قوله تعالى : { حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى } . أي واظبوا وداوموا على الصلوات المكتوبات بمواقيتها ، وحدودها وإتمام أركانها ، ثم خص من بينها الصلاة الوسطى بالمحافظة عليها ، دلالة على فضلها ، و " وسطى " تأنيث " الأوسط " ، ووسط الشيء : خيره وأعدله واختلف العلماء من الصحابة ومن بعدهم في الصلاة الوسطى فقال قوم : هي صلاة الفجر ، وهو قول عمر وابن عمر وابن عباس ومعاذ وجابر ، وبه قال عطاء وعكرمة ومجاهد ، وإليه مال مالك والشافعي ، لأن الله تعالى قال : ( وقوموا لله قانتين ) والقنوت طول القيام ، وصلاة الصبح مخصوصة بطول القيام ، وبالقنوت لأن الله تعالى خصها في آية أخرى من بين الصلاة فقال الله تعالى : ( وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهوداً ) ، يعني تشهدها ملائكة الليل ، وملائكة النهار ، فهي مكتوبة في ديوان الليل وديوان النهار ، ولأنها بين صلاتي جمع ، وهي لا تقصر ولا تجمع إلى غيرها . وذهب قوم إلى أنها صلاة الظهر ، وهو قول زيد بن ثابت ، وأبي سعيد الخدري وأسامة ابن زيد ، لأنها وسط النهار وهي أوسط صلاة النهار في الطول .
أخبرنا عمر بن عبد العزيز ، أخبرنا أبو القاسم بن جعفر الهاشمي ، أنا أبو علي اللؤلؤي ، أنا أبو داود أنا محمد بن المثنى ، أنا محمد بن جعفر ، أنا شعبة حدثني عمرو بن أبي حكيم قال : سمعت الزبير يحدث عن عروة بن الزبير عن زيد بن ثابت قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الظهر بالهاجرة ، ولم يكن يصلي صلاة أشد على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم منها ، فنزلت : ( حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى ) .
وذهب الأكثرون إلى أنها صلاة العصر ، رواه جماعة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو قول علي وعبد الله بن مسعود وأبي أيوب وأبي هريرة وعائشة رضوان الله عليهم وبه قال إبراهيم النخعي وقتادة والحسن .
أخبرنا أبو الحسن السرخسي ، أخبرنا زاهر بن أحمد ، أخبرنا أبو إسحاق الهاشمي ، أنا أبو مصعب عن مالك بن زيد بن أسلم ، عن القعقاع بن حكيم ، عن أبي يونس مولى عائشة أم المؤمنين رضي الله عنهما أنه قال : أمرتني عائشة أن أكتب لها مصحفاً وقالت : إذا بلغت هذه الآية فآذني ( حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى ) فلما بلغتها آذنتها فأملت علي : ( حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى صلاة العصر وقوموا لله قانتين ) قالت عائشة رضي الله عنها : سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن حفصة مثل ذلك . أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي ، أنا أبو منصور محمد بن محمد بن سمعان ، أنا أبو جعفر الرياني ، أنا حميد بن زنجويهن أخبرنا أبو نعيم ، أنا سفيان عن عاصم بن أبي النجود عن زر بن جحش قال : قلنا لعبيدة : سل علياً عن الصلاة الوسطى . فسأله قال : كنا نرى أنها صلاة الفجر حتى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يوم الخندق : " شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر ، ملأ الله أجوافهم وقبورهم ناراً " .
ولأنها صلاتي نهار ، وصلاتي ليل ، وقد خصها النبي صلى الله عليه وسلم بالتغليظ . أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أخبرنا محمد بن يوسف أنا محمد بن إسماعيل ، أنا مسلم بن إبراهيم أنا هشام أنا يحيى بن أبي كثير ، عن أبي قلابة عن أبي المليح ، قال : كنا مع بريدة في غزوة في يوم ذي غيم فقال : بكروا بصلاة العصر فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من ترك صلاة العصر فقد حبط عمله " . وقال قبيصة بن ذؤيب : هي صلاة المغرب لأنها وسط ، ليس بأقلها ولا بأكثرها ، وقال بعضهم : إنها صلاة العشاء ، ولم ينقل عن السلف فيها شيء ، وإنما ذكرها بعض المتأخرين لأنها بين صلاتي لا تقصران . وقال بعضهم هي إحدى الصلوات الخمس لا بعينها ، أبهمها الله تعالى تحريضاً للعباد على المحافظة على أداء جميعها ، كما أخفى ليلة القدر في شهر رمضان وساعة إجابة الدعوة في يوم الجمعة وأخفى الاسم الأعظم في الأسماء ليحافظوا على جميعها .
قوله تعالى : { وقوموا لله قانتين } . أي مطيعين ، قال الشعبي وعطاء وسعيد بن جبير والحسن وقتادة وطاووس ، والقنوت : الطاعة ، قال الله تعالى ( أمة قانتاً لله ) أي مطيعاً . وقال الكلبي ومقاتل : لكل أهل دين صلاة يقومون فيها عاصين فقوموا أنتم لله في صلاتكم مطيعين ، وقيل : القنوت السكوت عما لا يجوز التكلم به في الصلاة . أخبرنا أبو عثمان سعيد بن إسماعيل الضبي ، أنا أبو محمد عبد الجبار بن محمد الجراحي ، أنا أبو العباس محمد بن أحمد المحبوبي ، أنا أبو عيسى الترمذي أنا أحمد بن منيع أنا هشيم أنا إسماعيل بن أبي خالد عن الحارث بن سقيل عن أبي عمرو الشيباني عن زيد بن أرقم قال : كنا نتكلم خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصلاة يكلم الرجل منا صاحبه إلى جنبه حتى نزلت { وقوموا لله قانتين } فأمرنا بالسكوت ونهينا عن الكلام .
وقال مجاهد : خاشعين ، وقال : من القنوت طول الركوع ، وغض البصر والركود وخفض الجناح ، كان العلماء إذ كان أحدهم يصلي يهاب الرحمن أن يلتفت أو يقلب الحصى أو يعبث بشيء أو يحدث نفسه بشيء من أمر الدنيا إلا ناسياً ، وقيل : المراد من القنوت طول القيام .
أخبرنا أبو عثمان الضبي ، أنا أبو محمد الجراحي أنا أبو العباس المحبوبي ، أنا أبو عيسى الترمذي أنا ابن أبي عمر ، أنا سفيان بن عيينة عن أبي الزبير عن جابر قال : قيل للنبي صلى الله عليه وسلم أي الصلاة أفضل ؟ قال : " طول القنوت " . وقيل : قانتين أي داعين . دليله ما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : " قنت رسول الله صلى الله عليه وسلم شهراً متتابعاً يدعو على أحياء من سليم ، على رعل وذكوان وعصية " وقيل : معناه مصلين لقوله تعالى ( أمن هو قانت آناء الليل ) أي مصل .
ثم قال تعالى : { حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ * فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ }
يأمر بالمحافظة على الصلوات عمومًا وعلى الصلاة الوسطى ، وهي العصر خصوصًا ، والمحافظة عليها أداؤهابوقتها وشروطها وأركانها وخشوعها وجميع ما لها من واجب ومستحب ، وبالمحافظة على الصلوات تحصل المحافظة على سائر العبادات ، وتفيد النهي عن الفحشاء والمنكر خصوصًا إذا أكملها كما أمر بقوله { وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ } أي : ذليلين خاشعين ، ففيه الأمر بالقيام والقنوت والنهي عن الكلام ، والأمر بالخشوع ، هذا مع الأمن والطمأنينة .
وبعد هذا الحديث المستفيض الذي لم ينته بعد عن الطلاق وأحكامه وآدابه ، أورد القرآن آيتين كريمتين تأمران بالمحافظة على الصلاة وبالمداومة على طاعة الله ، وبالملازمة لذكره - عز وجل - فقال - تعالى :
{ حَافِظُواْ عَلَى الصلوات . . . }
لعل السر في توسط هاتين الآيتين بين أيات الأحكام التي تحدثت عن الطلاق ، والعدة والرضاع والخطبة . . . إلخ ، لعل السر في ذلك أن هذه الأمور كثيرة ما تكون مثار تنازع وتخاصم وتقاطع بين الناس ، فأراد القرآن بطريقته الحكيمة ، وبأسلوبه المؤثر أن يقول للناس : إن محافظتكم على الصلاة ، ومداومتكم على طاعة الله وذكره كل ذلك سيعرض في نفوسكم المراقبة له - سبحانه - ، والخشية من عقابه ، وسيعينكم على أن تحلوا قضاياكم التي تتعلق بالطلاق وغيره بالعدل والإِحسان والتسامح والتعاطف ، لأن من حافظ على فرائض الله وأومره ، انصرفت نفسه عن ظلم الناس ، وعاملهم معاملة كريمة حسنة . وقد بين القبرآن في كثير من آياته أن المحافظة على الصلاة بخشوع وخضوع لله - تعالى - وأن المداومة على ذكره ، والملازمة لطاعته كل ذلك من شأنه أن يمنع الإِنسان من الوقوع فيما نهى الله عنه ، قال - تعالى - : { اتل مَا أُوْحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الكتاب وَأَقِمِ الصلاة إِنَّ الصلاة تنهى عَنِ الفحشآء والمنكر وَلَذِكْرُ الله أَكْبَرُ } وقال - تعالى - : { واستعينوا بالصبر والصلاة وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الخاشعين } وقال - تعالى - : { وَأَقِمِ الصلاة طَرَفَيِ النهار وَزُلَفاً مِّنَ الليل إِنَّ الحسنات يُذْهِبْنَ السيئات ذلك ذكرى لِلذَّاكِرِينَ } فكأن الله - تعالى - يقول للناس : لقد أمرتكم بالمحافظة على الصلاة ، وبالمداومة على طاعتي وذكري خلال حديثي عن أحكام كثيرة ما تكون هذه الأحكام مثار تنازع بينكم ، وذلك لكي تحلوا التسامح والتوال والتقارب محل التشاحن والتدابر والتجافي ، لأن من شأن المحافظة على هذه العبادات ، أن تهدي الناس إلى أكمل الأخلاق والصفات .
فسبحان من هذا كلامه ، ومن تلك إرشاداته وتوجيهاته ، ووصاياه .
وقوله - تعالى - : { حَافِظُوا } من الحفظ بمعنى ضبط الشيء ، وصيانته عن كل تضييع ، وهو خلاف النسيان . والخطاب لجميع المكلفين من أفراد الأمة .
والمعنى : حافظوا على معشر المسلمين والمسلمات على أداء الصلوات في أوقاتها بخشوع وخضوع وإخلاص لله رب العالمين ، وحافظوا بصفة خاصة على الصلاة الوسطى ، لما هلا من منزلة سامية ، ومكانة عالية .
فقد أمر الله - تعالى عباده بالمحافظة على الصلوات بصفة عامة ، وأفراد الصلاة الوسطى بالذكر تفخيماً لشأنها ، وإعلاء لقدرها من بين أفراد جنسها ، والمسلم يكون محافظاً على الصلاة إذا أداها في وقتها مستوفية لآدابها وسننها وشرائعها وخشوعها وكل ما يتعلق بها ، أما إذا قصر في شيء من ذلك فإنه لا يكون محافظاً عليها تلك المحافظة التامة التي أمر الله بها .
وفي قوله - تعالى - : { حَافِظُوا } تنبيه إلى أن الصلاة في ذاتها شيء نفيس ثمين تجب المحافظة عليه ، لأن هذه الكلمية تدل على الصيانة والضبط بجانب دلالتها على الأداءؤ والإِقامة والمداومة .
قال الإِمام الرازي : وقوله : { حَافِظُوا } بصيغة المفاعلة التي تكون بين اثنين . للدلالة على أن هذه المحافظة تكون بين العبد والرب . فكأنه قيل : احفظ الصلاة ليحفظك الإِله الذي أمرك بها . وهذا كقوله : { فاذكروني أَذْكُرْكُمْ } وفي الحديث " احفظ الله يحفظك " أو أن تكون المحافظة بين المصلى والصلاة . فكأنه قيل : " احفظ الصلاة حتى تحفظك الصلاة بمعنى أنها تحفظك من ارتكابا المعاصي ، وتشفع لمصليها يوم القيامة "
وللعلماء أقوال في المراد بالصلاة الوسطى التي أفردها الله - تعالى - من بين الصلوات .
فجمهور العلماء يرون أنها واحدة من بين الصلوات الخمس المفروضة ، وأن الوسطى مؤنث الأوسط أي الشيء المتوسط بين شيئين ، فالصلاة الوسطى هي الصلاة المتوسطة بين صلاتين ، إلا أنهم اختلفوا في تعيينها .
فأكثر العلماء على أن الصلاة الوسطى هي صلاة العصر ، لأنها تقع في وسط الصلوات الخمس ، إذ قبلها اثنتان وبعدها اثنتان ، ولأنها وسط بين صلاتي النهار ، وصلاتي الليل ، فمعنى التوسط فيها واضح ، ولأنها مظنة التقصير لمجيئها بعد وقت الظهيرة الذي يكون في الغالب وقت كسل .
وفضلا عن ذلك فقد صرحت بعض الأحاديث بأنها صلاة العصر ، وقد ساق الإِمام ابن كثير عدداً من هذه الأحاديث ومنها ما جاء في صحيح مسلم ومسند الإِمام أحمد عن علي بن أبي طالب قال : " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب : شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر ملأ الله قلوبهم وبيوتهم ناراً ، ثم صلاها بين العشاءين المغرب والعشاء " ، وفي مسند الإِمام أحمد عن سمرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " الصلاة الوسطى صلاة العصر " .
وقد خصت صلاة العصر بمزيد من التأكيد ، وبالأمر بالمحافظة عليها ، وبالتحذير من التقصير فيها ، مما يشهد بأنها هي الصلاة الوسطى ، فقد روى البخاري ومسلم عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " الذي تفوته صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله " أي : سلب من أهله وماله فبقي وحيداً بدونهما .
وقال بعضهم المراد بالصلاة الوسطى صلاة الصبح ، وقيل صلاة الظهر ، وقيل صلاة المغرب ، وقيل العشاء ، وقيل الجمعة ، وقيل غير ذلك من الأقوال التي لا تبلغ في قوتها مبلغ قول القائلين بأنها صلاة العصر ، ولذا قال ابن كثير وكل هذه الأقوال فيها ضعف بالنسبة إلى التي قبلها ، ومعترك النزاع في الصبح والعصر ، وقد أثبتت السنة أنها العصر فتعين المصير إليها - أي إلى أن المراد بالصلاة الوسطى صلاة العصر .
ومن العلماء من اتجه في بيان المراد من الصلاة الوسطى اتجاهاً آخر فهو يرى أن المراد بالصلاة الوسطى الصلوات كلها ، وأن الوسطى ليست بمعنى المتوسطة بين صلاتين ، وإنما هي بمعنى الفضل لأن وسط الشيء خياره وأعدله وأفضله فالمقصود بها فعلها أو أداؤها بطريقة سليمة كاملة .
والمعنى على هذا الرأي : حافظوا يا معشر المسلمين على الصلوات كلها ، وحافظوا على أن يكون أداؤكم لها بطريقة وسطى أي فاضلة بأن تأدوها في أوقاتها كاملة الأركان والسنن والآداب والخشوع .
قال ابن كثير : " وقيل بل الصلاة الوسطى مجموع الصلوات الخمس رواه ابن أبي حاتم عن ابن عمر وفي صحته نظر . والعجب أن هذا القول قد اختاره الشيخ أبو عمر بن عبد البر إمام ما وراء البحر ، وإنها لإِحدى الكبر ، إذ اختار مع إطلاعه وحفظه ما لم يقم عليه دليل من الكتاب ولا سنة ولا أثر " .
ومن العلماء المحدثين الذين استحسنوا هذا الرأي الشيخ محمد عبده - رحمه الله - فقد قال : " ولولا أنهم اتفقوا على أنها - أي الصلاة الوسطى - إحدى الخمس لكان يتبادر إلى فهمي من قوله : " الصلاة الوسطى " أن المراد بالصلاة الفعل وبالوسطى الفضلى أي : حافظوا على أنواع الصلاة وهي الصلاة التي يحضر فيها القلب وتتوجه بها النفس إلى الله - تعالى - وتخشع لذكره ، وتدبر كلامه لا صلاة المرائين ولا الغافلين " .
والذي نراه أن ما عليه الجمهور من أن الصلاة الوسطى هي واحدة من بين الصلوات الخمس ، وأنها صلاة العصر هو أقوى الآراء ، لأنه - أولا - يتفق مع أصحاب الاتجاه الثاني الذين يقولون بأن أداء الصلاة يجب أن يكون بطريقة تامة الأركان والسنن والخشوع وما قال أحد منهم بأن تحديدها بصلاة العصر ينفي أداء بقية الفرائض بكمال واطمئنان . ولأنه - ثانياً - قد امتاز عن رأي أصحاب الاتجاه الثاني بأنه أعمل النص الصحيح الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن الصلاة الوسطى هي صلاة العصر ، ولا شك أن إعمال النص أولى من إهماله أو من تأويله تأويلا ضعيفا .
وقوله : { وَقُومُواْ للَّهِ قَانِتِينَ } مؤكدا لما قبله من المحافظة والمداومة على أداء الصلاة .
والقنوت : لزوم الطاعة مع الخضوع والخشوع . أي قوموا في الصلاة مطيعين لله - تعالى - مؤيدين لها على وجهها الكامل في خشوع وخضوع واطمئنان .
وفي هذا الجو الذي يربط القلوب بالله ، ويجعل الإحسان والمعروف في العشرة عبادة لله ، يدس حديثا عن الصلاة - أكبر عبادات الإسلام - ولم ينته بعد من هذه الأحكام . وقد بقي منها حكم المتوفى عنها زوجها وحقها في وصية تسمح لها بالبقاء في بيته والعيش من ماله ، وحكم المتاع للمطلقات بصفة عامة - يدس الحديث عن الصلاة في هذا الجو ، فيوحي بأن الطاعة لله في كل هذا عبادة كعبادة الصلاة ، ومن جنسها ، وهو إيحاء لطيف من إيحاءات القرآن . وهو يتسق مع التصور الإسلامي لغاية الوجود الإنساني في قوله تعالى : ( وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ) . واعتبار العبادة غير مقصورة على الشعائر ، بل شاملة لكل نشاط ، الاتجاه فيه إلى الله ، والغاية منه طاعة الله :
( حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين . فإن خفتم فرجالا أو ركبانا . فإذا أمنتم فاذكروا الله كما علمكم ما لم تكونوا تعلمون ) . .
والأمر هنا بالمحافظة على الصلوات ، يعني إقامتها في أوقاتها ، وإقامتها صحيحة الأركان ، مستوفية الشرائط . أما الصلاة الوسطى فالأرجح من مجموع الروايات أنها صلاة العصر لقوله [ ص ] يوم الأحزاب :
" شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر . ملأ الله قلوبهم وبيوتهم نارا " . . وتخصيصها بالذكر ربما لأن وقتها يجيء بعد نومة القيلولة ، وقد تفوت المصلي . .
والأمر بالقنوت ، الأرجح أنه يعني الخشوع لله والتفرغ لذكره في الصلاة . وقد كانوا يتكلمون في أثناء الصلاة فيما يعرض لهم من حاجات عاجلة . حتى نزلت هذه الآية فعلموا منها أن لا شغل في الصلاة بغير ذكر الله والخشوع له والتجرد لذكره .
يأمر الله تعالى بالمحافظة على الصلوات في أوقاتها ، وحفظ حدودها وأدائها في أوقاتها ، كما ثبت في الصحيحين عن ابن مسعود قال : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم : أي العمل أفضل ؟ قال : " الصلاة على وقتها " . قلت : ثم أي ؟ قال : " الجهاد في سبيل الله " . قلت : ثم أي ؟ قال : " بر الوالدين " . قال : حدثني بهن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولو استزدتُه لزادني{[4082]} .
وقال الإمام أحمد : حدثنا يونس ، حدثنا ليث ، عن عبد الله بن عمر بن حفص بن عاصم ، عن القاسم بن غنام ، عن جدته أم أبيه الدنيا ، عن جدته أم فَرْوَة - وكانت ممن بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وذكر الأعمال ، فقال : " إن أحب الأعمال{[4083]} إلى الله تعجيلُ الصلاة لأول وقتها " .
وهكذا رواه أبو داود ، والترمذي{[4084]} وقال : لا نعرفه إلا من طريق العمري ، وليس بالقوي عند أهل الحديث :
وخص تعالى من بينها بمزيد التأكيد الصلاة الوسطى . وقد اختلف السلف والخلف فيها : أي صلاة هي ؟ فقيل : إنها الصبح . حكاه مالك في الموطأ بلاغًا عن علي ، وابن عباس [ قال : مالك : وذلك رأيى ]{[4085]} . وقال هشيم ، وابن عُليَّة ، وغُنْدَر ، وابن أبي عدي ، وعبد الوهاب ، وشَريك وغيرهم ، عن عوف الأعرابي ، عن أبي رجاء العطاردي قال : صليت خلف ابن عباس الفجر ، فقنتَ فيها ، ورفع يديه ، ثم قال : هذه الصلاة الوسطى التي أمرنا أن نقوم فيها قانتين . رواه ابن جرير{[4086]} . ورواه أيضًا من حديث عوف ، عن خِلاس بن عمرو ، عن ابن عباس ، مثله سواء{[4087]} .
وقال ابن جرير : حدثنا ابن بشار ، حدثنا عبد الوهاب ، حدثنا عوف ، عن أبي المنهال ، عن أبي العالية ، عن ابن عباس : أنه صلى الغداة في مسجد{[4088]} البصرة ، فقنت قبل الركوع وقال : هذه الصلاة الوسطى التي ذكرها الله في كتابه فقال : { حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ }
وقال أيضًا : حدثنا محمد بن عيسى الدامغاني ، أخبرنا ابن المبارك ، أخبرنا الربيع بن أنس ، عن أبي العالية قال : صليت خلف عبد الله بن قيس بالبصرة{[4089]} صلاة الغداة ، فقلت لرجل من أصحاب رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، إلى جانبي : ما الصلاة الوسطى ؟ قال : هذه الصلاة{[4090]} .
وروي من طريق أخرى عن الربيع ، عن أبي العالية : أنه صلى مع أصحاب رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، صلاة الغداة ، فلما فرغوا قال ، قلت لهم : أيَّتهُنَّ الصلاة الوسطى ؟ قالوا : التي قد صليتها قبل .
وقال أيضًا : حدثنا ابن بشار ، حدثنا ابن عَتمَةَ ، عن سعيد بن بشير ، عن قتادة ، عن جابر بن عبد الله قال : الصلاة الوسطى : صلاة الصبح .
وحكاه ابن أبي حاتم ، عن ابن عمر ، وأبي أمامة ، وأنس ، وأبي العالية ، وعُبَيد بن عمير ، وعطاء ، ومجاهد ، وجابر بن زيد ، وعكرمة ، والربيع بن أنس . ورواه ابن جرير ، عن عبد الله بن شداد بن الهاد أيضا وهو الذي نص عليه الشافعي ، رحمه الله ، محتجا بقوله : { وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ } والقنوت عنده في صلاة الصبح . [ ونقله الدمياطي عن عمر ، ومعاذ ، وابن عباس ، وابن عمر ، وعائشة على خلاف منهم ، وأبي موسى ، وجابر ، وأنس ، وأبي الشعثاء ، وطاوس ، وعطاء ، وعكرمة ، ومجاهد ]{[4091]} .
ومنهم من قال : هي الوسطى باعتبار أنها لا تقصر ، وهي بين صلاتين رباعيتين مقصورتين . وترد المغرب . وقيل : لأنها بين صلاتَيْ ليل{[4092]} جهريتين ، وصلاتي نهار{[4093]} سريتين .
وقيل : إنها صلاة الظهر . قال أبو داود الطيالسي في مسنده : حدثنا ابن أبي ذئب ، عن الزبرقان - يعني ابن عمرو - عن{[4094]} زهرة - يعني ابن معبد - قال : كنا جلوسا عند زيد بن ثابت ، فأرسلوا إلى أسامة ، فسألوه عن الصلاة الوسطى ، فقال : هي الظهر ، كان النبي{[4095]} صلى الله عليه وسلم ، يصليها بالهجير{[4096]} .
وقال [ الإمام ]{[4097]} أحمد : حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا شعبة ، حدثني عمْرو بن أبي حكيم ، سمعت الزبرقان يحدث عن عروة بن الزبير ، عن زيد بن ثابت قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الظهر بالهاجرة ، ولم يكن يُصَلِّي صلاة أشد على أصحاب النبي ، صلى الله عليه وسلم ، منها ، فنزلت : { حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى } وقال : " إن قبلها صلاتين وبعدها صلاتين " ، ورواه أبو داود في سننه ، من حديث شعبة ، به{[4098]} .
وقال أحمد أيضا : حدثنا يزيد ، حدثنا ابن أبي ذئب{[4099]} عن الزبرقان{[4100]} أن رهطًا من قريش مر بهم زيد بن ثابت ، وهم مجتمعون ، فأرسلوا إليه غلامين لهم ؛ يسألانه عن الصلاة الوسطى ، فقال : هي العصر . فقام إليه رجلان منهم فسألاه ، فقال : هي الظهر . ثم انصرفا إلى أسامة بن زيد فسألاه ، فقال : هي الظهر ؛ إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي الظهر بالهجير ، فلا يكون وراءه إلا الصف والصفان ، والناس في قائلتهم وفي تجارتهم ، فأنزل الله : { حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ } قال : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ليَنْتَهيَنَّ رجال أو لأحرقن بيوتهم " {[4101]} .
الزبرقان هو ابن عمرو بن أمية الضمري ، لم يدرك أحدا من الصحابة . والصحيح ما تقدم من روايته ، عن زهرة بن معبد ، وعروة بن الزبير .
وقال شعبة وهمام ، عن قتادة ، عن سعيد بن المسيب ، عن ابن عمر ، عن زيد بن ثابت قال : الصلاة الوسطى : صلاة الظهر .
وقال أبو داود الطيالسي وغيره ، عن شعبة ، أخبرني عمر بن سليمان ، من ولد عمر بن الخطاب قال : سمعت عبد الرحمن بن أبان بن عثمان ، يحدث عن أبيه ، عن زيد بن ثابت قال : الصلاة الوسطى هي الظهر .
ورواه ابن جرير ، عن زكريا بن يحيى بن أبي زائدة ، عن عبد الصمد ، عن شعبة ، عن عمر بن سليمان ، به ، عن زيد بن ثابت ، في حديث رفعه قال : الصلاة الوسطى صلاة الظهر .
وممن روي عنه أنها الظهر : ابن عمر ، وأبو سعيد ، وعائشة على اختلاف عنهم . وهو قول عروة بن الزبير ، وعبد الله بن شداد بن الهاد . ورواية عن أبي حنيفة ، رحمهم الله .
وقيل : إنها صلاة العصر . قال الترمذي والبغوي ، رحمهما الله : وهو قول أكثر علماء الصحابة وغيرهم ، وقال القاضي الماوردي : وهو قول جمهور التابعين . وقال الحافظ أبو عمر بن عبد البر : هو قول أكثر أهل الأثر . وقال أبو محمد بن عطية في تفسيره : هو قول جمهور الناس . وقال الحافظ أبو محمد عبد المؤمن بن خلف الدمياطي في كتابه المسمى : " كشف المغطى ، في تبيين الصلاة الوسطى " : وقد نصر فيه أنها العصر ، وحكاه عن عمر ، وعلي ، وابن مسعود ، وأبي أيوب ، وعبد الله ابن عمرو ، وسَمُرة بن جُنْدُب ، وأبي هريرة ، وأبي سعيد ، وحفصة ، وأم حبيبة ، وأم سلمة . وعن ابن عمر ، وابن عباس ، وعائشة على{[4102]} الصحيح عنهم . وبه قال عبيدة ، وإبراهيم النخعي ، وزر بن حبيش ، وسعيد بن جبير ، وابن سيرين ، والحسن ، وقتادة ، والضحاك ، والكلبي ، ومقاتل ، وعبيد بن أبي مريم ، وغيرهم وهو مذهب أحمد بن حنبل . قال القاضي الماوردي : والشافعي . قال ابن المنذر : وهو الصحيح عن أبي حنيفة ، وأبي يوسف ، ومحمد ، واختاره ابن حبيب المالكي ، رحمهم الله .
قال الإمام أحمد : حدثنا أبو معاوية ، حدثنا الأعمش عن مسلم ، عن شتير بن شكل{[4103]} عن علي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب : " شغلونا عن الصلاة الوسطى ، صلاة العصر ، ملأ الله قلوبهم وبيوتهم نارًا " . ثم صلاها بين العشاءين : المغرب والعشاء{[4104]} .
وكذا رواه مسلم ، من حديث أبي معاوية محمد بن حازم الضرير ، والنسائي من طريق عيسى بن يونس ، كلاهما عن الأعمش عن مسلم بن صبيح عن أبي الضحى ، عن شتير بن شكل{[4105]} بن حميد ، عن علي بن أبي طالب ، عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله{[4106]} .
وقد رواه مسلم أيضا ، من طريق شعبة ، عن الحكم بن عتيبة{[4107]} عن يحيى بن الجزار ، عن علي ، به{[4108]} .
وأخرجه الشيخان ، وأبو داود ، والترمذي ، والنسائي ، وغير واحد من أصحاب المساند{[4109]} والسنن ، والصحاح من طرق يطول ذكرها ، عن عبيدة السلماني ، عن علي ، به{[4110]} .
ورواه الترمذي ، والنسائي من طريق الحسن البصري ، عن علي ، به{[4111]} . قال الترمذي : ولا يعرف سماعه منه .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أحمد بن سنان ، حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ، عن سفيان ، عن عاصم ، عن زر : قال قلت لعبيدة : سل عليًا عن صلاة الوسطى ، فسأله ، فقال : كنا نراها الفجر - أو الصبح - حتى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يوم الأحزاب : " شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر ، ملأ الله قبورهم وأجوافهم - أو بيوتهم - نارًا " ورواه ابن جرير ، عن بندار ، عن ابن مهدي ، به{[4112]} .
وحديث يوم الأحزاب ، وشَغْل المشركين رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأصحابه عن أداء صلاة العصر يومئذ ، مروي عن جماعة من الصحابة يطول ذكرهم ، وإنما المقصود رواية من نص منهم في روايته أن الصلاة الوسطى : هي صلاة العصر . وقد رواه مسلم أيضا ، من حديث ابن مسعود ، والبراء بن عازب - رضي الله عنهما{[4113]} .
حديث آخر : قال الإمام أحمد : حدثنا عفان ، حدثنا همام ، عن قتادة ، عن الحسن ، عن سَمُرة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " صلاة الوسطى : صلاة العصر " {[4114]} .
وحدثنا بهز ، وعفان قالا حدثنا أبان ، حدثنا قتادة ، عن الحسن ، عن سَمُرة : أن رسول الله ، صلى الله عليه وسلم قال : { حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى } وسماها لنا أنها هي : صلاة العصر{[4115]} .
وحدثنا محمد بن جعفر ، وروح ، قالا حدثنا سعيد ، عن قتادة ، عن الحسن ، عن سَمُرة بن جندب : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " هي العصر " . قال ابن جعفر : سئل عن صلاة الوسطى{[4116]} .
ورواه الترمذي ، من حديث سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة ، عن الحسن ، عن سمرة . {[4117]} وقال : حسن صحيح : وقد سُمِعَ منه .
[ حديث آخر ]{[4118]} : وقال ابن جرير : حدثنا أحمد بن منيع ، حدثنا عبد الوهاب بن عطاء ، عن التيمي ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الصلاة الوسطى صلاة العصر " {[4119]} .
طريق أخرى ، بل حديث آخر : وقال ابن جرير : حدثني المثنى ، حدثنا سليمان بن أحمد الجرشي الواسطي ، حدثنا الوليد بن مسلم . قال : أخبرني صدقة بن خالد ، حدثني خالد بن دهقان ، عن خالد بن سبلان ، عن كهيل بن حرملة . قال : سئل أبو هريرة عن الصلاة الوسطى ، فقال : اختلفنا فيها كما اختلفتم فيها ، ونحن بفناء بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وفينا الرجل الصالح : أبو هاشم بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس ، فقال : أنا أعلم لكم ذلك : فقام فاستأذن على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فدخل عليه ، ثم خرج إلينا فقال : أخبرنا أنها صلاة العصر{[4120]} غريب من هذا الوجه جدًا .
حديث آخر : قال ابن جرير : حدثنا أحمد بن إسحاق ، حدثنا أبو أحمد ، حدثنا عبد السلام ، عن سالم مولى أبي بصير{[4121]} حدثني إبراهيم بن يزيد الدمشقي قال : كنت جالسًا عند عبد العزيز بن
مروان فقال : يا فلان ، اذهب إلى فلان فقل له : أي شيء سمعت من رسول الله ، صلى الله عليه وسلم . في الصلاة الوسطى ؟ فقال رجل جالس : أرسلني أبو بكر وعمر - وأنا غلام صغير - أسأله عن الصلاة الوسطى ، فأخذ إصبعي الصغيرة فقال : هذه الفجر ، وقبض التي تليها ، فقال : هذه الظهر . ثم قبض الإبهام ، فقال : هذه المغرب . ثم قبض التي تليها ، فقال : هذه العشاء . ثم قال : أي أصابعك بقيت ؟ فقلت : الوسطى . فقال : أي الصلاة بقيت ؟ فقلت : العصر . فقال : هي العصر{[4122]} . غريب أيضًا .
حديث آخر : قال ابن جرير : حدثني محمد بن عوف الطائي ، حدثنا محمد بن إسماعيل بن عياش{[4123]} حدثني أبي ، حدثني ضمضم بن زرعة ، عن شريح بن عبيد ، عن أبي مالك الأشعري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الصلاة الوسطى صلاة العصر " {[4124]} . إسناده لا بأس به .
حديث آخر : قال أبو حاتم بن حبان في صحيحه : حدثنا أحمد بن يحيى بن زهير ، حدثنا الجراح بن مخلد ، حدثنا عمرو بن عاصم ، حدثنا همام عن قتادة عن مُوَرِّق{[4125]} العِجْلي ، عن أبي الأحوص ، عن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " صلاة الوسطى صلاة العصر " {[4126]} .
وقد روى الترمذي ، من حديث محمد بن طلحة بن مصرف ، عن زبيد اليامي ، عن مُرَّة الهَمداني ، عن ابن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " صلاة الوسطى صلاة العصر " {[4127]} ثم قال : حسن صحيح .
وأخرجه مسلم في صحيحه ، من طريق{[4128]} محمد بن طلحة ، به {[4129]} ولفظه : " شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر " الحديث .
فهذه نصوص في المسألة لا تحتمل شيئا ، ويؤكد ذلك الأمر بالمحافظة عليها ، وقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح ، من رواية الزهري ، عن سالم ، عن أبيه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " من فاتته صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله{[4130]} " {[4131]} . وفي الصحيح أيضًا ، من حديث الأوزاعي ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن أبي قِلابة ، عن أبي المهاجر{[4132]} عن بُرَيدة بن الحُصَيْب ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " بكروا بالصلاة في يوم الغيم ، فإنه من ترك صلاة العصر فقد حبط عمله " {[4133]} {[4134]} .
وقال الإمام أحمد : حدثنا يحيى بن إسحاق ، أخبرنا ابن لهيعة ، عن عبد الله بن هبيرة ، عن أبي تميم ، عن أبي بصرة{[4135]} الغفاري قال : صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في واد من أوديتهم ، يقال له : المخَمَّص صلاة العصر ، فقال : " إن هذه الصلاة صلاة العصر عُرِضَت على الذين من قبلكم فضيعوها ، ألا ومن صلاها ضُعِّف له أجره مرتين ، ألا ولا صلاة بعدها حتى تروا{[4136]} الشاهد " .
ثم قال : رواه عن يحيى بن إسحاق ، عن الليث ، عن خير{[4137]} بن نُعيِم ، عن عبد الله بن هبيرة ، به{[4138]} .
وهكذا رواه مسلم والنسائي جميعا ، عن قتيبة ، عن الليث{[4139]} . ورواه مسلم أيضاً من حديث محمد بن إسحاق ، حدثني يزيد بن أبي حبيب كلاهما عن خير بن نعيم الحضرمي ، عن عبد الله ابن هبيرة السبائي{[4140]} {[4141]} .
فأما الحديث الذي رواه الإمام أحمد أيضا : حدثنا إسحاق ، أخبرني مالك ، عن زيد بن أسلم ، عن القعقاع بن حكيم ، عن أبي يونس مولى عائشة قال : أمرتني عائشة أن أكتب لها مصحفاً ، قالت : إذا بلغت هذه الآية : { حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى } فآذني . فلما بلغتها آذنتها ، فأملت علي : " حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر وقوموا لله قانتين " قالت : سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم وهكذا رواه مسلم ، عن يحيى بن يحيى ، عن مالك ، به{[4142]} .
وقال ابن جرير : حدثني المثنى ، حدثنا الحجاج ، حدثنا حماد ، عن هشام بن عروة عن أبيه قال : كان في مصحف عائشة : " حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وهي صلاة العصر " . {[4143]} وهكذا رواه من طريق الحسن البصري : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأها كذلك . وقد روى الإمام مالك أيضا ، عن زيد بن أسلم عن عمرو بن رافع قال : كنت أكتب مصحفا لحفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ، فقالت : إذا بلغت هذه الآية فآذني : { حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى } فلما بلغتها آذنتها . فأملت علي : " حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر وقوموا لله قانتين " {[4144]} .
وهكذا رواه محمد بن إسحاق بن يسار{[4145]} فقال : حدثني أبو جعفر محمد بن علي ، ونافع مولى بن عمر : أن عمر بن نافع قال . . . فذكر مثله ، وزاد : كما حفظتها من النبي صلى الله عليه وسلم .
طريق أخرى عن حفصة : قال ابن جرير : حدثنا محمد بن بشار ، حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا شعبة ، عن أبي بشر ، عن عبد الله بن يزيد الأزدي ، عن سالم بن عبد الله : أن حفصة أمرت إنساناً أن يكتب لها مصحفا ، فقالت : إذا بلغت هذه الآية : { حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى } فآذني . فلما بلغ آذنها فقالت : اكتب : " حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر " {[4146]} .
طريق أخرى : قال ابن جرير : حدثني ابن المثنى عبد الوهاب ، حدثنا عبيد الله ، عن نافع ، أن حفصة أمرت مولى لها أن يكتب لها مصحفا فقالت : إذا بلغت هذه الآية : " حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى " فلا تكتبها حتى أمليها عليك كما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأها . فلما بلغها أمرته فكتبها : " حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر وقوموا لله قانتين " . قال نافع : فقرأت ذلك المصحف فرأيت فيه " الواو " {[4147]} .
وكذا روى ابن جرير ، عن ابن عباس وعبيد بن عمير أنهما قرآ كذلك .
وقال ابن جرير : حدثنا أبو كُرَيْب ، حدثنا عبدة ، حدثنا محمد بن عمرو ، حدثني أبو سلمة ، عن عمرو بن رافع مولى عمر قال : كان في مصحف حفصة : " حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر وقوموا لله قانتين " {[4148]} . وتقرير المعارضة أنه عطف صلاة العصر على الصلاة الوسطى بواو العطف التي تقتضي المغايرة ، فدل ذلك على أنها غيرها وأجيب عن ذلك بوجوه : أحدها أن هذا إن روي على أنه خبر ، فحديث علي أصح وأصرح منه ، وهذا يحتمل أن تكون الواو زائدة ، كما في قوله : { وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ } [ الأنعام : 55 ] ، { وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ } [ الأنعام : 75 ] ، أو تكون لعطف الصفات لا لعطف الذوات ، كقوله : { وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ } [ الأحزاب : 40 ] ، وكقوله : { سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأعْلَى * الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى * وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى * وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى } [ الأعلى 1 - 4 ] وأشباه ذلك كثيرة ، وقال الشاعر :
إلى الملك القرم وابن الهمام *** وليث الكتيبة في المزدحم
سلط الموت والمنون عليهم *** فلهم في صدى المقابر هام{[4149]}
والموت هو المنون ؛ قال عدي بن زيد العبادي :
فقدمت الأديم لراهشيه *** فألفى قولها كذبا ومينا{[4150]}
والكذب : هو المين ، وقد نص سيبويه شيخ النحاة على جواز قول القائل : مررت بأخيك وصاحبك ، ويكون الصاحب هو الأخ نفسه ، والله أعلم .
وأما إن روي على أنه قرآن فإنه لم يتواتر ، فلا يثبت بمثل خبر الواحد قرآن ؛ ولهذا لم يثبته أمير المؤمنين عثمان بن عفان في المصحف الإمام ، ولا قرأ بذلك أحد من القراء الذين تثبت الحجة بقراءتهم ، لا من السبعة ولا غيرهم . ثم قد روي ما يدل على نسخ هذه التلاوة المذكورة في هذا الحديث . قال مسلم : حدثنا إسحاق بن راهويه ، أخبرنا يحيى بن آدم ، عن فضيل بن مرزوق ، عن شقيق بن عقبة ، عن البراء بن عازب ، قال : نزلت : " حافظوا على الصلوات وصلاة العصر{[4151]} " فقرأناها على رسول الله صلى الله عليه وسلم ما شاء الله ، ثم نسخها الله ، عز وجل ، فأنزل : { حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى } فقال له زاهر - رجل كان مع شقيق - : أفهي العصر ؟ قال : قد حدثتك كيف نزلت ، وكيف نسخها الله ، عز وجل .
قال مسلم : ورواه الأشجعي ، عن الثوري ، عن الأسود ، عن شقيق{[4152]} .
قلت : وشقيق هذا لم يرو له مسلم سوى هذا الحديث الواحد ، والله أعلم . فعلى هذا تكون هذه التلاوة ، وهي تلاوة الجادة ، ناسخة للفظ رواية عائشة وحفصة ، ولمعناها ، إن كانت الواو دالة على المغايرة ، وإلا فللفظها فقط ، والله أعلم .
وقيل : إن الصلاة الوسطى هي صلاة المغرب . رواه ابن أبي حاتم عن ابن عباس . وفي إسناده نظر ؛ فإنه رواه عن أبيه ، عن أبي الجُمَاهر{[4153]} عن سعيد بن بشير ، عن قتادة ، عن أبي الخليل ، عن عمه ، عن ابن عباس قال : صلاة الوسطى : المغرب . وحكى هذا القول ابن جرير عن قبيصة بن ذؤيب وحكي أيضاً عن قتادة على اختلاف عنه . ووجه هذا القول بعضهم بأنها : وسطى في العدد بين الرباعية والثنائية ، وبأنها وتر المفروضات ، وبما جاء فيها من الفضيلة ، والله أعلم .
وقيل : إنها العشاء الآخرة ، اختاره علي بن أحمد الواحدي في تفسيره المشهور : وقيل : هي واحدة من الخمس ، لا بعينها ، وأبهمت فيهن ، كما أبهمت ليلة القدر في الحول أو الشهر أو العشر . ويحكى هذا القول عن سعيد بن المسيب ، وشريح القاضي ، ونافع مولى ابن عمر ، والربيع بن خيثم ، ونقل أيضاً عن زيد بن ثابت ، واختاره إمام الحرمين الجويني في نهايته .
وقيل : بل الصلاة الوسطى مجموع الصلوات الخمس ، رواه ابن أبي حاتم عن ابن عمر ، وفي صحته أيضاً نظر والعجب أن هذا القول اختاره الشيخ أبو عمر بن عبد البر النَّمري ، إمام ما وراء البحر ، وإنها لإحدى الكبر ، إذ اختاره - مع اطلاعه وحفظه - ما لم يقم عليه دليل من كتاب ولا سنة ولا أثر . وقيل : إنها صلاة العشاء وصلاة الفجر ، وقيل : بل هي صلاة الجماعة . وقيل : صلاة الجمعة . وقيل : صلاة الخوف . وقيل : بل صلاة عيد الفطر . وقيل : بل صلاة عيد الأضحى . وقيل : الوتر . وقيل : الضحى . وتوقف فيها آخرون لما تعارضت عندهم الأدلة ، ولم يظهر لهم وجه الترجيح . ولم يقع الإجماع على قول واحد ، بل لم يزل التنازع{[4154]} فيها موجودا من زمن الصحابة وإلى الآن .
قال ابن جرير : حدثني محمد بن بشار وابن مثنى ، قالا حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا شعبة قال : سمعت قتادة يحدث عن سعيد بن المسيب قال : كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم مختلفين في الصلاة الوسطى هكذا ، وشَبَّك بين أصابعه{[4155]} .
[ وقد حكى فخر الدين الرازي في تفسيره قولا عن جمع من العلماء منهم زيد بن ثابت ، وربيع ابن خيثم : أنها لم يرد بيانها ، وإنما أريد إبهامها ، كما أبهمت ليلة القدر في شهر رمضان ، وساعة الإجابة في يوم الجمعة ، والاسم الأعظم في أسماء الله تعالى ، ووقت الموت على المكلف ؛ ليكون في كل وقت مستعداً ، وكذا أبهمت الليلة التي ينزل فيها من السماء وباء ليحذرها الناس ، ويعطوا الأهبة دائماً ، وكذا وقت الساعة استأثر الله بعلمه ؛ فلا تأتي إلا بغته ]{[4156]} .
وكل هذه الأقوال فيها ضعف بالنسبة إلى التي قبلها ، وإنما المدار ومعترك النزاع في الصبح والعصر . وقد ثبتت السنة بأنها العصر ، فتعين المصير إليها .
وقد روى الإمام أبو محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي في كتاب " فضائل الشافعي " رحمه الله : حدثنا أبي ، سمعت حرملة بن يحيى التجيبي يقول : قال الشافعي : كل ما قلت فكان عن النبي صلى الله عليه وسلم خلاف قولي مما يصح ، فحديث النبي صلى الله عليه وسلم أولى ، ولا تقلدوني . وكذا روى الربيع والزعفراني وأحمد بن حنبل ، عن الشافعي . وقال موسى أبو الوليد بن أبي الجارود ، عن الشافعي : إذا صح الحديث وقلت قولا فأنا راجع عن قولي وقائل بذلك . فهذا من سيادته وأمانته ، وهذا نفس إخوانه من الأئمة ، رحمهم الله ورضي عنهم أجمعين آمين . ومن هاهنا قطع القاضي الماوردي بأن مذهب الشافعي ، رحمه الله ، أن صلاة الوسطى هي صلاة العصر ، وإن كان قد نص في الجديد وغيره أنها الصبح ، لصحة الأحاديث أنها العصر ، وقد وافقه على هذه الطريقة جماعة من محدثي المذهب ، ولله الحمد والمنة . ومن الفقهاء في المذهب من ينكر أن تكون هي العصر مذهباً للشافعي ، وصمموا على أنها الصبح قولا واحداً . قال الماوردي : ومنهم من حكى في المسألة قولين ، ولتقرير المعارضات والجوابات موضع آخر غير هذا ، وقد أفردناه على حدة ، ولله الحمد والمنة .
وقوله تعالى : { وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ } أي : خاشعين ذليلين مستكينين بين يديه ، وهذا الأمر مستلزم{[4157]} ترك الكلام في الصلاة ، لمنافاته إياها ؛ ولهذا لما امتنع النبي صلى الله عليه وسلم من الرد على ابن مسعود حين سلم عليه ، وهو في الصلاة ، اعتذر إليه بذلك ، وقال . " إن في الصلاة لشغلا " ، وفي صحيح مسلم أنه عليه السلام قال لمعاوية بن الحكم [ السلمي ]{[4158]} حين تكلم في الصلاة : " إن هذه الصلاة لا يصلح{[4159]} فيها شيء من كلام الناس ، إنما هي التسبيح والتكبير وذكر الله " {[4160]} .
وقال الإمام أحمد ، حدثنا يحيى بن سعيد ، عن إسماعيل ، حدثني الحارث بن شبيل ، عن أبي عمرو الشيباني ، عن زيد بن أرقم قال : كان الرجل يكلم صاحبه في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، في الحاجة في الصلاة ، حتى نزلت هذه الآية : { وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ } فأمرنا بالسكوت . رواه الجماعة - سوى ابن ماجة ، به ، من طرق عن إسماعيل ، به{[4161]} .
وقد أشكل هذا الحديث على جماعة من العلماء ، حيث ثبت عندهم أن تحريم الكلام في الصلاة كان بمكة ، قبل الهجرة إلى المدينة وبعد الهجرة إلى أرض الحبشة ، كما دل على ذلك حديث ابن مسعود الذي في الصحيح ، قال : كنا نسلم على النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن نهاجر إلى الحبشة وهو في الصلاة ، فيرد علينا ، قال : فلما قدمنا سلمت عليه ، فلم يرد علي ، فأخذني ما قرب وما بعد ، فلما سلم قال : " إني لم أرد عليك إلا أني كنت في الصلاة ، وإن الله يحدث من أمره ما يشاء ، وإن مما أحدث ألا تكلموا في الصلاة " {[4162]} .
وقد كان ابن مسعود ممن أسلم قديماً ، وهاجر إلى الحبشة ، ثم قدم منها إلى مكة مع من قدم ، فهاجر إلى المدينة ، وهذه الآية : { وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ } مدنية{[4163]} بلا خلاف ، فقال قائلون : إنما أراد زيد بن أرقم بقوله : " كان الرجل يكلم أخاه في حاجته في الصلاة " الإخبار عن جنس الناس ، واستدل على تحريم ذلك بهذه الآية بحسب ما فهمه منها ، والله أعلم .
وقال آخرون : إنما أراد أن ذلك قد وقع بالمدينة بعد الهجرة إليها ، ويكون ذلك فقد أبيح مرتين ، وحرم مرتين ، كما اختار ذلك قوم من أصحابنا وغيرهم ، والأول أظهر . والله أيضاً أعلم .
وقال الحافظ أبو يعلى : حدثنا بشر بن الوليد ، حدثنا إسحاق بن يحيى ، عن المسيب ، عن ابن مسعود قال : كنا يسلم بعضنا على بعض في الصلاة ، فمررت برسول الله صلى الله عليه وسلم فسلمت عليه ، فلم يرد علي ، فوقع في نفسي أنه نزل فيَّ شيء ، فلما قضى النبي صلى الله عليه وسلم صلاته قال : " وعليك السلام ، أيها المسلم ، ورحمة الله ، إن الله ، عز وجل ، يحدث من أمره ما يشاء فإذا كنتم في الصلاة فاقنتوا ولا تكلموا " {[4164]} .
{ حافظوا على الصلوات } بالأداء لوقتها والمداومة عليها ، ولعل الأمر بها في تضاعيف أحكام الأولاد والأزواج لئلا يلهيهم الاشتغال بشأنهم عنها . { والصلاة الوسطى } أي الوسطى بينها ، أو الفضلى منها خصوصا وهي صلاة العصر لقوله عليه الصلاة والسلام يوم الأحزاب " شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر ملأ الله بيوتهم نارا " . وفضلها لكثرة اشتغال الناس في وقتها ، واجتماع الملائكة . وقيل صلاة الظهر لأنها في وسط النهار وكانت أشق الصلوات عليهم فكانت أفضل لقوله عليه الصلاة والسلام " أفضل العبادات أحمزها " . وقيل صلاة الفجر لأنها بين صلاتي النهار والليل والواقعة في الحد المشترك بينهما ولأنها مشهودة . وقيل المغرب لأنها المتوسطة بالعدد ووتر النهار . وقيل العشاء لأنها بين جهريتين واقعتين طرفي الليل . وعن عائشة رضي الله تعالى عنها : أنه عليه الصلاة والسلام كان يقرأ : " والصلاة الوسطى العصر " ، فتكون صلاة من الأربع خصت بالذكر مع العصر لانفرادهما بالفضل . وقرئ بالنصب على الاختصاص والمدح .
{ وقوموا لله } في الصلاة . { قانتين } ذاكرين له في القيام ، والقنوت الذكر فيه . وقيل خاشعين ، وقال ابن المسيب المراد به القنوت في الصبح .