معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{فَٱلۡتَقَطَهُۥٓ ءَالُ فِرۡعَوۡنَ لِيَكُونَ لَهُمۡ عَدُوّٗا وَحَزَنًاۗ إِنَّ فِرۡعَوۡنَ وَهَٰمَٰنَ وَجُنُودَهُمَا كَانُواْ خَٰطِـِٔينَ} (8)

قوله عز وجل :{ فالتقطه آل فرعون } والالتقاط هو وجود الشيء من غير طلب ، { ليكون لهم عدواً وحزناً } وهذه اللام تسمى لام العاقبة ولام الصيرورة ، لأنهم لم يلتقطوه ليكون لهم عدواً وحزناً ولكن صار عاقبة أمرهم إلى ذلك ، قرأ حمزة والكسائي : ( حزناً ) بضم الحاء وسكون الزاي ، وقرأ الآخرون بفتح الحاء والزاي ، وهما لغتان ، { إن فرعون وهامان وجنودهما كانوا خاطئين } عاصين آثمين .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{فَٱلۡتَقَطَهُۥٓ ءَالُ فِرۡعَوۡنَ لِيَكُونَ لَهُمۡ عَدُوّٗا وَحَزَنًاۗ إِنَّ فِرۡعَوۡنَ وَهَٰمَٰنَ وَجُنُودَهُمَا كَانُواْ خَٰطِـِٔينَ} (8)

{ فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ } فصار من لقطهم ، وهم الذين باشروا وجدانه ، { لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا } أي : لتكون العاقبة والمآل من هذا الالتقاط ، أن يكون عدوا لهم وحزنا يحزنهم ، بسبب أن الحذر لا ينفع من القدر ، وأن الذي خافوا منه من بني إسرائيل ، قيض اللّه أن يكون زعيمهم ، يتربى تحت أيديهم ، وعلى نظرهم ، وبكفالتهم .

وعند التدبر والتأمل ، تجد في طي ذلك من المصالح لبني إسرائيل ، ودفع كثير من الأمور الفادحة بهم ، ومنع كثير من التعديات قبل رسالته ، بحيث إنه صار من كبار المملكة .

وبالطبع ، إنه لا بد أن يحصل منه مدافعة عن حقوق شعبه هذا ، وهو هو ذو الهمة العالية والغيرة المتوقدة ، ولهذا وصلت الحال بذلك الشعب المستضعف -الذي بلغ بهم الذل والإهانة إلى ما قص اللّه علينا بعضه - أن صار بعض أفراده ، ينازع ذلك الشعب القاهر العالي في الأرض ، كما سيأتي بيانه .

وهذا مقدمة للظهور ، فإن اللّه تعالى من سنته الجارية ، أن جعل الأمور تمشي على التدريج شيئا فشيئا ، ولا تأتي دفعة واحدة .

وقوله : { إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ } أي : فأردنا أن نعاقبهم على خطئهم{[599]} ونكيد هم ، جزاء على مكرهم وكيدهم .


[599]:- كذا في ب، وفي أ: نعاقبهما على خطئهما.
 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{فَٱلۡتَقَطَهُۥٓ ءَالُ فِرۡعَوۡنَ لِيَكُونَ لَهُمۡ عَدُوّٗا وَحَزَنًاۗ إِنَّ فِرۡعَوۡنَ وَهَٰمَٰنَ وَجُنُودَهُمَا كَانُواْ خَٰطِـِٔينَ} (8)

والفاء فى قوله : { فالتقطه آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً وَحَزَناً . . . } هى الفصيحة .

والالتقاط : وجود الشىء والحصول عليه من غير طلب ولا قصد .

والمراد بآل فرعون : جنوده وأتباعه الذين عثروا على التابوت الذى به موسى ، وحملوه إلى فرعون . والحزن - بالتحريك ، وبضم فسكون - نقيض السرور ، وفعله كفرح .

يقال : حزنه الأمر وأحزنه : أى : جعله حزينا .

واللام فى قوله : { لِيَكُونَ . . } هى لام العاقبة والصيرورة .

قال القرطبى : قوله - تعالى - : { فالتقطه آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً وَحَزَناً } لما كان التقاطهم إياه يؤدى إلى كونه عدوا لهم وحزنا ، فاللام فى { لِيَكُونَ } لام العاقبة والصيرورة ، لأنهم إنما أخذوه ليكون لهم قرة عين ، فكان عاقبة ذلك أن كان لهم عدوا وحزنا ، فذكر الحال بالمآل كما فى قول الشاعر :

وللمنايا تربى كل مرضعة . . . ودورنا لخراب الدهر نبنيها

أى : فعاقبة البناء : الخراب ، وإن كان فى الحال مفروحا به .

ويرى بعضهم أن اللام هنا يصح أن تكون للتعليل ، بمعنى ، أن الله - تعالى - سخر بمشيئته وإرادته فرعون وآله . لالتقاط موسى ، ليجعله لهم عدوا وحزنا ، فكأنه - سبحانه - يقول : قدرنا عليهم التقاطه بحكمتنا وإرادتنا ، ليكون لهم عدوا وحزنا .

إلى هذا المعنى أشار الإمام ابن كثير بقوله : قال محمد بن إسحاق وغيره اللام هنا لام العاقبة لا لام التعليل ، لأنهم لم يريدوا بالتقاطه ذلك - أى : لم يريدوا بالتقاطه العداوة والحزن - ، ولا شك أن ظاهر اللفظ يقتضى ما قالوا . ولكن إذا نظرنا إلى معنى السياق ، فأنه نبقى اللام للتعليل ، لأن معناه : أن الله - تعالى - قيضهم لالتقاطه ليجعله لهم عدوا وحزنا ، فيكون أبلغ فى إبطال حذرهم منه .

ومع وجاهة الرأيين ، إلا أننا نميل إلى الرأى الثانى ، لأنه - كما قال الإمام ابن كثير - أبلغ فى إبطال حذرهم منه ، ولأن قوله - تعالى - : { إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُواْ خَاطِئِينَ } يشير إلى أن اللام للتعليل . . .

والمعنى : ونفذت أم موسى ما أوحيناه إليها ، فأرضعت ابنها موسى وألقته فى اليم حين خافت عليه القتل ، فالتقطه آل فرعون من اليم ، ليكون لهم عدوا وحزنا ، وليعلموا أن ما أردناه لا بد أن يتم مهما احترسوا واحتاطوا وحذروا ، فما شاء الله كان ، وما لم يشأ لم يكن .

وقوله - تعالى - : { إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُواْ خَاطِئِينَ } تعليل لما قبله ، و { خَاطِئِينَ } أى : مرتكبين للخطيئة التى هى الذنب العظيم ، كقوله - تعالى - فى قوم نوح - عليه السلام - :

{ مِّمَّا خطيائاتهم أُغْرِقُواْ فَأُدْخِلُواْ نَاراً . . . . } وكقوله - سبحانه - فى شأن الكافرين { بلى مَن كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خطيائته فأولئك أَصْحَابُ النار هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } أى : فعلنا ما فعلنا من جعل موسى عدوا وحزنا لفرعون وآله ، لأن فرعون ووزيره هامان ، وجنودهما الذين يناصرونهما ، كانوا مرتكبين للذنوب العظيمة فى كل ما يأتون ويذرون ، ومن مظاهر ذلك قتلهم لذكور بنى إسرائيل ، وإبقاؤهم لإناثهم .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{فَٱلۡتَقَطَهُۥٓ ءَالُ فِرۡعَوۡنَ لِيَكُونَ لَهُمۡ عَدُوّٗا وَحَزَنًاۗ إِنَّ فِرۡعَوۡنَ وَهَٰمَٰنَ وَجُنُودَهُمَا كَانُواْ خَٰطِـِٔينَ} (8)

{ فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوا وحزنا } تعليل لالتقاطهم إياه بما هو عاقبته ومؤداه تشبيها له بالغرض الحامل عليه . وقرأ حمزة والكسائي { وحزنا } . { إن فرعون وهامان وجنودهما كانوا خاطئين } في كل شيء فليس ببدع منهم أن قتلوا ألوفا لأجله ثم أخذوه يربونه ليكبر ويفعل بهم ما كانوا يحذرون ، أو مذنبين فعاقبهم الله تعالى بأن ربى عدوهم على أيديهم ، فالجملة اعتراض لتأكيد خطئهم أو لبيان الموجب لما ابتلوا به ، وقرئ " خاطين " تخفيف { خاطئين } أو " خاطين " الصواب إلى الخطأ .