الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{حَٰفِظُواْ عَلَى ٱلصَّلَوَٰتِ وَٱلصَّلَوٰةِ ٱلۡوُسۡطَىٰ وَقُومُواْ لِلَّهِ قَٰنِتِينَ} (238)

قوله تعالى : { حَافِظُواْ } : في " فاعَل " هنا قولان ، أحدُهما : أنه بمعنى فَعِل كطارَقْتُ النعل وعاقَبْتُ اللصَّ . ولمَّا ضَمَّن المحافظةَ معنى المواظبةِ عَدَّاها ب " على " الثاني : أنَّ " فاعَل " على بابِها من كونِها بين اثنين ، فقيل : بين العبدِ وربِّه ، كأنه قيل : احفَظْ هذه الصلاةَ يحفظْكَ اللهُ . وقيل : بين العبدِ والصلاةِ أي : احفَظْها تحفَظْك .

وقال أبو البقاء : " ويكون وجوبُ تكريرِ الحفظِ جارياً مَجْرى الفاعِلين ، إذ كان الوجوبُ حاثَّاً على الفعلِ ، فكأنه شريكُ الفاعلِ للحفظ ، كما قالوا في

{ وَاعَدْنَا مُوسَى } [ البقرة : 51 ] فالوعدُ من اللهِ والقَبولُ من موسى بمنزلةِ الوعد . وفي " حافِظوا " معنىً لا يوجَدُ في " احفظوا " وهو تكريرُ الحفظ " وفيه نظر ؛ إذ المفاعلةُ لا تَدُلُّ على تكريرِ فعلٍ البتةِ .

قوله : { والصَّلاَةِ الْوُسْطَى } ذَكَر الخاصَّ بعد العامَّ ، وقد تقدَّم فائدُته عند قولِه : { مَن كَانَ عَدُوّاً للَّهِ } [ البقرة : 98 ] ، والوُسْطى : فُعْلَى معناها التفضيلُ ، فإنها مؤنثةٌ للأوسط ، كقولِه - يمدح الرسول عليه السلام - :1008 يا أوسطَ الناسِ طُرَّاً في مفاخِرهمْ *** وأكرمَ الناسِ أمَّا بَرَّةً وأَبَا

وهي [ من ] الوسطِ الذي هو الخِيارُ/ وليست من الوَسَطِ الذي معناه : متوسطٌ بين شيئين ، لأنَّ فُعْلى معناها التفضيلُ ؛ ولا يُبْنى للتفضيل إلا ما يَقْبل الزيادةَ والنقصَ ، والوَسَطُ بمعنى العَدْل والخيارِ يقبلُهما بخلافِ المتوسطِ بين الشيئين فإنه لا يَقْبَلُهما فلا يُبْنى منه أفعلُ التفضيل .

وقرأ علي : " وعلى الصلاة " بإعادةِ حرفِ الجَرِّ توكيداً ، وقَرَأَتْ عائشةُ - رضي الله عنها - " والصلاةَ " بالنصبِ ، وفيها وجهان ، أحدُهما على الاختصاصِ ، ذكرَه الزمخشري ، والثاني على موضعِ المجرورِ ، مثلُه نحو : مررتُ بزيدٍ وعَمْراً ، وسيأتي بيانُه في المائدة .

قوله : { قَانِتِينَ } حالٌ من فاعلِ " قوموا " . و " لله " يجوزُ أَنْ تتعلَّقَ اللامُ بقوموا ، ويجوزُ أنَ تتعلَّق بقانتين ، ويدلُّ للثاني قولُه تعالى : { كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَ } [ البقرة : 116 ] . ومعنى اللامِ التعليلُ .