السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{وَيۡلٞ لِّكُلِّ هُمَزَةٖ لُّمَزَةٍ} (1)

مقدمة السورة:

مكية ، وهي تسع آيات وثلاثون كلمة ، ومائة وثلاثون حرفاً .

{ بسم الله } الحكم العدل { الرحمن } الذي عمّ جوده أهل البخل وأولي العدل { الرحيم } الذي خص أولياءه بزيادة الفضل .

وقوله تعالى : { ويل } فيه قولان : أحدهما : أنه كلمة عذاب ، والثاني : أنه واد في جهنم { لكل همزة لمزة } قال ابن عباس : هم المشاؤون بالنميمة ، المفرّقون بين الأحبة ، الباغون للبرآء العيب ، فعلى هذا هما بمعنى . وقال صلى الله عليه وسلم :«شرّ عباد الله المشاؤون بالنميمة ، المفسدون بين الأحبة ، الباغون للبراء العيب » . وقال مقاتل : الهمزة الذي يعيبك في الغيب ، واللمزة الذي يعيبك في الوجه . وقال أبو العالية والحسن : الهمزة الذي يغتاب ويطعن في وجه الرجل ، واللمزة الذي يغتابه من خلفه ، وهذا اختيار النحاس . ومنه قوله تعالى : { ومنهم من يلمزك في الصدقات } [ التوبة : 58 ] . وقال سعيد بن جبير : الهمزة الذي يأكل لحوم الناس ويغتابهم ، واللمزة الطعان عليهم . وقال ابن زيد : الهمزة الذي يهمز الناس بيده ويضربهم ، واللمزة الذي يلمزهم بلسانه ويعيبهم . وقال سفيان الثوري : يهمز بلسانه ، ويلمز بعينه . وقال ابن كيسان : الهمزة الذي يؤذي جليسه بسوء اللفظ ، واللمزة الذي يكسر عينه ، ويشير برأسه ، ويرمز بحاجبه . وحاصل هذه الأقاويل يرجع إلى أصل واحد وهو الطعن وإظهار العيب ، ويدخل في ذلك من يحاكي الناس بأقوالهم وأفعالهم وأصواتهم ليضحكوا منهم . وأصل الهمز الكسر ، واللمز الطعن ، ثم خصا بالكسر من أعراض الناس والطعن فيهم حتى صار ذلك عادة ؛ لأنه خلق ثابت في جبلتهم ، والذي دلّ على الاعتياد صيغة فعلة بضم ففتح ، كما يقال : ضحكة للذي يفعل الضحك كثيراً حتى صار عادة له وضرى به .

واختلفوا فيمن نزلت فيه هذه الآية ، فقال الكلبي : نزلت في الأخنس بن شريق الثقفي كان يقع في الناس ويغتابهم . وقال محمد بن إسحاق : ما زلنا نسمع أنّ سورة الهمزة نزلت في أمية بن خلف الجمحيّ . وقال مقاتل : نزلت في الوليد بن المغيرة ، كان يغتاب النبيّ صلى الله عليه وسلم من ورائه ، ويطعن عليه في وجهه . وقال مجاهد : هي عامّة في حق من هذه صفته .