تفسير مقاتل بن سليمان - مقاتل  
{فَأَرۡسَلۡنَا عَلَيۡهِمُ ٱلطُّوفَانَ وَٱلۡجَرَادَ وَٱلۡقُمَّلَ وَٱلضَّفَادِعَ وَٱلدَّمَ ءَايَٰتٖ مُّفَصَّلَٰتٖ فَٱسۡتَكۡبَرُواْ وَكَانُواْ قَوۡمٗا مُّجۡرِمِينَ} (133)

{ فأرسلنا } ، فلما قالوا ذلك أرسل الله { عليهم } السنين ، ونقص من الثمرات ، والنبات و { الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم آيات مفصلات } ، يعني باينات بعضها من بعض بين كل آيتين ثلاثين يوما ، { فاستكبروا } ، يعني فتكبروا عن الإيمان ، { وكانوا قوما مجرمين } .

فأما الطوفان ، فهو الماء طغى فوق حروثهم وزروعهم مطردا ثمانية أيام في ظلمة شديدة لا يرون فيها شمسا ولا قمرا ، ولا يخرج منهم أحد إلى صنعته ، فخافوا الغرق ، فصرخوا إلى فرعون ، فأرسل إلى موسى ، فقال : يا أيها الساحر ، ادع لنا ربك أن يكشف عنا هذا المطر ، فإن يكشفه لنؤمنن لك ، ولنرسلن معك بني إسرائيل ، فقال : لا أفعل ما زعمتم أني ساحر ، فقالوا : يا موسى ، ادع لنا ربك ، فدعا ربه ، فكشف عنهم المطر ، فنبت من الزرع والعشب ما لم ير مثله قط ، فقالوا : لقد جزعنا من أمر كان خيرا لنا ، فنكثوا العهد ، فأرسل الله عليهم الجراد ثمانية أيام ، وملئت الأرض حتى كانوا لا يرون الأرض من كثرته ، قدر ذراع ، فأكل النبات ، حتى خافوا ألا يبقى لهم شيء .

فقال فرعون : يا موسى ، ادع لنا ربك أن يكشف عنا فنؤمن لك ، فدعا موسى ربه ، فبعث الله ريحا ، فاحتملت الجراد فألقته في البحر ، قالوا : قد بقى لنا ما نتبلغ به حتى يدركنا الغيث ، فنكثوا ، فأرسل الله عليهم القمل ، وهو الدبى ، فغشى كل شيء منهم ، فلم يبق عودا أخضر من الزرع والنبات إلا أكله ، قال فرعون لموسى : ادع لنا ربك أن يكشفه عنا ونؤمن لك ، فدعا ربه ، فأمات القمل ، وبقى لهم ما يتبلغون ، فنكثوا ، قالوا :

يا موسى ، هل يستطيع ربك أن يفعل بنا أشد من هذا ؟ فأرسل الله عليهم الضفادع ، فدبت في بيوتهم ، وعلى ظهورهم ، فكان يستيقظ الرجل من نومه وعليه منهم كثرة ، فقال فرعون لموسى : ادع لنا ربك فيهلكه ، فإنه لم يعذب أحد قط بالضفادع ، فدعا موسى ربه ، فأمات الضفادع ، فأرسل الله مطرا جوادا ، فجزى بهم الماء حتى قذفهم في البحر .

فقالوا : إنما كان هذا الضفادع من المطر الذي كان أصابنا ، فلن يعود إلينا أبدا ، فنكثوا ، فأرسل الله عليهم الدم ، حتى صارت أنهارهم وركاباهم دما ، وأنهار بنى إسرائيل ماء عذبا ، فإذا دخل القبطي ليستقى من ماء بني إسرائيل ، صار دما ما بين يديه وما خلفه صاف ، إذا تحول ليأخذ من الصافي ، صار دما وخلفه صاف ، فمكثوا ثلاثة أيام لا يذوقون ماء صافيا ، فقالوا لفرعون : هلكنا وهلكت مواشينا وذرارينا من العطش ، فقال لموسى : ادع لنا ربك ليكشف عنا ، ونعطيك ميثاقا لنؤمنن لك ولنرسلن معك بنى إسرائيل ، فدعا موسى ربه ، فكشفه عنهم ، ولما شربوا الماء نكثوا العهد . فذلك قوله : { لما وقع عليهم الرجز }