التفسير الصحيح لبشير ياسين - بشير ياسين  
{وَمَن لَّمۡ يَسۡتَطِعۡ مِنكُمۡ طَوۡلًا أَن يَنكِحَ ٱلۡمُحۡصَنَٰتِ ٱلۡمُؤۡمِنَٰتِ فَمِن مَّا مَلَكَتۡ أَيۡمَٰنُكُم مِّن فَتَيَٰتِكُمُ ٱلۡمُؤۡمِنَٰتِۚ وَٱللَّهُ أَعۡلَمُ بِإِيمَٰنِكُمۚ بَعۡضُكُم مِّنۢ بَعۡضٖۚ فَٱنكِحُوهُنَّ بِإِذۡنِ أَهۡلِهِنَّ وَءَاتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِٱلۡمَعۡرُوفِ مُحۡصَنَٰتٍ غَيۡرَ مُسَٰفِحَٰتٖ وَلَا مُتَّخِذَٰتِ أَخۡدَانٖۚ فَإِذَآ أُحۡصِنَّ فَإِنۡ أَتَيۡنَ بِفَٰحِشَةٖ فَعَلَيۡهِنَّ نِصۡفُ مَا عَلَى ٱلۡمُحۡصَنَٰتِ مِنَ ٱلۡعَذَابِۚ ذَٰلِكَ لِمَنۡ خَشِيَ ٱلۡعَنَتَ مِنكُمۡۚ وَأَن تَصۡبِرُواْ خَيۡرٞ لَّكُمۡۗ وَٱللَّهُ غَفُورٞ رَّحِيمٞ} (25)

قوله تعالى : ( ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات )

قال الشيخ الشنقيطي : ظاهر هذه الآية الكريمة أن الأمة لا يجوز نكاحها ، ولو عند الضرورة إلا إذا كانت مؤمنة بدليل قوله ( من فتياتكم المؤمنات ) فمفهوم مخالفته أن غير المؤمنات من الإماء لا يجوز نكاحهن على كل حال ، وهذا المفهوم يفهم من مفهوم آية أخرى وهي قوله تعالى ( والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب ) فإن المراد بالمحصنات فيها الحرائر على أحد الأقوال ، ويفهم منه أن الإماء الكوافر لا يحل نكاحهن ولو كن كتابيات .

أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال :

( ومن لم يستطع منكم طولا ) من لم يكن له سعة .

أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال :

قوله ( أن ينكح المحصنات ) أن ينكح الحرائر ، فلينكح من إماء المؤمنين .

أخرج الطبري بسنده عن مجاهد ( من فتياتكم المؤمنات ) قال : لا ينبغي أن يتزوج مملوكة نصرانية .

قوله تعالى ( فانكحوهن بإذن أهلهن )

قال ابن ماجة : حدثنا جميل بن الحسن العتكي . ثنا محمد بن مروان العقيلي . ثنا هشام بن حسان ، عن محمد بن سيرين ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لا تزوج المرأة المرأة . ولا تزوج المرأة نفسها . فإن الزانية هي التي تزوج نفسها " . ( السنن 1882- ك النكاح- باب لا نكاح إلا بولي ) . قال محقق السنن : في الزوائد : في إسناده جميل بن الحسن العتكي . قال فيه عبدان : إنه فاسق يكذب ، يعني في كلامه . وقال ابن عدي : لم أسمع أحدا تكلم فيه غير عبدان ، إنه لا بأس به ، ولا أعلم له حديثا منكرا . وذكره بن حبان في الثقات . وقال : يغرب . وأخرج له في صحيحه هو وابن خزيمة والحاكم . وقال مسلمة الأندلسي : ثقة . وباقي رجال الإسناد ثقات ا . ه . والذي في مصباح الزجاجة غير هذا بالمرة ( انظر1/332 ) . وقد أخرجه الدارقطني من طريق عبد السلام بن حرب عن هشام به ، وفي آخره بلفظ " . . إن التي تزوج نفسها هي الفاجرة . . «( السنن 3/227 ح 26 ) وصححه ابن الملقن رواية الدارقطني ( خلاصة البدر المنير 2/187 ح 1938 ) . وقال الألباني في أحد هذه الطرق : إسناده صحيح على شرط الشيخين . ( انظر الإرواء 6/249 ) . وذكره ابن كثير ( 2/227 ) . وانظر حديث بن ماجة الآخر المتقدم تحت الآية رقم ( 232 ) من سورة البقرة . وهو حديث : «لا نكاح إلا بولي " .

قوله تعالى ( محصنات غير مسافحات ولا متخذات أخدان ) .

أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال : يعني تنكحوهن عفائف غير زوان في سر ولا علانية ولا متخذات أخدان «يعني في خلاء " .

قوله تعالى ( فإذا أحصن فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب )

قال الشيخ الشنقيطي : لم يبين هنا هذا العذاب الذي على المحصنات- وهن الحرائر- الذي نصفه على الإماء ، ولكنه بين في موضع آخر أنه جلد مائة بقوله ( الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ) فيعلم منه أن على الأمة الزانية خمسين جلدة ويلحق بها العبد الزاني فيجلد خمسين ، فعموم الزانية مخصوص بنص قوله تعالى ( فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب ) وعموم الزاني مخصوص بالقياس على المنصوص ، لأنه لا فارق البتة بين الحرة والأمة إلا الرق ، فعلم أنه سبب تشطير الجلد فأجرى في العبد لا تصافه بالرق الذي هو مناط تشطير الجلد ، وهذه الآية عن الأصوليين من أمثلة تخصيص عموم النص بالقياس ، بناء على أن نوع تنقيح المناط المعروف بإلغاء الفارق يسمى قياسا ، والخلاف في كونه قياسا معروف في الأصول . أما الرجم فمعلوم أنه لا يتشطر ، فلم يدخل في المراد بالآية .

قال مسلم : حدثنا محمد بن أبي بكر المقدمي . حدثنا سليمان أبو داود . حدثنا زائدة عن السدي ، عن سعد بن عبيدة ، عن أبي عبد الرحمن . قال : خطب علي فقال : يا أيها الناس أقيموا على أرقائكم الحد . من أحصن منهم ومن لم يحصن . فإن أَمة لرسول الله صلى الله عليه وسلم زنت . فأمرني أن أجلدها . فإذا هي حديث عهد بنفاس . فخشيت ، إن أنا جلدتها ، أن أقتلها . فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم – فقال : " أحسنت " . ( الصحيح 3/1330ح 1705 – ك الحدود ، ب تأخير الحد عن النفساء ) .

أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال : قوله ( فإذا أحصن ) إذا تزوجن حرا .

قال البخاري : حدثنا مالك بن إسماعيل حدثنا سفيان عن الزهري حدثني عبيد الله سمعت أبا هريرة رضي الله عنه وزيد بن خالد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : «إذا زنت الأمة فاجلدوها ، ثم إذا زنت فاجلدوها ثم إذا زنت فاجلدوها في الثالثة أو الرابعة فبيعوها ولو بضفير " . ( الصحيح 5/ 211 ح 2555 ، 2556 _ ك العتق ، ب كراهية التطاول على الرقيق . . . ) ، وأخرجه مسلم ( الصحيح 3/1328 ح 1703 – ك الحدود ، ب رجم اليهود ، أهل الذمة ، في الزنى ) .

أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال : قوله : ( فإن آتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب ) من الجلد .

أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله : ( فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب ) خمسون جلدة ، ولا نفي ولا رجم .

قوله تعالى ( ذلك لمن خشي العنت )

أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال : { العنت } الزنا .

قوله تعالى ( وأن تصبروا خير لكم )

أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال : { وأن تصبروا خير لكم } وأن تصبروا عن الأمة خير لكم .