غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{هُوَ ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلۡأَرۡضَ ذَلُولٗا فَٱمۡشُواْ فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُواْ مِن رِّزۡقِهِۦۖ وَإِلَيۡهِ ٱلنُّشُورُ} (15)

1

قوله : { هو الذي جعل لكم الأرض } قال أهل النظم : وجه التعلق أنه سبحانه وتعالى قال : أيها الكافرون أنا عالم بسركم وجهركم ، فكونوا خائفين مني محترزين من عقابي ، فهذه الأرض التي تمشون في مناكبها ، وتعتقدون أنها أبعد الأشياء عن الإضرار بكم ، أنا الذي ذللتها لكم ، وإن شئت خسفت بكم إياها . والذلول من كل شيء المنقاد الذي يذل لك ، ومن ذلها أنه ما جعلها خشنة يمتنع المشي عليها ، ولا صلبة بحيث لا يمكن حفرها والبناء عليها ، ولا متحركة على الاستقامة والاستدارة ، بل جعلها ساكنة في جو الهواء عند المركز . قال جار الله : المشي في مناكبها ، مثل لفرط التذليل ، لأن ملتقى المنكبين من الغاربن ، أبعد شيء من أن يطأه الراكب بقدمه ويعتمد عليه ، فإذا كان هذا الموضع ذلولاً ، فما ظنك بغيره ، وعن ابن عباس والضحاك وقتادة أن مناكب الأرض جبالها وآكامها ، وإذا كانت هذه الأمكنة مع شخوصها وارتفاعها مذللة ، فغيرها أولى . قال الحسن ومجاهد والكلبي ومقاتل ، وهو رواية عطاء عن ابن عباس ، واختاره الفراء وابن قتيبة : أن مناكبها جوانبها وطرقها ، ومنكبا الرجل جانباه ، فيكون كقوله : { والله جعل لكم الأرض بساطاً لتسلكوا منها سبلاً فجاجاً } [ نوح :19 ، 20 ] { وكلوا من رزقه } الذي خلق لكم في الأرض ، ولا يخفى أن الأمر بالمشي والأكل للإباحة . ثم قال { وإليه النشور } يعني ينبغي أن يكون مشيكم في الأرض ، وأكلكم من رزق الله ، مشي من يعلم ، وأكل من يتيقن أن المصير إلى الله ، والمراد التحذير من المعاصي سراً وجهراً .

/خ30