اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَيۡلٞ لِّكُلِّ هُمَزَةٖ لُّمَزَةٍ} (1)

مقدمة السورة:

مكية ، هي تسع آيات ، وثلاث وثلاثون كلمة ، ومائة وثلاثون حرفا .

/خ1

قوله : { ويْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَة } ، «الوَيْل » لفظ الذم والسّخط ، وهي كلمة كل مكروب ، وقد تقدم الكلام في الويل ، ومعناه : الخزي ، والعذاب ، والهلكة .

وقيل : وادٍ في جهنم .

{ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ } ، أي : كثير الهمز ، وكذلك «اللُّمَزَة » ، أي : الكثير اللَّمْز . وتقدم معنى الهمز في سورة «ن » ، واللمز في سورة «براءة » .

والعامة : على فتح ميمها ، على أن المراد الشخص الذي كثر منه ذلك الفعل .

قال زياد الأعجم : [ البسيط ]

5302- تُدْلِي بِوُدِّي إذَا لاقَيْتَنِي كَذِباً *** وإنْ أغَيَّبْ فأنْتَ الهَامِزُ اللُّمَزَه{[60816]}

وقرأ أبو جعفر{[60817]} والأعرج : بالسكون ، وهو الذي يهمز ويلمز ، أي يأتي بما يلمز به ، واللمزة كالضحكة [ لمن يكثر ضحكه ، والضحكة : بما يأتي لمن يضحك منه وهو مطرد ، يعني أن «فُعَلَة » بفتح العين ، لمن يكثر من الفعل ، وبسكونها لمن الفعل بسببه ] .

قال ابن عباس - رضي الله عنهما - وهم المشَّاءون بالنميمة ، المفرقون بين الأحبة ، الباغون للبُرآء العيب{[60818]} ، فعلى هذا هما بمعنى ، وقال صلى الله عليه وسلم : «شِرارُ عبادِ اللهِ تَعالَى : المشَّاءُونَ بالنَّمِيمَةِ المفسِدُونَ بَيْنَ الأحبَّةِ ، الباغُونَ للبُرَآءِ العَيْبَ »{[60819]} .

وعن ابن عباس - رضي الله عنه - أن الهمزة : القتَّات ، واللُّمزة : المغتاب ، والقتَّاتُ : هو النمام{[60820]} ، يقال : قتّ الحديث يقتّه : إذا زوره وهيّأه وسواه .

[ وقيل : النَّمامُ الذي يكون مع القوم يتحدثون لينمّ عليهم ، والقتَّات الذي يتسمع على القوم وهم لا يعلمون ، ثم ينم ، والقتات الذي يسأل عن الأخبار ، ثم ينميها ، نقله ابن الأثير .

وقال أبو العالية ، والحسن ، ومجاهد ، وعطاء بن أبي رباح : الهمزة : الذي يغتاب ويطعن في وجه الرجل ، واللُّمزة : الذي يعيب به من خلفه ، وهذا اختيار النحاس .

قال : ومنه قوله تعالى : { وَمِنْهُمْ مَّن يَلْمِزُكَ فِي الصدقات } [ التوبة : 58 ] .

وقال مقاتل هنا هذا القول : إن الهمزة : الذي يغتاب بالغيبة ، واللمزة الذي يغتاب في الوجه .

وقال قتادة ، ومجاهد : الهمزة : الطَّعَّان في أنسابهم ، وقال ابن زيد : الهامز : الذي يهمز الناس بيده ويضربهم ، واللامز : الذي يلمزهم بلسانه ويلمز بعينه ] .

وقال ابن كيسان : الهمزة : الذي يؤدي جلساءه بسوء اللفظ ، واللُّمزة : الذي يكسر عينه على جليسه ، ويشير بعينه ، ورأسه ، وبحاجبيه .

وقرأ عبد الله بن مسعود ، وأبو وائل ، والنخعي ، والأعمش{[60821]} : «ويلٌ للهمزة اللمزة » .

وأصل الهمز : الكسر ، والعض على الشيء بعنف ، ومنه همز الحرف ، ويقال : همزت رأسه ، وهمزت الجوز بكفي : كسرته .

وقيل : أصل الهمزِ ، واللمز : الدفع والضرب ، لمزه يلمزه لمزاً ، إذا ضربه ، ودفعه ، وكذلك همزه : أي : دفعه ، وضربه ؛ قال الراجز : [ الرجز ]

5303- ومَنْ هَمَزْنَا عِزَّهُ تَبَركَعَا *** عَلى اسْتِهِ زَوْبعَةً أوْ زَوْبَعَا{[60822]}

البركعة : القيام على أربع ، وبركعه فتبركع ، صرعه ، فوقع على استه ، قاله في «الصحاح »{[60823]} .

/خ1

فصل في نظم الآية

قال ابن الخطيب{[60824]} : فإن قيل : لم قال : «ويلٌ » منكراً ، وفي موضع آخر : «ولَكُمُ الويْلُ » معرفاً ؟

فالجواب : لأن ثمة قالوا : { يا ويلنآ إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ } [ الأنبياء : 14 ] ، فقال : «ولكُمُ الويْلُ » وهاهنا نكر ، حتى لا يعلم كنهه إلا الله تعالى .

قيل : في «ويْلٌ » إنها كلمة تقبيح ، و«ويس » استصغار ، «ويح » ترحم ، فنبه بهذا على قبيح هذا الفعل .


[60816]:ينظر الكشاف 4/795، والقرطبي 20/124، والبحر 8/510، والدر المصون 6/568.
[60817]:ينظر الجامع لأحكام القرآن 20/124.
[60818]:أخرجه الطبري في "تفسيره" (12/686)، عن ابن عباس وذكره السيوطي في "الدر المنثور" (6/669)، وزاد نسبته إلى سعيد بن منصور وابن أبي الدنيا في "ذم الغيبة" وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه من طرق عن ابن عباس.
[60819]:أخرجه أحمد (6/459)، من حديث أسماء بنت يزيد وذكره الهيثمي في "مجمع الزوائد" (8/96)، وقال: رواه أحمد وفيه شهر بن حوشب وقد وثقه غير واحد وبقية رجال أحمد أسانيده رجال الصحيح.
[60820]:أخرجه الطبري في "تفسيره" (12/687).
[60821]:ينظر: المحرر الوجيز 5/521، والقرطبي 20/125.
[60822]:ينظر ديوان رؤبة ص 93، وسمط اللآلىء 1/321، والأمالي للقالي 1/137، واللسان (همز)، والقرطبي 20/125.
[60823]:ينظر الصحاح 3/1185.
[60824]:الفخر الرازي 32/86.