فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{هُوَ ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلۡأَرۡضَ ذَلُولٗا فَٱمۡشُواْ فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُواْ مِن رِّزۡقِهِۦۖ وَإِلَيۡهِ ٱلنُّشُورُ} (15)

ثم امتن سبحانه على عباده فقال { هو الذي جعل لكم الأرض ذلولا } أي سهلة لينة مذللة تستقرون عليها ، منقادة لما تريدون منها من مشي عليها ، وزرع وحبوب وغرس وغير ذلك ، ولم يجعلها خشنة بحيث يمتنع عليكم السكون والمشي عليها ، والذلول في الأصل هو المنقاد الذي يذل لك ولا يستصعب عليك ، والمصدر الذل ، وتقديم " لكم " على مفعولي الجعل مع أن حقه التأخر عنهما ، للاهتمام بما قدم والتشويق إلى ما أخر ، فإن ما حقه التقديم إذا أخر ، لاسيما عند كون المقدم مما يدل على كون المؤخر من منافع المخاطبين ، تبقى النفس مترقبة لوروده ، فيتمكن لديها عند ذكره فضل تمكن .

{ فامشوا في مناكبها } استدلالا واسترزاقا ، والفاء لترتيب الأمر بالمشي على الجعل المذكور ، والأمر للإباحة ، قال مجاهد والكلبي ومقاتل : مناكبها طرقها وأطرافها ونواحيها وجوانبها ، وقال قتادة وشهر بن حوشب : مناكبها جبالها وقيل : فجاجها وبه قال ابن عباس ، وقال أيضا : أطرافها ، وأصل المنكب الجانب ، ومنه منكب الرجل ، ومنه الريح النكباء ، لأنها تأتي من جانب دون جانب .

{ وكلوا من رزقه } أي مما رزقكم وخلقه لكم ، والتمسوا من نعم الله تعالى .

" عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الله يحب العبد المؤمن المحترف " ( {[1605]} ) أخرجه الطبراني وابن عدي والبيهقي في الشعب والحكيم الترمذي { وإليه } لا إلى غيره { النشور } من قبوركم للجزاء ، فيسألكم عن شكر ما أنعم عليكم ، فبالغوا في شكر نعمه وآلائه ، وفي هذا وعيد شديد .


[1605]:حديث ضعيف انظر ضعيف الجامع-1704.