الطول : الفضل ، يقال منه : طال عليه يطول طولاً فضل عليه .
وقال الليث والزجاج : الطول القدرة . انتهى .
ويقال له : عليه طول أي زيادة وفضل ، وقد طاله طولاً فهو طائل .
لقد زادني حباً لنفسي أنني *** بغيض إلى كل امرىء غير طائل
ومنه الطول في الجسم لأنه زيادة فيه ، كما أن القصر قصور فيه ونقصان .
الفتاة الحديثة السن والفتاء الحداثة .
قال : فقد ذهب المروءة والفتاء .
وقال ابن منصور الجواليقي : المتفتية والفتاة المراهقة ، والفتى الرفيق ، ومنه : { وإذ قال موسى لفتاه } والفتى : العبد .
ومنه : « لا يقل أحدكم عبدي ولا أمتي ولكن ليقل فتاي وفتاتي »
{ ومن لم يستطع منكم طولاً أن ينكح المحصنات المؤمنات فمما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات } الطول : السعة في المال قاله : ابن عباس ، ومجاهد ، وابن جبير ، والسدي ، وابن زيد ، ومالك في المدونة .
وقال ابن مسعود ، وجابر ، وعطاء ، والشعبي ، والنخعي ، وربيعة : الطول هنا الجلد والصبر لمن أحب أمة وهويها حتى صار لا يستطيع أن يتزوج غيرها فله أن يتزوجها ، وإن كان يجد سعة في المال لنكاح حرة .
والمحصنات هنا الحرائر ، يدل على ذلك التقسيم بينهن وبين الإماء .
وقالت فرقة : معناه العفائف ، وهو ضعيف .
واختلفوا في جواز نكاح الأمة لواجد طول الحرة .
وظاهر الآية يدل على أنّ من لم يستطع ما يتزوج به الحرة المؤمنة وخاف العنت ، فيجوز له أن يتزوج الأمة المؤمنة ، ويكون هذا تخصيصاً لعموم قوله : { وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم }
فيكون تخصيصاً في الناكح بشرط أن لا يجد طول الحرة ويخاف العنت ، وتخصيصاً في إمائكم بقوله : من فتيانكم المؤمنات ، وتخصيص جواز نكاح الإماء بالمؤمنات لغير واجد طول الحرة ، هو مذهب أهل الحجاز .
فلا يجوز له نكاح الأمة الكتابية ، وبه قال : الأوزاعي ، والليث ، ومالك ، والشافعي .
وذهب العراقيون أبو حنيفة وأبو يوسف وزفر ومحمد والحسن بن زياد والثوري ومن التابعين الحسن ومجاهد إلى جواز ذلك .
ونكاح الأمة المؤمنة أفضل ، فحملوه على الفضل لا على الوجوب .
واستدلوا على أنّ الإيمان ليس بشرط بكونه وصف به الحرائر في قوله : أن ينكح المحصنات المؤمنات ، وليس بشرط فيهن اتفاقاً ، لكنه أفضل .
وقال ابن عباس : وسع الله على هذه الأمة بنكاح الأمة ، واليهودية ، والنصرانية .
وقد اختلف السلف في ذلك اختلافاً كثيراً : روي عن ابن عباس ، وجابر ، وابن جبير ، والشعبي ، ومكحول : لا يتزوج الأمة إلا من لا يجد طولاً للحرة ، وهذا هو ظاهر القرآن .
وروي عن مسروق ، والشعبي : أن نكاحها بمنزلة الميتة والدم ولحم الخنزير ، يعني : أنه يباح عند الضرورة .
وروي عن علي ، وأبي جعفر ، ومجاهد ، وابن المسيب ، وابراهيم ، والحسن ، والزهري : أن له نكاحها ، وإن كان موسراً .
وروي عن عطاء ، وجابر بن زيد : أنه يتزوجها إن خشي أن يزني بها ، ولو كان تحته حرة .
قال عطاء : يتزوج الأمة على الحرة .
وقال ابن مسعود : لا يتزوجها عليها إلا المملوك .
وقال عمر ، وعلي ، وابن المسيب ، ومكحول في آخرين : لا يتزوجها عليها .
وهذا الذي يقتضيه النظر ، لأن القرآن دل على أنه لا ينكح الأمة إلا مَن لا يجد طولاً للحرة .
فإذا كانت تحته حرة ، فبالأولى أن لا يجوز له نكاح الأمة ، لأن وجدان الطول للحرة إنما هو سبب لتحصيلها ، فإذا كانت حاصلة كان أولى بالمنع .
وقال ابراهيم : يتزوج الأمة على الحرة إن كان له من الأمة ولد .
وقال ابن المسيب : لا ينكحها عليها إلا أن تشاء الحرة ، ويقسم للحرة يومين ، وللأمة يوماً وظاهر قوله : فمما ملكت أيمانكم ، جواز نكاح عادم طول الحرة المؤمنة أربعاً من الإماء إن شاء .
وروي عن ابن عباس : أنه لا يتزوج من الإماء أكثر من واحدة ، وإذا لم يكن شرطاً في الأمة الإيمان فظاهر قوله : فمما ملكت أيمانكم من فتيانكم ، أنه لو كانت الكتابية مولاها كافر لم يجز نكاحها ، لأنه خاطب بقوله : فمما ملكت أيمانكم من فتيانكم المؤمنات ، فاختص بفتيات المؤمنين ، وروي عن أبي يوسف : جواز ذلك على كراهة .
وإذا لم يكن الإيمان شرطاً في نكاح الأمة ، فالظاهر جواز نكاح الأمة الكافرة مطلقاً ، سواء كانت كتابية ، أو مجوسية ، أو وثنية ، أم غير ذلك من أنواع الكفار .
وأجمعوا على تحريم نكاح الأمة الكافرة غير الكتابية : كالمجوسية ، والوثنية ، وغيرهما .
وأما وطء المجوسية بملك اليمين فأجازه : طاوس ، وعطاء ، ومجاهد ، وعمرو بن دينار .
ودلت على هذا القول ظواهر القرآن في عموم : ما ملكت أيمانكم ، وعموم { إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم } قالوا : وهذا قول شاذ مهجور ، لم يلتفت إليه أحد من فقهاء الأمصار .
وقالوا : لا يحل له أن يطأها حتى تسلم .
وقالوا : إنما كان نكاح الأمة منحطاً عن نكاح الحرة لما فيه من اتباع الولد لأمه في الرق ، ولثبوت حق سيدها فيها ، وفي استخدامها ، ولتبذلها بالولوج والخروج ، وفي ذلك نقصان نكاحها ومهانته إذ رضي بهذا كله ، والعزة من صفات المؤمنين .
والفاء في : فمما ملكت فاء الجواب ، ومن تتعلق بمحذوف تقديره : فلينكح من ما ملكت .
ويجوز أن يكون مَن موصولة ، ويكون العامل المحذوف الذي يتعلق به قوله : مما ملكت جملة في موضع الخبر .
ومسوغات دخول الفاء في خبر المبتدأ موجودة هنا .
والظاهر أنَّ مفعول يستطع هو طولاً ، وأن ينكح على هذا أجازوا ، فيه أن يكون أصله بحرف جر ، فمنهم من قدره بإلى ، ومنهم من قدره باللام أي : طولاً إلى أن ينكح ، أو لأن ينكح ، ثم حذف حرف الجر ، فإذا قدر إلى ، كان المعنى : ومَن لم يستطع منكم وصلة إلى أن ينكح .
وإذا قدر باللام ، كان في موضع الصفة التقدير : طولاً أي : مهراً كائناً لنكاح المحصنات .
وقيل : اللام المقدرة لام المفعول له أي : طولاً لأجل نكاح المحصنات ، وأجازوا أن يكون : أن ينكح في موضع نصب على المفعول به ، وناصبة طول .
إذ جعلوه مصدر طلت الشيء أي نلته ، قالوا : ومنه قول الفرزدق :
إن الفرزدق صخرة عادية *** طالت فليس تنالها الأوعالا
أي طالت الأوعال أي : ويكون التقدير ومَن لم يستطع منكم أن ينال نكاح المحصنات .
ويكون قد أعمل المصدر المنون في المفعول به كقوله :
بضرب بالسيوف رؤوس قوم *** أزلنا هامهن عن المقيل
وهذا على مذهب البصريين إذ أجازوا إعمال المصدر المنون .
وإلى أنَّ طولاً مفعول ليستطيع ، وإن ينكح في موضع مفعول بقوله : طولاً ، إذ هو مصدر .
ذهب أبو علي في التذكرة ، وأجازوا أيضاً أن يكون أن ينكح بدلاً من طول ، قالوا : بدل الشيء من الشيء ، وهما لشيء واحد ، لأن الطول هو القدرة والنكاح قدرة .
وأجازوا أن يكون مفعول يستطع قوله : أن ينكح .
وفي نصب قوله : طولاً وجهان : أحدهما : أن يكون مفعولاً من أجله على حذف مضاف ، أي : ومن لم يستطع منكم لعدم طول نكاح المحصنات .
قال : ويصح أن يكون طولاً نصب على المصدر ، والعامل فيه الاستطاعة ، لأنها بمعنى يتقارب .
وأن ينكح على هذا مفعول بالاستطاعة ، أو بالمصدر انتهى كلامه .
وكأنه يعني أنَّ الطول هو استطاعة ، فيكون التقدير : ومن لم يستطع منكم استطاعة أن ينكح .
وما من قوله : فمما ملكت ، موصولة اسمية أي : فلينكح من النوع الذي ملكته أيمانكم .
ومن فتياتكم : في موضع الحال من الضمير المحذوف في ما ملكت ، العائد على ما .
ومفعول الفعل المحذوف الذي هو فلينكح محذوف ، التقدير : فلينكح أمة مما ملكت أيمانكم .
ومِن للتبعيض ، نحو : أكلت من الرغيف .
وقيل : مِن في من ما زائدة ، ومفعول ذلك الفعل هو ما من قوله : ما ملكت أيمانكم .
وقيل : مفعوله فتياتكم على زيادة من .
وقيل : مفعوله المؤمنات ، والتقدير : فلينكح مما ملكت أيمانكم من فتياتكم الفتيات المؤمنات .
والأظهر أن المؤمنات صفة لفتياتكم .
وقيل : ما مصدرية التقدير ، من ملك إيمانكم .
وعلى هذا يتعلق من فتياتكم بقوله : ملكت .
ومن أغرب ما سطروه في كتب التفسير ونقلوه عن قول الطبري : أنّ فاعل ذلك الفعل المحذوف هو قوله : { بعضكم من بعض } وفي الكلام تقديم وتأخير .
والتقدير : وَمَنْ لم يستطع منكم طولاً أن ينكح المحصنات المؤمنات فلينكح بعضهم من بعض الفتيات ، وهذا قول ينزه حمل كتاب الله عليه ، لأنه قول جمع الجهل بعلم النحو وعلم المعاني ، وتفكيك نظم القرآن عن أسلوبه الفصيح ، فلا ينبغي أن يسطر ولا يلتفت إليه .
ومنكم : خطاب للناكحين ، وفي : أيمانكم من فتياتكم خطاب للمالكين ، وليس المعنى أن الرجل ينكح فتاة نفسه ، وهذا التوسع في اللغة كثير .
{ والله أعلم بإيمانكم } لما خاطب المؤمنين بالحكم الذي ذكره من تجويز نكاح عادم طول الحرة المؤمنة للأمة المؤمنة ، نبّه على أنّ الإيمان هو وصف باطن ، وأنّ المطلع عليه هو الله .
فالمعنى : أنه لا يشترط في إيمان الفتيات أن يكونوا عالمين بذلك العلم اليقين ، لأن ذلك إنما هو لله تعالى ، فيكفي من الإيمان منهن إظهاره .
فمن كانت مظهرة للإيمان فنكاحها صحيح ، وربما كانت خرساء ، أو قريبة عهد بسباء وأظهرت الإيمان ، فيكتفي بذلك منها .
والخطاب في بإيمانكم للمؤمنين ذكورهم وإناثهم ، حرهم ورقهم ، وانتظم الإيمان في هذا الخطاب ، ولم يفردن بذلك فلم يأت والله أعلم بإيمانهن ، لئلا يخرج غيرهن عن هذا الخطاب .
والمقصود : عموم الخطاب ، إذ كلهم محكوم عليه بذلك .
وكم أمة تفوق حرة في الإيمان وفعل الخير ، وامرأة تفوق رجلاً في ذلك ، وفي ذلك تأنيس لنكاح الإماء ، وأن المؤمن لا يعتبر الأفضل الإيمان ، لا فضل الأحساب والأنساب { إن أكرمكم عند الله أتقاكم } ، « لا فضل لعربي على عجمي ولا عجمي على عربي إلا بالتقوى »
{ بعضكم من بعض } هذه جملة من مبتدأ وخبر ، وقد تقدم قول الطبري في أن ارتفاع بعضكم على الفاعلية بالفعل المحذوف ، ومعنى هذه الجملة الابتدائية : التأنيس أيضاً بنكاح الإماء ، وأن الأحرار والأرقاء كلهم متواصلون متناسبون يرجعون إلى أصل واحد ، وقد اشتركوا في الإيمان ، فليس بضائر نكاح الإماء .
وفيه توطئة العرب ، إذ كانت في الجاهلية تستهجن ولد الأمة ، وكانوا يسمونه الهجين ، فلما جاء الشرع أزال ذلك .
وما أحسن ما روي عن عليّ من قوله :
الناس من جهة التمثيل أكفاء *** أبوهم آدم والأم حواء
{ فانكحوهن بإذن أهلهن } هذا أمر إباحة ، والمعنى : بولاية ملاكهن .
والمراد بالنكاح هنا : العقد ، ولذلك ذكر إيتاء الأجر بعده أي المهر .
وسمي ملاك الإماء أهلاً لهن ، لأنهم كالأهل ، إذ رجوع الأمة إلى سيدها في كثير من الأحكام .
وقد قال صلى الله عليه وسلم : « لا تحل الصدقة لمحمد ولا لآل محمد » .
وقال صلى الله عليه وسلم : « موالي القوم منهم » .
وقيل : هو على حذف مضاف بإذن أهل ولايتهن ، وأهل ولاية نكاحهن هم الملاك .
ومقتضى هذا الخطاب أنّ الأدب شرط في صحة النكاح ، فلو تزوجت بغير إذن السيد لم يصح النكاح ، ولو أجازه السيد بخلاف العبد .
فإنه لو تزوج بغير إذن سيده فإن مذهب الحسن وعطاء ، وابن المسيب ، وشريح ، والشعبي ، ومالك ، وأبي حنيفة : أنّ تزوجه موقوف على إذن السيد ، فإن أجازه جاز ، وإن ردَّه بطل .
وقال الأوزاعي ، والشافعي ، وداود : لا يجوز ، أجازه المولى أو لم يجزه .
وأجمعوا على أنه لا يجوز نكاح العبد بغير إذن سيده ، وكان ابن عمر يعده زانياً ويحدّه ، وهو قول : أبي ثور .
وقال عطاء : لا حد عليه ، وليس بزنا ، ولكنه أخطأ السنة .
وظاهر قوله : بإذن أهلهن أنه يشمل الملاك ذكوراً وإناثاً ، فيشترط إذن المرأة في تزويج أمتها ، وإذا كان المراد بالإذن هو العقد فيجوز للمرأة أن تزوج أمتها وتباشر العقد ، كما يجوز للذكر .
وقال الشافعي : لا يجوز ، بل توكل غيرها في التزويج .
وقال الزمخشري : بإذن أهلهن ، اشترط الإذن للموالي في نكاحهن ، ويحتج به لقول أبي حنيفة : إنَّ لهن أن يباشرن العقد بأنفسهن ، لأنه اعتبر إذن الموالي لا عقدهم .
{ وآتوهن أجورهن بالمعروف } الأجور هنا المهور .
وفيه دليل على وجوب إيتاء الأمة مهرها لها ، وأنها أحق بمهرها من سيدها ، وهذا مذهب مالك ، قال : ليس للسيد أن يأخذ مهر أمته ويدعها بلا جهاز .
وجمهور العلماء : على أنه يجب دفعه للسيد دونها .
قيل : الإماء وما في أيديهن مال الموالي ، فكان أداؤه إليهن أداء إلى الموالي .
وقيل : على حذف مضاف أي : وآتوا مواليهن .
وقيل : حذف بإذن أهلهن بعد قوله : { وآتوهن أجورهن } لدلالة قوله : { فانكحوهن بإذن أهلهن } عليه وصار نظيراً { الحافظين فروجهم والحافظات } أي فروجهن ، { والذاكرين الله كثيراً والذاكرات } أي الله كثيراً .
وكون الأجور يراد بها المهور هو الوجه ، لأن النفقة تتعلق بالتمكين لا بالعقد .
وظاهر قوله : بالمعروف ، أنه متعلق بقوله : وآتوهن أجورهن .
قيل : ومعناه بغير مطل وضرار ، وإخراج إلى اقتضاء ولز .
وقيل : معناه بالشرع والسنة أي : المعروف من مهور أمثالهن اللاتي ساوينهن في المال والحسب .
وقيل : بالمعروف ، متعلق بقوله : فانكحوهن ، أي : فانكحوهن بالمعروف بإذن أهلهن ، ومهر مثلهن ، والإشهاد على ذلك .
فإن ذلك هو المعروف في غالب الأنكحة .
{ محصنات } أي عفائف ، ويحتمل مسلمات .
{ غير مسافحات } أي غير معلنات بالزنا .
{ ولا متخذات أخدان } أي : ولا متسترات بالزنا مع أخدانهن .
وهذا تقسيم الواقع لأن الزانية إما أن تكون لا ترد يد لامس ، وإما أن تقتصر على واحد ، وعلى هذين النوعين كان زنا الجاهلية .
قال ابن عباس : كان قوم يحرمون ما ظهر من الزنا ويستحلون ما خفي منه .
والخدن : هو الصديق للمرأة يزني بها سراً ، فنهى الله تعالى عن الفواحش ما ظهر منها وما بطن .
وانتصاب محصنات على الحال ، والظاهر أنّ العامل فيه : وآتوهن ، ويجوز على هذا الوجه أن يكون معنى محصنات مزوجات أي : وآتوهن أجورهن في حال تزويجهن ، لا في حال سفاح ، ولا اتخاذ خدن .
قيل : ويجوز أن يكون العامل في محصنات فانكحوهن محصنات أي : عفائف أو مسلمات ، غير زوان .
{ فإذا أحصن فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب } قال الجمهور ومنهم ابن مسعود : الإحصان هنا الإسلام .
والمعنى : أن الأمة المسلمة عليها نصف حد الحرة المسلمة .
وقد ضعف هذا القول ، بأن الصفة لهن بالإيمان قد تقدّمت في قوله : { من فتياتكم المؤمنات } فكيف يقال في المؤمنات : فإذا أسلمن ؟ قاله : إسماعيل القاضي .
وقال ابن عطية : ذلك غير لازم ، لأنه جائز أن يقطع في الكلام ويزيد ، فإذا كنّ على هذه الصفة المتقدمة من الإيمان فإن أتين فعليهن ، وذلك سائغ صحيح انتهى .
وليس كلامه بظاهر ، لأن أسلمن فعل دخلت عليه أداة الشرط ، فهو مستقبل مفروض التجدد والحدوث فيما يستقبل ، فلا يمكن أن يعبر به عن الإسلام ، لأن الإسلام متقدم سابق لهن .
ثم إنه شرط جاء بعد قوله تعالى : { فانكحوهن } فكأنه قيل : فإذا أحصن بالنكاح ، فإن أتين .
ومن فسر الإحصان هنا بالإسلام جعله شرطاً في وجوب الحد ، فلو زنت الكافرة لم تحد ، وهذا قول : الشعبي ، والزهري ، وغيرهما ، وقد روي عن الشافعي .
وقالت فرقة : هو التزويج ، فإذا زنت الأمة المسلمة التي لم تتزوج فلا حد عليها قاله : ابن عباس ، والحسن ، وابن جبير ، وقتادة .
وتحد الأمة المسلمة بالسنة تزوجت أو لم تتزوج ، بالحديث الثابت في صحيح البخاري ومسلم ، وهو أنه قيل : يا رسول الله ، الأمة ، إذا زنت ولم تحصن ، فأوجب عليها الحد « .
قال الزهري : فالمتزوجة محدودة بالقرآن ، والمسلمة غير المتزوجة محدودة بالحديث .
وهذا السؤال من الصحابة يقتضي أنهم فهموا أنّ معنى : فإذا أحصن ، تزوجن .
وجواب الرسول : يقتضي تقرير ذلك ، ولا مفهوم لشرط الإحسان الذي هو التزوج ، لأنه وجب عليه الحد بالسنة وإن لم تحصن ، وإنما نبه على حالة الإحصان الذي هو التزوج ، لئلا يتوهم أنّ حدها إذا تزوجت كحد الحرة إذا أحصنت وهو الرجم ، فزال هذا التوهم بالإخبار : أنه ليس عليها إلا نصف الحد الذي يجب على الحرائر اللواتي لم يحصن بالتزويج ، وهو الجلد خمسين .
والمراد بالعذاب الجلد كقوله تعالى : { وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين } ولا يمكن أن يراد الرجم ، لأنّ الرجم لا يتنصف .
والمراد بفاحشة هنا : الزنا ، بدليل إلزام الحد .
والظاهر أنه يجب نصف ما على الحرة من العذاب ، والحرة عذابها جلد مائة وتغريب عام ، فحد الأمة خمسون وتغريب ستة أشهر .
وإلى هذا ذهب جماعة من التابعين ، واختاره الطبري .
وذهب ابن عباس والجمهور : إلى أنه ليس عليها إلا جلد خمسين فقط ، ولا تغرب .
فإن كانت الألف واللام في العذاب لعهد العذاب المذكور في القرآن فهو الجلد فقط ، وإن كانت للعهد في العذاب المستقر في الشرع على الحرة كان الجلد والتغريب .
والظاهر وجوب الحد من قوله : فعليهن ، فلا يجوز العفو عن الأمة من السيد إذا زنت ، وهو مذهب الجمهور .
وذهب الحسن إلى أن للسيد أن يعفو ، ولم تتعرض الآية لمن يقيم الحد عليها .
قال ابن شهاب : مضت السنة أن يحدّ الأمة والعبد في الزنا أهلوهم ، إلا أن يرفع أمرهم إلى السلطان ، فليس لأحد أن يفتات عليه .
وقال ابن أبي ليلى : أدركت بقايا الأنصار يضربون الوليدة من ولائدهم إذا زنت في مجالسهم .
وأقام الحد على عبيدهم جماعة من الصحابة منهم : ابن عمر ، وأنس .
وجاءت بذلك ظواهر الأحاديث كقوله : « إِذَا زنت أمة أحدكم فليجلدها الحد » وبه قال الثوري والأوزاعي .
وقال مالك والليث : يحد السيد إلا في القطع ، فلا يقطع إلا الإمام .
وقال أبو حنيفة : لا يقيم الحدود على العبيد والإماء إلا السلطان دون الموالي وظاهر الآية يدل على وجوب الحد عليها في حال كونها أمة ، فلو عتقت قبل أن يقام عليها الحد أقيم عليها حد أمة ، وهذا مجمع عليه .
والمحصنات هنا الأبكار الحرائر ، لأنّ الثيب عليها الرجم .
وظاهر الآية أنه لا يجب إلا هذا الحدّ .
وذهب أهل الظاهر منهم داود : إلى أنه يجب بيعها إذا زنت زنية رابعة .
وقرأ حمزة والكسائي : أحصن مبنياً للفاعل ، وباقي السبعة : مبنياً للمفعول إلا عاصماً ، فاختلف عنه .
ومن بناه للمفعول فهو ظاهر حدًّا في أنه أريد به التزوج ، ويقوي حمله مبنياً للفاعل على هذا المعنى أي : أحصن أنفسهن بالتزويج .
وجواب فإذا الشرط وجوابه وهو قوله : فإن أتين بفاحشة فعليهن ، فالفاء في : فإن أتين هي فاء الجواب ، لا فاء العطف ، ولذلك ترتب الثاني ، وجوابه على وجود الأول ، لأنّ الجواب مترتب على الشرط في الوجود ، وهو نظير : إن دخلت الدار فإن كلمت زيداً فأنت طالق ، لا يقع الطلاق إلا إذا دخلت الدار أولاً ثم كلمت زيداً ثانياً .
ولو أسقطت الفاء من الشرط الثاني لكان له حكم غير هذا ، وتفصيل ذكر في النحو .
ومن العذاب في موضع الحال من الضمير المستكن في صلة ما .
{ ذلك لمن خشي العنت منكم } ذلك إشارة إلى نكاح عادم طول الحرّة المؤمنة .
قاله : ابن عباس ، ومجاهد ، وابن جبير ، والضحاك ، وعطية العوفي ، وعبد الرحمن بن زيد .
والعنت : أصله المشقة ، وسمي الزنا عنتاً باسم ما يعقبه من المشقة في الدنيا والآخرة .
قال المبرد : أصل العنت أن يحمله العشق والشبق على الزنا ، فيلقى العذاب في الآخرة ، والحدّ في الدنيا .
وقال أبو عبيدة والزجاج : العنت الهلاك .
وقالت طائفة : الإثم الذي تؤدي إليه غلبة الشهوة .
وظاهر هذا أنه إذا لم يخش العنت لا يجوز له نكاح الأمة .
والذي دلّ عليه ظاهر القرآن : أنه لا يجوز نكاح الحرّ الأمة إلا بثلاثة شروط : إثنان في الناكح وهما : عدم طول الحرّة المؤمنة ، وخوف العنت .
{ وأن تصبروا خير لكم } ظاهره الإخبار عن صبر خاص ، وهو غير نكاح الإماء ، وقاله ابن عباس ومجاهد وابن جبير والسدي : وجهة الخيرية كونه لا يرق ولده ، وأن لا يبتذل هو ، وينتقص في العادة بنكاح الأمة .
وفي سنن ابن ماجة من حديث أنس قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : « من أراد أن يلقى الله طاهراً مطهراً فليتزوج الحرائر » وجاء في الحديث : « انكحوا الأكفاء واختاروا لنطفكم » وقيل : المراد وإن تصبروا عن الزنا بنكاح الإماء خير لكم ، وعلى هذا فالخيرية ظاهرة .
ويكون على هذا القول في الآية إيناس لنكاح الإماء ، وتقريب منه ، إذ كانت العرب تنفر عنه .
وإذا جعل : وإن تصبروا عاماً ، اندرج فيه الصبر المقيد وهو : عن نكاح الإماء ، وعن الزنا .
إذ الصبر خير ، من عدمه ، لأنه يدل على شجاعة النفس وقوة عزمها ، وعظم إبائها ، وشدة حفاظها .
وهذا كله يستحسنه العقل ، ويندب إليه الشرع ، وربما أوجبه في بعض المواضع .
وجعل الله تعالى أجر الصابر موفاة بغير حساب ، وقد قال بعض أهل العلم : إنّ سائر العبادات لا بد لها من الصبر .
قال تعالى : { واستعينوا بالصبر والصلاة }
{ والله غفور رحيم } لما ندب بقوله : وأن تصبروا إلى الصبر عن نكاح الإماء ، صار كأنه في حيز الكراهة ، فجاء بصفة الغفران المؤذنة بأنَّ ذلك مما سامح فيه تعالى ، وبصفة الرحمة حيث رخص في نكاحهن وأباحه .