تفسير الأعقم - الأعقم  
{فَأَرۡسَلۡنَا عَلَيۡهِمُ ٱلطُّوفَانَ وَٱلۡجَرَادَ وَٱلۡقُمَّلَ وَٱلضَّفَادِعَ وَٱلدَّمَ ءَايَٰتٖ مُّفَصَّلَٰتٖ فَٱسۡتَكۡبَرُواْ وَكَانُواْ قَوۡمٗا مُّجۡرِمِينَ} (133)

{ فأرسلنا عليهم الطوفان } ما طاف بهم وعليهم من مطر أو سيل ، وعن ابن عباس : كان أول الآيات الطوفان وهو الماء ، قيل : طفى الماء فوق حروثهم وذلك انهم مروا ثلاثة أيام في ظلمة شديدة لا يرون شمساً ولا قمراً ولا يقدر أحد أن يخرج من داره ، وقيل : أرسل الله عليهم السماء حتى كادوا يهلكون ، وبيوت بني إسرائيل وبيوت القبط مشتبكة ، فامتلأت بيوت القبط حتى قاموا في الماء إلى تراقيهم ومن جلس غرق ، ولم يدخل بيوت بني إسرائيل قطرة ، وفاض الماء على وجه أرضهم فركد ومنعهم من الحرث ودام عليهم سبعة أيام ، وقيل : هو الموت ، وقيل : هو الطاعون ، فقالوا لموسى : ادع لنا ربك يكشف عنا ونحن نؤمن لك ، فدعا فرفع الله ذلك عنهم فما آمنوا ، فنبت لهم تلك السنة من الكلأ والزرع ما لم يعهدوا بمثله ، فأقاموا شهراً ، فبعث الله عليهم { الجراد } فأكلت زرعهم وثمارهم ، ثم أكلت كل شيء حتى الأبواب وسقوف البيوت والنبات ، ولم يدخل بيوت بني اسرائيل منها شيء ، ففزعوا إلى موسى ووعدوه التوبة ، فكشف الله عنهم بعد سبعة أيام ، فخرج موسى ( عليه السلام ) فأشار بعصاه نحو المشرق والمغرب فرجع الجراد إلى المواضع التي جاء منها ، فقالوا : ما نحن بتاركي ديننا فأرسل الله عليهم { القُمَّل } ، قيل : هو كبار القردان ، وقيل : الدبا وهو أولاد الجراد التي لا أجنحة لها ، وقيل : البراغيث ، وقيل : السوس فأكل ما أبقاه الجراد ولحس الأرض ، وكان يدخل بين ثوب أحدهم وبين جلده وبين قميصه ، وكان إذا أكل أحدهم طعاماً يمتلئ طعامه قملاً فصاحوا وفزعوا إلى موسى فرفع عنهم فقالوا : قد تحققنا الآن أنك ساحر ، وعزّة فرعون لا نصدقك أبداً ، فأرسل الله بعد شهر عليهم الضفادع فدخل المدنية حتى ملأ الدور والفرش والآنية ، ودخلت طعامهم وشرابهم حتى كانوا يجلسون عليها ، وربما كانت تدخل فم المتكلم وكانت تمتلئ منها مضاجعهم فلا يقدر أحد على الرقاد ، وكانت تقذف بأنفسها في القدور وهي تغلي ، فأقامت سبعة أيام فشكوا إلى موسى ( عليه السلام ) وقالوا : ارحمنا هذه المرة فما بقي إلا أن نتوب التوبة النصوح ، فأخذ عليهم العهود ودعا فكشف الله عنهم ، ثم نقضوا العهد فأرسل الله عليهم { الدم } فصارت مياههم دماً ، فشكوا إلى فرعون فقال : إنه سحركم فكان يجتمع الإِسرائيلي والقبطي على إناء فيكون ما يلي الإِسرائيلي ماء وما يلي القبطي دماً ، ويستقيان من إناء واحد فيكون للقبطي الدم وللإِسرائيلي الماء ، وروي أن المرأة الاسرائيلية تمج في فم القبطية فيصير دماً في فيها ، أقاموا سبعة أيام كذلك ، ثم أتوا موسى ( عليه السلام ) وعاهدوه وقالوا : { لئن كشفت عنَّا } إلى آخر الآية { آيات مفصلات } يتبع بعضها بعضاً { فاستكبروا وكانوا قوماً مجرمين } وروي أن موسى ( عليه السلام ) نكث فيهم بعدما غلب السحرة يريهم هذه الآيات عشرين سنة