التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز  
{فَأَرۡسَلۡنَا عَلَيۡهِمُ ٱلطُّوفَانَ وَٱلۡجَرَادَ وَٱلۡقُمَّلَ وَٱلضَّفَادِعَ وَٱلدَّمَ ءَايَٰتٖ مُّفَصَّلَٰتٖ فَٱسۡتَكۡبَرُواْ وَكَانُواْ قَوۡمٗا مُّجۡرِمِينَ} (133)

فبعد هذا العتو والاستكبار بالرغم مما رأوه من المعجزات الحسية المشهودة التي تدل على صدق نبوة موسى عليه السلام –بعد ذلك كله أخذ الله هؤلاء الظالمين المجرمين بالبلاء والمحن . وأول ذلك { الطوفان } وهو المطر الغامر الشديد ؛ فقد أرسل الله السماء عليهم هاطلة مدرارة حتى عاموا في طوفان الماء المغرق الذي يتلف الزروع والثمرات . وقيل : معناه الموت . وقيل : الطاعون . والمعنى الأول أظهر .

ثم { الجراد } وهو مأكول لما رواه أحمد وابن ماجه عن أبي عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( أحلت لنا ميتتان ودمان : الحوت والجراد ، والكبد والطحال ) .

أما إذا حل الجراد بأرض فأفسدها فغنه يحل قتله ؛ للتخلص من ضرره ؛ ودرءا لفساده وأذاه . وهو قول الأكثرين من الفقهاء وأهل العلم . ويستدل على ذلك بالعقول وهو درء الفساد المتحصل بسبب الجراد ؛ ولئن جاز قتل المسلم إذا اعتدى على أحذ لأخذ ماله أو إفساده ، فلا جرم أن يكون قتل الجراد أولى . وقيل : لا يحل قتل الجراد ؛ لأنه جند من جند الله . والصواب الأول .

ثم ( القمل ) بضم القاف وتشديد الميم . وقد قيل : معناه السوس الذي في الحنطة . وقيل : معناه الجعلان . وقيل : البراغيث . وقيل : هو ضرب من القراد أكلت دوابهم وزروعهم ولزمت جلودهم كالجدري . وقيل : القمل ، بفتح القاف وسكون الميم . وهو معروف .

ثم { الضفادع } وهي جمع ومفردها الضفدع . وهي حيوان صغير يعيش في الماء ، وهي منهي عن قتلها لما أخرجه أحمد وابن ماجه عن أبي هريرة قال : ( نهى رسول الله عن قتل الصرد{[1506]} والضفدع والنملة والهدهد ) وقيل : عن أكثر الدواب تسبيحا الضفدع حتى إن نقيقها لهو تسبيح ؛ فقد أرسل الله عليهم الضفادع لتملأ عليهم كل أوعيتهم وشرابهم ، حتى إن أحدهم ليجلس فتغشاه الضفادع لتواريه إلى ذقنه . ولا يتكلم حتى يثب الضفدع في فمه .

ثم { الدم } امتلأت حياتهم بالدم حتى فاض الدم في أمكنتهم وآنيتهم ومياههم فما كان أحدهم يغترف من الماء إلا الدم الأحمر مما أوقع فيهم العنت البالغ والبلاء الشديد . فكانوا في كل مرة ينزل بهم البلاء من ربهم يضجون بالشكوى إلى موسى ليدعو ربه أن يزيل عنهم هذا البلاء من ربهم يضجون بالشكوى إلى موسى ليدعوا ربه أن يزيل عنهم هذا البلاء النازل بهم . فما يدعو موسى ربه ثم يستجيب الله الدعاء بإزالة البلاء عنهم حتى يجنح فرعون وقومه للكفر والتمادي في العدوان والباطل فتابع الله عليهم الآيات بأخذهم بالسنين وهي القحوط ، ثم الطوفان ، ثم الجراد ، ثم القمل ، ثم الضفادع ، ثم الدم { آيات مفصلات } أي بينات ظاهرات لمن يريد أن يتذكر أو يعتبر .

قوله : { فاستكبروا وكانوا قوما مجرمين } فرعون اللعين كان فاسد الفطرة تماما . وهو ذو قلب غليظ بالغ الكزازة والقسوة فلا يلين ولا يرق ولا يستقيم ، وهو بلؤمه وقسوته وجموحه الشرير قد طغى عليه طبعه الجاحد الكنود ، فما كان ليصيخ لهتاف المنطق أو الحق أو الفطرة بل استشرت في دمه وعروقه نزوة الشر والأذى والعتو ، فاستكبر هو وقومه والذين اتبعوه في الضلال والباطل وأبوا إلا الفسق والتمرد والكيد لموسى نبي الله والذين آمنوا معه . وذلك بالرغم مما حل بهم من ألوان البلاء وكانوا في كل نازلة من هذه النوازل يسألون موسى أن يضرع إلى ربه لئن كشفت عنا هذا الضر لنؤمن لك ولنرسلن معك بني إسرائيل . لكنهم نقضوا ما وعدوه وعادوا إلى مفارقة الشر والفساد والإجرام .


[1506]:الصرد: على وزن عمر. وهو نوع من الغرابن، ويقال له الواق. وكانت العرب تتطير من صوته وتقتله، فنهي عن قتله دفعا للطيرة. وقيل: طائر أكبر من العصفور ضخم الرأس والمنقار ويصيد صغار الحشرات وكانوا يتشاءموا منه. انظر المعجم الوسيط جـ 1ص 512 والمصباح المنير جـ 2ص 361.