مدارك التنزيل وحقائق التأويل للنسفي - النسفي  
{وَمَن لَّمۡ يَسۡتَطِعۡ مِنكُمۡ طَوۡلًا أَن يَنكِحَ ٱلۡمُحۡصَنَٰتِ ٱلۡمُؤۡمِنَٰتِ فَمِن مَّا مَلَكَتۡ أَيۡمَٰنُكُم مِّن فَتَيَٰتِكُمُ ٱلۡمُؤۡمِنَٰتِۚ وَٱللَّهُ أَعۡلَمُ بِإِيمَٰنِكُمۚ بَعۡضُكُم مِّنۢ بَعۡضٖۚ فَٱنكِحُوهُنَّ بِإِذۡنِ أَهۡلِهِنَّ وَءَاتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِٱلۡمَعۡرُوفِ مُحۡصَنَٰتٍ غَيۡرَ مُسَٰفِحَٰتٖ وَلَا مُتَّخِذَٰتِ أَخۡدَانٖۚ فَإِذَآ أُحۡصِنَّ فَإِنۡ أَتَيۡنَ بِفَٰحِشَةٖ فَعَلَيۡهِنَّ نِصۡفُ مَا عَلَى ٱلۡمُحۡصَنَٰتِ مِنَ ٱلۡعَذَابِۚ ذَٰلِكَ لِمَنۡ خَشِيَ ٱلۡعَنَتَ مِنكُمۡۚ وَأَن تَصۡبِرُواْ خَيۡرٞ لَّكُمۡۗ وَٱللَّهُ غَفُورٞ رَّحِيمٞ} (25)

{ وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً } فضلاً . يقال «لفلان عليّ طول » أي فضل وزيادة وهو مفعول «يستطع » { أَن يَنكِحَ } مفعول الطول فإنه مصدر فيعمل عمل فعله أو بدل من «طولاً » { المحصنات المؤمنات } الحرائر المسلمات { فَمِنْ مَّا مَلَكَتْ أيمانكم مّن فتياتكم المؤمنات } أي فلينكحن مملوكة من الإماء المسلمات .

وقوله : «من فتياتكم » . أي من فتيات المسلمين والمعنى : ومن لم يستطع زيادة في المال وسعة يبلغ بها نكاح الحرة فلينكح أمة ، ونكاح الأمة الكتابية يجوز عندنا والتقييد في النص للاستحباب بدليل أن الإيمان ليس بشرط في الحرائر اتفاقاً مع التقييد به . وقال ابن عباس : ومما وسّع الله على هذه الأمة نكاح الأمة واليهودية والنصرانية وإن كان موسراً ، وفيه دليل لنا في مسألة الطول { والله أَعْلَمُ بإيمانكم } فيه تنبيه على قبول ظاهر إيمانهن ، ودليل على أن الإيمان هو التصديق دون عمل اللسان لأن العلم بالإيمان المسموع لا يختلف { بَعْضُكُم مّن بَعْضٍ } أي لا تستنكفوا من نكاح الإماء فكلكم بنو آدم ، وهو تحذير عن التعيير بالأنساب والتفاخر بالأحساب { فانكحوهن بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ } سادتهن وهو حجة لنا في أن لهن أن يباشرن العقد بأنفسهن لأنه اعتبر إذن الموالي لا عقدهم ، وأنه ليس للعبد أو للأمة أن يتزوج إلا بإذن المولى { وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ } وأدوا إليهن مهورهن بغير مطل وإضرار وملاّك مهورهن مواليهن ، فكان أداؤها إليهن أداء إلى الموالي لأنهن وما في أيديهن مال الموالي ، أو التقدير : وآتوا مواليهن فحذف المضاف { محصنات } عفائف حال من المفعول في و«آتوهن » { غَيْرَ مسافحات } زوانٍ علانية { وَلاَ مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ } زوانٍ : سراً والأخدان : الأخلاء في السر { أَخْدَانٍ فَإِذَا أُحْصِنَّ } بالتزويج . «أحصن » : كوفي غير حفص { فَإِنْ أَتَيْنَ بفاحشة } زنا { فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى المحصنات } أي الحرائر { مّنَ العذاب } من الحد يعني خمسين جلدة ، وقوله : «نصف ما على المحصنات » . يدل على أنه الجلد لا الرجم لأن الرجم لا يتنصف ، وأن المحصنات هنا الحرائر اللاتي لم يزوجن { ذلك } أي نكاح الإماء { لِمَنْ خَشِىَ العنت مِنْكُمْ } لمن خاف الإثم الذي تؤدي إليه غلبة الشهوة . وأصل العنت انكسار العظم بعد الجبر فاستعير لكل مشقة وضرر ، ولا ضرر أعظم من مواقعة المآثم . وعن ابن عباس رضي الله عنهما هو الزنا لأنه سبب الهلاك . { وَأَن تَصْبِرُواْ } في محل الرفع على الابتداء أي وصبركم عن نكاح الإماء متعففين { خَيْرٌ لَّكُمْ } لأن فيه إرقاق الولد ، ولأنها خراجة ولاجة ممتهنة مبتذلة وذلك كله نقصان يرجع إلى الناكح ومهانة والعزة من صفات المؤمنين ، وفي الحديث " الحرائر صلاح البيت والإماء هلاك البيت " { والله غَفُورٌ } يستر المحظور { رَّحِيمٌ } يكشف المحظور