قوله تعالى : { فأرسلنا عليهم الطوفان } قال ابن عباس ، وسعيد بن جبير ، وقتادة ، ومحمد بن إسحاق : دخل كلام بعضهم في بعض : لما آمنت السحرة ، ورجع فرعون مغلوباً ، أبى هو وقومه إلا الإقامة على الكفر ، والتمادي في الشر ، فتابع الله عليهم الآيات ، وأخذهم بالسنين ونقص من الثمرات ، فلما عالج منهم بالآيات الأربع : العصا ، واليد ، والسنين ، ونقص الثمار ، فأبوا أن يؤمنوا فدعا عليهم ، فقال : يا رب ، إن عبدك فرعون علا في الأرض ، وطغى وعتا ، وإن قومه قد نقضوا عهدك ، رب ، فخذهم بعقوبة تجعلها لهم نقمة ، ولقومي عظةً ، ولمن بعدهم آيةً وعبرة ، فبعث الله عليهم الطوفان ، وهو الماء ، أرسل الله عليهم الماء وبيوت بني إسرائيل وبيوت القبط مشتبكة مختلطة ، فامتلأت بيوت القبط حتى قاموا في الماء إلى تراقيهم ، ومن جلس منهم غرق ، ولم يدخل بيوت بني إسرائيل قطرة من الماء ، وركد الماء على أرضهم ، لا يقدرون أن يحرثوا ولا يعملوا شيئاً ، ودام ذلك عليهم سبعة أيام من السبت إلى السبت ، وقال مجاهد وعطاء : الطوفان الموت ، وقال وهب : الطوفان الطاعون بلغة اليمن . وقال أبو قلابة : الطوفان الجدري ، وهم أول من عذبوا به ، فبقي في الأرض . وقال مقاتل : الطوفان الماء طغى فوق حروثهم ، وروى ابن ظبيان عن ابن عباس قال : الطوفان أمر من الله طاف بهم ، ثم قرأ { فطاف عليها طائف من ربك وهم نائمون } [ القلم : 19 ] . قال نحاة الكوفة : الطوفان مصدر لا يجمع كالرجحان والنقصان . وقال أهل البصرة : هو جمع ، واحدها طوفانة ، فقال لموسى : ادع لنا ربك يكشف عنا المطر فنؤمن بك ، ونرسل معك بني إسرائيل ، فدعا ربه ، فرفع عنهم الطوفان ، فأنبت الله لهم في تلك السنة شيئا لم ينبته لهم قبل ذلك من الكلأ ، والزرع ، والثمر ، وأخصبت بلادهم ، فقالوا : ما كان هذا الماء إلا نعمة علينا ، وخصباً ، فلم يؤمنوا ، وأقاموا شهراً في عافية ، فبعث الله عليهم الجراد فأكل عامة زروعهم . وثمارهم ، وأوراق الشجر ، حتى كانت تأكل الأبواب ، وسقوف البيوت والخشب ، والثياب ، والأمتعة ، ومسامير الأبواب من الحديد ، حتى تقع دورهم ، وابتلي الجراد بالجوع ، فكان لا يشبع ، ولم يصب بني إسرائيل شيء من ذلك ، فعجوا وضجوا ، وقالوا : { يا موسى ادع لنا ربك لئن كشفت عنا الرجز لنؤمنن لك } ، وأعطوه عهد الله وميثاقه ، فدعا موسى عليه السلام فكشف الله عنهم الجراد بعدما أقام عليهم سبعة أيام من السبت إلى السبت ، وفي الخبر : " مكتوب على صدر كل جرادة جند الله الأعظم " . ويقال : إن موسى برز إلى الفضاء ، فأشار بعصاه نحو المشرق والمغرب ، فرجعت الجراد من حيث جاءت ، وكانت قد بقيت من زروعهم وغلاتهم بقية ، فقالوا : قد بقي لنا ما هو كافينا فما نحن بتاركي ديننا ، فلم يفوا بما عاهدوا ، وعادوا لأعمالهم السوء ، فأقاموا شهراً في عافية ، ثم بعث الله عليهم القمل . واختلفوا في القمل ، فروى سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : القمل السوس الذي يخرج من الحنطة ، وقال مجاهد ، والسدي ، وقتادة ، والكلبي : القمل الدبي ، والجراد الطيارة التي لها أجنحة ، والدبي الصغار التي لا أجنحة لها ، وقال عكرمة : هي بنات الجراد ، وقال أبو عبيدة : وهو الحمنان ، وهو ضرب من القراد . وقال عطاء الخراساني : هو القمل ، وبه قرأ أبو الحسن والقمل بفتح القاف ، وسكون الميم . قالوا : أمر الله موسى أن يمشي إلى كثيب أعفر بقرية من قرى مصر تدعى عين شمس ، فمشى موسى إلى ذلك الكثيب ، وكان أهيل فضربه بعصاه ، فانثال عليهم القمل ، فتتبع ما بقي من حروثهم وأشجارهم ونباتهم فأكله ، ولحس الأرض كلها ، وكان يدخل بين ثوب أحدهم وجلده فيعضه ، وكان أحدهم يأكل الطعام فيمتلئ قملاً . قال سعيد بن المسيب : القمل السوس الذي يخرج من الحبوب ، وكان الرجل يخرج عشرة أجربة إلى الرحا فلا يرد منها ثلاثة أقفزة ، فلم يصابوا ببلاء كان أشد عليهم من القمل ، وأخذ أشعارهم ، وأبشارهم ، وأشفار عيونهم ، وحواجبهم ، ولزم جلودهم كأنه الجدري عليهم ، ومنعهم النوم والقرار ، فصرخوا وصاحوا إلى موسى : إنا نتوب ، فادع لنا ربك يكشف عنا البلاء ، فدعا موسى عليه السلام الله فرفع الله القمل عنهم بعدما أقام عليهم سبعة أيام ، من السبت إلى السبت ، فنكثوا وعادوا إلى أخبث أعمالهم وقالوا : ما كنا قط أحق أن نستيقن أنه ساحر منا اليوم ، يجعل الرمل دواب . وقالوا : وعزة فرعون لا نتبعه أبدا ، ولا نصدقه ، فأقاموا شهرا في عافية ، فدعا موسى عليه السلام بعدما أقاموا شهراً في عافية ، فأرسل الله عليهم الضفادع ، فامتلأت منها بيوتهم ، وأقبيتهم ، وأطعمتهم ، وآنيتهم ، فلا يكشف أحدا إناءً ولا طعاماً إلا وجد فيه الضفادع ، وكان الرجل يجلس في الضفادع في ذقنه ، ويهم أن يتكلم فيثب الضفدع إلى فيه ، وكانت في قدورهم فتفسد عليهم طعامهم ، وتطفئ نيرانهم ، وكان أحدهم يضطجع فتركبه الضفادع ، فتكون عليه ركاماً ، حتى ما يستطيع أن ينصرف إلى شقة الآخر ، ويفتح فاه لأكلته فيسبق الضفدع أكلته إلى فيه ، ولا يعجن عجينا إلا تشدخت فيه ، ولا يفتح قدراً إلا امتلأت ضفادع ، فلقوا منها أذىً شديداً .
روى عكرمة عن ابن عباس قال : كانت الضفادع برية ، فلما أرسلها الله على آل فرعون سمعت وأطاعت ، فجعلت تقذف نفسها في القدور وهي تغلي ، وفي التنانير وهي تفور ، فأثابها الله بحسن طاعتها برد الماء ، فلما رأوا ذلك بكوا وشكوا إلى موسى ، وقالوا : هذه المرة نتوب إلى الله تعالى ، ولا نعود ، فأخذ عهودهم ومواثيقهم ، ثم دعا ربه فكشف عنهم الضفادع بعدما أقام سبعاً ، من السبت إلى السبت ، فأقاموا شهراً في عافية ثم نقضوا العهد وعادوا لكفرهم ، فدعا عليهم موسى فأرسل الله عليهم الدم ، فسال النيل عليهم دماً ، وصارت مياههم دماً ، وما يستقون من الآبار والأنهار إلا وجدوه دماً عبيطاً ، أحمر ، فشكوا ذلك إلى فرعون وقالوا : ليس لنا شراب ، فقال : إنه سحركم ، فقال القوم : من أين سحرنا ونحن لا نجد في أوعيتنا شيئاً من الماء إلا دما عبيطاً ؟ وكان فرعون يجمع بين القبطي والإسرائيلي على الإناء الواحد ، فيكون ما يلي الإسرائيلي ماءً ، وما يلي القبطي دماً ، ويقومان إلى الجرة فيها الماء ، فيخرج للإسرائيلي ماء وللقبطي دم .
حتى كانت المرأة من آل فرعون تأتي المرأة من بني إسرائيل حين جهدهم العطش فتقول : اسقيني من مائك ، فتصب لها من قربتها ، فيعود في الإناء دماً ، حتى كانت تقول : اجعليه في فيك ، ثم مجيه في فيّ ، فتأخذ في فيها ماءً ، فإذا مجته في فيها صار دماً ، وإن فرعون اعتراه العطش حتى إنه ليضطر إلى مضغ الأشجار الرطبة ، فإذا مضغها يصير ماؤها في فيه ملحاً أجاجاً ، فمكثوا في ذلك سبعة أيام لا يشربون إلا الدم ، قال زيد بن أسلم : الدم الذي سلط عليهم كان الرعاف ، فأتوا موسى وقالوا : يا موسى ادع لنا ربك يكشف عنا هذا الدم فنؤمن بك ، ونرسل معك بني إسرائيل ، فدعا ربه عز وجل فكشف عنهم ، فلم يؤمنوا ، فذلك قوله عز وجل : { فأرسلنا عليهم الطوفان } .
قوله تعالى : { والجراد والقمل والضفادع والدم آيات مفصلات } ، يتبع بعضها بعضاً ، وتفصيلها أن كل عذاب يمتد أسبوعا ، وبين كل عذابين شهراً .
فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ أي : الماء الكثير الذي أغرق أشجارهم وزروعهم ، وأضر بهم ضررا كثيرا وَالْجَرَادَ فأكل ثمارهم وزروعهم ، ونباتهم وَالْقُمَّلَ قيل : إنه الدباء ، أي : صغار الجراد ، والظاهر أنه القمل المعروف وَالضَّفَادِعَ فملأت أوعيتهم ، وأقلقتهم ، وآذتهم أذية شديدة وَالدَّمَ إما أن يكون الرعاف ، أو كما قال كثير من المفسرين ، أن ماءهم الذي يشربون انقلب دما ، فكانوا لا يشربون إلا دما ، ولا يطبخون إلا بدم .
آيَاتٍ مُفَصَّلاتٍ أي : أدلة وبينات على أنهم كانوا كاذبين ظالمين ، وعلى أن ما جاء به موسى ، حق وصدق فَاسْتَكْبَرُوا لما رأوا الآيات وَكَانُوا في سابق أمرهم قَوْمًا مُجْرِمِينَ فلذلك عاقبهم اللّه تعالى ، بأن أبقاهم على الغي والضلال .
ثم حكت السورة الكريمة ما حل بهؤلاء الفجرة من عقوبات جزاء عتوهم وعنادهم فقالت : { فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم آيَاتٍ مّفَصَّلاَتٍ فاستكبروا وَكَانُواْ قَوْماً مُّجْرِمِينَ } .
أى : فأرسلنا على هؤلاء الجاحدين عقوبة لهم الطوفان .
قال الآلوسى : أى : ما طاف بهم ، وغشى أماكنهم وحروثهم من مطر وسيل ، فهو اسم جنس من الطواف . وقد اشتهر في طوفان الماء ، وجاء تفسيره هنا بذلك في عدة روايات عن ابن عباس وجاء عن عطاء ومجاهد تفسيره بالموت ، وفسره بعضهم بالطاعون وكانوا أول من عذبوا به " .
وأرسلنا عليهم { الْجَرَادَ } فأكل زروعهم وثمارهم وأعشابهم ، حتى ترك أرضهم سوداء قاحلة .
وأرسلنا عليهم { القمل } وهو ضرب معروف من الحشرات المؤذية ، وقيل : هو السوس الذي أكل حبوبهم وما اشتملت عليه بيوتهم .
وأرسلنا عليهم { الضفادع } فصعدت من الأنهار والخلجان والمنابع فغطت الأرض وضايقتهم في معاشهم ومنامهم .
وأرسلنا عليهم { الدم } فصارت مياه الأنهار مختلطة به ، فمات السمك فيها ، وقيل المراد بالدم الرعاف الذي كان يسيل من أنوفهم .
تلك هى النقم التي أنزلها الله - تعالى - على هؤلاء المجرمين ، بسبب فسوقهم عن أمر ربهم ، وتكذيبهم لنبيهم - عليه السلام - .
وقوله : { آيَاتٍ } حال من العقوبات الخمس المتقدمة .
وقوله : { مّفَصَّلاَتٍ } أى : مبينات واضحات لا يشك عاقل في كونها آيات إلهية لا مدخل فيها للسحر كما يزعمون .
وقيل { مّفَصَّلاَتٍ } أى : مميزا بعضها عن بعض ، منفصلة بالزمان لامتحان أحوالهم . وكان بين كل اثنين منها شهر ، وكان امتداد كل واحدة منها شهرا ، كما أخرج ذلك ابن المنذر عن ابن عباس .
ثم وضحت الآية في نهايتها موقفهم من هذا الابتلاء وتلك العقوبات فقالت :
{ فاستكبروا وَكَانُواْ قَوْماً مُّجْرِمِينَ } أى فاستكبروا عن الإيمان بموسى - عليه السلام - وعما جاء به من معجزات ، وكانوا قوما طبيعتهم الاجرام ودينهم الكفر والفسوق .
قال الله تعالى : { فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ }
اختلفوا في معناه ، فعن ابن عباس في رواية : كثرة الأمطار المغرقة المتلفة للزروع والثمار . وبه قال الضحاك بن مُزَاحِم .
وقال ابن عباس في رواية أخرى : هو كثرة الموت . وكذا قال عطاء .
وقال مجاهد : { الطُّوفَانَ } الماء ، والطاعون على كل حال .
وقال ابن جرير : حدثنا أبو هشام الرفاعي ، حدثنا يحيى بن يَمان ، حدثنا المِنْهَال بن{[12031]} خليفة ، عن الحجاج ، عن الحكم بن مِيناء ، عن عائشة ، رضي الله عنها ، قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " الطوفان الموت " .
وكذا رواه ابن مردويه ، من حديث يحيى بن يمان ، به وهو حديث غريب .
وقال ابن عباس في رواية أخرى : هو أمر من الله طاف بهم ، ثم قرأ : { فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ . [ فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ ]{[12032]} } [ القلم : 19 ، 20 ] وأما الجراد فمعروف مشهور ، وهو مأكول ؛ لما ثبت في الصحيحين عن أبي يعفُور{[12033]} قال : سألت عبد الله بن أبي أَوْفَى عن الجراد ، فقال : غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سبع غزوات نأكل الجراد{[12034]}
وروى الشافعي ، وأحمد بن حنبل ، وابن ماجة من حديث عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ، عن أبيه ، عن ابن عمر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " أحلت لنا ميتتان ودمان : الحوت والجراد ، والكبد والطحال " {[12035]}
ورواه أبو القاسم البغوي ، عن داود بن رُشَيْد ، عن سُوَيْد بن عبد العزيز ، عن أبي تمام الأيليّ ، عن زيد بن أسلم ، عن ابن عمر مرفوعا مثله{[12036]}
وروى أبو داود ، عن محمد بن الفرج ، عن محمد بن الزِّبْرِقان الأهوازي ، عن سليمان التيمي ، عن أبي عثمان ، عن سلمان قال : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الجراد فقال : " أكثر جنود الله ، لا آكله ، ولا أحرمه " {[12037]}
وإنما تركه ، عليه السلام{[12038]} لأنه كان يعافه ، كما عافت نفسه الشريفة أكل الضب ، وأذن فيه .
وقد روى الحافظ ابن عساكر في جزء جمعه في الجراد ، من حديث أبي سعيد الحسن بن علي العدوي ، حدثنا نصر بن يحيى بن سعيد ، حدثنا يحيى بن خالد ، عن ابن جُرَيْج ، عن عطاء ، عن ابن عباس قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يأكل الجراد ، ولا الكلوتين ، ولا الضب ، من غير أن يحرمها . أما الجراد : فرجز وعذاب . وأما الكلوتان : فلقربهما من البول . وأما الضب فقال : " أتخوف أن يكون مسخا " ، ثم قال{[12039]} غريب ، لم أكتبه إلا من هذا الوجه{[12040]}
وقد كان أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ، رضي الله عنه ، يشتهيه ويحبه ، فروى عبد الله بن دينار ، عن ابن عمر : أن عمر سُئل عن الجراد فقال : ليت أن عندنا منه قَفْعَة أو قفعتين نأكله{[12041]}
وروى ابن ماجة : حدثنا أحمد بن مَنِيع ، عن سفيان بن عيينة ، عن أبي سعد سعيد بن المرزبان البقال ، سمع أنس بن مالك يقول : كان أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يَتَهادَيْن الجراد على الأطباق{[12042]}
وقال أبو القاسم البغوي : حدثنا داود بن رُشَيْد ، حدثنا بَقِيَّة بن الوليد ، عن نُمَيْر بن يزيد القَيْني{[12043]} حدثني أبي ، عن صُدَيّ بن عَجْلان ، عن أبي أمامة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن مريم بنت عمران ، عليها السلام ، سألت ربها [ عز وجل ]{[12044]} أن يطعمها لحما لا دم له ، فأطعمها الجراد ، فقالت : اللهم أعشه بغير رضاع ، وتابع بَيْنَه بغير شياع " {[12045]} وقال نُمَير : " الشَيَاع " : الصوت .
وقال أبو بكر بن أبي داود : حدثنا أبو تقي هشام بن عبد الملك اليَزَني{[12046]} حدثنا بقية بن الوليد ، حدثنا إسماعيل بن عياش ، عن ضَمْضَم بن زُرْعَة ، عن شُرَيْح بن عبيد ، عن أبي زُهَيْر النميري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا تقاتلوا الجراد ، فإنه جند الله الأعظم " . غريب جدًا{[12047]}
وقال ابن أبي نَجِيح ، عن مجاهد ، في قوله تعالى : { فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ } قال : كانت تأكل مسامير أبوابهم ، وتَدَع الخشب .
وروى ابن عساكر من حديث علي بن زيد الخرائطي ، عن محمد بن كثير ، سمعت الأوزاعي يقول : خرجت إلى الصحراء ، فإذا أنا برِجْل من جراد في السماء ، وإذا برَجل راكب على جَرَادة منها ، وهو شاك في الحديد ، وكلما قال بيده هكذا ، مال الجراد مع يده ، وهو يقول : الدنيا باطل باطل ما فيها ، الدنيا باطل باطل ما فيها ، الدنيا باطل باطل ما فيها .
وروى الحافظ أبو الفرج{[12048]} المعافي بن زكريا الحريري ، حدثنا محمد بن الحسن بن زياد ، حدثنا أحمد بن عبد الرحيم ، أخبرنا وَكِيع ، عن الأعمش ، أنبأنا عامر قال : سئل شُرَيْح القاضي عن الجراد ، فقال : قبح الله الجرادة . فيها خلقة سبعة جبابرة : رأسها رأس فرس ، وعنقها عنق ثور ، وصدرها صدر أسد ، وجناحها جناح نسر ، ورجلاها رجلا جمل . وذنبها ذنب حية ، وبطنها بطن عقرب .
و[ قد ]{[12049]} قدمنا عند قوله تعالى : { أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ } [ المائدة : 96 ] حديث حماد بن سلمة ، عن أبي المُهزَم ، عن أبي هريرة ، قال : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حج أو عمرة ، فاستقبلنا{[12050]} رجْلُ جراد ، فجعلنا نضربه بالعِصِيِّ ، ونحن محرمون ، فسألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم [ عن ذلك ]{[12051]} فقال : " لا بأس بصيد البحر " {[12052]}
وروى ابن ماجه ، عن هارون الحمال{[12053]} عن هاشم بن القاسم ، عن زياد بن عبد الله بن عُلاثة ، عن موسى بن محمد بن إبراهيم التيمي ، عن أبيه ، عن أنس وجابر [ رضي الله عنهما ]{[12054]} عن رسول الله{[12055]} صلى الله عليه وسلم ؛ أنه كان إذا دعا على الجراد قال : " اللهم أهلك كباره ، واقتل صغاره ، وأفسد بيضه ، واقطع دابره ، وخذ بأفواهه عن معايشنا وأرزاقنا ، إنك سميع الدعاء " . فقال له جابر : يا رسول الله ، أتدعو على جند من أجناد الله بقطع دابره ؟ فقال : " إنما هو نثرة حوت{[12056]} في البحر " قال هاشم{[12057]} أخبرني زياد أنه أخبره من رآه ينثره الحوت{[12058]} قال : من حقق ذلك إن السمك إذا باض في ساحل البحر فنضب الماء عنه وبدا للشمس ، أنه يفقس كله جرادًا طيارًا .
وقدمنا عند قوله : { إِلا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ } [ الأنعام : 38 ] حديث عُمَر ، رضي الله عنه : " إن الله خلق ألف أمة ، ستمائة في البحر وأربعمائة في البر ، وإن أولها هلاكًا الجراد " {[12059]}
وقال أبو بكر بن أبي داود : حدثنا يزيد بن المبارك ، حدثنا عبد الرحمن بن قَيْس ، حدثنا سالم بن سالم ، حدثنا أبو المغيرة الجوزجاني محمد بن مالك ، عن البراء بن عازب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا وَباء مع السيف ، ولا نجاء مع الجراد " . حديث غريب{[12060]}
وأما { الْقُمَّلَ } فعن ابن عباس : هو{[12061]} السوس الذي يخرج من الحنطة . وعنه أنه الدبى{[12062]} - وهو الجراد الصغار الذي لا أجنحة له . وبه قال مجاهد ، وعكرمة ، وقتادة .
وعن الحسن وسعيد بن جبير : { الْقُمَّلَ } دواب سود صغار .
وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم : { الْقُمَّلَ } البراغيث .
وقال ابن جرير { الْقُمَّل } جمع واحدتها " قُمَّلة " ، وهي دابة تشبه القَمْل ، تأكلها الإبل ، فيما بلغني ، وهي التي عناها الأعشى بقوله :
قوم تعالج{[12063]} قُمَّلا أبناؤهم وسلاسلا أجُدا وبابًا مؤصدا{[12064]}
قال : وكان بعض أهل العلم بكلام العرب من أهل البصرة يزعم أن القمل عند العرب " الحمنان " ، واحدتها " حمنانة " ، وهي صغار القردان فوق القمقامة .
وقال الإمام أبو جعفر بن جرير : حدثنا ابن حميد الرازي ، حدثنا يعقوب القمي ، عن جعفر بن أبي المغيرة ، عن سعيد بن جبير قال : لما أتى موسى ، عليه السلام ، فرعون قال له : أرسل معي بني إسرائيل ، فأرسل الله عليهم الطوفان - وهو المطر - فصب عليهم منه شيئا ، خافوا أن يكون عذابا ، فقالوا لموسى : ادع لنا ربك يكشف عنا المطر ، فنؤمن لك ، ونرسل معك بني إسرائيل . فدعا ربه ، فلم يؤمنوا ، ولم يرسلوا معه بني إسرائيل . فأنبت لهم في تلك السنة شيئا لم ينبته قبل ذلك من الزرع والثمر{[12065]} والكلأ فقالوا : هذا ما كنا نتمنى . فأرسل الله عليهم الجراد ، فسلطه على الكلأ فلما رأوا أثره في الكلأ عرفوا أنه لا يبقي الزرع ، فقالوا : يا موسى ، ادع لنا ربك ليكشف{[12066]} عنا الجراد فنؤمن لك ، ونرسل معك بني إسرائيل . فدعا ربه ، فكشف عنهم الجراد ، فلم يؤمنوا ، ولم يرسلوا معه بني إسرائيل ، فداسوا وأحرزوا في البيوت ، فقالوا : قد أحرزنا . فأرسل الله عليهم القمل - وهو السوس الذي يخرج منه - فكان الرجل يخرج عشرة{[12067]} أجربة إلى الرحى ، فلم يرد منها إلا ثلاثة أقفزة{[12068]} فقالوا لموسى : ادع لنا ربك يكشف عنا القمل ، فنؤمن لك ، ونرسل معك بني إسرائيل . فدعا ربه ، فكشف عنهم ، فأبوا أن يرسلوا معه بني إسرائيل . فبينما هو جالس عند فرعون ، إذ سمع نقيق ضفدع ، فقال لفرعون : ما تلقى أنت وقومك من هذا . قال{[12069]} وما عسى أن يكون كيد هذا ؟ فما أمسوا حتى كان الرجل يجلس إلى ذَقْنه في الضفادع ، ويهم أن يتكلم فتثب{[12070]} الضفدع في فيه . فقالوا لموسى : ادع لنا ربك يكشف عنا هذه الضفادع ، فنؤمن لك ، ونرسل معك بني إسرائيل ، فدعا ربه ، فكشف{[12071]} عنهم فلم يؤمنوا . وأرسل{[12072]} الله عليهم الدم ، فكانوا ما استقوا من الأنهار والآبار ، وما كان في أوعيتهم ، وجدوه دمًا عبيطًا ، فشكوا إلى فرعون ، فقالوا : إنا قد ابتلينا بالدم ، وليس لنا شراب . فقال : إنه قد سحركم ! ! فقالوا : من أين سحرنا ، ونحن لا نجد في أوعيتنا شيئا من الماء إلا وجدناه دمًا عَبِيطًا ؟ فأتوه وقالوا : يا موسى ، ادع لنا ربك يكشف عنا هذا الدم فنؤمن بك{[12073]} ونرسل معك بني إسرائيل . فدعا ربه ، فكشف عنهم ، فلم يؤمنوا ، ولم يرسلوا معه بني إسرائيل{[12074]}
وقد روي نحو هذا عن ابن عباس ، والسدي ، وقتادة وغير واحد من علماء السلف{[12075]}
وقال محمد بن إسحاق بن يسار ، رحمه الله : فرجع عدو الله فرعون حين آمنت السحرة مغلوبا مغلولا ثم أبى إلا الإقامة على الكفر ، والتمادي في الشر ، فتابع الله عليه الآيات ، وأخذه بالسنين ، فأرسل عليه الطوفان ، ثم الجراد ، ثم القمل ، ثم الضفادع ، ثم الدم ، آيات مفصلات . فأرسل الطوفان - وهو الماء - ففاض على وجه الأرض ثم ركد ، لا يقدرون على أن يحرثوا ولا يعملوا شيئا ، حتى جهدوا جوعًا ، فلما بلغهم ذلك { قَالُوا يَا مُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ } فدعا موسى ربه ، فكشف{[12076]} عنهم ، فلم يفوا له بشيء مما قالوا ، فأرسل الله عليهم الجراد ، فأكل الشجر ، فيما بلغني ، حتى إن كان ليأكل مسامير الأبواب من الحديد ، حتى تقع دورهم ومساكنهم ، فقالوا مثل ما قالوا ، فدعا ربه فكشف عنهم ، فلم يفوا له بشيء مما قالوا ، فأرسل الله عليهم القمل ، فذكر لي أن موسى ، عليه السلام ، أمر أن يمشي إلى كثيب حتى يضربه بعصاه ، فمشى إلى كثيب أهيل عظيم ، فضربه بها ، فانثال عليهم قملا حتى غلب على البيوت والأطعمة ومنعهم النوم والقرارة ، فلما جهدهم قالوا له مثل ما قالوا له ، فدعا ربه ، فكشف عنهم ، فلم يفوا له بشيء مما قالوا . فأرسل الله عليهم الضفادع ، فملأت البيوت والأطعمة والآنية ، فلا يكشف أحد ثوبًا ولا طعامًا إلا وجد فيه الضفادع ، قد غلبت عليه . فلما جهدهم ذلك ، قالوا له مثل ما قالوا ، فسأل ربه{[12077]} فكشف عنهم ، فلم يفوا له بشيء مما قالوا ، فأرسل الله عليهم الدم ، فصارت مياه آل فرعون دمًا ، لا يستقون من بئر ولا نهر ، ولا يغترفون من إناء ، إلا عاد دما عبيطا{[12078]}
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أحمد بن منصور المروزي ، أنبأنا النضر ، أنبأنا إسرائيل ، أنبأنا جابر ابن يزيد{[12079]} عن عكرمة ، قال عبد الله بن عَمْرو : لا تقتلوا الضفادع ، فإنها لما أرسلت على قوم فرعون{[12080]} انطلق ضفدع منها فوقع في تنور فيه نار ، يطلب بذلك مرضات الله ، فأبدلهن الله من هذا أبرد شيء يعلمه من الماء ، وجعل نقيقهن التسبيح . وروي من طريق عكرمة ، عن ابن عباس ، نحوه{[12081]}
وقال زيد بن أسلم : يعني بالدم : الرعاف . رواه ابن أبي حاتم .
القول في تأويل قوله تعالى : { فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمّلَ وَالضّفَادِعَ وَالدّمَ آيَاتٍ مّفَصّلاَتٍ فَاسْتَكْبَرُواْ وَكَانُواْ قَوْماً مّجْرِمِينَ } . .
اختلف أهل التأويل في معنى الطوفان ، فقال بعضهم : هو الماء . ذكر من قال ذلك :
حدثني ابن وكيع ، قال : حدثنا حَبَوية الرازي ، عن يعقوب القُمي ، عن جعفر ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال : لما جاء موسى بالاَيات ، كان أوّل الاَيات الطوفان ، فأرسل الله عليهم السماء .
حدثنا أبو هشام الرفاعي ، قال : حدثنا ابن يمان ، قال : حدثنا سفيان ، عن إسماعيل ، عن أبي مالك ، قال : الطوفان : الماء .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا المحاربي ، عن جويبر ، عن الضحاك ، قال : الطّوفان : الماء .
قال : ثنا جابر بن نوح ، عن أبي روق ، عن الضحاك ، عن ابن عباس ، قال : الطوفان : الغرق .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قال : الطوفان الماء والطاعون على كلّ حال .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قال : الطوفان الموت على كلّ حال .
حدثنا محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قال : الطوفان : الماء .
وقال آخرون : بل هو الموت . ذكر من قال ذلك :
حدثنا أبو هشام الرفاعي ، قال : حدثنا يحيى بن يمان ، قال : حدثنا المنهال بن خليفة ، عن الحجاج ، عن الحَكَم بن ميناء ، عن عائشة ، قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «الطّوفانُ المَوْتُ » .
حدثني عباس بن محمد ، قال : حدثنا حجاج ، عن ابن جريج ، قال : سألت عطاء ما الطوفان ؟ قال : الموت .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا عبد الله بن رجاء ، عن ابن جريج ، عن عطاء عمن حدّثه ، عن مجاهد ، قال : الطوفان : الموت .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن عبد الله بن كثير : فَأرْسَلْنا عَلْيهِمُ الطوفانَ قالَ : الموت . قال ابن جريج : وسألت عطاء عن الطوفان ، قال : الموت . قال ابن جريج : وقال مجاهد : الموت على كلّ حال .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا يحيى بن يمان ، عن المنهال بن خليفة ، عن حجاج ، عن رجل ، عن عائشة ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال : «الطوفانُ المَوْتُ » .
وقال آخرون : بل ذلك كان أمرا من الله طاف بهم . ذكر من قال ذلك :
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثنا جرير ، عن قابوس بن أبي ظَبْيان ، عن أبيه ، عن ابن عباس : فَأرْسَلْنا عَلْيهِمْ الطوفانَ قال : أمر الله الطوفان ، ثم قال : فَطافَ عَلَيْها طائفٌ مِن رَبّكَ وَهُمْ نائمُونَ .
وكان بعض أهل المعرفة بكلام العرب من أهل البصرة ، يزعم أن الطوفان من السيل البُعاق والدّباش ، وهو الشديد ، ومن الموت المتتابع الذريع السريع . وقال بعضهم : هو كثرة المطر والريح . وكان بعض نحويّي الكوفيين يقول : الطوفان مصدر مثل الرّجْحان والنّقْصان لا يجمع . وكان بعض نحويي البصرة يقول : هو جمع ، واحدها في القياس : الطوفانة .
والصواب من القول في ذلك عندي ، ما قاله ابن عباس على ما رواه عنه أبو ظَبْيان أنه أمر من الله طاف بهم ، وأنه مصدر من قول القائل : طاف بهم أمر الله يطوف طوفانا ، كما يقال : نقص هذا الشيء ينقص نُقْصانا . وإذا كان ذلك كذلك ، جاز أن يكون الذي طاف بهم المطر الشديد ، وجاز أن يكون الموت الذريع . ومن الدلالة على أن المطر الشديد قد يسمى طوفانا قول الحسن بن عرفطة :
غَيّرَ الجِدّةَ مِنْ آياتِهَا ***خُرُقُ الرّيحِ وَطُوفانُ المَطَرْ
ويروى : «خُرُق الريح بطوفان المطر » وقول الراعي :
تُضْحِي إذا العِيسُ أدْرَكنا نَكائِثَها ***خَرْقاءَ يعْتادُها الطوفانُ والزّؤُدُ
قَدْ مَدّ طُوْفانٌ فَبَثّ مَدَدَا ***شَهْرا شَآبِيبَ وشَهْرا بَرَدَا
وأما القُمّل ، فإن أهل التأويل اختلفوا في معنا ، فقال بعضهم : هو السوس الذي يخرج من الحنطة . ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا جرير ، عن يعقوب القُمّي ، عن جعفر ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال : القُمّل : هو السوس الذي يخرج من الحنطة .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا يعقوب ، عن جعفر ، عن سعيد بنحوه .
وقال آخرون : بل هو الّدبَي ، وهو صغار الجراد الذي لا أجنحة له . ذكر من قال ذلك :
حدثني المثنى ، قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ بن أبي طلحة ، عن ابن عباس ، قال : القمل : الدّبي .
حدثني موسى بن هارون ، قال : حدثنا عمرو بن حماد ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ ، قال : الدّبي : القُمّل .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قال : القمل : هو الدبي .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قال : القمل : الدبي .
حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، قال : حدثنا معمر ، عن قتادة ، قال : القمل : هي الدّبَي ، وهي أولاد الجراد .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا جابر بن نوح ، عن أبي روق ، عن الضحاك ، عن ابن عباس ، قال : القمل : الدبي .
قال ثنا يحيى بن آدم ، عن قيس عمن ذكره ، عن عكرمة ، قال : القمل : بنات الجراد .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي عن أبيه ، عن ابن عباس ، قال : القمل : الدّبي .
وقال آخرون : بل القمل : البراغيث . ذكر من قال ذلك :
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : فَأرْسَلْنا عَلْيهِمْ الطوفانَ والجَرَادَ والقُمّلَ قال : زعم بعض الناس في القمل أنها البراغيث .
وقال بعضهم : هي دوابّ سود صغار . ذكر من قال ذلك :
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن أبي بكر ، قال : سمعت سعيد بن جبير والحسن قالا : القمل : دوابّ سود صغار .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن أبي بكر ، قال : سمعت سعيد بن جبير والحسن قالا : القمل : دوابّ سود صغار .
وكان بعض أهل العلم بكلام العرب من أهل البصرة يزعم أن " القمل " ، عند العرب : الحَمْنان ، والحمنان ضرب من القِرْدان واحدتها : " حَمْنانة " ، فوق القَمقامة . و " القمَّل " جمع ، واحدتها " قملة " ، وهي دابة تشبه القَمْل تأكلها الإبل فيما بلغني ، وهي التي عناها الأعشى في قوله :
قَوْمٌ تُعَالِجُ قُمَّلا أَبْنَاؤُهُمْ ***وَسَلاسِلا أُجُدًا وَبَابًا مُؤْصَدَا
وكان الفرّاء يقول : لم أسمع فيه شيئا ، فإن لم يكن جمعا فواحده قامل ، مثل ساجد وراكع ، وإن يكن اسما على معنى جمع ، فواحدته : قمّلة .
ذكر المعاني التي حدثت في قوم فرعون بحدوث هذه الاَيات
والسبب الذي من أجله أحدثها الله فيهم
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا يعقوب القُمي ، عن جعفر بن المغيرة ، عن سعيد بن جبير ، قال : لما أتى موسى فرعون ، قال له : أرسل معي بني إسرائيل فأبى عليه ، فأرسل الله عليهم الطوفان ، وهو المطر ، فصبّ عليهم منه شيئا ، فخافوا أن يكون عذابا ، فقالوا لموسى : ادع لنا ربك ، لئن كشفت عنا الرجز لنؤمننّ لك ، ولنرسلنّ معك بني إسرائيل فدعا ربه ، فلم يؤمنوا ، ولم يرسلوا معه بني إسرائيل . فأنبت لهم في تلك السنة شيئا لم ينبته قبل ذلك من الزرع والثمر والكلإ ، فقالوا : هذا ما كنا نتمنى فأرسل الله عليهم الجراد ، فسلّطه على الكلإ . فلما رأوا أثره في الكلإ عرفوا أنه لا يبقى الزرع ، فقالوا : يا موسى ادع لنا ربك فيكشف عنا الجراد ، فنؤمن لك ، ونرسل معك بني إسرائيل فدعا ربه ، فكشف عنهم الجراد ، فلم يؤمنوا ، ولم يرسلوا معه بني إسرائيل ، فداسوا وأحرزوا في البيوت ، فقالوا : قد أحرزنا . فأرسل الله عليهم القمل ، وهو السوس الذي يخرج منه ، فكان الرجل يخرج عشرة أجربة إلى الرحى ، فلا يردّ منها ثلاثة أقفزة ، فقالوا : يا موسى ادع لنا ربك يكشف عنا القمل ، فنؤمَن لك ، ونرسل معك بني إسرائيل فدعا ربه ، فكشف عنهم ، فأبوا أن يرسلوا معه بني إسرائيل . فبينا هو جالس عند فرعون إذ سمع نقيق ضفدع ، فقال لفرعون : ما تلقي أنت وقومك من هذا ؟ فقال : وما عسى أن يكون كيد هذا ؟ فما أمسوا حتى كان الرجل يجلس إلى ذقنه في الضفادع ، ويهمّ أن يتكلم فتثب الضفادع في فيه ، فقالوا لموسى : ادع لنا ربك يكشف عنا هذه الضفادع ، فنؤمن لك ، ونرسل معك بني إسرائيل فكشف عنهم فلم يؤمنوا فأرسل الله عليهم الدم ، فكان ما استقوا من الأنهار والاَبار ، أو ما كان في أوعيتهم وجدوه دما عبيطا ، فشكوا إلى فرعون فقالوا : إنا قد ابتلينا بالدم ، وليس لنا شراب . فقال : إنه قد سحركم . فقالوا : من أين سحرنا ونحن لا نجد في أوعيتنا شيئا من الماء إلاّ وجدناه دما عبيطا ؟ فأتوه فقالوا : يا موسى ادع لنا ربك يكشف عنا هذا الدم ، فنؤمن لك ، ونرسل معك بني إسرائيل فدعا ربه ، فكشِف عنهم ، فلم يؤمنوا ، ولم يرسلوا معه بني إسرائيل .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا حبوية الرازي ، عن يعقوب القمي ، عن جعفر ، عن ابن عباس ، قال : لما خافوا الغرق ، قال فرعون : يا موسى ادع لنا ربك يكشف عنا هذا المطر فنؤمن لك ، ثم ذكر نحو حديث ابن حميد ، عن يعقوب .
حدثنا موسى بن هارون ، قال : حدثنا عمرو بن حماد ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ ، قال : ثم إن الله أرسل عليهم ، يعني على قوم فرعون الطوفان ، وهو المطر ، فغرق كلّ شيء لهم ، فقالوا : يا موسى ادع لنا ربك يكشف عنا ، ونحن نؤمن لك ، ونرسل معك بني إسرائيل فكشف الله عنهم ونبتت به زروعهم ، فقالوا : ما يسرّنا أنا لم نمطرَ . فبعث الله عليهم الجراد ، فأكل حروثهم ، فسألوا موسى أن يدعوَ ربه فيكشفه ويؤمنوا به . فدعا فكشفه ، وقد بقي من زروعهم بقية ، فقالوا : لم تؤمنون وقد بقي من زرعنا بقيّة تكفينا ؟ فبعث الله عليهم الدّبَى ، وهو القمل ، فلحس الأرض كلها ، وكان يدخل بين ثوب أحدهم وبين جلده فيعضّه ، وكان لأحدهم الطعام فيمتلىء دبى ، حتى إن أحدهم ليبنى الأسطوانة بالجصّ فيزلقها ، حتى لا يرتقي فوقها شيء ، يرفع فوقها الطعام ، فإذا صعد إليه ليأكله وجده ملاَن دبى ، فلم يصابوا ببلاء كان أشدّ عليهم من الدبى ، وهو الرجز الذي ذكر الله في القرآن أنه وقع عليهم . فسألوا موسى أن يدعو ربه ، فيكشف عنهم ، ويؤمنوا به . فلما كشف عنهم أبوا أن يؤمنوا ، فأرسل الله عليهم الدم ، فكان الإسرائيلي يأتي هو والقبطي يستقيان من ماء واحد ، فيخرج ماء هذا القبطي دما ، ويخرج للإسرائيلي ماء . فلما اشتدّ ذلك عليهم سألوا موسى أن يكشفه ويؤمنوا به ، فكشف ذلك ، فأبوا أن يؤمنوا ، وذلك حين يقول الله : فَلَمّا كَشَفْنا عَنْهُمُ العَذَابَ إذَا هُمْ يَنْكُثُونَ .
حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : فَأرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الطّوفانَ قال : أرسل الله عليهم الماء حتى قاموا فيه قياما . ثم كشف عنهم ، فلم يؤمنوا ، وأخصبت بلادهم خصبا لم تخصب مثله . فأرسل الله عليه الجراد فأكله إلاّ قليلاً ، فلم يؤمنوا أيضا . فأرسل الله القُمّل وهي الدبى ، وهو أولاد الجراد ، فأكلت ما بقي من زروعهم ، فلم يؤمنوا . فأرسل عليهم الضفادع ، فدخلت عليهم بيوتهم ، ووقعت في آنيتهم وفرشهم ، فلم يؤمنوا . ثم أرسل الله عليهم الدم ، فكان أحدهم إذا أراد أن يشرب تحوّل ذلك الماء دما ، قال الله : آياتٍ مُفَصّلاتٍ .
حدثنا بشر بن معاذ ، قال : حدثنا يزيد بن زريع ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الطّوفانَ حتى بلغ : مُجْرِمِينَ قال : أرسل الله عليهم الماء حتى قاموا فيه قياما ، فدعوا موسى فدعا ربه ، فكشف عنهم ، ثم عادوا بشرّ ما يحضر بهم ، ثم أنبتت أرضهم . ثم أرسل الله عليهم الجراد ، فأكل عامة حروثهم وثمارهم ، ثم دعوا موسى فدعا ربه فكشف عنهم . ثم عادوا بشرّ ما يحضر بهم ، فأرسل الله عليهم القُمّل ، هذا الدبى الذي رأيتم ، فأكل ما أبقى الجراد من حروثهم ، فلحسه . فدعوا موسى ، فدعا ربه ، فكشفه عنهم ، ثم عادوا بشرّ ما يحضر بهم . ثم أرسل الله عليهم الضفادع ، حتى ملأت بيوتهم وأفنيتهم ، فدعوا موسى ، فدعا ربه فكشف عنهم . ثم عادوا بشرّ ما يحضر بهم ، فأرسل الله عليهم الدم ، فكانوا لا يغترفون من مائهم إلاّ دما أحمر ، حتى لقد ذكر أن عدوّ الله فرعون كان يجمع بين الرجلين على الإناء الواحد ، القبطي والإسرائيلي ، فيكون مما يلي الإسرائيلي ماء ، ومما يلي القبطي دما . فدعوا موسى ، فدعا ربه ، فكشفه عنهم في تسع آيات : السنين ، ونقص من الثمرات ، وأراهم يد موسى عليه السلام وعصاه .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس : فأرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الطّوفانَ وهو المطر حتى خافوا الهلاك ، فأتوْا موسى ، فقالوا : يا موسى ادع لنا ربك أن يكشف عنا المطر ، فإنا نؤمن لك ، ونرسل معك بني إسرائيل فدعا ربه ، فكشف عنهم المطر ، فأنبت الله به حرثهم ، وأخصب به بلادهم ، فقالوا : ما نحبّ أنا لم نمطر بترك ديننا ، فلن نؤمن لك ولن نرسل معك بني إسرائيل فأرسل الله عليهم الجراد ، فأسرع في فساد ثمارهم وزروعهم ، فقالوا : يا موسى ادع لنا ربك أن يكشف عنا الجراد ، فإنا سنؤمن لك ونرسل معك بني إسرائيل فدعا ربه ، فكشف عنهم الجراد ، وكان قد بقي من زروعهم ومعاشهم بقايا ، فقالوا : قد بقي لنا ما هو كافينا ، فلن نؤمن لك ولن نرسل معك بني إسرائيل فأرسل الله عليهم القُمّل ، وهو الدبى ، فتتبع ما كان ترك الجراد ، فجزعوا وأحسوا بالهلاك ، فقالوا : يا موسى ادع لنا ربك يكشف عنا الدبى ، فإنا سنؤمن لك ، ونرسل معك بني إسرائيل فدعا ربه ، فكشف عنهم الدبى ، فقالوا : ما نحن لك بمؤمنين ولا مرسلين معك بني إسرائيل . فأرسل الله عليهم الضفادع ، فملأ بيوتهم منها ، ولقوا منها أذى شديدا لم يلقوا مثله فيما كان قبله ، إنها كانت تثب في قدورهم ، فتفسد عليهم طعامهم ، وتطفىء نيرانهم ، قالوا : يا موسى ادع لنا ربك أن يكشف عنا الضفادع ، فقد لقينا منها بلاء وأذى ، فإنا سنؤمن لك ، ونرسل معك بني إسرائيل فدعا ربه ، فكشف عنهم الضفادع ، فقالوا : لا نؤمن لك ، ولا نرسل معك بني إسرائيل . فأرسل الله عليهم الدم ، فجعلوا لا يأكلون إلاّ الدم ، ولا يشربون إلاّ الدم ، فقالوا : يا موسى ادع لنا ربك أن يكشف عنا الدم ، فإنا سنؤمن لك ، ونرسل معك بني إسرائيل فدعا ربه فكشف عنهم الدم ، فقالوا : يا موسى لن نؤمن لك ولن نرسل معك بني إسرائيل ، فكانت آيات مفصّلات بعضها على إثر بعض ، ليكون لله عليهم الحجة ، فأخذهم الله بذنوبهم ، فأغرقهم في اليم .
حدثني عبد الكريم ، قال : حدثنا إبراهيم ، قال : حدثنا سفيان ، قال : حدثنا أبو سعد ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : أرسل على قوم فرعون الاَيات : الجراد ، والقُمّل ، والضفادع ، والدم آياتٍ مُفَصّلاتٍ . قال : فكان الرجل من بني إسرائيل يركب مع الرجل من قوم فرعون في السفينة ، فيغترف الإسرائيلي ماء ، ويغترف الفرعوني دما . قال : وكان الرجل من قوم فرعون ينام في جانب ، فيكثر عليه القُمّل والضفادع حتى لا يقدر أن ينقلب على الجانب الاَخر . فلم يزالوا كذلك ، حتى أوحى الله إلى موسى : أنْ أسْرِ بِعبادِي إنّكُمْ مُتّبَعُونَ .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قال : لما أتى موسى فرعون بالرسالة أبى أن يؤمن وأن يرسل معه بني إسرائيل ، فاستكبر ، قال : لن نرسل معك بني إسرائيل فأرسل الله عليهم الطوفان ، وهو الماء ، أمطر عليهم السماء حتى كادوا يهلكون وامتنع منهم كلّ شيء ، فقالوا : يا موسى ادع لنا ربك بما عهد عندك لئن كشفت عنا هذا لنؤمننّ لك ، ولنرسلنّ معك بني إسرائيل ، فدعا الله فكشف عنهم المطر ، فأنبت الله لهم حروثهم ، وأحيا بذلك المطر كلّ شيء من بلادهم ، فقالوا : والله ما نحبّ أنا لم نكن أمطرنا هذا المطر ، ولقد كان خيرا لنا ، فلن نرسل معك بني إسرائيل ، ولن نؤمن لك يا موسى . فبعث الله عليهم الجراد ، فأكل عامّة حروثهم ، فأسرع الجراد في فسادها ، فقالوا : يا موسى ادع لنا ربك يكشف عنا الجراد ، فإنا مؤمنون لك ، ومرسلون معك بني إسرائيل فكشف الله عنهم الجراد ، وكان الجراد قد أبقى لهم من حروثهم بقية ، فقالوا : قد بقي لنا من حروثنا ما كان كافينا ، فما نحن بتاركي ديننا ، ولن نؤمن لك ، ولن نرسل معك بني إسرائيل فأرسل الله عليهم القُمّل ، والقمل : الدبى ، وهو الجراد الذي ليست له أجنحة ، فتتبع ما بقي من حروثهم وشجرهم وكلّ نبات كان لهم ، فكان القمل أشدّ عليهم من الجراد . فلم يستطيعوا للقمل حيلة ، وجزعوا من ذلك وأتوا موسى ، فقالوا : يا موسى ادع لنا ربك يكشف عنا القمل ، فإنه لم يُبْق لنا شيئا ، قد أكل ما بقي من حروثنا ، ولئن كشفت عنا القُمّل لنؤمننّ لك ، ولنرسلنّ معك بني إسرائيل فكشف الله عنهم القُمّل فنكثوا ، وقالوا : لن نؤمن لك ، ولن نرسل معك بني إسرائيل . فأرسل الله عليهم الضفادع ، فامتلأت منها البيوت ، فلم يبق لهم طعام ولا شراب إلاّ وفيه الضفادع ، فلقوا منها شيئا لم يلقوه فيما مضى ، فقالوا : يا موسى ادع لنا ربك لئن كشفت عنا الرجز لنؤمننّ لك ، ولنرسلنّ معك بني إسرائيل قال : فكشف الله عنهم فلم يفعلوا ، فأنزل الله : فَلَمّا كَشَفْنا عَنْهُمُ الرّجْزَ إلى أجَلٍ هُمْ بالِغُوهُ إذَا هُمْ يَنْكُثُونَ . . . إلى : وكانُوا عَنْها غافِلينَ .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا أبو تميلة ، قال : حدثنا الحسن بن واقد ، عن زيد ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : كانت الضفادع برّية ، فلما أرسلها الله على آل فرعون سمعت وأطاعت ، فجعلت تغرق أنفسها في القدور وهي تغلي ، وفي التنانير وهي تفور ، فأثابها الله بحسن طاعتها بردَ الماء .
قال : ثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، قال : فرجع عدوّ الله ، يعني فرعون ، حين آمنت السحرة مغلوبا مفلولاً ، ثم أبى إلا الإقامة على الكفر والتماديَ في الشرّ ، فتابع الله عليه بالاَيات ، وأخذه بالسنين ، فأرسل عليه الطّوفان ، ثم الجراد ، ثم القُمّل ، ثم الضفادع ، ثم الدم آياتٍ مُفَصّلاتٍ ، فأرسل الطوفان ، وهو الماء ، ففاض على وجه الأرض ، ثم ركد ، لا يقدرون على أن يحرثوا ، ولا يعملوا شيئا ، حتى جهدوا جوعا فلما بلغهم ذلك ، قالوا : يا موسى ادع لنا ربك لئن كشفت عنا الرجز لنؤمننّ لك ، ولنرسلنّ معك بني إسرائيل فدعا موسى ربه ، فكشفه عنهم ، فلم يفو له بشيء مما قالوا . فأرسل الله عليهم الجراد ، فأكل الشجر فيما بلغني ، حتى إن كان ليؤكل مسامير الأبواب من الحديد حتى تقع دورهم ومساكنهم ، فقالوا مثل ما قالوا ، فدعا ربه ، فكشفه عنهم ، فلم يفوا له بشيء مما قالوا . فأرسل الله عليهم القُمّل ، فذكر لي أن موسى أمر أن يمشي إلى كثيب حتى يضربه بعصاه ، فمضى إلى كثيب أهيل عظيم ، فضربه بها ، فانثال عليهم قملاً حتى غلب على البيوت والأطعمة ، ومنعهم النوم والقرار فلما جهدهم قالوا له مثل ما قالوا ، فدعا ربه فكشفه عنهم ، فلم يفوا له بشيء مما قالوا . فأرسل الله عليهم الضفادع ، فملأت البيوت والأطعمة والاَنية ، فلا يكشف أحد ثوبا ولا طعاما ولا إناءً إلاّ وجد فيه الضفادع قد غلبت عليه . فلما جهدهم ذلك قالوا له مثل ما قالوا ، فدعا ربه فكشفه عنهم ، فلم يفوا له بشيء مما قالوا ، فأرسل الله عليهم الدم ، فصارت مياه آل فرعون دما ، لا يستقون من بئر ولا نهر ، ولا يغترفون من إناء إلاّ عاد دما عبيطا .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، قال : حدثنا محمد بن إسحاق ، عن محمد بن كعب القرظي ، أنه حدّث : أن المرأة من آل فرعون كانت تأتي المرأة من بني إسرائيل حين جهدهم العطش ، فتقول : اسقيني من مائك فتغرف لها من جرتها ، أو تصبّ لها من قربتها ، فيعود في الإناء دما ، حتى إن كانت لتقول لها : اجعليه في فيك ثم مجّيه في فيّ فتأخذ في فيها ماء ، فإذا مجّته في فيها صار دما ، فمكثوا في ذلك سبعة أيام .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : الجراد يأكل زروعهم ونباتهم ، والضفادع تسقط على فرشهم وأطعمتهم ، والدم يكون في بيوتهم وثيابهم ومائهم وطعامهم .
قال : ثنا شبل ، عن عبد الله بن كثير ، عن مجاهد ، قال : لما سال النيل دما ، فكان الإسرائيلي يستقي ماء طيبا ، ويستقي الفرعوني دما ويشتركان في إناء واحد ، فيكون ما يلي الإسرائيلي ماء طيبا وما يلي الفرعوني دما .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن أبي بكر ، قال : ثني سعيد بن جبير : أن موسى لما عالج فرعون بالاَيات الأربع : العصا ، واليد ، ونقص من الثمرات ، والسنين ، قال : يا ربّ إن عبدك هذا قد علا في الأرض ، وعتا في الأرض ، وبغى عليّ ، وعلا عليك ، وعالى بقومه ، ربّ خذ عبدك بعقوبة تجعلها له ولقومه نقمة ، وتجعلها لقومي عظة ولمن بعدي آية في الأمم الباقية فبعث الله عليهم الطوفان ، وهو الماء ، وبيوت بني إسرائيل وبيوت القبط مشتبكة مختلطة بعضها في بعض ، فامتلأت بيوت القبط ماء ، حتى قاموا في الماء إلى تراقيهم ، من حبس منهم غرق ، ولم يدخل في بيوت بني إسرائيل قطرة ، فجعلت القبط تنادي : موسى ادع لنا ربك بما عهد عندك ، لئن كشفت عنا الرجز لنؤمننّ لك ، ولنرسلنّ معك بني إسرائيل قال : فواثقوا موسى ميثاقا أخذ عليهم به عهودهم ، وكان الماء أخذهم يوم السبت ، فأقام عليهم سبعة أيام إلى السبت الاَخر ، فدعا موسى ربه ، فرفع عنهم الماء ، فأعشبت بلادهم من ذلك الماء ، فأقاموا شهرا في عافية ، ثم جحدوا وقالوا : ما كان هذا الماء إلاّ نعمة علينا وخصبا لبلادنا ، ما نحبّ أنه لم يكن قال : وقد قال قائل لابن عباس : إني سألت ابن عمر عن الطّوفان ، فقال : ما أدري موتا كان أو ماء . فقال ابن عباس : أما يقرأ ابن عمر سورة العنكبوت حين ذكر الله قوم نوح فقال : فَأخَذَهُمُ الطوفانُ وَهُمْ ظالِمُونَ أرأيت لو ماتوا إلى من جاء موسى عليه السلام بالاَيات الأربع بعد الطوفان ؟ قال : فقال موسى : يا ربّ إن عبادك قد نقضوا عهدك ، وأخلفوا وعدي ، ربّ خذهم بعقوبة تجعلها لهم نقمة ، ولقومي عظة ، ولمن بعدهم آية في الأمم الباقية قال : فبعث الله عليهم الجراد فلم يدع لهم ورقة ولا شجرة ولا زهرة ولا ثمرة إلاّ أكلها ، حتى لم يُبق جَنًى . حتى إذا أفنى الخضر كلها أكل الخشب ، حتى أكل الأبواب ، وسقوف البيوت وابتلى الجراد بالجوع ، فجعل لا يشبع ، غير أنه لا يدخل بيوت بني إسرائيل . فعجوا وصاحوا إلى موسى ، فقالوا : يا موسى هذه المرّة ادع لنا ربك بما عهد عندك لئن كشفت عنا الرجز ، لنؤمننّ لك ، ولنرسلنّ معك بني إسرائيل فأعطوه عهد الله وميثاقه ، فدعا لهم ربه ، فكشف الله عنهم الجراد بعد ما أقام عليهم سبعة أيام ، من السبت إلى السبت . ثم أقاموا شهرا في عافية ، ثم عادوا لتكذيبهم ولإنكارهم ، ولأعمالهم أعمال السوء ، قال : فقال موسى : يا ربّ عبادك قد نقضوا عهدي وأخلفوا موعدي ، فخذهم بعقوبة تجعلها لهم نقمة ، ولقومي عظة ، ولمن بعدي آية في الأمم الباقية فأرسل الله عليهم القُمّل قال أبو بكر : سمعت سعيد بن جبير والحسن يقولان : كان إلى جنبهم كثيب أعفر بقرية من قُرى مصر تدعى عين شمس ، فمشى موسى إلى ذلك الكثيب ، فضربه بعصاه ضربة صار قملاً تدبّ إليهم ، وهي دوابّ سود صغار ، فدبّ إليهم القُمّل ، فأخذ أشعارهم وأبشارهم وأشفار عيونهم وحواجبهم ، ولزم جلودهم ، كأنه الجدريّ عليهم ، فصرخوا وصاحوا إلى موسى : إنا نتوب ولا نعود ، فادع لنا ربك فدعا ربه فرفع عنهم القُمّل بعد ما أقام عليهم سبعة أيام من السبت إلى السبت ، فأقاموا شهرا في عافية ، ثم عادوا وقالوا : ما كنا قطّ أحقّ أن نستيقن أنه ساحر منا اليوم ، جعل الرمل دوابّ ، وعزّة فرعون لا نصدّقه أبدا ولا نتبعه فعادوا لتكذيبهم وإنكارهم ، فدعا موسى عليهم ، فقال : يا ربّ إن عبادك نقضوا عهدي ، وأخلفوا وعدي ، فخذهم بعقوبة تجعلها لهم نقمة ، ولقومي عظة ، ولمن بعدي آية في الأمم الباقية فأرسل الله عليهم الضفادع ، فكان أحدهم يضطجع ، فتركبه الضفادع ، فتكون عليه ركاما ، حتى ما يستطيع أن ينصرف إلى الشقّ الاَخر ، ويفتح فاه لأكلته ، فيسبق الضفدع أكلته إلى فيه ، ولا يعجن عجينا إلاّ تسدّختْ فيه ، ولا يطبخ قدرا إلاّ امتلأت ضفادع . فعذّبوا بها أشدّ العذاب ، فشكوا إلى موسى عليه السلام ، وقالوا : هذه المرّة نتوب ولا نعود . فأخذ عهدهم وميثاقهم ، ثم دعا ربه ، فكشف الله عنهم الضفادع بعد ما أقام عليهم سبعا من السبت إلى السبت ، فأقاموا شهرا في عافية ثم عادوا لتكذيبهم وإنكارهم ، وقالوا : قد تبين لكم سحره ، ويجعل التراب دوابّ ، ويجيء بالضفادع في غير ماء فآذوا موسى عليه السلام ، فقال موسى : يا ربّ إن عبادك نقضوا عهدي ، وأخلفوا وعدي ، فخذهم بعقوبة تجعلها لهم عقوبة ، ولقومي عظة ، ولمن بعدي آية في الأمم الباقية فابتلاهم الله بالدم ، فأفسد عليهم معايشهم ، فكان الإسرائيلي والقبطي يأتيان النيل فيستقيان ، فيخرج للإسرائيلي ماء ، ويخرج للقبطي دما ، ويقومان إلى الحُبّ فيه الماء ، فيخرج للإسرائيلي في إنائه ماء ، وللقبطي دما .
حدثني الحرث ، قال : حدثنا عبد العزيز ، قال : حدثنا ابن سعد ، قال : سمعت مجاهدا ، في قوله : فأرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الطوفانَ قال : الموت والجراد . قال : الجراد يأكل أمتعتهم وثيابهم ومسامير أبوابهم ، والقُمّل هو الدبى ، سلطه الله عليهم بعد الجراد . قال : والضفادع تسقط في أطعمتهم التي في بيوتهم وفي أشربتهم .
وقال بعضهم : الدم الذي أرسله الله عليهم كان رُعافا . ذكر من قال ذلك .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا أحمد بن خالد ، قال : حدثنا يحيى بن أبي بكير ، قال : حدثنا زهير ، قال : قال زيد بن أسلم : أما القُمّل فالقَمْل وأما الدم : فسلط عليهم الرعاف .
وأما قوله : آياتٍ مُفَصّلاتٍ فإن معناه : علامات ودلالات على صحة نبوّة موسى ، وحقية ما دعاهم إليه مفصلات ، قد فُصِل بينها ، فجعل بعضها يتلو بعضا ، وبعضها في إثر بعض .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، قال : ثني معاوية بن صالح ، عن عليّ بن أبي طلحة ، عن ابن عباس ، قال : فكانت آيات مفصلات بعضها في إثر بعض ، ليكون لله الحجة عليهم ، فأخذهم الله بذنوبهم فأغرقهم في اليم .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قوله : آياتٍ مُفَصّلاتٍ قال : يتبع بعضها بعضا ليكون لله الحجة عليهم ، فينتقم منهم بعد ذلك . وكانت الاَية تمكث فيهم من السبت إلى السبت ، وترتفع عنه شهرا ، قال الله عزّ وجلّ : فانْتَقَمْنا مِنْهُمْ فَأغْرَقْناهُمْ فِي اليَمّ . . . الاَية .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، قال : قال ابن إسحاق : آياتٍ مُفَصّلاتٍ : أي آية بعد آية يتبع بعضها بعضا .
وكان مجاهد يقول فيما ذكر عنه في معنى المفصّلات ، ما :
حدثني الحرث ، قال : حدثنا عبد العزيز ، قال : حدثنا أبو سعد ، قال : سمعت مجاهدا يقول في «آيات مفصلات » ، قال : معلومات .
القول في تأويل قوله تعالى : فاسْتَكْبَرُوا وكانُوا قَوْما مُجْرِمِينَ .
يقول تعالى ذكره : فاستكبر هؤلاء الذين أرسل الله عليهم ما ذكر في هذه الاَيات من الاَيات والحجج عن الإيمان بالله ، وتصديق رسوله موسى صلى الله عليه وسلم ، واتباعه على ما دعاهم إليه ، وتعظموا على الله وعتوا عليه وكانُوا قَوْما مُجْرِمِينَ يقول : كانوا قوما يعملون بما يكرهه الله من المعاصي والفسق عتوّا وتمرّدا .