن قال في الرجل لا يجد طولاً إلا الكتابية : إنه يتزوج الأمة إن شاء ، فصفة { المؤمنات } عنده في الآية مشترطة في إباحة نكاح الإماء والمسألة مختلف فيها حسبما ذكرناه ، و { ما } في قوله : { فمن ما ملكت أيمانكم } يصح أن تكون مصدرية تقديره : فمن ملك أيمانكم ويصح أن يراد بها النوع المملوك ، فهي واقعة عليه{[3953]} .
والفتاة - وإن كانت واقعة في اللغة على الشابة أية كانت ، فعرفها في الإماء ، وفتى - كذلك وهذه المخاطبات بالكاف والميم عامة ، أي : منكم الناكحون ومنكم المالكون ، لأن الرجل ينكح فتاة نفسه وهذا التوسع في اللغة كثير و { المؤمنات } في هذا الموضع صفة مشترطة عند مالك وجمهور أصحابه ، لأنهم يقولون : لا يجوز زواج أمة غير مسلمة بوجه ، وقالت طائفة من أهل العلم منهم أصحاب الرأي : نكاح الأمة الكتابية جائز ، وقوله { المؤمنات } على جهة الوجه الفاضل ، واحتجوا بالقياس على الحرائر ، وذلك أنه لما لم يمنع قوله { المؤمنات } في الحرائر من نكاح الكتابيات الحرائر ، فكذلك لا يمنع قوله { المؤمنات } في الإماء من نكاح الكتابيات الإماء ، وقال أشهب في المدونة : جائز للعبد المسلم أن يتزوج أمة كتابية .
قال القاضي أبو محمد : فالمنع عنده أن يفضل الزوج في الحرية والدين معاً ، وقوله تعالى : { والله أعلم بإيمانكم } معناه : أن الله عليم ببواطن الأمور ولكم ظواهرها فإذا كانت الفتاة ظاهرها الإيمان فنكاحها صحيح ، وعلم باطنها إلى الله ، وإنما هذا لئلا يستريب متحير بإيمان بعض الإماء ، كالقريبة عهد بالسباء ، أو كالخرساء وما أشبهه . وفي اللفظ أيضاً تنبيه على أنه ربما كان إيمان أمة أفضل من إيمان بعض من الحرائر ، أي : فلا تعجبوا بمعنى الحرية وقوله : { بعضكم من بعض } قالت طائفة : هو رفع على الابتداء والخبر ، والمقصد بهذا الكلام ، أي{[3954]} إنكم أيها الناس سواء بنو الحرائر وبنو الإماء ، أكرمكم عند الله أتقاكم ، فهذه توطئة لنفوس العرب التي كانت تستهجن ولد الأمة ، فلما جاء الشرع بجواز نكاحها ، أعلموا مع ذلك أن ذلك التهجين لا معنى له{[3955]} . وقال الطبري : هو رفع بفعل تقديره : فلينكح مما ملكت «أيمانكم بعضكم من بعض » فعلى هذا في الكلام تقديم وتأخير ، وهذا قول ضعيف .
{ فانكحوهن بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بالمعروف مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلاَ مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ فَإِذَآ أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى المحصنات مِنَ العذاب ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ العنت مِنْكُمْ وَأَن تَصْبِرُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ والله غَفُورٌ رَّحِيمٌ } قوله : { بإذن أهلهن } معناه : بولاية أربابهن المالكين ، وقوله : { وآتوهن آجورهن } يعني مهورهن قاله ابن زيد وغيره ، و { بالمعروف } معناه : بالشرع والسنة ، وهذايقتضي أنهن أحق بمهورهن من السادة وهو مذهب مالك قال في كتاب الرهون : ليس للسيد أن يأخذ مهر أمته ويدعها بلا جهاز ، قال سحنون في كتاب{[3956]} " المدونة " : كيف هذا وهو لا يبوئه معها بيتاً ؟ وقال بعض الفقهاء : معنى ما في المدونة : أنه بشرط التبوئة ، فعلى هذا لا يكون قول سحنون خلافاً{[3957]} و { محصنات } وما بعده حال ، فالظاهر أنه بمعنى عفيفات إذ غير ذلك من وجوه الإحصان بعيد إلا_ مسلمات_ فإنه يقرب ، والعامل في الحال { فانكحوهن } ويحتمل أن يكون { فانكحوهن بإذن أهلهن } كلاماً تاماً ، ثم استأنف «وآتوهن أجورهن مزوجات غير مسافحات » فيكون العامل { وآتوهن } ، ويكون معنى الإحصان : التزويج ، و «المسافحات » من الزواني : المبتذلات اللواتي هن سوق للزنا ، «ومتخذات الأخذان » : هن المتسترات اللواتي يصحبن واحداً واحداً ويزنين خفية ، وهذان كانا نوعين في زنا الجاهلية ، قاله ابن عباس وعامر الشعبي والضحاك وغيرهم ، وأيضاً فهو تقسيم عقلي لا يعطي الوجود إلا أن تكون الزانية : إما لا ترد يد لامس ، وإما أن تختص من تقتصر عليه{[3958]} .
وقوله تعالى : { فإذا أحصنَّ } الآية قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو وابن عامر «أُحصن » على بناء الفعل للمفعول ، وقرأ حمزة والكسائي على بناء الفعل للفاعل ، واختلف عن عاصم ، فوجه الكلام أن تكون القراءة الأولى بالتزوج ، والثانية بالإسلام أو غيره مما هو من فعلهن ، ولكن يدخل كل معنى منهما على الآخر ، واختلف المتأولون فيما هو الإحصان هنا ، فقال الجمهور : هو الإسلام ، فإذا زنت الأمة المسلمة حدت نصف حد الحرة - وإسلامها هو إحصانها الذي في الآية ، وقالت فرقة : إحصانها الذي في الآية هو التزويج لحر ، فإذا زنت الأمة المسلمة التي لم تتزوج فلا حد عليها ، قاله سعيد بن جبير والحسن وقتادة ، وقالت فرقة : الإحصان - في الآية التزوج ، إلا أن الحد واجب على الأمة المسلمة بالسنة ، وهي الحديث الصحيح في مسلم والبخاري ، أنه قيل : يا رسول الله ، الأمة إذا زنت ولم تحصن ؟ فأوجب عليها الحد{[3959]} .
قال الزهري : فالمتزوجة محدودة بالقرآن والمسلمة غير المتزوجة محدودة بالحديث .
قال القاضي أبو محمد : وهذا الحديث والسؤال من الصحابة يقتضي أنهم فهموا من القرآن أن معنى { أحصنَّ } تزوجن ، وجواب النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك يقتضي تقرير المعنى ومن أراد أن يضعف قول من قال : إنه الإسلام بأن الصفة لهن بالإيمان قد تقدمت وتقررت فذلك غير لازم{[3960]} ، لأنه جائز أن يقطع في الكلام ويزيد ، فإذا كن على هذه الحالة المتقدمة من الإيمان { فإن أتين بفاحشة فعليهن } ، وذلك سائغ صحيح ، والفاحشة هنا : الزنى بقرينة إلزام الحد ، و { المحصنات } في هذه الآية الحرائر ، إذ هي الصفة المشروطة في الحد الكامل ، والرجم لا يتنصف ، فلم يرد في الآية بإجماع ، ثم اختلف ، فقال ابن عباس والجمهور : على الأمة نصف المائة لا غير ذلك{[3961]} ، وقال الطبري وجماعة من التابعين : على الأمة نصف المائة ونصف المدة ، وهي نفي ستة أشهر والإشارة بذلك إلى نكاح الأمة ، و { العنت } في اللغة : المشقة وقالت طائفة : المقصد به ها هنا الزنا ، قاله مجاهد : وقال ابن عباس : ما ازلحف{[3962]} ناكح الأمة عن الزنا إلا قريباً ، قال : و { العنت } الزنا ، وقاله عطية العوفي والضحاك ، وقالت طائفة : الإثم{[3963]} ، وقالت طائفة : الحد .
قال القاضي أبو محمد : والآية تحتمل ذلك كله ، وكل ما يعنت عاجلاً وآجلاً ، وقوله تعالى : { وأن تصبروا خير لكم } يعني عن نكاح - الإماء - قاله سعيد بن جبير ومجاهد والسدي وابن عباس رضي الله عنهما ، وهذا ندب إلى الترك ، وعلته ما يؤدي إليه نكاح الإماء من استرقاق الولد ومهنتهن{[3964]} ، وهذه الجملة ابتداء ، وخبر تقديره : وصبركم خير لكم { والله غفور }{[3965]} ، أي لمن فعل وتزوج .