ولما كان هذا أمراً غامضاً دل عليه بأمر مشاهد أبدعه بلطفه ، وأتقنه بخبره ، فقال مستأنفاً : { هو } أي : وحده { الذي جعل لكم الأرض } على سعتها وعظمتها وحزونة كثير منها { ذلولاً } أي : مسخرة لا تمتنع لتتوصلوا إلى منافعكم فيها ، قابلة للانقياد لما تريدون منها ، من مشي وزرع حبوب وغرس أشجار وغير ذلك ، وقيل : ثبتها بالجبال لئلا تزول بأهلها ، ولو كانت متمايلة لما كانت منقادة لنا ، وقيل : لو كانت مثل الذهب والحديد لكانت تسخن جداً في الصيف ، وتبرد جداً في الشتاء .
تنبيه : في ذكر هذه الآية بعد الآية المتقدمة تهديد للكفرة ، كقول السيد لعبده الذي أساء إليه سراً : يا فلان أنا أعرف سرك وعلانيتك ، فاجلس في هذه الدار التي وهبتها لك ، وكل هذا الخبز الذي هيأته لك ، ولا تأمن مكري وتأديبي ، فكأنه تعالى يقول : يا أيها الكفار أنا عالم بسركم وجهركم وضمائركم ، فخافوني ، فإن الأرض التي هي قراركم أنا ذللتها لكم ، ولو شئت خسفت بكم .
وقوله تعالى : { فامشوا } ، أي : الهوينا مكتسبين وغير مكتسبين إن شئتم ، من غير صعوبة توجب لكم وثوباً أو حبواً . { في مناكبها } مثل لفرط التذلل ومجاوزته الغاية ، لأن المنكبين وملتقاهما من الغارب أرق شيء من البعير ، وأنباه عن أن يطأه الراكب بقدمه ويعتمد عليه ، فإذا جعلها في الذل بحيث يمشي في مناكبها لم يترك شيئاً ، وهذا أمر إباحة ، وفيه إظهار الامتنان . وقيل : خبر بلفظ الأمر ، أي : لكي تمشوا في أطرافها ونواحيها ، وآكامها وجبالها ، وقال ابن عباس وبشير بن كعب وقتادة : في مناكبها في جبالها ، وتذليلها أدل على تذليل غيرها ، وليكن مشيكم فيها وتصرفاتكم بذل وإخبات وسكون ، استصغاراً لأنفسكم ، وشكراً لمن سخر لكم ذلك ، وروي أن بشير بن كعب كانت له سرية فقال لها : إن أخبرتني ما مناكب الأرض فأنت حرة ، فقالت : مناكبها جبالها ، فقال لها : صرت حرة ، فأراد أن يتزوجها فسأل أبا الدرداء فقال : «دع ما يريبك إلى ما لا يريبك » وقال مجاهد : في أطرافها ، وعنه أيضاً في طرقها وفجاجها ، وهو قول السدي والحسن ، وقال الكلبي : في جوانبها ، ومنكبا الرجل جانباه .
فائدة : حكى قتادة عن أبي الخلدان : الأرض أربعة وعشرون ألف فرسخ ، للسودان اثنا عشر ألف ، وللروم ثمانية آلاف ، وللفرس ثلاثة آلاف ، وللعرب ألف .
ثم ذكرهم تعالى بأنه سهلها لإخراج البركات بقوله تعالى : { وكلوا } ودل على أن الرزق فوق الكفاية بقوله تعالى : { من رزقه } الذي أودعه لكم فيها ، قال الحسن : مما أحل لكم ، وقيل : مما خلقه الله لكم رزقاً في الأرض { وإليه } أي : وحده { النشور } وهو إخراج جميع الحيوانات التي أكلتها الأرض وأفسدتها ، يخرجها سبحانه في الوقت الذي يريده ، على ما كان كل منها عليه عند الموت ، كما أخرج تلك الأرزاق ، لا فرق بين هذا وذاك ، غير أنكم لا تتأملون ، فيا فوز من شكر ويا هلاك من كفر ، فعوّدوا أنفسكم بالخيرات لعلها تنقاد كما قيل :
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.