قوله تعالى : { وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً . . . } [ النساء :25 ] .
قال ابنُ عَبَّاس ، وغيره : الطَّوْل : هنا السَّعَة في المالِ ، وقاله مالِكٌ في " المُدَوَّنة " . فعلى هذا التأويلِ لا يصحُّ للحُرِّ أنْ يتزوَّج الأَمَةَ إلاَّ باجتماع شرطَيْنِ : عَدَمِ السَّعَةِ في المالِ ، وخَوْفِ العَنَتِ ، وهذا هو نصُّ مالك في " المدوَّنة " .
قال مالك في " المُدَوَّنة " : ولَيْسَتِ الحُرَّة تحته بِطَوْل ، إنْ خَشِيَ العَنَتَ ، وقال في كتاب " محمَّد " ما يقتضِي أنَّ الحُرَّة بمثابة الطَّوْل .
قال الشيخُ أبو الحَسَن اللَّخْمِيُّ : وهو ظاهرُ القرآن ، ونحوه عنِ ابْنِ حَبيبٍ .
وقال أبو حنيفة : وجودُ الحُرَّة تحته لا يَجُوزُ معه نكاحُ الأَمَةِ ، وقاله الطَّبَرِيُّ ، وتقولُ : طَالَ الرَّجُلُ طَوْلاً ( بفتح الطاء ) ، إذا تفضَّل ووَجَدَ ، واتسع ، وطُولاً بضمها : في ضِدِّ القِصَر ، و{ المحصنات } في هذا الموضع : الحرائرُ ، والفتاةُ وإن كَانَتْ في اللغة واقعةً على الشَّابَّة ، أَيَّةً كانَتْ ، فعرفُها في الإماء ، وفَتًى كذلك ، و { المؤمنات } ، في هذا الموضع : صفةٌ مشترطةٌ عند مالك ، وجمهور أصحابه ، فلا يجوزُ نكاحُ أمةٍ كافرةٍ عندهم ، قُلْتُ : والعلَّة في مَنْعِ نكاحِ الأَمَةِ ما يؤولُ إلَيه الحالُ من استرقاق الولد .
وقوله تعالى : { والله أَعْلَمُ بإيمانكم بَعْضُكُمْ مّن بَعْضٍ }[ النساء :25 ] .
ومعناه : واللَّهُ أعلمُ ببَوَاطِنِ الأمور ، ولكم ظواهرُها ، فإذا كانَتِ الفتاةُ ظاهِرُها الإيمانُ ، فنكاحها صحيحٌ ، وفي اللفظ أيضاً : تنبيهٌ على أنهُ ربَّما كان إيمانُ أَمَةٍ أَفْضَلَ مِنْ إيمانِ بعضِ الحرائرِ ، فلا تَعْجَبُوا بمعْنَى الحُرِّيَّة ، والمَقْصِدُ بهذا الكلامِ أنَّ الناس سواءٌ بَنُو الحرائرِ ، وبَنُو الإمَاءِ ، أكرمهم عنْدَ اللَّهِ أتقاهُمْ ، وفي هذا توطئَةٌ لنفوسِ العَرَبِ التي كانَتْ تَسْتَهْجِنُ ولَدَ الأَمَةِ .
وقوله تعالى : { فانكحوهن بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ } ، معناه : بولايةِ أربابِهِنَّ المالكين ، { وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ } أي : مُهُورَهُنَّ ، { بالمعروف } : معناه : بالشَّرْع والسُّنَّة ، و{ محصنات } : الظاهرُ أنه بمعنى عفيفاتٍ .
قال ( ص ) : ( مُحْصَنَاتٍ ) منصوبٌ على الحَالِ ، والظَّاهِرُ أنَّ العَامِلَ ( وآتُوهُنَّ ) ، ويجوزُ أَنْ يَكُونَ العامِلُ : ( فانكحوهن ) ( مُحْصَنَاتٍ ) أي : عفائفَ ، انتهى .
والمسافِحَاتُ : الزوانِي ، المتبذِّلاتُ اللَّوَاتِي هُنَّ سُوقٌ للزِّنا ، ومتَّخِذَاتُ الأخدانِ هنَّ المُسْتَتِرَاتُ اللواتِي يصحبن واحداً واحداً ، ويَزْنينَ خفيةً . وهذان كانا نَوْعَيْن في زنا الجاهليَّة ، قاله ابنُ عبَّاس ، وغيره .
وقوله تعالى : { فَإِذَا أُحْصِنَّ . . . } أي : تزوَّجْن ، قال الزُّهْرِيُّ وغيره : فالمتزوِّجة محدودةٌ بالقرآن ، والمُسْلِمَةُ غير المتزوِّجة محدودةٌ بالحديث ، وفي مسلمٍ ، والبخاريُّ ، أنه ( قِيلَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، الأَمَةُ إذَا زَنَتْ ، ولَمْ تُحْصَنْ ؟ فأوْجَبَ علَيْها الحدَّ ) والفاحشة ، هنا الزِّنا .
قال ( ص ) : وجوابُ إذَا : ( فإنْ أتَيْنَ ) وجوابه ، انتهى .
و{ المحصنات } في هذه الآية : الحَرَائِرُ ، إذ هي الصفَةُ المَشْرُوطة في الحدِّ الكامِلِ ، والرَّجْمُ لا يتنصَّف ، فلم يُرَدْ في الآية بإجماع ، والعَنَتُ في اللغة : المَشَقَّة .
قال ابنُ عباسٍ ، وغيره : والمَقْصِدُ به هنا الزنا .
وقوله تعالى : { وَأَن تَصْبِرُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ } يعني : عَنْ نكاحِ الإماء ، قاله ابنُ عَبَّاس ، وغيره : وهذا نَدْبٌ إلى التَّرْك ، وعِلَّتُهُ مَا يؤَدِّي إلَيْه نكاحُ الإِماءِ مِن استرقاق الوَلَدِ ، ومِهْنَتِهنَّ .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.