البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{وَيۡلٞ لِّكُلِّ هُمَزَةٖ لُّمَزَةٍ} (1)

مقدمة السورة:

سورة الهمزة

هذه السورة مكية . لما قال فيما قبلها : { إِنَّ الإنسَانَ * لَفِي * خُسْرٍ } ، بين حال الخاسر فقال : { وَيْلٌ لّكُلّ هُمَزَةٍ } ، ونزلت في الأخنس بن شريق ، أو العاصي بن وائل ، أو جميل بن معمر ، أو الوليد بن المغيرة ، أو أمية بن خلف ، أقوال . ويمكن أن تكون نزلت في الجميع ، وهي مع ذلك عامة فيمن اتصف بهذه الأوصاف . وقال السهيلي : هو أمية بن خلف الجمحي ، كان يهمز النبي صلى الله عليه وسلم ، ويعينه ذكره ابن إسحاق . وإنما ذكرته ، وإن كان اللفظ عاماً ، لأن الله سبحانه وتعالى تابع في أوصافه والخبر عنه حتى فهم أنه يشير إلى شخص بعينه ، وكذلك قوله في سورة ن : { وَلاَ تُطِعْ كُلَّ حَلاَّفٍ مَّهِينٍ } تابع في الصفات حتى علم أنه يريد إنساناً بعينه .

وتقدم الكلام في الهمزة في سورة ن ، وفي اللمز في سورة براءة ، وفعله من أبنية المبالغة ، كنومة وعيبة وسحرة وضحكة ، وقال زياد الأعجم :

تدلى بودّي إذا لاقيتني كذباً *** وإن أغيب فأنت الهامز اللمزه

وقرأ الجمهور : بفتح الميم فيهما ؛ والباقون : بسكونها ، وهو المسخرة الذي يأتي بالأضاحيك منه ، ويشتم ويهمز ويلمز .