فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَيۡلٞ لِّكُلِّ هُمَزَةٖ لُّمَزَةٍ} (1)

مقدمة السورة:

سورة الهمزة

هي تسع آيات ، وهي مكية بلا خلاف . قال ابن عباس : نزلت بمكة ، وقال المحلي : أو مدنية ، والأول أولى .

بسم الله الرحمان الرحيم

{ ويل } هو مرتفع على الابتداء ، وسوغ الابتداء به مع كونه نكرة كونه دعاء عليهم ، وخبره { لكل همزة لمزة } والمعنى خزي أو عذاب أو هلكة أو واد في جهنم لكل همزة لمزة ، والتاء فيهما للمبالغة في الوصف ، وقد اطرد أن بناء فعلة لمبالغة الفاعل ، أي المكثر لمأخذ الاشتقاق ، وإذا سكنت العين يكون لمبالغة المفعول ، يقال : رجل لعنة- بفتح العين -لمن كان يكثر لعن غيره ، ولعنه بسكون العين إذا كان ملعونا للناس يكثرون لعنه .

قال أبو عبيدة والزجاج : الهمزة اللمزة الذي يغتاب الناس ، وعلى هذا هما بمعنى ، وقال أبو العالية والحسن ومجاهد وعطاء بن أبي رباح : ( الهمزة ) الذي يغتاب الرجل في وجهه { واللمزة } الذي يغتابه من خلفه ، وقال قتادة عكس هذا ، وروي عن قتادة ومجاهد أيضا أن الهمزة الذي يغتاب الناس في أنسابهم ، وعن مجاهد أيضا أن الهمزة الذي يهمز الناس بيده ، واللمزة الذي يلمزهم بلسانه .

وقال سفيان الثوري : يهمزهم بلسانه ، ويلمزهم بعينه ، وقال ابن كيسان : الهمزة : الذي يؤذي جلساءه بسوء اللفظ ، واللمزة : الذي يكسر عينه على جليسه ، ويشير بيده وبرأسه وبحاجبه ، وقيل : هم المشاؤون بالنميمة ، المفرقون بين الأحبة ، الباغون العيب للبريء .

وحاصل هذه الأقاويل يرجع إلى أصل واحد وهو الطعن وإظهار العيب ، ويدخل في ذلك من يحاكي الناس في أقوالهم وأفعالهم وأصواتهم ليضحكوا منه ، والأولى أولى .

وأصل الهمزة الكسر ، يقال : همز رأسه كسره ، وقيل : أصل الهمز واللمز الضرب والدفع ، يقال : همزه يهمزه همزا ، ولمزه يلمزه لمزا ، إذا دفعه وضربه .

قرأ الجمهور ( همزة لمزة ) بضم أولهما وفتح الميم فيهما ، وقرئ بسكون الميم فيهما ، وقرأ أبو وائل والنخعي والأعمش { ويل للهمزة اللمزة } ، والآية تعم كل من كان متصفا بذلك ، ولا ينافيه نزولها على سبب خاص ، فإن الاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب .

وعن ابن عباس أنه سئل عن { همزة لمزة } قال : هو المشاء بالنميمة ، المفرق بين الجمع المغري بين الإخوان ، وعنه قال : همزة طعان ، ولمزة مغتاب .