جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري  
{وَيۡلٞ لِّكُلِّ هُمَزَةٖ لُّمَزَةٍ} (1)

بسم الله الرحمَن الرحيم

القول في تأويل قوله تعالى : { وَيْلٌ لّكُلّ هُمَزَةٍ لّمَزَةٍ * الّذِى جَمَعَ مَالاً وَعَدّدَهُ * يَحْسَبُ أَنّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ * كَلاّ لَيُنبَذَنّ فِي الْحُطَمَةِ * وَمَآ أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ * نَارُ اللّهِ الْمُوقَدَةُ * الّتِي تَطّلِعُ عَلَى الأفْئِدَةِ * إِنّهَا عَلَيْهِم مّؤْصَدَةٌ * فِي عَمَدٍ مّمَدّدَةِ } .

يعني تعالى ذكره بقوله : { وَيْلٌ لِكُلّ هُمَزَةٍ } الوادي يسيل من صديد أهل النار وقيحهم ، لكلّ همزة : يقول : لكلّ مغتاب للناس ، يغتابهم ويغضهم ، كما قال زياد الأعجم :

تُدْلي بوُدّي إذا لاقَيْتَنِي كَذِبا *** وإنْ أُغَيّبْ فأنتَ الهامِزُ اللّمَزَهْ

ويعني باللّمَزة : الذي يعيب الناس ، ويطعن فيهم . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا مسروق بن أبان ، قال : حدثنا وكيع ، عن رجل لم يسمه ، عن أبي الجوزاء ، قال : قلت لابن عباس : مَنْ هؤلاء هم الذين بدأهم الله بالويل ؟ قال : هم المَشّاءون بالنميمة ، المفرّقون بين الأحبة ، الباغون أكبر العيب .

حدثنا أبو كُرَيب ، قال : حدثنا وكيع ، عن أبيه ، عن رجل من أهل البصرة ، عن أبي الجوزاء ، قال : قلت لابن عباس : من هؤلاء الذين ندبهم الله إلى الويل ؟ ثم ذكر نحو حديث مسروق بن أبان .

حدثنا ابن حُميد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد { وَيْلٌ لِكُلّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ } قال : الهمزة يأكل لحوم الناس ، واللمزة : الطعان .

وقد رُوي عن مجاهد خلاف هذا القول ، وهو ما :

حدثنا به أبو كُرَيب ، قال : حدثنا وكيع ، عن سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد { وَيْلٌ لِكُلّ هُمَزَةٍ } قال : الهمزة : الطّعّان ، واللمزة : الذي يأكل لحوم الناس .

حدثنا مسروق بن أبان الحطاب ، قال : حدثنا وكيع ، قال : حدثنا سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .

ورُوي عنه أيضا خلاف هذين القولين ، وهو ما :

حدثنا به ابن بشار ، قال : حدثنا يحيى ، قال : حدثنا سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد { وَيْلٌ لِكُلّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ } قال : أحدهما الذي يأكل لحوم الناس ، والآخر الطعان .

وهذا يدلّ على أن الذي حدّث بهذا الحديث قد كان أشكل عليه تأويل الكلمتين ، فلذلك اختلف نقل الرواة عنه ما رووا على ما ذكرت .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة { وَيْلٌ لِكُلّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ } أما الهمزة : فآكل لحوم الناس ، وأما اللمزة : فالطعان عليهم .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا مهران ، عن سعيد بن أبي عَروبة ، عن قتادة ، قال : الهمزة : آكل لحوم الناس : واللمزة : الطعان عليهم .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن ابن خثيم ، عن سعيد بن جُبير ، عن ابن عباس : { وَيْلٌ لِكُلّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ } قال : ويل لكلّ طعان مغتاب .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا مهران ، عن أبي جعفر ، عن الربيع ، عن أبي العالية ، قال : الهُمزة : يهمزه في وجهه ، واللمزة : من خلفه .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، قال : يهمزه ويلمزه بلسانه وعينه ، ويأكل لحوم الناس ، ويطعن عليهم .

حدثني الحرث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قال : الهُمَزة باليد ، واللّمَزة باللسان .

وقال آخرون في ذلك ما :

حدثني به يونُس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قول الله : { وَيْلٌ لِكُلّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ } قال : الهمزة : الذي يهمز الناس بيده ، ويضربهم بلسانه ، واللمزة : الذي يلمزهم بلسانه ويعيبهم .

واختُلِف في المعنيّ بقوله : { وَيْلٌ لِكُلّ هُمَزَةٍ } فقال بعضهم : عُنِيَ بذلك : رجل من أهل الشرك بعينه ، فقال بعض من قال هذا القول : هو جميل بن عامر الجُمَحيّ . وقال آخرون منهم : هو الأخنس بن شريق . ذكر من قال : عُنِي به مشرك بعينه :

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : { وَيْلٌ لِكُلّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ } قال : مشرك كان يَلْمِزُ الناس ويَهْمِزُهُمْ .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحرث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن رجل من أهل الرّقّة قال : نزلتْ في جميل بن عامر الجُمَحيّ .

حدثني الحرث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، في قوله { هُمَزَةٍ لُمَزَة } قال : ليست بخاصة لأحد ، نزلتْ في جميل بن عامر ، قال ورقاء : زعم الرقاشيّ .

وقال بعض أهل العربية : هذا من نوع ما تذكر العرب اسم الشيء العام ، وهي تقصد به الواحد ، كما يقال في الكلام ، إذا قال رجل لأحد : لا أزورك أبدا : كل من لم يزرني ، فلست بزائره ، وقائل ذلك يقصد جواب صاحبه القائل له : لا أزورك أبدا .

وقال آخرون : بل معنيّ به كلّ من كانت هذه الصفة صفته ، ولم يقصد به قصد آخر . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، وحدثني الحرث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قول الله : { وَيْلٌ لِكُلّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ } قال : ليست بخاصة لأحد .

والصواب من القول في ذلك : أن يقال : إن الله عمّ بالقول كلّ همزة لمزة ، كلّ من كان بالصفة التي وصف هذا الموصوف بها ، سبيله سبيله كائنا من كان من الناس .