الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع  
{فَٱلۡتَقَطَهُۥٓ ءَالُ فِرۡعَوۡنَ لِيَكُونَ لَهُمۡ عَدُوّٗا وَحَزَنًاۗ إِنَّ فِرۡعَوۡنَ وَهَٰمَٰنَ وَجُنُودَهُمَا كَانُواْ خَٰطِـِٔينَ} (8)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{فالتقطه ءال فرعون} من البحر... {ليكون لهم عدوا} في الهلاك {وحزنا} يعني: وغيظا... {إن فرعون وهامان وجنودهما كانوا خاطئين}.

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره: فالتقطه آل فرعون فأصابوه وأخذوه وأصله من اللقطة، وهو ما وُجد ضالاً فأخذ. والعرب تقول لما وردت عليه فجأة من غير طلب له ولا إرادة: أصبته التقاطا، ولقيت فلانا التقاطا...

وقوله:"لِيَكونَ لَهُمْ عَدُوّا وَحَزَنا" فيقول القائل: ليكون موسى لآل فرعون عدوّا وحزَنا فالتقطوه، فيقال "فالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكونَ لَهُمْ عَدُوّا وَحَزَنا "قيل: إنهم حين التقطوه لم يلتقطوه لذلك، بل لما تقدّم ذكره، ولكنه إن شاء الله... عن ابن إسحاق، في قوله: "فالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّا وحَزَنا" قال: ليكون في عاقبة أمره عدوا وحزنا لما أراد الله به، وليس لذلك أخذوه، ولكن امرأة فرعون قالت: "قُرّةُ عَيْنٍ لي ولَكَ" فكان قول الله: "لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّا وحَزَنا" لما هو كائن في عاقبة أمره لهم، وهو كقول الآخر إذا قَرّعه لفعل كان فعله وهو يحسب محسنا في فعله، فأدّاه فعله ذلك إلى مساءة مندّما له على فعله: فعلت هذا لضرّ نفسك، ولتضرّ به نفسك فعلت. وقد كان الفاعل في حال فعله ذلك عند نفسه يفعله راجيا نفعه، غير أن العاقبة جاءت بخلاف ما كان يرجو. فكذلك قوله: "فالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّا وَحَزَنا" إنما هو: فالتقطه آل فرعون ظنا منهم أنهم محسنون إلى أنفسهم، ليكون قرّة عين لهم، فكانت عاقبة التقاطهم إياه منه هلاكهم على يديه.

وقوله: "عَدُوّا وَحَزَنا" يقول: يكون لهم عدُوّا في دينهم، وحزَنا على ما ينالهم منه من المكروه...

وقوله: "إنّ فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجُنُودَهُما كانُوا خاطِئِينَ" يقول تعالى ذكره: إن فرعون وهامان وجنودهما كانوا بربهم آثمين، فلذلك كان لهم موسى عَدُوّا وحَزَنا.

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

{كَانُواْ خاطئين} في كل شيء، فليس خطؤهم في تربية عدوّهم ببدع منهم. أو كانوا مذنبين مجرمين، فعاقبهم الله بأن ربي عدوّهم ومن هو سبب هلاكهم على أيديهم.

البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي 745 هـ :

{فَالْتَقَطَهُ ءالُ فِرْعَوْنَ} في الكلام حذف تقديره ففعلت ما أمرت به من إرضاعه ومن إلقائه في اليم... والخاطئ المتعمد الخطأ، والمخطئ الذي لا يتعمده، واحتمل أن يكون في الكلام حذف وهو الظاهر، أي فكان لهم عدواً وحزناً أي لأنهم كانوا خاطئين لم يرجعوا إلى دينه وتعمدوا الجرائم والكفر بالله...

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

ولما كانت عاقبة أمره إهلاكهم، وكان العاقل لا سيما المتحذلق، لا ينبغي له أن يقدم على شيء حتى يعلم عاقبته فكيف إذا كان يدعي أنه إله، عبر سبحانه بلام العاقبة التي معناها التعليل، تهكماً بفرعون -كما مضى بيان مثله غير مرة- في قوله: {ليكون لهم عدواً} أي بطول خوفهم منه بمخالفته لهم في دينهم وحملهم على الحق {وحزناً} أي بزوال ملكهم، لأنه يظهر فيهم الآيات التي يهلك الله بها من يشاء منهم... فيخلص جميع بني إسرائيل منهم، ثم يظفر بهم كلهم، فيهلكهم الله بالغرق على يده إهلاك نفس واحدة، فيعم الحزن والنواح أهل ذلك الإقليم كله... ولما كان لا يفعل هذا الفعل إلا أحمق مهتور أو مغفل مخذول لا يكاد يصيب على ذلك بالأمرين فقال: {إن فرعون وهامان وجنودهما} أي كلهم على طبع واحد {كانوا خاطئين} أي دأبهم تعمد الذنوب، والضلال عن المقاصد، فلا بدع في خطئهم في أن يربّوا من لا يذبحون الأبناء إلاّ من أجله، مع القرائن الظاهرة في أنه من بني إسرائيل الذين يذبحون أبناءهم.

تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي 1376 هـ :

وعند التدبر والتأمل، تجد في طي ذلك من المصالح لبني إسرائيل، ودفع كثير من الأمور الفادحة بهم، ومنع كثير من التعديات قبل رسالته، بحيث إنه صار من كبار المملكة. وبالطبع، إنه لا بد أن يحصل منه مدافعة عن حقوق شعبه هذا، وهو هو ذو الهمة العالية والغيرة المتوقدة، ولهذا وصلت الحال بذلك الشعب المستضعف -الذي بلغ بهم الذل والإهانة إلى ما قص اللّه علينا بعضه -أن صار بعض أفراده، ينازع ذلك الشعب القاهر العالي في الأرض، كما سيأتي بيانه. وهذا مقدمة للظهور، فإن اللّه تعالى من سنته الجارية، أن جعل الأمور تمشي على التدريج شيئا فشيئا، ولا تأتي دفعة واحدة.

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

(فالتقطه آل فرعون)..

أهذا هو الأمن؟ أهذا هو الوعد؟ أهذه هي البشارة؟

وهل كانت المسكينة تخشى عليه إلا من آل فرعون؟ وهل كانت ترجف إلا أن ينكشف أمره لآل فرعون؟ وهل كانت تخاف إلا أن يقع في أيدي آل فرعون؟

نعم! ولكنها القدرة تتحدى تتحدى بطريقة سافرة مكشوفة. تتحدى فرعون وهامان وجنودهما. إنهم ليتتبعون الذكور من مواليد قوم موسى خوفا على ملكهم وعرشهم وذواتهم. ويبثون العيون والأرصاد على قوم موسى كي لا يفلت منهم طفل ذكر.. فها هي ذي يد القدرة تلقي في أيديهم بلا بحث ولا كد بطفل ذكر. وأي طفل؟ إنه الطفل الذي على يديه هلاكهم أجمعين! ها هي ذي تلقيه في أيديهم مجردا من كل قوة ومن كل حيلة، عاجزا عن أن يدفع عن نفسه أو حتى يستنجد! ها هي ذي تقتحم به على فرعون حصنه وهو الطاغية السفاح المتجبر، ولا تتعبه في البحث عنه في بيوت بني إسرائيل، وفي أحضان نسائهم الوالدات!

ثم ها هي ذي تعلن عن مقصدها سافرة متحدية:

(ليكون لهم عدوا وحزنا).

ليكون لهم عدوا يتحداهم وحزنا يدخل الهم على قلوبهم:

(إن فرعون وهامان وجنودهما كانوا خاطئين)..

ولكن كيف؟ كيف وها هو ذا بين أيديهم، مجردا من كل قوة، مجردا من كل حيلة؟ لندع السياق يجيب:

التيسير في أحاديث التفسير للمكي الناصري 1415 هـ :

{فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوا وحزنا} هذا مظهر من مظاهر العناية الإلهية، فقد سخر الحق سبحانه وتعالى وهو اللطيف الخبير لإنقاذ موسى من الغرق والقتل أعدى أعاديه من آل فرعون، فالتقطوه للتربية والتبني، ولو عرفوا سوء العاقبة الذي ينتظرهم على يده لاعتبروه أخطر عدو، وقضوا عليه في المهد، لكن الله تعالى الذي قدر الانتقام من طغيانهم وفسادهم، وكفرهم وعنادهم، على يد نبيه موسى، أعمى منهم البصائر والأبصار، لتنفذ فيهم عند حلول الأجل سهام الأقدار.