الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{وَيۡلٞ لِّكُلِّ هُمَزَةٖ لُّمَزَةٍ} (1)

مقدمة السورة:

مكّيّة ، وهي مائة وثلاثون حرفاً ، وثلاث وثلاثون كلمة ، وتسع آيات .

أخبرني محمد بن القاسم قال : حدّثنا إسماعيل بن نحيل قال : حدّثنا أبو عبد اللّه محمد بن إبراهيم بن سعيد البوشنجي قال : سعيد بن حفص قال : قرأت على معقل بن عبد اللّه ، عن عكرمة بن خالد ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، عن أُبيّ بن كعب قال : قال رسول اللّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : " ( من قرأ سورة{ ويل لكل همزة }أُعطي من الأجر عشر حسنات بعدد من استهزأ بمحمد وأصحابه ) .

{ ويْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ } قال ابن عباس : هم المشّاؤون بالنميمة ، المفرّقون بين الأحبّة ، الباغون ، البراء : العنت . سعيد بن جبير وقتادة : الهمزة الذي يأكل لحوم الناس ويغتابهم ، واللمزة : الطعّان عليهم . مجاهد : الهمزة : الطعّان في الناس ، واللمزة : الطعّان في أنساب الناس .

وقال أبو العالية والحسن وعطاء بن أبي رباح : الهمزة الذي يغيب ويطعن في وجه الرجل إذا أقبل ، واللمزة الذي يغتابه من خلفه إذا أدبر وغاب ، ضده مقاتل . مرّة : يعني كل طعّان عيّاب مغتاب للمرء إذا غاب ، دليله قول زياد بن الأعجم :

إذا لقيتكَ عن شحط تكاشرني *** وإن تغيّبتُ كنتَ الهامز اللمزة

ابن زيد : الهمزة الذي يهمز الناس بيده ويضربهم ، واللمزة الذي يلمزهم بلسانه ويغيبهم .

سفيان الثوري : يهمز بلسانه ويلمز بعينه . ابن كيسان : الهمزة الذي يؤذي جليسه بسوء اللفظ ، واللمزة الذي يكسر عينه على جليسه ، ويُشير برأسه ، ويومض بعينه ، ويرمز بحاجبه ، وهما لغتان للفاعل ، نحو سَخَرة وضَحَكة للذي يسخر ويضحك من الناس .

وروي عن أبي جعفر والأعرج بسكون الميم فيهما ، فإن صحّت القراءة فهي في معنى المفعول ، وهو الذي يتعرّض للناس حين يهمزوه ويضحكون منه ، ويحملهم على الاغتياب .

وقرأ عبد اللّه والأعمش ويلٌ للهمزة اللمزة ، وأصل الهمز الكسر والعض على الشيء بالعنف ، ومنه همز الحرف ، ويُحكى أنّ أعرابيّاً قيل له : أتهمز الفارة ؟ فقال : الهرّة تهمزها ، وقال الحجاج : ومن همزنا رأسه تهشما .

واختلف المفسّرون فيمن نزلت هذه الآية ، فقال قوم : نزلت في جميل بن عامر الجمحي ، وإليه ذهب ابن أبي الجمح ، وقال الكلبي : نزلت في الأخنس بن شريق ووهب بن عمرو الثقفي وكان يقع في الناس ويغتابهم مقبلين ومدبرين .

وقال محمد بن إسحاق بن مسار : ما زلنا نسمع أن سورة الهمزة نزلت في أُميّة بن خلف الجمحي .

وقال مقاتل : نزلت في الوليد بن المغيرة وكان يغتاب النبي صلى الله عليه وسلم ويطعن في وجهه .

وقال مجاهد وغيره : ليست بخاصّة لأحد ؛ بل كل من كانت هذه صفته .