إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{هُوَ ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلۡأَرۡضَ ذَلُولٗا فَٱمۡشُواْ فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُواْ مِن رِّزۡقِهِۦۖ وَإِلَيۡهِ ٱلنُّشُورُ} (15)

{ هُوَ الذي جَعَلَ لَكُمُ الأرض ذَلُولاً } لينةً يسهلُ عليكُم السلوكُ فيها ، وتقديمُ لكُم على مفعُولَي الجعلِ معَ أنَّ حقَّهُ التأخرُ عنهُما ، للاهتمامِ بِما قُدمَ والتشويقِ إلى ما أُخرَ ، فإنَّ ما حقَّه التقديمُ إذا أُخرَ لا سيَّما عند كونِ المقدمِ ممَّا يدلُّ على كونِ المؤخرِ من منافعِ المخاطبينَ ، تبقَى النفسُ مترقبةً لورودِهِ ، فيتمكنُ لديها عندَ ذكرِهِ فضلُ تمكنٍ . والفاءُ في قولِه تعالَى : { فامشوا فِي مَنَاكِبِهَا } لترتيبِ الأمرِ على الجعلِ المذكورِ ، أي فاسلكُوا في جوانِبِهَا أو جِبَالِهَا ، وهو مَثَلٌ لفرطِ التذليلِ ، فإن منكبَ البعيرِ أرقُّ أعضائِهِ ، وأنباها عن أنْ يطأَهُ الراكبُ بقدمِهِ . فإذا جُعل الأرضُ في الذُّلِّ بحيثُ يتأتَّى المشيُ في مناكبِهَا ، لم يبقَ منها شيءٌ لم يتذللْ . { وَكُلُوا مِن رزْقِهِ } والتمسُوا من نعمِ الله تعالَى : { وَإِلَيْهِ النشور } أي المرجعُ بعدَ البعثِ ، لا إلى غيرِه ، فبالِغُوا في شكرِ نعمِهِ وآلائِهِ .