فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَيۡلٞ لِّكُلِّ هُمَزَةٖ لُّمَزَةٍ} (1)

مقدمة السورة:

سورة الهمزة

هي تسع آيات ، وهي مكية بلا خلاف وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال : أنزلت { ويل لكل همزة لمزة } بمكة .

الويل : هو مرتفع على الابتداء ، وسوّغ الابتداء به مع كونه نكرة كونه دعاء عليهم ، وخبره { لّكُلّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ } والمعنى : خزي أو عذاب أو هلكة أو واد في جهنم لكل همزة لمزة . قال أبو عبيدة والزجاج : الهمزة اللمزة الذي يغتاب الناس ، وعلى هذا هما بمعنى وقال أبو العالية والحسن ومجاهد وعطاء بن أبي رباح : الهمزة الذي يغتاب الرجل في وجهه ، واللمزة : الذي يغتابه من خلفه . وقال قتادة عكس هذا . وروي عن قتادة ومجاهد أيضاً أن الهمزة : الذي يغتاب الناس في أنسابهم . وروي عن مجاهد أيضاً أن الهمزة : الذي يهمز الناس بيده ، واللمزة الذي يلمزهم بلسانه . وقال سفيان الثوري : يهمزهم بلسانه ويلمزهم بعينه . وقال ابن كيسان الهمزة : الذي يؤذي جلساءه بسوء اللفظ ، واللمزة : الذي يكسر عينه على جليسه ويشير بيده وبرأسه وبحاجبه ، والأوّل أولى ، ومنه قول زياد الأعجم :

تدلي بودّي إذا لاقيتني كذبا *** وإن أغيب فأنت الهامز اللمزه

وقول الآخر :

إذا لقيتك عن سخط تكاشرني *** وإن تغيبت كنت الهامز اللمزه

وأصل الهمز : الكسر ، يقال : همز رأسه كسره ، ومنه قول العجاج :

ومن همزنا رأسه تهشما *** . . .

وقيل أصل الهمز واللمز : الضرب والدفع ، يقال : همزه يهمزه همزاً ، ولمزه يلمزه لمزاً : إذا دفعه وضربه ، ومنه قول الشاعر :

ومن همزنا عزه تبركعا *** على أسته زوبعة أو زوبعا

البركعة : القيام على أربع ، يقال بركعه فتبركع : أي صرعه ، فوقع على أسته . كذا في الصحاح وبناء فعلة يدلّ على الكثرة ، ففيه دلالة على أنه يفعل ذلك كثيراً ، وأنه قد صار ذلك عادة له ، ومثله ضحكة ولعنة . قرأ الجمهور : { هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ } بضم أوّلهما وفتح الميم فيهما . وقرأ الباقر والأعرج بسكون الميم فيهما . وقرأ أبو وائل والنخعي والأعمش : «ويل للهمزة اللمزة » والآية تعمّ كلّ من كان متصفاً بذلك ، ولا ينافيه نزولها عل سبب خاص ، فإن الاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب .

/خ9