قوله ( وَمَنْ لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً ) الآية [ 25 ] .
قرأ الكسائي( {[12106]} ) المحصنات في كل القرآن –بكسر الصاد ، إلا قوله ( وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ ) قال : لأنه أراد به ذوات الأزواج من السبايا أحلهن الله بعد استبرائهن بالحيض ، فالأزواج أحصنوهن ، قال : وغير ذلك يكون المراد به غير التزوج ، إما إحصان إسلام ، أو عفة أو بلوغ ، فتكون هي التي أحصنت نفسها بإسلامها أو بعفتها أو ببلوغها ، ولا يحتمل عنده ( وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ ) إلا إحصان( {[12107]} ) التزويج ، وهو مذهب ابن مسعود وابن عباس ومجاهد وابن المسيب وغيرهم( {[12108]} ) .
ومن فتح الصاد في جميع ذلك قال : إن الإسلام يحصنهن كما يحصنهن التزويج ، وكذلك العفاف والبلوغ والحرية وشبهه( {[12109]} ) . وحكى أصحاب أبي عمرو( {[12110]} ) ( أن العرب )( {[12111]} ) لا تقول : هذا قاذف محصِنة ، ولكن تفتح ، ومن ضم " أحصن " أجراه على محصنات جعلهن مفعولات في الموضعين ، فأما من فتح الهمزة ، فحجته أن التفسير ورد على إضافة الإحصان إليهن ، ولأن من قرأ بضم الهمزة يلزمه في الحكم ألا يوجب الحد على المملوكة إلا إذا كانت ذات زوج دون الأيم ، وفي إجماع الجميع على إيجاب الحد ( على( {[12112]} ) ) المملوكة الأيم دليل واضح على فتح الهمزة بمعنى : فإذا أحصن أي : أحصن أنفسهن بالعفاف أوبالإسلام .
والاختيار عند أهل اللغة : الضم( {[12113]} ) لأنه قد تقدم ذكر إسلامهن في قوله ( اَنْ يَّنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ ) فدل على أن الثاني غير الإسلام فيكون أحصن بمعنى تزوجن ، فالمعنى فإذا أحصنهن الأزواج ، ويكون حدها إن زنت بالكتاب ، وحَدِّ الأيم بالسنة ، ومعنى الآية : أن الطَوْل : السعة في المال عند أكثر أهل التفسير( {[12114]} ) وقال ابن زيد : الطَّول أن يجد ما ينكح به حرة( {[12115]} ) .
وقال بعضهم : الطول الهوى قاله ربيعة ، إذا هوى أمَتَه ، وخشي على نفسه ، وهو يقدر على نكاح الحرة( {[12116]} ) فأرى أن ينكح الأمة( {[12117]} ) . وقال جابر : لا يتزوج الحر الأمة إلا أن يخشى على نفسه العنت( {[12118]} ) ، فليتزوجها( {[12119]} ) . وقال عطاء : لا يفعل ذو الطول إلا أن يخشى على نفسه البغي( {[12120]} ) .
وأكثر الناس على أن ذا الطول لا يتزوج الأمة وإن خشي على نفسه لأن وجود الطول إلى الحرة فيه قضاء شهوة ، ولذة وليس هو كالمضطر إلى الميتة( {[12121]} ) ، والله عز وجل قد حرم نكاح الأمة إلا لمن ( لم( {[12122]} ) ) يجد طولاً إلى الحرة ، فلا يخرج عن التحريم فيخلص لقضاء لذة ، فمعناه : وإنه لم يقدر أن ينكح الحرائر المؤمنات لقلة ما بيده ، فلينكح الأمة المؤمنة إذا خاف العنت ، فيتعفف بها ويكفيه أهلها مؤنتها .
قال الشافعي وغيره : لا ينكح الأمة حتى يعدم ما يتزوج به الحرة ويخاف الزنا ، فإن لم يجتمع الأمران عليه فلا يتزوج الأمة( {[12123]} ) .
وإذا نكح الأمة على الحرة فإن مالكاً قال : لا يفعل فإن فعل جاز النكاح ، وكانت الحرة مخيرة إن شاءت أقامت وإن شاءت اختارت نفسها( {[12124]} ) . وقال الشافعي : النكاح باطل( {[12125]} ) .
وقال الزهري : يفرق بينه وبين الأمة ، ويعاقب( {[12126]} ) .
وقال عطاء : لا ينكح الأمة على الحرة إلا بأمرها ، فإن اجتمعا كان للحرة ثلثا النفقة( {[12127]} ) . وكان مجاهد يقول : مما وسع الله به على هذه الأُمَة نكاح الأَمَة ، واليهودية والنصرانية وإن كان هو شراً( {[12128]} ) ، يعني إذا خاف العنت على نفسه في الأمَّة لهوى نزل به( {[12129]} ) . وقال مسروق الشعبي : نكاح الأمة لا يحل إلا لمضطر كالميتة ، فإذا تزوج حرة على أمة حرمت عليه الأمة كالرجل يجد طعاماً ومعه ميتة( {[12130]} ) .
والمحصنات هنا العفائف ( وقيل الحرائر( {[12131]} ) ) وهو الأشبه لذكر المماليك بعدهن( {[12132]} ) . والفتيات جمع فتاة وهن الشواب .
وقوله ( مِّن فَتَيَاتِكُمُ الْمُومِنَاتِ ) يدل على أن تحريم نكاح الإماء المشركات واجب وهو محرم عند مالك وجماعة من العلماء( {[12133]} ) .
قال أهل العراق( {[12134]} ) : ذلك على الإرشاد ، وليس بمحرم ، وإنما هو ندب .
فأما نكاح الحرة على الأمة فهو جائز عند ابن المسيب وعطاء الشافعي ، وأبي ثور وأصحاب الرأي .
وروي عن علي رضي الله عنه جوازه ، وقال : يفرض للحرة يومان وللأمة يوم( {[12135]} ) . وقال مالك والزهري : للحرة الخيار إذا علمت بذلك إن شاءت أقامت ، وإن شاءت فارقته( {[12136]} ) .
وقال ابن عباس : نكاح الحرة طلاق الأمة ، وبه قال أحمد وإسحاق( {[12137]} ) . وقال النخعي : يفارق الأمة إذا تزوج الحرة إلا أن يكون له يكون له من الأمة ولد ، فلا يفارقها ، ويكون للحرة يومان وللأمة يوم( {[12138]} ) . وقال مالك : إذا خشي على نفسه العنت يتزوج من الإماء حتى يبلغ أربعاً( {[12139]} ) ، وهو قول أصحاب الرأي( {[12140]} ) .
وروي عن الزهري أنه قال : يتزوج أربعاً ، ولم يذكر عنتاً( {[12141]} ) .
وروي عن ابن عباس أنه لا يتزوج إلا واحدة ، وبه قال قتادة والشافعي( {[12142]} ) .
وقال أحمد : يتزوج من الإماء( {[12143]} ) اثنتين لا غير( {[12144]} ) .
وقوله : ( بَعْضُكُمْ مِّن بَعْضٍ ) أي : أنتم بنو آدم( {[12145]} ) .
وقيل : معناه أنتم مؤمنون كلكم إخوة( {[12146]} ) .
وقيل : نزل ذلك لما كانت العرب تعير ابن الأمة وتسميه هجيناً .
وقيل : في الكلام تقديم وتأخير ، والمعنى : ( وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً اَنْ يَّنْكَحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُومِنَاتِ ) ومن لم يستطع منكم طولاً أن ينكح المحصنات المؤمنات " فلينكح بعضكم من بعض " هذا فتاة هذا ( وهذا( {[12147]} ) ) فتاة هذا وعلى هذا القول مرفوعون( {[12148]} ) بفعلهم في التأويل لأن المعنى ( مَّا مَلَكَتَ اَيْمَانُكُم فلينكح مما ملكت فرد بعضكم على ذلك( {[12149]} ) .
وقوله ( وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُم ) ، أي : يعلم من آمن منكم وصدق بما جاء من عند الله عز وجل ( ورسوله ) صلى الله عليه وسلم( {[12150]} ) . وقوله : ( فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذِنِ أَهْلِهِنَّ ) أي تزوجوهن بإذن مواليهن ، ورضاهن ( وَءَاتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ) أي : اعطوهن مهورهن بالمعروف على ما تراضيتم به مما أحل الله لكم أن تجعلوه مهوراً( {[12151]} ) ( مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ ) أي : عفائف غير زناة( {[12152]} ) .
( وَلاَ مُتَّخِذَاتِ أَخْذَانٍ( {[12153]} ) ) وليس ممن لهن( {[12154]} ) أصدقاء على السفاح لأنهن في الجاهلية كان لهن الخليل ، والصديق يحبسن أنفسهن للفجور عليه سراً( {[12155]} ) ، وكانوا في الجاهلية يحرمون الزنا ما ظهر منه ، ويسمحون فيما أسر ، يقولون : ما ظهر منه فهو لؤم ، وما خفي منه فلا بأس به ، فأنز الله ( وَلاَ تَقْرَبُوا الفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ )( {[12156]} ) .
وقال السدي وغيره : ولا مسافحات معلنات بالزنا( {[12157]} ) .
قوله : ( فَإِذَا أُحْصِنَّ ) أي : صرن ممنوعات الفروج بالأزواج وهذا المعنى يدل على الضم في الهمزة( {[12158]} ) .
وقيل : أحصن : أسلمن قاله السدي( {[12159]} ) وهذا المعنى يدل على القراءة بفتح الهمزة .
وقال سالم والقاسم : إحصانها عفافها ، وإسلامها( {[12160]} ) . وأكثر الناس على أن المعنى فإذا تزوجن( {[12161]} ) .
( فَإِنَ اَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ ) معنى ذلك : إذا أتت الأمة بزنى بعدما أحصنت بالزوج فعليها ( نِصْفُ( {[12162]} ) مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ ) أي الحرائر الأبكار .
وقيل : ذوات الإسلام التي أحصنهن دينهن غير( {[12163]} ) محصنات بأزواج( {[12164]} ) . وقوله ( مِنَ العَذَابِ ) أي : من الحد إذا زنيت( {[12165]} ) .
وسميت البكر محصنة لأنه يكون بها فيما يستقبل كما يقال : ضحته( {[12166]} ) قيل أن يضحي بها ، وقيل : المحصنات هنا المتزوجات( {[12167]} ) ، فعلى الإماء المتزوجات نصف حد الحرة وهو خمسون ، والرجم لا( {[12168]} ) يتبعض لأن المرجوم قد يموت بحجر واحد ، وربما لميمت بألف حجر ، فنصف الرجم متعذر حده ، فلابد من الرجوع إلى نصف الجلد .
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : " إذا زنت الأمة فاجلدوها( {[12169]} ) " . وإحصان الأمة إسلامها ، وقد يجوز أن يكون معنى قوله ( نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ ) يعني من الأبكار لأن إحصان الحرة قد يكون العفاف ، وقد يكون الإسلام ، وقد يكون التزويج ، ولا يحصن الأمة لا تزويج ولا غيره إلا : الإسلام .
و( الْعَذَابِ ) الحد غير الرجم ، قال ابن عباس : على الأمة إذا زنت وهي مع حر نصف حد الحرة ، وهو خمسون( {[12170]} ) والمعنى فلازم لهن نصف حد الحرة .
قوله ( ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنكُمْ ) معناه ذلك الذي أبيح من نكاح الأمة لمن خشي العنت ، وهو الزنا( {[12171]} ) .
وقيل : هو الإثم . وقيل : العقوبة .
وقيل : الهلاك( {[12172]} ) .
وأصل العنت في اللغة المشقة( {[12173]} ) يقال : أكمة عنوت إذا كانت شاقة ، فهذا يدل على جواز نكاح الإماء إنما يكون باجتماع الشرطين المذكورين ، وهما : عدم الطول ، وخوف العنت وروي عن علي رضي الله عنه أنه قال : لا ينبغي للحر أن يتزوج أمة وهو يجد الطول إلى الحرة ، فإن فعل فرق بينهما وعزر( {[12174]} ) .
قوله : ( وَأَن تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَّكُمْ ) أي : عن نكاح الإماء خير لكم ( وَاللَّهُ غَفُورٌ ) أي : غفور لكم عن نكاحهن على ما نصه لكم ، وأذن لكم فيه قال ذلك السدي وابن عباس وطاوس وغيرهم( {[12175]} ) .
قوله : ( رَّحِيمٌ ) أي : رحيم بكم إذ أذن لكم في نكاحهن عند الاقتدار وعدم الطول للحرة .