تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته  
{حَٰفِظُواْ عَلَى ٱلصَّلَوَٰتِ وَٱلصَّلَوٰةِ ٱلۡوُسۡطَىٰ وَقُومُواْ لِلَّهِ قَٰنِتِينَ} (238)

المحافظة على الصلاة

221

{ حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين( 238 ) فإن خفتم فرجالا أو ركبانا فإذا أمنتم فاذكروا الله كما علمكم ما لم تكونوا تعلمون( 239 ) }

المفردات :

الوسطى : تأنيت الأوسط ، وهي الفضلى ووسط الشيء خيره وأعدله .

قانتين : القنوت : الطاعة والعبادة وأصله الدوام على الشيء ومن هنا سمى المداوم على الطاعة قانتا .

المعنى الإجمالي :

احرصوا على إقامة الصلوات كلها ، وداوموا عليها واحرصوا على أن تكون صلاتكم هي الصلاة الفضلى بإقامة أركانها ، والإخلاص الكامل لله فيها ، وأتموا طاعة الله تعالى وذكره مخلصين له خاشعين لجلاله .

التفسير :

{ حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين }

من شأن القرآن الكريم أن يحث على التقوى وطاعة الله بين آيات الأحكام ، حملا للنفوس على امتثال أمر الله وتنفيذ أحكامه بروح طيبة وقلب سليم .

وقد تكررت الدعوة إلى المحافظة على الصلاة في القرآن الكريم ، فهو أول الأركان وهي الصلة بين المخلوق والخالق ، وهي الدواء العلمي والعلاج الروحي لمشاغل الدنيا ، وأمرها المتعددة وفتنتها وملاهيها ، في وسط زحام هذه الحياة يجد المؤمن أن الصلاة واحة وارفة الظلال يتطهر لها بالماء الطهور ، ويقف بين يدي ربه خاشعا خاضعا ، مكبرا لله راكعا ساجدا ، مرتلا لآيات الله القرآن الكريم ، فيخرج من الصلاة وقد تطهرت نفسه وغسلت ذنوبه فيزيده ذلك إيمانا وتصميما على طاعة الله ومرضاته ، قال تعالى : { اتل ما أوحي إليك من أهل الكتاب إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون } ( العنكبوت : 45 ) .

{ حافظوا على الصلوات }

والمحافظة على الصلاة تقتضي أداءها في أوقاتها وإتمام ركوعها وسجودها ، وحضور القلب والخشوع والتدبر والتأمل ، في معنى ما يقول القرآن ، ومن التسبيح والتكبير وبذلك يكون الصلاة وسيلة إلى مرضاة الله ورعايته وعنايته ، كما ورد في الحديث الشريف : " احفظ الله يحفظك احفظ الله تجده اتجاهك إذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء ما نفعوك إلا بشيء كتبه الله لك واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن يضروك بشيء ما ضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك ، جفت الأقلام وطويت الصحف "

قال الإمام الرازي : " وقوله تعالى " حافظوا " بصيغة المفاعلة التي تكون بين اثنين ، للدلالة على أن هذه المحافظة تكون بين العبد والرب ، فكأنه قيل : احفظ الصلاة ليحفظك الإله الذي أمرك بها ، وهذا كقوله : { فاذكروني أذكركم }( البقرة : 152 ) وفي الحديث : " احفظ الله يحفظك " أو أن تكون المحافظة بين المصلي والصلاة ، فكأنه قيل : احفظ الصلاة حتى تحفظك الصلاة ، بمعنى أنها تحفظك من ارتكاب المعاصي ، وتشفع لمصليها يوم القيامة( 286 ) .

والصلاة الوسطى : والصلاة الوسطى هي إحدى الخمس ، وقد اختلفوا في تحديدها . وللعلماء في ذلك ثمانية عشر قولا ، أوردها الشوكاني في " نيل الأوطار " أصحها رواية ما ذهب إليه الجمهور من كونها صلاة العصر ، لحديث عن أحمد ومسلم وأبى داود مرفوعا " شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر " . ( 287 ) .

وقال بعضهم المراد بالصلاة الوسطى الصبح ، ويل صلاة الظهر وقيل صلاة المغرب ، وقيل العشاء وقيل الجمعة ، وقال بعضهم إنها غير معروفة ، وأن الله تعالى أبهم الصلاة الفضلى التي ثوابها أكثر ليحافظ المؤمن على كل صلاة( 288 ) .

قال ابن كثير : وكل هذه الأقوال فيها ضعف ، بالنسبة إلى التي قبلها ومعترك النزاع في الصبح والعصر ، وقد أثبتت السنة أنها العصر فتعين المصير إليها أي إلى أن المراد بالصلاة الوسطى صلاة العصر .

وخصت صلاة العصر بالذكر ، لأنها تقع وقت اشتغال بعض الناس بالعمل ، أو لأنها وقت الراحة والكسل ، بالنسبة إلى طائفة أخرى من الناس ، أو لأنها في ختام صلاة النهار ، وزحمة أعمال اليوم ، فهي فرصة أخيرة في النهار يناجي فيها المؤمن ربه ، ويذكره بلسانه وقلبه ويتفرغ لمناداته ومناجاته عبادته .

{ وقوموا لله قاتمين } اتجهوا إلى الله عابدين خاشعين متبتلين ، ففي هذا القنوت سعادة الأرواح وشفاء النفوس وسلامة الظاهر والباطن ، فمن وجد الله وجد كل شيء ومن فقد الله فقد كل شيء .