معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَيۡلٞ لِّكُلِّ هُمَزَةٖ لُّمَزَةٍ} (1)

مقدمة السورة:

سورة الهمزة

مكية ، وآياتها تسع .

{ ويل لكل همزة لمزة } قال ابن عباس : هم المشاؤون بالنميمة ، المفرقون بين الأحبة ، الباغون للبرآء العيب ، ومعناهما واحد ، وهو العياب . وقال مقاتل : الهمزة : الذي يعيبك في الغيب ، واللمزة : الذي يعيبك في الوجه . وقال أبو العالية والحسن بضده . وقال سعيد بن جبير ، وقتادة : الهمزة الذي يأكل لحوم الناس ويغتابهم ، واللمزة : الطعان عليهم . وقال ابن زيد : الهمزة : الذي يهمز الناس بيده ويضربهم ، واللمزة : الذي يلمزهم بلسانه ويعيبهم . وقال سفيان الثوري : ويهمز بلسانه ويلمز بعينه . ومثله قال ابن كيسان : الهمزة : الذي يؤذي جليسه بسوء اللفظ واللمزة : الذي يومض بعينه ، ويشير برأسه ، ويرمز بحاجبه ، وهما نعتان للفاعل ، نحو سخرة وضحكة : للذي يسخر ويضحك من الناس ، وأصل الهمز : الكسر والعض على الشيء بالعنف . واختلفوا فيمن نزلت هذه الآية ؟ قال الكلبي : نزلت في الأخنس بن شريق بن وهب الثقفي كان يقع في الناس ويغتابهم . وقال محمد بن إسحاق : ما زلنا نسمع أن سورة الهمزة نزلت في أمية بن خلف الجمحي . وقال مقاتل : نزلت في الوليد بن المغيرة ، كان يغتاب النبي صلى الله عليه وسلم من ورائه ، ويطعن عليه في وجهه . وقال مجاهد : هي عامة في حق كل من هذه صفته .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَيۡلٞ لِّكُلِّ هُمَزَةٖ لُّمَزَةٍ} (1)

مقدمة السورة:

تفسير سورة الهمزة ، وهي مكية .

{ 1 - 9 } { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ * الَّذِي جَمَعَ مَالًا وَعَدَّدَهُ * يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ * كَلَّا لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ * نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ * الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ * إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ * فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ }

{ وَيْلٌ } أي : وعيد ، ووبال ، وشدة عذاب { لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ } الذي يهمز الناس بفعله ، ويلمزهم بقوله ، فالهماز : الذي يعيب الناس ، ويطعن عليهم بالإشارة والفعل ، واللماز : الذي يعيبهم بقوله .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَيۡلٞ لِّكُلِّ هُمَزَةٖ لُّمَزَةٍ} (1)

مقدمة السورة:

بسم الله الرحمن الرحيم

تفسير سورة الهمزة

مقدمة وتمهيد

1- سورة " الهُمَزة " من السور المكية ، وكان نزولها بعد سورة " القيامة " وقبل سورة " المرسلات " ، وعدد آياتها تسع آيات .

2- ومن أهم أغراضها : التهديد الشديد لمن يعيب الناس ، ويتهكم بهم ، ويتطاول عليهم ، بسبب كثرة ماله ، وجحوده للحق .

وقد ذكروا أن هذه السورة الكريمة نزلت في شأن جماعة من أغنياء المشركين ، منهم : الوليد بن المغيرة ، وأمية بن خلف ، وأبي بن خلف . . كانوا يؤذون النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، ويشيعون الأقوال السيئة عنهم .

وهذا لا يمنع أن السورة الكريمة تشمل أحكامها كل من فعل مثل هؤلاء المشركين ؛ إذ العبرة بعموم اللفظ ، لا بخصوص السبب .

الويل : لفظ يدل على الذم وعلى طلب العذاب والهلكة . . وقيل : اسم لواد فى جهنم .

والهُمَزة من الهَمْز ، بمعنى الطعن فى أعراض الناس ، ورميهم بما يؤذيهم . .

واللُّمَزة من اللمز ، بمعنى السخرية من الغير ، عن طريق الإِشارة باليد أو العين أو غيرهما .

قال الجمل : الهمزة واللمزة : هم المشاؤون بالنميمة ، المفرقون بين الأحبة ، الباغون العيب للبريء ، فعلى هذا هما بمعنى واحد .

وقيل : الهمزة الذي يعيبك فى الغيب ، واللمزة الذي يعيبك فى الوجه ، وقيل : العكس .

وحاصل هذه الأقوال يرجع إلى أصل واحد ، وهو الطعن وإظهار العيب ، ويدخل فى ذلك من يحاكي الناس في أقوالهم وأفعالهم وأصواتهم ليضحكوا منه . .

ولفظ " ويل " مبتدأ ، وساغ الابتداء مع كونه نكرة ؛ لأنه دعاء عليهم ، وقوله : { لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ } خبره ، وهمزة ولمزة وصفان لموصوف محذوف .

أي : عذاب شديد ، وخزي عظيم ، لكل من يطعن فى أعراض الناس ، ويغض من شأنهم ، ويحقر أعمالهم وصفاتهم ، وينسب إليهم ما هم برآء منه من عيوب .

والتعبير بقوله : { هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ } يدل على أن تلك الصفات القبيحة ، كانت عادة متأصلة فيهم ؛ لأن اللفظ الذي بزنة فُعَلَة - بضم الفاء وفتح العين - يؤتى به للدلالة على أن الموصوف به ديدنه ودأبه الإِتيان بهذا الوصف ، ومنه قولهم : فلان ضُحَكة : إذا كان يكثر من الضحك .

كما أن لفظ " فُعْلَة " - بضم الفاء وسكون العين - يؤتى به للدلالة على أن الموصوف به ، يكثر أن يفعل به ذلك ، ومنه قولهم : فلان ضُحْكة ، إذا كان الناس يكثرون الضحك منه .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَيۡلٞ لِّكُلِّ هُمَزَةٖ لُّمَزَةٍ} (1)

سورة الهمزة مكية وآياتها تسع

تعكس هذه السورة صورة من الصور الواقعية في حياة الدعوة في عهدها الأول . وهي في الوقت ذاته نموذج يتكرر في كل بيئة . . صورة اللئيم الصغير النفس ، الذي يؤتى المال فتسيطر نفسه به ، حتى ما يطيق نفسه ! ويروح يشعر أن المال هو القيمة العليا في الحياة . القيمة التي تهون أمامها جميع القيم وجميع الأقدار : أقدار الناس . وأقدار المعاني . وأقدار الحقائق . وأنه وقد ملك المال فقد ملك كرامات الناس وأقدارهم بلا حساب !

كما يروح يحسب أن هذا المال إله قادر على كل شيء ؛ لا يعجز عن فعل شيء ! حتى دفع الموت وتخليد الحياة . ودفع قضاء الله وحسابه وجزائه إن كان هناك في نظره حساب وجزاء !

ومن ثم ينطلق في هوس بهذا المال يعده ويستلذ تعداده ؛ وتنطلق في كيانه نفخة فاجرة ، تدفعه إلى الاستهانة بأقدار الناس وكراماتهم . ولمزهم وهمزهم . . يعيبهم بلسانه ويسخر منهم بحركاته . سواء بحكاية حركاتهم وأصواتهم ، أو بتحقير صفاتهم وسماتهم . . بالقول والإشارة . بالغمز واللمز . باللفتة الساخرة والحركة الهازئة !

وهي صورة لئيمة حقيرة من صور النفس البشرية حين تخلو من المروءة وتعرى من الإيمان . والإسلام يكره هذه الصورة الهابطة من صور النفوس بحكم ترفعه الأخلاقي . وقد نهى عن السخرية واللمز والعيب في مواضع شتى . إلا أن ذكرها هنا بهذا التشنيع والتقبيح مع الوعيد والتهديد ، يوحي بأنه كان يواجه حالة واقعية من بعض المشركين تجاه رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] وتجاه المؤمنين . . فجاء الرد عليها في صورة الردع الشديد ، والتهديد الرعيب . وقد وردت روايات بتعيين بعض الشخصيات . ولكنها ليست وثيقة . فنكتفي نحن بما قررناه عنها . .

والتهديد يجيء في صورة مشهد من مشاهد القيامة يمثل صورة للعذاب مادية ونفسية ، وصورة للنار حسية ومعنوية . وقد لوحظ فيها التقابل بين الجرم وطريقة الجزاء وجو العقاب . فصورة الهمزة اللمزة ، الذي يدأب على الهزء بالناس وعلى لمزهم في أنفسهم وأعراضهم ، وهو يجمع المال فيظنه كفيلا بالخلود ! صورة هذا المتعالي الساخر المستقوي بالمال ، تقابلها صورة " المنبوذ " المهمل المتردي في( الحطمة )التي تحطم كل ما يلقى إليها ، فتحطم كيانه وكبرياءه . وهي( نار الله الموقدة )وإضافتها لله وتخصيصها هكذا يوحي بأنها نار فذة ، غير معهودة ، ويخلع عليها رهبة مفزعة رعيبة .

وهي( تطلع )على فؤاده الذي ينبعث منه الهمز واللمز ، وتكمن فيه السخرية والكبرياء والغرور . . وتكملة لصورة المحطم المنبوذ المهمل . . هذه النار مغلقة عليه ، لا ينقذه منها أحد ، ولا يسأل عنه فيها أحد ! وهو موثق فيها إلى عمود كما توثق البهائم بلا احترام ! وفي جرس الألفاظ تشديد : عدده . كلا . لينبذن . تطلع . ممددة وفي معاني العبارات توكيد بشتى أساليب التوكيد : ( لينبذن في الحطمة . وما أدراك ما الحطمة ? نار الله الموقدة . . )فهذا الإجمال والإبهام . ثم سؤال الاستهوال . ثم الإجابة والبيان . . كلها من أساليب التوكيد والتضخيم . . وفي التعبير تهديد ( ويل . لينبذن . الحطمة . . . نار الله الموقدة . التي تطلع على الأفئدة . إنها عليهم مؤصدة . في عمد ممددة ) . .

وفي ذلك كله لون من التناسق التصويري والشعوري يتفق مع فعلة( الهمزة اللمزة ) !

لقد كان القرآن يتابع أحداث الدعوة ويقودها في الوقت ذاته . وكان هو السلاح البتار الصاعق الذي يدمر كيد الكائدين ، ويزلزل قلوب الأعداء ويثبت أرواح المؤمنين .

وإنا لنرى في عناية الله سبحانه بالرد على هذه الصورة معنيين كبيرين :

الأول : تقبيح الهبوط الأخلاقي وتبشيع هذه الصورة الهابطة من النفوس .

والثاني : المنافحة عن المؤمنين وحفظ نفوسهم من أن تتسرب إليها مهانة الإهانة ، وإشعارهم بأن الله يرى ما يقع لهم ، ويكرهه ، ويعاقب عليه . . وفي هذا كفاية لرفع أرواحهم واستعلائها على الكيد اللئيم . . .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَيۡلٞ لِّكُلِّ هُمَزَةٖ لُّمَزَةٍ} (1)

مقدمة السورة:

سورة الهمزة مكية ، وآيها تسع آيات .

بسم الله الرحمن الرحيم { ويل لكل همزة لمزة } الهمز الكسر كالهزم ، واللمز الطعن كاللهز ، فشاعا في الكسر من أعراض الناس والطعن فيهم ، وبناء فعله يدل على الاعتياد ، فلا يقال : ضحكة ولعنة إلا للمكثر المتعود . وقرئ ( همزة لمزة ) بالسكون على بناء المفعول ، وهو المسخرة الذي يأتي بالأضاحيك فيضحك منه ويشتم ، ونزولها في الأخنس بن شريق فإنه كان مغيابا ، أو في الوليد بن المغيرة واغتيابه رسول الله صلى الله عليه وسلم .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَيۡلٞ لِّكُلِّ هُمَزَةٖ لُّمَزَةٍ} (1)

مقدمة السورة:

وهي مكية بلا خلاف .

{ ويل } لفظ يجمع الشر والحزن ، وقيل : { ويل } : واد في جهنم ، و «الهمزة » الذي يهمز الناس بلسانه ، أي يعيبهم ، ويغتابهم ، وقال ابن عباس : هو المشاء بالنميم{[11980]} .

قال القاضي أبو محمد : ليس به ، لكنهما صفتان تتلازم ، قال الله تعالى : { هماز مشاء بنميم }{[11981]} [ القلم : 11 ] ، وقال مجاهد : «الهمزة » الذي يأكل لحوم الناس ، وقيل لأعرابي : أتهمز إسرائيل ، فقال : إني إذاً لرجل سوء ، حسب أنه يقال له : أتقع في سبه ، و «اللمزة » قريب من المعنى في الهمزة ، قال الله تعالى : { ولا تلمزوا أنفسكم }{[11982]} [ الحجرات : 11 ] ، وقرأ ابن مسعود والأعمش والحسن : «ويل للهمزة اللمزة » ، وهذا البناء الذي هو فعلة يقتضي المبالغة في معناه ، قال أبو العالية والحسن : الهمز بالحضور واللمز بالمغيب ، وقال مقاتل ضد هذا ، وقال مرة : هما سواء ، وقال ابن أبي نجيح : الهمز باليد والعين ، واللمز باللسان ، وقال تعالى : { ومنهم من يلمزك في الصدقات }{[11983]} [ التوبة : 58 ] وقيل : نزلت هذه الآية في الأخنس بن شريق ، وقيل : في جميل بن عامر الجمحي ، ثم هي تتناول كل من اتصف بهذه الصفات .


[11980]:النميم: مصدر "نم" يقال: نم نميمة ونميما، وقيل: بل هي جمع "نميمة".
[11981]:الآية 11 من سورة القلم.
[11982]:من الآية 11 من سورة الحجرات.
[11983]:من الآية 58 من سورة التوبة.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَيۡلٞ لِّكُلِّ هُمَزَةٖ لُّمَزَةٍ} (1)

مقدمة السورة:

سميت هذه السورة في المصاحف ومعظم التفاسير { سورة الهمزة } بلام التعريف . وعنونها في صحيح البخاري وبعض التفاسير { سورة ويل لكل همزة } . وذكر الفيروز آبادي في بصائر ذوي التمييز أنها تسمى { سورة الحطمة } لوقوع هذه الكلمة فيها .

وهي مكية بالاتفاق .

وعدت الثانية والثلاثين في عداد نزول السور نزلت بعد سورة القيامة وقبل سورة المرسلات .

وآيها تسع بالاتفاق .

روي أنها نزلت في جماعة من المشركين كانوا أقاموا أنفسهم للمز المسلمين وسبهم واختلاق الأحدوثات السيئة عنهم . وسمي من هؤلاء المشركين : الوليد بن المغيرة المخزومي ، وأمية بن خلف ، وأبي بن خلف وجميل بن معمر بن بني جمح { وهذا أسلم يوم الفتح وشهد حنينا } والعاص بن وائل من بني سهم . وكلهم من سادة قريش . وسمي الأسود بن عبد يغوث ، والأخنس بن شريق الثقفيان من سادة ثقيف من أهل الطائف . وكل هؤلاء من أهل الثراء في الجاهلية والازدهار بثرائهم وسؤددهم . وجاءت آية السورة عامة فعم حكمها المسمين ومن كان على شاكلتهم من المشركين ولم تذكر أسماءهم .

أغراضها

فغرض هذه السورة وعيد جماعة من المشركين جعلوا همز المسلمين ولمزهم ضربا من ضروب أذاهم طمعا في أن يلجئهم الملل من أصناف الأذى ، إلى الانصراف عن الإسلام والرجوع إلى الشرك .

كلمة ( ويل له ) دُعاء على المجرور اسمُه باللام بأن يناله الويل وهو سوء الحال كما تقدم غير مرة منها قوله تعالى : { فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند اللَّه } في سورة البقرة ( 79 ) .

والدعاء هنا مستعمل في الوعيد بالعقاب .

وكلمة ( كُلّ ) تشعر بأن المهددين بهذا الوعيد جماعة وهم الذين اتخذوا همز المسلمين ولمزهم ديدناً لهم أولئك الذين تقدم ذكرهم في سبب نزول السورة .

وهُمَزَة ولُمزة : بوزن فُعَلَة صيغة تدل على كثرة صدور الفعل المصاغ منه . وأنه صار عادة لصاحبه كقولهم : ضُحَكَة لكثير الضحك ، ولُعَنَة لكثير اللعن ، وأصلها : أن صيغة فُعَل بضم ففتح ترد للمبالغة في فَاعل كما صرح به الرضيّ في شرح « الكافية » يقال : رجل حُطَم إذا كان قليل الرحمة للماشية ، أي والدواب .

ومنه قولهم : خُتع ( بخاء معجمة ومثناة فوقية ) وهو الدليل الماهر بالدلالة على الطريق فإذا أريدت زيادة المبالغة في الوصف أُلحق به الهاء كما أُلحقت في : علاّمة ورحَّالة ، فيقولون : رجل حُطمة وضُحكة ومنه هُمزة ، وبتلك المبالغة الثانية يفيد أن ذلك تفاقم منه حتى صار له عادة قد ضري بها كما في « الكشاف » ، وقد قالوا : إن عُيَبَة مساوٍ لعيابة ، فمن الأمثلة ما سمع فيه الوصف بصيغتي فُعَل وفُعَلَة نحو حُطم وحطمة بدون هاء وبهاء ، ومن الأمثلة ما سمع فيه فُعلة دون فُعل نحو رجل ضُحَكة ، ومن الأمثلة ما سمع فيه فُعَل دون فُعَلَة وذلك في الشتم مع حرف النداء يا غُدَر ويا فُسق ويا خُبَث ويا لُكع .

قال المرادي في « شرح التسهيل » قال : بعضهم ولم يسمع غيرها ولا يقاس عليها ، وعن سيبويه أنه أجاز القياس عليها في النداء اه . قلت : وعلى قول سيبويه بنى الحريري قوله في « المقامة السابعة والثلاثين » : « صَهْ يا عُقَق ، يا من هو الشّجَا والشَرَق » .

وهُمزة : وصف مشتق من الهَمز . وهو أن يعيب أحدٌ أحداً بالإِشارة بالعين أو بالشِّدق أو بالرأس بحضرته أو عند توليه ، ويقال : هَامز وهمَّاز ، وصيغة فُعلة يدل على تمكن الوصف من الموصوف .

ووقع { همزة } وصفاً لمحذوف تقديره : ويل لكل شَخْص هُمزة ، فلما حذف موصُوفه صار الوصف قائماً مقامه فأضيف إليه ( كُلّ ) .

ولمزة : وصف مشتق من اللمز وهو المواجعة بالعيب ، وصيغته دالة على أن ذلك الوصف ملكة لصاحبه كما في هُمزة .

وهذان الوصفان من معاملة أهل الشرك للمؤمنين يومئذ ، ومَن عامَلَ من المسلمين أحداً من أهل دينه بمثل ذلك كان له نصيب من هذا الوعيد .

فمن اتصف بشيء من هذا الخُلق الذميم من المسلمين مع أهل دينه فإنها خصلة من خصال أهل الشرك . وهي ذميمة تدخل في أذى المسلم وله مراتب كثيرة بحسب قوة الأذى وتكرره ولم يُعد من الكبائر إلا ضربُ المسلم .

وسبُّ الصحابة رضي الله عنهم وإدمان هذا الأذى بأن يتخذه ديدناً فهو راجع إلى إدمان الصغائر وهو معدود من الكبائر .