بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{حَٰفِظُواْ عَلَى ٱلصَّلَوَٰتِ وَٱلصَّلَوٰةِ ٱلۡوُسۡطَىٰ وَقُومُواْ لِلَّهِ قَٰنِتِينَ} (238)

{ حافظوا عَلَى الصلوات والصلاة الوسطى } ؛ قال ابن عباس : أي حافظوا على الصلوات المكتوبات الخمس في مواقيتها بوضوئها وركوعها وسجودها ؛ { حافظوا عَلَى الصلوات } ، يعني الصلاة الوسطى خاصة حافظوا عليها . ويقال : هي صلاة العصر . ويقال هي صلاة الصبح ويقال : هي صلاة الظهر .

حدثنا القاسم بن محمد بن روزية قال : حدثنا عيسى بن خشنام قال : حدثنا سويد بن سعيد ، عن مالك بن أنس ، عن داود بن الحصين أنه بلغه ، عن رجل ، عن زيد بن ثابت أنه بلغه ، عن علي وابن عباس أنهما كانا يقولان : صلاة الوسطى صلاة الصبح .

قال مالك : وذلك رأي . أخبرني القاسم بن محمد قال : حدثنا عيسى بن خنشام قال : حدثنا سويد بن سعيد بن مالك بن أنس ، عن داود بن الحصين ، عن رجل ، عن زيد بن ثابت أنه قال : صلاة الوسطى : صلاة الظهر .

وبهذا الإسناد ، عن مالك ، عن زيد بن أسلم ، عن القعقاع بن الحكم ، عن أبي يونس مولى عائشة رضي الله عنها أنه قال : أمرتني عائشة أن أكتب لها مصحفاً وقالت : إذا بلغت هذه الآية فآذني فلما بلغتها آذنتها ، فأملت علي : { حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى } : صلاة العصر .

قال الفقيه : حدثنا أبو إبراهيم الترمذي ، عن أبي إسحاق ، عن أبي جعفر الطحاوي قال : حدثنا علي بن معبد قال : حدثنا يعقوب بن إبراهيم عن أبي إسحاق عن أبي جعفر محمد بن علي ، عن عمرو بن رافع ، مولى عمر وكان يكتب المصاحف أنه قال : اكتتبتني حفصة ابنة عمر مصحفاً وقالت : إذا بلغت هذه الآية فلا تكتبها ، حتى تأتيني فأمليها عليك كما حفظتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما بلغتها أتيتها بالورقة فقالت : اكتب { حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى } صلاة العصر . ويقال : هي قراءة عبد الله بن مسعود .

وروي عن أبي هريرة وابن عمر أنهما قالا : صلاة الوسطى العصر وروي عن عاصم بن أبي النجود ، عن زر بن حبيش ، عن علي أنه قال : كنت ظننت أنها صلاة الفجر ، حتى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يوم الخندق وقد شغلوه عن صلاة العصر ، قال : « مَلأَ الله بُطُونَهُمْ وَقُبُورَهُمْ نَاراً ، شَغَلُونا عَنِ الصَّلاةِ الوُسْطَى ، صَلاةِ العَصْرِ » وإنما كان فائدة التخصيص بصلاة العصر ، لأن ذلك وقت الشغل ويخاف فوتها ما لا يخاف لسائر الصلوات . وقد أكد بالذكر قال : { حافظوا عَلَى } خاصة . ومن طريق المعقول يدل أيضاً على أن صلاة الوسطى هي صلاة العصر ، لأن قبلها صلاتي النهار وبعدها صلاتي الليل .

ثم قال تعالى : { وَقُومُواْ لِلَّهِ قانتين } ، أي قوموا لله طائعين في الصلاة مطيعين . ويقال : صلوا لله قائمين ، فكأنه أمر بطول القيام في الصلاة .

كما قال في آية أخرى : { يا مريم اقنتي لِرَبِّكِ واسجدي واركعي مَعَ الراكعين } [ آل عمران : 43 ] . وروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه سئل عن أفضل الصلاة فقال : « التِي يُطِيلُ القُنُوتَ فِيهَا » ، يعني القيام . ويقال : قانتين ، يعني ساكتين ، كما روي عن زيد بن أرقم أنه قال : كنا نتكلم في الصلاة ، حتى نزلت هذه الآية : { وَقُومُواْ لِلَّهِ قانتين } ، فأمرنا بالسكوت ونهينا عن الكلام . وقال الزجاج : المشهور في اللغة الدعاء في القيام ، وحقيقة القانت القائم بأمر الله تعالى .