بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{فَأَرۡسَلۡنَا عَلَيۡهِمُ ٱلطُّوفَانَ وَٱلۡجَرَادَ وَٱلۡقُمَّلَ وَٱلضَّفَادِعَ وَٱلدَّمَ ءَايَٰتٖ مُّفَصَّلَٰتٖ فَٱسۡتَكۡبَرُواْ وَكَانُواْ قَوۡمٗا مُّجۡرِمِينَ} (133)

قال الله تعالى : { فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطوفان } وهو المطر الدائم من السبت إلى السبت حتى خربت بنيانهم وانقطعت السبل وكادت أن تصير مصر بحراً واحداً ، فخافوا الغرق ، فاستغاثوا بموسى ، فأرسلوا إليه اكشف عنا العذاب نؤمن بك ونرسل معك بني إسرائيل . فدعا موسى ربه ، فكشف عنهم المطر ، وأرسل الله عليهم الريح فجففت الأرض فخرج من النبات شيء لم يروا مثله بمصر قط . قالوا : هذا الذي جزعنا منه خير لنا ولكنا لم نشعر به . فلا والله لا نؤمن بك ولا نرسل معك بني إسرائيل . فنقضوا العهد ، وعصوا ربهم ، فمكثوا شهراً ، فدعا عليهم موسى فأرسل الله تعالى عليهم { الجراد } مثل الليل ، فكانوا لا يرون الأرض ، ولا السماء من كثرتها ، فأكل كل شيء أنبتته الأرض . فاستغاثوا بموسى { وَقَالُواْ يا أيها الساحر ادع لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِندَكَ إِنَّنَا لَمُهْتَدُونَ } [ الزخرف : 49 ] يعني : يا أيها العالم سل لنا ربك ليكشف عنا العذاب ، ونؤمن بك ، ونرسل معك بني إسرائيل . فدعا موسى ربه ، فأرسل الله تعالى ريحاً فاحتملت الجراد وألقته في البحر فلم يبق في أرض مصر جرادة واحدة . فقال لهم فرعون : انظروا هل بقي شيء ؟ فنظروا فإذا هو قد بقي لهم بقية من كلئهم وزرعهم ما يكفيهم عامهم ذلك . قالوا : قد بقي لنا ما فيه بلغتنا هذه السنة . فقالوا : يا موسى لا والله لا نؤمن بك ولا نرسل معك بني إسرائيل فمكثوا شهراً ثم دعا عليهم فأرسل الله تعالى عليهم { القُمَّل } . قال قتادة : القمل أولاد الجرادة التي لا تطير وهكذا قال السدي . وذكر عن أبي عبيدة أنه قال : القمل عند العرب الحمنان وهو ضرب من القردان فلم يبق من الأرض عود أخضر إلا أكلته . فأتاهم منه مثل السيل على وجه الأرض ، فأكل كل شيء في أرض مصر من نبات الأرض أو ثمر فصاحوا إلى موسى ، واستغاثوا به ، وقالوا : ادع لنا ربك هذه المرة يكشف عنا العذاب ونحن نطيعك ونعطيك عهداً وموثقاً لنؤمنن بك ، ولنرسلن معك بني إسرائيل . فدعا موسى ربه فأرسل الله تعالى ريحاً حارة فأحرقته فلم يبق منه شيء ، وحملته الريح ، فألقته في البحر ، فقال لهم موسى : أرسلوا معي بني إسرائيل ؟ فقالوا له : قد ذهبت الأنزال كلها فأيش تفعل بعد هذا ؟ فعلى أي شيء نؤمن بك ونرسل معك بني إسرائيل ؟ اذهب فما استطعت أن تضر بنا فافعل .

فمكثوا شهراً فدعا الله تعالى عليهم موسى ، فأرسل الله تعالى عليهم آية وهي { الضفادع } فخرجوا من البحر ، مثل الليل الدامس ، فغشوا أهل مصر ، ودخلوا البيوت ، ووقفوا على ثيابهم ، وسررهم ، وفرشهم ، وكان الرجل منهم يستيقظ بالليل فيجد فراشه وقد امتلأ من الضفادع ، فكان الرجل يكلم صاحبه في الطريق يجعل فمه في أذنه ليسمع كلامه من كثرة نعيق الضفادع . فضاق الأمر عليهم فصاحوا إلى موسى فقالوا يا موسى : لئن رفعت عنا هذه الضفادع لنؤمنن بك ولنرسلن معك بني إسرائيل . فدعا لهم موسى ربه فأذهب الله تعالى عنهم الضفادع . فقال لهم موسى : أرسلوا معي بني إسرائيل فقالوا : نعم اخرج بهم ولا تخرج معهم بشيء من مواشيهم وأموالهم . فقال لهم موسى : إن الله أمرني أن أخرج بهم ولا أخلف من أموالهم ومواشيهم شيئاً . فقالوا : والله لا نؤمن بك ولا نرسل معك بني إسرائيل . فمكثوا شهراً ، فدعا عليهم ، فأرسل الله تعالى عليهم { الدم } فجرت أنهارهم دماء ، فلم يكونوا يقدرون على الماء العذب ولا غيره ، وبنو إسرائيل في الماء العذب . وكلما دخل رجل من آل فرعون ليستقي من أنهار بني إسرائيل . صار الماء دماً من بين يديه ، ومن خلفه . فركب فرعون وأشراف أصحابه حتى أتوا أنهار بني إسرائيل فإذا هي عذبة صافية . فجعل فرعون يدخل الرجل منهم ، فإذا دخل واغترف صار الماء في يده دماً . فمكثوا كذلك سبعة أيام لا يشربون إلا الدم فمات كثير منهم في ذلك . فاستغاثوا بموسى فقال فرعون : اقسم بإلهك يا موسى لئن كشفت عنا الرجز ، لنؤمننّ بك ، ولنرسلن معك بني إسرائيل . فدعا موسى ربه فأذهب الله تعالى عنهم الدم ، وعذب ماؤهم وصفي . فعادوا إلى كفرهم فذلك قوله تعالى : { فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم آيات مّفَصَّلاَتٍ } يعني : متتابعات قال الحسن وسعيد بن جبير وغيرهما قالوا : مما كانوا يعافون بين كل آيتين شهراً فإذا جاءت الآية ، قامت عليهم سبعاً من السبت إلى السبت . وروي عن مجاهد أنه قال : { الطوفان } المطر الكثير وقوله { آيات } صارت نصباً للحال .

وقوله تعالى : { فاستكبروا } يعني : تعظّموا عن الإيمان { وَكَانُواْ قَوْماً مُّجْرِمِينَ } يعني : أقاموا على كفرهم .