الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي - السيوطي  
{فَأَرۡسَلۡنَا عَلَيۡهِمُ ٱلطُّوفَانَ وَٱلۡجَرَادَ وَٱلۡقُمَّلَ وَٱلضَّفَادِعَ وَٱلدَّمَ ءَايَٰتٖ مُّفَصَّلَٰتٖ فَٱسۡتَكۡبَرُواْ وَكَانُواْ قَوۡمٗا مُّجۡرِمِينَ} (133)

أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه عن عائشة قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « الطوفان : الموت » .

وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وأبو الشيخ عن عطاء قال { الطوفان } الموت .

وأخرج عبد ابن حميد وابن جرير وأبو الشيخ عن مجاهد قال { الطوفان } الموت على كل حال .

وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس قال { الطوفان } الغرق .

وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس قال { الطوفان } أن يمطروا دائماً بالليل والنهار ثمانية أيام ، والقمل الجراد الذي ليس له أجنحة .

وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : { الطوفان } أمر من آمر ربك ، ثم قرأ { فطاف عليها طائف من ربك } [ القلم : 9 ] .

وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : أرسل الله على قوم فرعون الطوفان وهو المطر فقالوا : يا موسى ادع لنا ربك يكشف عنا المطر ، فنؤمن لك ونرسل معك بني إسرائيل ، فدعا ربه فكشف عنهم ، فأنبت الله لهم في تلك السنة شيئاً لم ينبته قبل ذلك من الزرع والكلأ ، فقالوا : هذا ما كنا نتمنى ، فأرسل الله عليهم الجراد فسلطه عليهم ، فلما رأوه عرفوا أنه لا يبقي الزرع قالوا مثل ذلك ، فدعا ربه فكشف عنهم الجراد ، فداسوه وأحرزوه في البيوت فقالوا : قد أحرزنا ، فأرسل الله عليهم القمل : وهو السوس الذي يخرج من الحنطة ، فكان الرجل يخرج بالحنطة عشرة أجربة إلى الرحا فلا يرد منها بثلاثة أقفزة ، فقالوا مثل ذلك ، فكشف عنهم فأبوا أن يرسلوا معه بني إسرائيل ، فبينا موسى عند فرعون إذ سمع نقيق ضفدع من نهر فقال : يا فرعون ما تلقى أنت وقومك من هذا الضفدع ؟ فقال : وما عسى أن يكون عند هذا الضفدع ؟ فما أمسوا حتى كان الرجل يجلس إلى ذقنه في الضفادع ، وما منهم من أحد يتكلم إلا وثب ضفدع في فيه ، وما من شيء من آنيتهم إلا وهي ممتلئة من الضفادع . فقالوا مثل ذلك ، فكشف عنهم فلم يفوا ، فأرسل الله عليهم الدم ، فصارت أنهارهم دماً ، وصارت آبارهم دماً ، فشكوا إلى فرعون ذلك فقال : ويحكم قد سحركم ؟ ! فقالوا : ليس نجد من مائنا شيئاً في إناء ولا بئر ولا نهر إلا ونجده طعم الدم العبيط . فقال فرعون : يا موسى ادع لنا ربك يكشف عنهم الدم فلم يفوا .

وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { فأرسلنا عليهم الطوفان } وهو المطر حتى خافوا الهلاك ، فأتوا موسى فقالوا : يا موسى ادع لنا ربك أن يكشف عنا المطر ، فانا نؤمن لك ونرسل معك بني إسرائيل فدعا ربه فكشف عنهم المطر ، فأنبت الله به حرثهم وأخصبت بلادهم ، فقالوا : ما نحب أنا لم نمطر ولن نترك إلهنا ونؤمن بك ، ولن نرسل معك بني إسرائيل .

فأرسل الله عليهم الجراد فأسرع في فساد زروعهم وثمارهم ، قالوا : يا موسى ادع لنا ربك أن يكشف عنا الجراد ، فانا سنؤمن لك ونرسل معك بني إسرائيل . فدعا ربه فكشف عنهم الجراد ، وكان قد بقي من زرعهم ومعائشهم بقايا ، فقالوا : قد بقي لنا ما هو كافينا فلن نؤمن لك ، ولن نرسل معك بني إسرائيل . فأرسل الله عليهم القمل وهو الدبا فتتبع ما كان ترك الجراد ، فجزعوا وخشوا الهلاك فقالوا : يا موسى ادع لنا ربك يكشف عنا الدبا فإنا سنؤمن لك ، ونرسل معك بني إسرائيل ، فدعا ربه فكشف عنهم الدبا فقالوا : ما نحن لك بمؤمنين ، ولا مرسلين معك بني إسرائيل . فأرسل عليهم الضفادع فملأ بيوتهم منها ، ولقوا منها أذى شديداً لم يلقوا مثله فيما كان قبله ، كانت تثب في قدورهم فتفسد عليهم طعامهم وتطفىء نيرانهم ، قالوا : يا موسى ادع لنا ربك أن يكشف عنا الضفادع فقد لقينا منها بلاء وأذى ، فانا سنؤمن لك ونرسل معك بني إسرائيل . فدعا ربه فكشف عنهم الضفادع ، فقالوا : لا نؤمن لك ، ولا نرسل معك بني إسرائيل . فأرسل الله عليهم الدم فجعلوا لا يأكلون إلا الدم ولا يشربون إلا الدم ، قالوا يا موسى ادع لنا ربك أن يكشف عنا الدم ، فانا سنؤمن لك ونرسل معك بني إسرائيل . فدعا ربه فكشف عنهم الدم ، فقالوا : يا موسى لن نؤمن لك ولن نرسل معك بني إسرائيل . فكانت آيات مفصلات بعضها أثر بعض لتكون لله الحجة عليهم ، فأخذهم الله بذنوبهم فأغرقهم في اليم .

وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله { فأرسلنا عليهم الطوفان } قال : الماء والطاعون والجراد . قال : تأكل مسامير رتجهم : يعني أبوابهم وثيابهم ، والقمل الدبا ، والضفادع تسقط على فرشهم وفي أطعمتهم ، والدم يكون في ثيابهم ومائهم وطعامهم .

وأخرج أبو الشيخ عن عطاء قال : بلغني أن الجراد لما سلط على بني إسرائيل أكل أبوابهم حتى أكل مساميرهم .

وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : الجراد نترة من حوت في البحر .

وأخرج العقيلي في كتاب الضعفاء وأبو الشيخ في العظمة عن أبي هريرة « أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الجراد ؟ فقال : إن مريم سألت الله أن يطعمها لحماً لا دم فيه فأطعمها الجراد » .

وأخرج الطبراني والبيهقي في سننه عن أبي أمامة الباهلي « أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إن مريم بنت عمران سألت ربها أن يطعمها لحماً لا دم فيه فأطعمها الجراد ، فقالت : اللهم أعشه بغير رضاع ، وتابع بينه بغير شياع يعني الصون قال الذهبي : إسناده أنظف من الأول » .

وأخرج البيهقي في سننه عن زينب ربيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت : إن نبياً من الأنبياء سأل الله لحم طير لا ذكاة له ، فرزقه الله الحيتان والجراد .

وأخرج أبو داود وابن ماجة وأبو الشيخ في العظمة والطبراني وابن مردويه والبيهقي عن سلمان قال : « سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الجراد ؟ فقال » أكثر جنود الله لا آكله ولا أحرمه « » .

وأخرج أبو بكر البرقي في معرفة الصحابة والطبراني وأبو الشيخ في العظمة والبيهقي في شعب الإِيمان عن أبي زهير النميري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « لا تقاتلوا الجراد فإنه جند من جند الله الأعظم » قال البيهقي : هذا إن صح أراد به إذا لم يتعرض لإِفساد المزارع ، فإذا تعرض له جاز دفعه بما يقع به الدفع من القتال والقتل ، أو أراد تعذر مقاومته بالقتال والقتل .

وأخرج البيهقي من طريق الفضيل بن عياض عن مغيرة عن إبراهيم عن عبد الله قال : وقعت جرادة بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : إلا نقتلها يا رسول الله ؟ فقال « من قتل جرادة فكأنما قتل غوريا » قال البيهقي : هذا ضعيف بجهالة بعض رواته ، وانقطاع ما بين إبراهيم وابن مسعود .

وأخرج الحاكم في تاريخه والبيهقي بسند فيه مجهول عن ابن عمر قال : وقعت جرادة بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فاحتملها فإذا مكتوب في جناحها بالعبرانية : لا يعني جنيني ولا يشبع آكلي ، نحن جند الله الأكبر لنا تسع وتسعون بيضة ، ولو تمت لنا المائة لأكلنا الدنيا بما فيها . فقال النبي صلى الله عليه وسلم « اللهم أهلك الجراد اقتل كبارها ، وأمت صغارها ، وأفسد بيضها ، وسدَّ أفواهها عن مزارع المسلمين وعن معايشهم إنك سميع الدعاء ، فجاءه جبريل فقال : إنه قد استجيب لك في بعض » قال البيهقي : هذا حديث منكر .

وأخرج الطبراني وإسماعيل بن عبد الغافر الفارسي في الأربعين والبيهقي عن الحسين بن علي قال : « كنا على مائدة أنا ، وأخي محمد بن الحنفية ، وبني عمي عبد الله بن عباس ، وقثم ، والفضل ، فوقعت جرادة فأخذها عبد الله بن عباس ، فقال للحسين : تعلم ما مكتوب على جناح الجرادة ؟ فقال : سألت أبي فقال : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لي » على جناح الجرادة مكتوب : إني أنا لا الله لا إله إلا أنا رب الجرادة ورازقها ، إذا شئت بعثتها رزقاً لقوم ، وإن شئت على قوم بلاء . فقال ابن عباس : «هذا والله من مكنون العلم » .

وأخرج أبو نعيم في الحلية عن عكرمة قال : قال لي ابن عباس : مكتوب على الجرادة بالسريانية : إني أنا الله لا إله إلا أنا وحدي لا شريك لي ، الجراد جند من جندي أسلطه على من أشاء من عبادي .

وأخرج أبو الشيخ في العظمة عن سعيد بن المسيب قال : لما خلق الله آدم فضَّل من طينته شيء فخلق من الجراد .

وأخرج عن سعيد بن أبي الحسن . مثله .

وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن سعيد بن جبير قال { الطوفان } المطر { والجراد } هذا الجراد . { والقمل } الدابة التي تكون في الحنطة .

وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي صخر قال : القمل : الجراد الذي لا يطير .

وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن قال : القمل : هو القمل .

وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن زيد قال : زعم بعض الناس في القمل أنها البراغيث .

وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن حبيب بن أبي ثابت قال : القمل : الجعلان .

وأخرج الطستي عن ابن عباس . أن نافع بن الأزرق قال له : أخبرني عن قوله عز وجل { والقمل والضفادع } قال : القمل : الدبا . والضفادع : هي هذه . قال : وهل تعرف العرب ذلك ؟ قال نعم ، أما سمعت أبا سفيان بن الحارث بن عبد المطلب وهو يقول :

يبادرون النحل من أنها . . . كأنهم في الشرف القمل

وأخرج أبو الشيخ عن عكرمة قال : القمل : الجنادب بنات الجراد .

وأخرج أبو الشيخ عن عفيف عن رجل من أهل الشام قال : القمل : البراغيث .

وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : كانت الضفادع برية ، فلما أرسلها الله على آل فرعون سمعت وأطاعت فجعلت تقذف نفسها في القدر وهي تغلي ، وفي التنانير وهي تفور ، فأثابها الله بحسن طاعتها برد الماء .

وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس قال : لم يكن شيء أشد على آل فرعون من الضفادع ، كانت تأتي القدور وهي تغلي فتلقي أنفسها فيها ، فأورثها الله برد الماء والثرى إلى يوم القيامة .

وأخرج ابن أبي حاتم عن عبد الله بن عمرو قال : لا تقتلوا الضفادع فإنها لما أرسلت على آل فرعون انطلق ضفدع منها فوقع في تنور فيه نار ، طلبت بذلك مرضاة الله فأبدلهن الله أبرد شيء نعلمه الماء ، وجعل نعيقهن التسبيح .

وأخرج أحمد وأبو داود والنسائي عن عبد الرحمن بن عثمان التيمي . أن طبيباً ذكر ضفدعاً في دواء عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتله .

وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد قال : سالت النيل دماً فكان الإسرائيلي يستقي ماء طيباً ويستقي الفرعوني دماً ، ويشتركان في إناء واحد فيكون ما يلي الإسرائيلي ماء طيباً وما يلي الفرعوني دماً .

وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة قال : أرسل الله عليهم الدم فكانوا لا يغترفون من مائهم إلا دماً أحمر ، حتى لقد ذكر لنا أن فرعون كان يجمع بين الرجلين على الإناء الواحد القبطي والإِسرائيلي ، فيكون ما يلي الإِسرائيلي ماء وما يلي القبطي دماً .

وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن زيد بن أسلم في قوله { والدم } قال : سلط الله عليهم الرعاف .

وأخرج أحمد في الزهد وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن نوف الشامي قال : مكث موسى في آل فرعون بعد ما غلب السحرة عشرين سنة يريهم الآيات ، الجراد والقمل والضفادع والدم فيأبون أن يسلموا .

وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس قال : مكث موسى في آل فرعون بعد ما غلب السحرة أربعين سنة يريهم الآيات ، الجراد والقمل والضفادع .

وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { آيات مفصلات } قال : كانت آيات مفصلات بعضها على أثر بعض ليكون لله الحجة عليهم .

وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس في قوله { آيات مفصلات } قال : يتبع بعضها بعضاً ، تمكث فيهم سبتاً إلى سبت ثم ترفع عنهم شهراً .

وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير قال : كان بين كل آيتين من هذه الآيات ثلاثون يوماً .

وأخرج ابن أبي حاتم عن زيد بن أسلم قال : كانت الآيات التسع في تسع سنين ، في كل سنة آية .