معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{هُوَ ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلۡأَرۡضَ ذَلُولٗا فَٱمۡشُواْ فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُواْ مِن رِّزۡقِهِۦۖ وَإِلَيۡهِ ٱلنُّشُورُ} (15)

{ هو الذي جعل لكم الأرض ذلولاً } سهلة لا يمتنع المشي فيها بالحزونة ، { فامشوا في مناكبها } قال ابن عباس وقتادة : في جبالها ، وقال الضحاك : في آكامها . وقال مجاهد : في طرقها وفجاجها . قال الحسن : في سبلها . وقال الكلبي : في أطرافها . وقال مقاتل : في نواحيها . وقال الفراء : في جوانبها ، والأصل في الكلمة الجانب ، ومنه منكب الرجل ، والريح النكباء ، وتنكب فلان . { وكلوا من رزقه } مما خلقه رزقاً لكم في الأرض . { وإليه النشور } أي : وإليه تبعثون من قبوركم .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{هُوَ ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلۡأَرۡضَ ذَلُولٗا فَٱمۡشُواْ فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُواْ مِن رِّزۡقِهِۦۖ وَإِلَيۡهِ ٱلنُّشُورُ} (15)

{ 15 } { هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ }

أي : هو الذي سخر لكم الأرض وذللها ، لتدركوا منها كل ما تعلقت به حاجتكم ، من غرس وبناء وحرث ، وطرق يتوصل بها إلى الأقطار النائية والبلدان الشاسعة ، { فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا } أي : لطلب الرزق والمكاسب .

{ وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ } أي : بعد أن تنتقلوا من هذه الدار التي جعلها الله امتحانًا ، وبلغة يتبلغ بها إلى الدار الآخرة ، تبعثون بعد موتكم ، وتحشرون إلى الله ، ليجازيكم بأعمالكم الحسنة والسيئة .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{هُوَ ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلۡأَرۡضَ ذَلُولٗا فَٱمۡشُواْ فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُواْ مِن رِّزۡقِهِۦۖ وَإِلَيۡهِ ٱلنُّشُورُ} (15)

ثم ذكر - سبحانه - جانبا من مظاهر فضله على عباده فقال : { هُوَ الذي جَعَلَ لَكُمُ الأرض ذَلُولاً فامشوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُواْ مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النشور } .

والذلول : السهلة المذللة المسخرة لما يراد منها ؛ من مَشْي عليها ، أو غَرْس فيها ، أو بناء فوقها . . من الذِّل وهو سهولة الانقياد للغير ، ومنه قوله - تعالى - : { قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لاَّ ذَلُولٌ . . . } أي : غير مذللة ولا مدربة على حرث الأرض . .

والأمر في قوله : { فامشوا فِي مَنَاكِبِهَا } للإباحة ، والمناكب جمع منكب ، وهو ملتقى الكتف مع العضد ، والمراد به هنا : جوانبها أو طرقها وفجاجها أو أطرافها

وهو مثل لفرط التذليل ، وشدة التسخير .

أي : هو - سبحانه - الذي جعل لكم - لفضله ورحمته - الأرض المتسعة الأرجاء ، مذللة مسخرة لكم ، لتتمكنوا من الانتفاع بها عن طريق المشي عليها ، أو البناء فوقها ، أو غرس النبات فيها .

وما دام الأمر كذلك فامشوا فى جوانبها وأطرافها وفجاجها ، ملتمسين رزق ربكم فيها ، وداوموا على ذلك ، ففي الحديث الشريف : " التمسوا الرزق في خبايا الأرض " .

والمراد بقوله : { وَكُلُواْ مِن رِّزْقِهِ } الانتفاع بما فيها من وجوه النعم ، وعبر عنه بالأكل ، لأنه أهم وجوه الانتفاع .

فالآية الكريمة دعوة حارة للمسلمين لكي ينتفعوا بما في الأرض من كنوز ، حتى يستغنوا عن غيرهم في مطعمهم ومشربهم وملبسهم ، وسائر أمور معاشهم . . فإنه بقدر تقصيرهم في استخراج كنوزها ، تكون حاجتهم لغيرهم .

قال بعض العلماء : قال الإِمام النووي في مقدمة المجموع : إن على الأمة الإِسلامية أن تعمل على استثمار وإنتاج كل حاجاتها حتى الإبرة ، لتستغني عن غيرها ، وإلا احتاجت إلى الغير بقدر ما قصرت في الإِنتاج .

وقد أعطى الله - تعالى - العالم الإِسلامى الأولوية في هذا كله ، فعليهم أن يحتلوا مكانهم ، ويحافظوا على مكانتهم ، ويشيدوا كيانهم بالدين والدنيا معا .

وقد أفاض بعض العلماء في بيان معنى قوله - تعالى - : { هُوَ الذي جَعَلَ لَكُمُ الأرض ذَلُولاً . . } فقال ما ملخصه : والناس لطول إلفهم لحياتهم على هذه الأرض وسهولة استقرارهم عليها . ينسون نعمة الله في تذليلها لهم وتسخيرها ، والقرآن يذكرهم هذه النعمة الهائلة ، ويبصرهم بها ، في هذا التعبير الذي يدرك منه كل أحد ، وكل جيل ، ما ينكشف له من علم هذه الأرض الذلول .

والله - تعالى - جعل الأرض ذلولا للبشر من حيث جاذبيتها ، ومن حيث سطحها ، ومن حيث تكوينها ، ومن حيث إحاطة الهواء بها ، ومن حيث حجمها .

وقوله : { وَإِلَيْهِ النشور } معطوف على ما قبله ، لبيان أن مصيرهم إليه - تعالى - بعد قضائهم في الأرض المذللة لهم ، مدة حياتهم .

أي : وإليه وحده مرجعكم ، وبعثكم من قبوركم ، بعد أن قضيتم على هذه الأرض ، الأجل الذي قدره - سبحانه - لكم .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{هُوَ ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلۡأَرۡضَ ذَلُولٗا فَٱمۡشُواْ فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُواْ مِن رِّزۡقِهِۦۖ وَإِلَيۡهِ ٱلنُّشُورُ} (15)

ثم ذكر نعمته على خلقه في تسخيره لهم الأرض وتذليله إياها لهم ، بأن جعلها قارة ساكنة لا تمتد{[29112]} ولا تضطرب{[29113]} بما جعل فيها من الجبال ، وأنبع فيها من العيون ، وسلك فيها من السبل ، وهيأ فيها من المنافع ومواضع الزروع والثمار ، فقال : { هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأرْضَ ذَلُولا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا }

أي : فسافروا حيث شئتم من أقطارها ، وترددوا في أقاليمها وأرجائها ، في أنواع المكاسب والتجارات ، واعلموا أن سعيكم لا يجدي عليكم شيئًا ، إلا أن ييسره الله لكم ؛ ولهذا قال : { وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ } ، فالسعي في السبب لا ينافي التوكل ، كما قال الإمام أحمد :

حدثنا أبو عبد الرحمن ، حدثنا حَيْوَة ، أخبرني بكر بن عمرو ، أنه سمع عبد الله بن هُبَيْرة يقول : إنه سمع أبا تميم الجَيشاني يقول : إنه سمع عمر بن الخطاب يقول : إنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله ، لرزقكم كما يرزق الطير ، تَغْدُو خِمَاصًا وتَرُوح بِطَانًا " .

رواه الترمذي والنسائي وابن ماجة من حديث ابن هبيرة{[29114]} وقال الترمذي : حسن صحيح . فأثبت لها رواحا وغدوا لطلب الرزق ، مع توكلها على الله ، عز وجل ، وهو المسَخِّر المسير المسبب . { وَإِلَيْهِ النُّشُورُ } أي : المرجع يوم القيامة .

قال ابن عباس ومجاهد وقتادة والسدي : { مَنَاكِبِهَا } أطرافها وفجاجها ونواحيها . وقال ابن عباس وقتادة : { مَنَاكِبِهَا } الجبال .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا عمرو بن حكام الأزدي ، حدثنا شعبة ، عن قتادة ، عن يونس بن جبير ، عن بشير بن كعب : أنه قرأ هذه الآية : { فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا } فقال لأم ولد له : إن علمت { مَنَاكِبِهَا } فأنت عتيقة . فقالت : هي الجبال . فسأل أبا الدرداء فقال : هي الجبال .

وهذا أيضًا من لطفه ورحمته بخلقه أنه قادر على تعذيبهم ، بسبب كفر بعضهم به وعبادتهم معه غيره ، وهو مع هذا يحلم ويصفح ، ويؤجل ولا يعجل ، كما قال : { وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيرًا } [ فاطر : 45 ] .


[29112]:- (3) في أ: "لا تميد".
[29113]:- (4) في م: "لا تضطرب ولا تميد".
[29114]:- (5) المسند (1/30) وسنن الترمذي برقم (2344) وسنن ابن ماجة برقم (4164).
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{هُوَ ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلۡأَرۡضَ ذَلُولٗا فَٱمۡشُواْ فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُواْ مِن رِّزۡقِهِۦۖ وَإِلَيۡهِ ٱلنُّشُورُ} (15)

هو الذي جعل لكم الأرض ذلولا ، لينة يسهل لكم السلوك فيها ، فامشوا في مناكبها ، في جوانبها أو جبالها ، وهو مثل لفرط التذليل ، فإن منكب البعير ينبو عن أن يطأه الراكب ولا يتذلل له . فإذا جعل الأرض في الذل بحيث يمشي في مناكبها ، لم يبق شيء لم يتذلل . وكلوا من رزقه ، والتمسوا من نعم الله . وإليه النشور ، المرجع فيسألكم عن شكر ما أنعم عليكم .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{هُوَ ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلۡأَرۡضَ ذَلُولٗا فَٱمۡشُواْ فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُواْ مِن رِّزۡقِهِۦۖ وَإِلَيۡهِ ٱلنُّشُورُ} (15)

والذلول فعول بمعنى مفعول أي مذلول . فهي كركوب وحلوب ، يقال : ذلول ، بين الذل بضم الذال ، واختلف المفسرون في معنى : المناكب ، فقال ابن عباس : أطرافها وهي الجبال ، وقال الفراء ومنذر بن سعيد : جوانبها ، وهي النواحي ، وقال مجاهد : هي الطرف والفجاج ، وهذا قول جار مع اللغة ، لأنها تنكب يمنة ويسرة ، وينكب الماشي فيها ، في مناكب{[11216]} . وهذه الآية تعديد نعم في تقريب التصرف للناس ، وفي التمتع في رزق الله تعالى ، و { النشور } : الحياة بعد الموت .


[11216]:وقيل: بل أشبه تفسير هو تفسير من قال: جبالها، لأن قوله تعالى: {هو الذي جعل لكم الأرض ذلولا} معناه: سهل لكم السلوك فيها، فأمكن لكم السلوك في جبالها، فهو أبلغ في التذليل. وقد روي أن البشير بن كعب كانت له سرية، فقال لها: إن أخبرتني ما مناكب الأرض فأنت حرة، فقالت: مناكبها: جبالها، فصارت حرة، فأراد أن يتزوجها فسأل أبا الدرداء فقال له: دع ما يريبك إلى ما يريبك.
 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{هُوَ ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلۡأَرۡضَ ذَلُولٗا فَٱمۡشُواْ فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُواْ مِن رِّزۡقِهِۦۖ وَإِلَيۡهِ ٱلنُّشُورُ} (15)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{هو الذي جعل لكم الأرض ذلولا}: أثبتها بالجبال لئلا تزول بأهلها،

{فامشوا} يعني فمروا {في مناكبها} يعني في نواحيها وجوانبها آمنين كيف شئتم، {وكلوا من رزقه} الحلال، {وإليه النشور} يقول: إلى الله تبعثون من قبوركم أحياء بعد الموت...

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

قوله:"هُوَ الّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأرْضَ ذَلُولاً "يقول تعالى ذكره: الله الذي جعل لكم الأرض ذَلُولاً سْهلاً، سَهّلها لكم فامْشُوا فِي مَناكِبها.

واختلف أهل العلم في معنى "مَناكِبها"؛

فقال بعضهم: مناكبها: جبالها...

وقال آخرون: مَناكِبها: أطرافها ونواحيها... عن مجاهد، قوله: "فامْشُوا فِي مَناكِبها" قال: طرقها وفجاجها.

وأولى القولين عندي بالصواب قول من قال: معنى ذلك: فامشوا في نواحيها وجوانبها، وذلك أن نواحيها نظير مناكب الإنسان التي هي من أطرافه.

وقوله: "وكُلُوا مِنْ رزْقِهِ" يقول: وكلوا من رزق الله الذي أخرجه لكم من مناكب الأرض.

"وَإلَيْهِ النّشُورُ" يقول تعالى ذكره: وإلى الله نشركم من قبوركم.

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

وإذا ذلل لكم الأرض لتمشوا في مناكبها، وتأكلوا من رزقه، فلا يجوز أن يكون خلقه عبثا باطلا، فلا بد من الرجوع إليه ليسألكم عم له خلق؟ أو فيم خلق؟ أو لم تقوّلوا؟ وإذا ثبت أنه لم يخلقها عبثا باطلا، وإنما خلقت للمحنة فلا بد من أن ينشروا إليه، ليخبروه عما بلاهم به وامتحنهم.

ويحتمل أن يكون هذا صلة قوله: {ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت} [الآية: 3]. فأمر هناك بالنظر مرة بعد مرة: هل ترى فيه تفاوتا أو فطورا؟ ليتبين عنده إذا لم ير فيه تفاوتا ولا فطورا، وحدانية الرب وقدرته وسلطانه وحكمته، فأمرهم أيضا بالمسير في الأرض والمشي في مناكبها، وهي أطرافها، هل يرون فيها فطورا وتفاوتا؟ فإذا لم يروا فيها شيئا من ذلك، تقرر عندهم جميع ما ذكرنا من الحكمة هناك.

ولأنه ذكّرهم لطيف تدبيره في خلق الأرض وما له على الخلق من عظيم النعمة في حقه، وهو أنه قدر لهم فيها أرزاقهم إلى حيث يمشون فيها، وهيأ لهم الرزق هناك، لا يحتمل أن يذلل لهم الأرض، فيضربوا فيها حين شاءوا، ويستخرجوا منها أقواتهم أينما تصرّفوا، عبثا باطلا. بل لا بد أن يستأديكم شكر ما أنعم عليكم.

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :

وهذه الآية تعديد نعم في تقريب التصرف للناس، وفي التمتع في رزق الله تعالى...

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

فيه مسائل:

المسألة الأولى: اعلم أن تعلق هذه الآية بما قبلها هو أنه تعالى بين بالدلائل كونه عالما بما يسرون وما يعلنون، ثم ذكر بعده هذه الآية على سبيل التهديد...

المسألة الثانية: الذلول من كل شيء: المنقاد الذي يذل لك، ومصدره الذل، وهو الانقياد واللين، ومنه يقال: دابة ذلول...

{وإليه النشور} يعني ينبغي أن يكون مكثكم في الأرض، وأكلكم من رزق الله مكث من يعلم أن مرجعه إلى الله، وأكل من يتيقن أن مصيره إلى الله، والمراد تحذيرهم عن الكفر والمعاصي في السر والجهر...

تفسير القرآن العظيم لابن كثير 774 هـ :

فسافروا حيث شئتم من أقطارها، وترددوا في أقاليمها وأرجائها، في أنواع المكاسب والتجارات، واعلموا أن سعيكم لا يجدي عليكم شيئًا، إلا أن ييسره الله لكم؛ ولهذا قال: {وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ}.

روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي 1270 هـ :

{وَكُلُواْ مِن رّزْقِهِ} انتفعوا بما أنعم جل شأنه، وكثيراً ما يعبر عن وجوه الانتفاع بالأكل لأنه الأهم الأعم...

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

ثم ينتقل بهم السياق من ذوات أنفسهم التي خلقها الله، إلى الأرض التي خلقها له، وذللها وأودعها أسباب الحياة: (هو الذي جعل لكم الأرض ذلولا، فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه، وإليه النشور).. والناس لطول ألفتهم لحياتهم على هذه الأرض؛ وسهولة استقرارهم عليها، وسيرهم فيها، واستغلالهم لتربتها ومائها وهوائها وكنوزها وقواها وأرزاقها جميعا.. ينسون نعمة الله في تذليلها لهم وتسخيرها. والقرآن يذكرهم هذه النعمة الهائلة، ويبصرهم بها، في هذا التعبير الذي يدرك منه كل أحد وكل جيل بقدر ما ينكشف له من علم هذه الأرض الذلول. والأرض الذلول كانت تعني في أذهان المخاطبين القدامى، هذه الأرض المذللة للسير فيها بالقدم وعلى الدابة، وبالفلك التي تمخر البحار. والمذللة للزرع والجني والحصاد. والمذللة للحياة فيها بما تحويه من هواء وماء وتربة تصلح للزرع والإنبات. وهي مدلولات مجملة يفصلها العلم -فيما اهتدى إليه حتى اليوم- تفصيلا يمد في مساحة النص القرآني في الإدراك. فمما يقوله العلم في مدلول الأرض الذلول: إن هذا الوصف: (ذلولا).. الذي يطلق عادة على الدابة، مقصود في إطلاقه على الأرض! فالأرض هذه التي نراها ثابتة مستقرة ساكنة، هي دابة متحركة.. بل رامحة راكضة مهطعة!! وهي في الوقت ذاته ذلول لا تلقي براكبها على ظهرها، ولا تتعثر خطاها، ولا تخضه وتهزه وترهقه كالدابة غير الذلول!

ثم هي دابة حلوب مثلما هي ذلول!

(فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه). والمناكب المرتفعات، أو الجوانب. وإذا أذن له بالمشي في مناكبها فقد أذن له بالمشي في سهولها وبطاحها من باب أولى. فمتى أذن له في الشموس منها فقد أذن له في الذلول!

والرزق الذي فيها كله من خلقه، وكله من ملكه، وهو أوسع مدلولا مما يتبادر إلى أذهان الناس من كلمة الرزق. فليس هو المال الذي يجده أحدهم في يده، ليحصل به على حاجياته ومتاعه. إنما هو كل ما أودعه الله هذه الأرض، من أسباب الرزق ومكوناته. وهي في الأصل ترجع إلى طبيعة تكوين الأرض من عناصرها.

(فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه).. وهو محدود بزمن مقدر في علم الله وتدبيره زمن الابتلاء بالموت والحياة، وبكل ما يسخره الله للناس في هذه الحياة. فإذا انقضت فترة الابتلاء كان الموت وكان ما بعده: (وإليه النشور).. إليه.. وإلا فإلى أين إن لم يكن إليه، والملك بيده، ولا ملجأ منه إلا إليه، وهو على كل شيء قدير،...

أضواء البيان في تفسير القرآن بالقرآن للشنقيطي 1393 هـ :

الأمر في قوله تعالى: {فَامْشُواْ فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُواْ مِن رِّزْقِهِ} للإباحة. ولكن التقديم لهذا الأمر بقوله تعالى: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ ذَلُولاً} فيه امتنان من الله تعالى على خلقه، مما يشعر أن في هذا الأمر مع الإباحة توجيهاً وحثاً للأمة على السعي والعمل والجد، والمشي في مناكب الأرض من كل جانب لتسخيرها وتذليلها، مما يجعل الأمة أحق بها من غيرها... فيكون المشي في مناكب الأرض، واستخدام مناكبها، واستغلال ثرواتها، والانتفاع من خيراتها، لا لطلب الرزق وحده، وإلا لكان يمكن سوقه إليهم، ولكن للأخذ بالأسباب أولاً، وللنظر في المسببات والعبرة بالمخلوقات والتزود لما بعد الممات، كما في آية الجمعة: {فَانتَشِرُواْ فِي الأَرْضِ وَابْتَغُواْ مِن فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُواْ اللَّهَ كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الجمعة: 10]. أي عند مشاهدة آيات قدرته وعظيم امتنانه. وعليه، فقد وضع القرآن الأمة الإسلامية في أعز مواضع الغنى، والاستغناء والاستثمار والإنتاج، فما نقص عليها من أمور دنياها، إلا بقدر ما قصرت هي في القيام بهذا العمل، وأضاعت من حقها في هذا الوجود. وقد قال النووي في مقدمة المجموع: إن على الأمة الإسلامية أن تعمل على استثمار وإنتاج كل حاجياتها، حتى الإبرة لتستغني عن غيرها، وإلا احتاجت إلى الغير بقدر ما قصرت في الإنتاج، وهذا هو واقع العالم اليوم، إذ القدرة الإنتاجية هي المتحكمة وذات السيادة الدولية. وقد أعطى الله العالم الإسلامي الأولوية في هذا كله، فعليهم أن يحتلوا مكانهم، ويحافظوا على مكانتهم، ويشيدوا كيانهم بالدين والدنيا معاً. وبالله التوفيق...

التفسير الحديث لدروزة 1404 هـ :

مع أن من المحتمل أن يكون الخطاب فيها موجها للكافرين الذين هم موضوع الخطاب في الآيات السابقة، فإنها تنطوي على ما هو المتبادر على تلقينات جليلة المدى:

فقد سخر الله الدنيا للجميع، فليس لأحد أن يمنع أحدا من السعي في مناكبها والانتفاع منها.

وقد حث الجميع على السعي في مناكبها، فليس لأحد أن يأكل سعي غيره، أو يسلبه ثمرات سعيه، ويقعد هو عن السعي.

- وقد سخر الدنيا ومنافعها لجميع الناس، ولكنه نبههم إلى أن هذه المنافع لا تنال إلا بالسعي والعمل.

- وقد قرر أن الرزق الذي يستخرجه الناس من الأرض، هو في الحقيقة رزقه؛ لأنه هو الذي خلق مادته، وأوجد القوى والأسباب التي تساعد على إخراجه، فلا حق لأحد أن يدعيه لنفسه، أو يحتكره من دون الناس...

الشعراوي- 1419هـ.

والناس ينظرون إلى الرزق من ناحية واحدة، فهو عندهم المال، فهذا غني وهذا فقير، والحقيقة أن الرزق ليس المال فقط، بل كل شيء تنتفع به فهو رزقك، فهذا رزقه عقله، وهذا رزقه قوته العضلية.

إذن يجب ألا ننظر إلى الرزق على أنه لون واحد، بل ننظر إلى كل ما خلق الله لخلقه من مواهب مختلفة: صحة، قدرة، ذكاء، حلم، شجاعة، كل هذا من الرزق الذي يحدث فيه التفاضل بين الناس.

والحق سبحانه هو الرازق الأعلى ومن بحره يغترف الجميع، ولله تعالى في رزقه حكمة وقدر، فليس بسط الرزق دليل كرامة، ولا تضييقه دليل إهانة، بدليل أن الله يبسط الرزق لقارون، ثم أخذه عزيز مقتدر...

فالأرض كلها لله لا حدود فيها ولا فواصل بينها، فلما قسمها الناس وجعلوا لها حدودا تمنع الحركة فيها حدثت كثير من الإشكالات، وصعب على الناس التنقل للسياحة أو لطلب الرزق إن ضاق بأحد رزقه.