لباب التأويل في معاني التنزيل للخازن - الخازن  
{وَيۡلٞ لِّكُلِّ هُمَزَةٖ لُّمَزَةٍ} (1)

مقدمة السورة:

مكية ، وهي تسع آيات ، وثلاثون كلمة ، ومائة وثلاثون حرفا .

قوله عزّ وجلّ : { ويل } أي قبح ، وقيل : اسم واد في جهنم { لكل همزة لمزة } قال ابن عباس : هم المشاؤون بالنميمة ، المفرقون بين الأحبة ، الباغون للبرآء العيب . وقيل : معناهما واحد ، وهو العياب المغتاب للناس في بعضهم . قال الشاعر :

إذا لقيتك من كره تكاشرني *** وإن تغيبت كنت الهامز اللمزا

وقيل : بل يختلف معناهما ، فقيل : الهمزة : الذي يعيبك في الغيب ، واللّمزة : الذي يعيبك في الوجه ، وقيل : هو على ضده ، وقيل : الهمزة الذي يهمز الناس بيده ويضربهم ، واللّمزة الذي يلمزهم بلسانه ويعيبهم ، وقيل : هو الذي يهمز بلسانه ويلمز بعينه . وقيل : الهمزة الذي يؤذي جليسه بسوء اللفظ ، واللمزة الذي يرمق بعينه ، ويشير برأسه ، ويرمز بحاجبه . وقيل : الهمزة المغتاب للناس ، واللمزة الطعان في أنسابهم . وحاصل هذه الأقاويل يرجع إلى أصل واحد ، وهو الطعن وإظهار العيب ، وأصل الهمز الكسر والقبض على الشيء بالعنف ، والمراد منه هنا الكسر من أعراض الناس والغض منهم ، والطعن فيهم ، ويدخل فيه من يحاكي الناس بأقوالهم ، وأفعالهم ، وأصواتهم ، ليضحكوا منه ، وهما نعتان للفاعل ، على نحو سخرة وضحكة للذي يسخر ويضحك من الناس . واختلفوا فيمن نزلت هذه الآية ، فقيل نزلت في الأخنس بن شريق بن وهب . كان يقع في الناس ويغتابهم . وقال محمد بن إسحاق : ما زلنا نسمع أن سورة الهمزة نزلت في أمية بن خلف الجمحي ، وقيل : نزلت في الوليد بن المغيرة ، كان يغتاب النبي صلى الله عليه وسلم من ورائه ، ويطعن عليه في وجهه ، وقيل : نزلت في العاص بن وائل السّهمي ، وقيل : هي عامة في كل شخص هذه صفته كائناً من كان ، وذلك لأن خصوص السبب لا يقدح في عموم اللفظ والحكم . ومن قال إنها في أناس معينين ، قال : أن يكون اللّفظ عاماً لا ينافي أن يكون المراد منه شخصاً معيناً ، وهو تخصيص العام بقرينة العرف ، والأولى أن تحمل على العموم في كل من هذه صفته ، ثم وصفه فقال تعالى : { الذي جمع مالاً . . . } .