إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{حَٰفِظُواْ عَلَى ٱلصَّلَوَٰتِ وَٱلصَّلَوٰةِ ٱلۡوُسۡطَىٰ وَقُومُواْ لِلَّهِ قَٰنِتِينَ} (238)

{ حافظوا عَلَى الصلوات } أي داوموا على أدائها لأوقاتها من غير إخلالٍ بشيء منها كما تنبئ عنه صيغةُ المفاعلة المفيدة للمبالغة ، ولعل الأمرَ بها في تضاعيف بيان أحكامِ الأزواج والأولاد قبل الإتمام للإيذان بأنها حقيقةٌ بكمال الاعتناءِ بشأنها والمثابرة عليها من غير اشتغالٍ بشأنهم وبشأن أنفسهم أيضاً كما يفصح عنه الأمر بها في حالة الخوف ولذلك أمر بها في خلال بيان ما يتعلق بهم من الأحكام الشرعية المتشابكةِ الآخذِ بعضُها بحُجْزَة بعض { والصلاة الوسطى } أي المتوسطة بينها أو الفُضلى منها وهي صلاةُ العصر لقوله صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب : « شغَلونا عن الصلاة الوسطى صلاةِ العصر ملأ الله تعالى بيوتَهم ناراً » وقال عليه السلام : « إنها الصلاةُ التي شُغل عنها سليمانُ بنُ داود عليهما الصلاة والسلام » وفضلُها لكثرة اشتغال الناسِ في وقتها بتجارتهم ومكاسبهم واجتماعِ ملائكة الليل وملائكة النهار حينئذ ، وقيل : هي صلاةُ الظهر لأنها في وسط النهار وكانت أشقَّ الصلواتِ عليهم لما أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم كان يصليها بالهاجرة فكانت أفضلَها لقوله عليه السلام : « أفضلُ العبادات أحمزُها » وقيل : هي صلاة الفجر لأنها بين صلاتي الليل والواقعةُ في الحد المشترك بينهما ولأنها مشهودةٌ كصلاة العصر وقيل : هي صلاةُ المغرب لأنها متوسطة من حيث العددُ ومن حيث الوقوعُ بين صلاتي النهار والليل ووتر النهار ولا تُنقص في السفر وقيل : هي صلاة العِشاء لأنها بين الجهريتين الواقعتين في طرفي الليل والنهار وعن عائشة وابن عباس رضي الله عنهم أنه عليه السلام كان يقرأ والصلاة الوسطى وصلاة العصر فتكون حينئذ إحدى الأربعِ قد خُصت بالذكر مع العصر لانفرادها بالفضل وقرئ وعلى الصلاة الوسطى وقرئ بالنصب على المدح ، وقرئ الوسطى { وَقُومُوا لِلَّهِ } أي في الصلاة { قانتين } ذاكرين له تعالى في القيام لأن القنوتَ هو الذكر فيه وقيل : هو إكمالُ الطاعة وإتمامُها بغير إخلال بشيء من أركانها وقيل : خاشعين ، وقال ابن المسيِّب : المراد به القنوتُ في الصبح .