قوله تعالى : { ألم تر أن الله يزجي } يعني : يسوق بأمره ، { سحاباً } إلى حيث يريد ، { ثم يؤلف بينه } يعني : يجمع بين قطع السحاب المتفرقة بعضها إلى بعض ، { ثم يجعله ركاماً } متراكماً بعضه فوق بعض ، { فترى الودق } يعني : المطر ، { يخرج من خلاله } وسطه وهو جمع الخلل ، كالجبال جمع الجبل . { وينزل من السماء من جبال فيها من برد } يعني : ينزل البرد ، ومن صلة ، وقيل : معناه( وينزل من السماء من الجبال ) أي : مقدار جبال في الكثرة من البرد " ومن " في قوله ( من جبال ) صلة . أي : وينزل من السماء جبلا من برد ، وقيل معناه : وينزل من جبال في السماء تلك الجبال من برد . وقال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما : أخبر الله عز وجل أن في السماء جبالاً من برد ، ومفعول الإنزال محذوف تقديره : وينزل من السماء من جبال فيها برد ، فاستغنى عن ذكر المفعول للدلالة عليه . قال أهل النحو ذكر الله تعالى من ثلاث مرات في هذه الآية فقوله : ( من السماء ) لابتداء الغاية ، لأن ابتداء الإنزال من السماء ، وقوله تعالى ( من جبال ) للتبعيض لأن ما ينزله الله تعالى بعض تلك الجبال التي في السماء ، وقوله تعالى : ( من برد ) للتجنيس لأن تلك الجبال من جنس البرد . { فيصيب به } يعني بالبرد { من يشاء } فيهلك زروعه وأمواله ، { ويصرفه عمن يشاء } فلا يضره ، { يكاد سنا برقه } يعني ضوء برق السحاب ، { يذهب بالأبصار } من شدة ضوئه وبريقه ، وقرأ أبو جعفر : { يذهب } بضم الياء وكسر الهاء .
{ 43 - 44 } { أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ *يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ }
أي : ألم تشاهد ببصرك ، عظيم قدرة الله ، وكيف { يُزْجِي } أي : يسوق { سَحَابًا } قطعا متفرقة { ثُمَّ يُؤَلِّفُ } بين تلك القطع ، فيجعله سحابا متراكما ، مثل الجبال .
{ فَتَرَى الْوَدْقَ } أي : الوابل والمطر ، يخرج من خلال السحاب ، نقطا متفرقة ، ليحصل بها الانتفاع من دون ضرر ، فتمتلئ بذلك الغدران ، وتتدفق الخلجان ، وتسيل الأودية ، وتنبت الأرض من كل زوج كريم ، وتارة ينزل الله من ذلك السحاب بردا يتلف ما يصيبه .
{ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ } بحسب ما اقتضاه حكمه القدري ، وحكمته التي يحمد عليها ، { يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ } أي : يكاد ضوء برق ذلك السحاب ، من شدته { يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ } أليس الذي أنشأها وساقها لعباده المفتقرين ، وأنزلها على وجه يحصل به النفع وينتفي به الضرر ، كامل القدرة ، نافذ المشيئة ، واسع الرحمة ؟ .
ثم لفت - سبحانه - بعد ذلك أنظار عباده إلى مظاهر قدرته فى هذا الكون ، حيث يزجى السحاب ، ثم يؤلف بينه ، ثم يجعله ركاما . . . وحيث نوع مخلوقاته مع أنها جميعا من أصل واحد فقال - تعالى - : { أَلَمْ تَرَ أَنَّ . . . . } .
قوله - تعالى - { يُزْجِي } من الإزجاء بمعنى الدفع بأناة ورفق . يقال : زجى الراعى إبله تزجية ، إذا ساقها برفق . وأزجت الريح السحاب ، أى : دفعته .
والمعنى : لقد علمت - أيها العاقل - ورأيت بعينيك ، أن الله - تعالى - يسوق بقدرته السحاب الذى فى الجو ، سوقا رفيقا إلى حيث يريد .
{ ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ } أى : يسوق - سبحانه - السحاب سوقا هادئا سهلا . ثم بعد ذلك يصل بعضه ببعض ، ويجمع بعضه مع بعض ، ثم بعد ذلك { يَجْعَلُهُ رُكَاماً } أى : متراكما بعضه فوق بعض . يقال ركم فلان الشىء يركمه ركما ، إذا جمعه ، وألقى بعضه على بعض ، ومنه : الرمل المتراكم ، أى : المجتمع .
وهذا الذى حكاه القرآن من سوق الله - تعالى - للسحب ثم تجميعها ، ثم تحويلها إلى قطع ضخمة متراكمة متكاثفة كقطع الجبال ، يراه الراكب للطائرات بوضوح وتسليم بقدرة الله - تعالى - ، الذى أحسن كل شىء خلقه .
وقوله - سبحانه - : { فَتَرَى الودق يَخْرُجُ مِنْ خِلاَلِهِ } بيان لما يترتب على هذا السوق الرفيق ، والتجمع الدقيق من آثار .
والودق : المطر . وهو فى الأصل مصدر ودَق السحاب يدِق وَدْقاً ، إذا نزل منه المطر . والخلال : جمع خلل - كجبال وجبل - والمارد بها التفوق والشقوق .
قال القرطبى : فى " الودق " قولان : أحدهما : أنه البرق . . . والثانى : أنه المطر . وهو قول الجمهور يقال : ودقت السحابة فهى وادقة . وودق المطر يدق ودقا . أى : قطر .
أى : يسوق الله - تعالى - السحاب إلى حيث يشاء بقدرته ، ثم يؤلف بينه ، ثم يجعله متراكما بعضه فوق بعض ، فترى - أيها العاقل - المطر يخرج من فتوق هذا السحاب المتراكم ومن فروجه ، تارة بشدة وعنف ، وتارة بهدوء ورفق .
وقوله - تعالى - : { وَيُنَزِّلُ مِنَ السمآء مِن جِبَالٍ فِيهَا مِن بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَن يَشَآءُ وَيَصْرِفُهُ عَن مَّن يَشَآءُ . . . } بيان لمظهر آخر من مظاهر قدرته - سبحانه - .
أى : وينزل - سبحانه - من جهة السماء قطعا من السحاب الكثير من البرد ، وهو شىء ينزل من السحاب يشبه الحصى ، ويسمى حب الغمام : وحب المزن
قال صاحب الكشاف : فإن قلت : ما الفرق بين " من " الأولى ، والثانية ، والثالثة فى قوله { وَيُنَزِّلُ مِنَ السمآء مِن جِبَالٍ فِيهَا مِن بَرَدٍ } ؟
قلت الأولى لابتداء الغاية ، والثانية للتبعيض ، والثالثة للبيان ، أو الأوليان للابتداء ، والآخرة للتبعيض .
فإن قلت : ما معنى " من جبال فيها من برد " ؟ قلت : فيه معنيان : أحدهما : أن يخلق الله فى السماء جبال برد . كما فى الأرض جبال حجر ، والثانى : أن يريد الكثرة بذكر الجبال ، كما يقال : فلان يملك جبالا من ذهب .
وقوله - تعالى - : { فَيُصِيبُ بِهِ مَن يَشَآءُ وَيَصْرِفُهُ عَن مَّن يَشَآءُ } أى : فيصيب بالذى ينزله من هذا البرد من يشاء إصابته من عباده ، ويصرفه عمن يشاء صرفه عنهم ، إذ الإصابة والصرف بمقتضى حكمته وإرادته .
ثم ختم - سبحانه - الآية الكريمة بقوله : { يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بالأبصار } . والسنا : شدة الضوء . يقال : سنا الشىء يسنو سنا ، إذا أضاء .
أى : يكاد ضوء برق السحاب الموصوف بما مر من الإزجاء والتأليف والتراكم . . . يخطف الأبصار من شدة إضاءته ، وزيادة لمعانه وسرعة توهجه .
ومشهد آخر من مشاهد هذا الكون التي يمر عليها الناس غافلين ؛ وفيها متعة للنظر ، وعبرة للقلب ، ومجال للتأمل في صنع الله وآياته ، وفي دلائل النور والهدى والإيمان :
ألم تر أن الله يزجي سحابا ، ثم يؤلف بينه ، ثم يجعله ركاما ، فترى الودق يخرج من خلاله . وينزل من السماء من جبال فيها من برد ، فيصيب به من يشاء ، ويصرفه عمن يشاء ، يكاد سنا برقه يذهب بالأبصار . .
والمشهد يعرض على مهل وفي إطالة ، وتترك أجزاؤه للتأمل قبل أن تلتقي وتتجمع . كل أولئك لتؤدي الغرض من عرضها في لمس القلب وإيقاظه ، وبعثه إلى التأمل والعبرة ، وتدبر ما وراءها من صنع الله .
إن يد الله تزجي السحاب وتدفعه من مكان إلى مكان . ثم تؤلف بينه وتجمعه ، فإذا هو ركام بعضه فوق بعض . فإذا ثقل خرج منه الماء ، والوبل الهاطل ، وهو في هيئة الجبال الضخمة الكثيفة ، فيها قطع البرد الثلجية الصغيرة . . ومشهد السحب كالجبال لا يبدو كما يبدو لراكب الطائرة وهي تعلو فوق السحب أو تسير بينها ، فإذا المشهد مشهد الجبال حقا ، بضخامتها ، ومساقطها ، وارتفاعاتها وانخفاضاتها . وإنه لتعبير مصور للحقيقة التي لم يرها الناس ، إلا بعد ما ركبوا الطائرات .
وهذه الجبال مسخرة بأمر الله ، وفق ناموسه الذي يحكم الكون ؛ ووفق هذا الناموس يصيب الله بالمطر من يشاء ، ويصرفه عمن يشاء . . وتكملة المشهد الضخم : ( يكاد سنا برقه يذهب بالأبصار )ذلك ليتم التناسق مع جو النور الكبير في الكون العريض ، على طريقة التناسق في التصوير .
يذكر تعالى أنه بقدرته يسوق السحاب أول ما ينشئها وهي ضعيفة ، وهو الإزجاء { ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ } أي : يجمعه بعد تفرقه ، { ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا } أي : متراكمًا ، أي : يركب بعضه بعضًا ، { فَتَرَى الْوَدْقَ } أي المطر { يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ } أي : من خَلَله . وكذا{[21286]} قرأها ابن عباس والضحاك .
قال عبيد بن عمير الليثي : يبعث الله المثيرة فَتَقُمّ الأرض قمًّا ، ثم يبعث الله الناشئة فتنشئ السحاب ، ثم يبعث الله المؤلفة فتؤلف بينه ، ثم يبعث [ الله ]{[21287]} اللواقح فتلقح السحاب . رواه ابن أبي حاتم ، وابن جرير ، رحمهما الله .
وقوله : { وَيُنزلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ } : قال بعض النحاة : " من " الأولى : لابتداء الغاية ، والثانية : للتبعيض ، والثالثة : لبيان الجنس . وهذا إنما يجيء على قول من ذهب من المفسرين إلى أن قوله : { مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ } ومعناه : أن في السماء جبالَ بَرَد ينزل الله منها البرد . وأما من جعل الجبال ههنا عبارة{[21288]} عن السحاب ، فإن " من " الثانية عند هذا لابتداء الغاية أيضا ، لكنها بَدَل من الأولى ، والله أعلم .
وقوله : { فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ } يحتمل أن يكون المراد بقوله : { فَيُصِيبُ بِهِ } أي : بما ينزل من السماء من نوعي البرد والمطر{[21289]} فيكون قوله : { فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ } رحمة لهم ، { وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ } أي : يؤخر عنهم الغيث .
ويحتمل أن يكون المراد بقوله : { فَيُصِيبُ بِهِ } أي : بالبرد نقمة على من يشاء لما فيه من نثر ثمارهم وإتلاف زروعهم وأشجارهم . ويصرفه عمن يشاء [ أي : ]{[21290]} رحمة بهم .
وقوله : { يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالأبْصَارِ } أي : يكاد ضوء برقه من شدته يخطف الأبصار إذا اتبعته وتراءته .
القول في تأويل قوله تعالى : { أَلَمْ تَرَ أَنّ اللّهَ يُزْجِي سَحَاباً ثُمّ يُؤَلّفُ بَيْنَهُ ثُمّ يَجْعَلُهُ رُكَاماً فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلاَلِهِ وَيُنَزّلُ مِنَ السّمَآءِ مِن جِبَالٍ فِيهَا مِن بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَن يَشَآءُ وَيَصْرِفُهُ عَن مّن يَشَآءُ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالأبْصَارِ * يُقَلّبُ اللّهُ اللّيْلَ وَالنّهَارَ إِنّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لاُوْلِي الأبْصَارِ } .
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : ألَمْ تَرَ يا محمد أنّ اللّهَ يُزْجِي يعني يسوق سَحَابا حيث يريد . ثُمّ يُؤَلّفُ بَيْنَهُ : يقول : ثم يؤلف بين السحاب . وأضاف «بين » إلى السحاب ، ولم يذكر معه غيره ، و«بين » لا تكون مضافة إلا إلى جماعة أو اثنين ، لأن السحاب في معنى جمع ، واحده سحابة ، كما يجمع النخلة : نَخْل ، والتمرة : تمر ، فهو نظير قول قائل : جلس فلان بين النخل . وتأليفُ الله السحاب : جمعه بين متفرّقها .
وقوله : ثُمّ يَجْعَلُهُ رُكاما يقول : ثم يجعل السحاب الذي يزجيه ويؤلف بعضه إلى بعض رُكاما يعني : متراكما بعضه على بعض . وقد :
حدثنا عبد الحميد بن بيان ، قال : أخبرنا خالد ، قال : حدثنا مطر ، عن حبيب بن أبي ثابت ، عن عُبيد بن عُمير الليثيّ ، قال : الرياح أربع : يبعث الله الريح الأولى فتقمّ الأرض قَمّا ، ثم يبعث الثانية فتنشىء سحابا ، ثم يبعث الثالثة فتؤلف بينه فتجعله رُكاما ، ثم يبعث الرابعة فتمطره .
وقوله : فَتَرى الوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلاِلِهِ يقول : فترى المطر يخرج من بين السحاب ، وهو الوَدْق ، قال الشاعر :
فَلا مُزْنَةٌ وَدَقَتْ وَدْقَها *** وَلا أرْضَ أبْقَلَ إبْقَالَهَا
والهاء في قوله : مِنْ خِلالِهِ من ذكر السحاب ، والخلال : جمع خَلَل . وذُكر عن ابن عباس وجماعة أنهم كانوا يقرءون ذلك : «مِنْ خَلَلَهِ » .
حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا حِرْميّ بن عُمارة ، قال : حدثنا شعبة ، قال : حدثنا قَتادة ، عن الضحاك بن مزاحم أنه قرأ هذا الحرف : فَتَرى الوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ : «مِنْ خَلَلِهِ » .
قال : حدثنا شُعبة ، قال : أخبرني عُمارة ، عن رجل ، عن ابن عباس ، أنه قر هذا الحرف : فَتَرى الوَدْقَ يَخْرجُ مِنْ خِلالِهِ : «من خَلَله » .
حدثنا أحمد بن يوسف ، قال : حدثنا القاسم ، قال : حدثنا حجاج ، عن هارون ، قال : أخبرني عُمارة بن أبي حفصة ، عن رجل ، عن ابن عباس ، أنه قرأها : «مِنْ خَلَلِهِ » بفتح الخاء ، من غير ألف .
قال هارون : فذكرت ذلك لأبي عمرو ، فقال : إنها لحسنة ، ولكن خِلاله أعمّ .
وأما قرّاء الأمصار ، فإنهم على القراءة الأخرى : مِنْ خِلاَلِهِ وهي التي نختار ، لإجماع الحجة من القراء عليها .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : فَتَرى الوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ قال : الودّق : القطر ، والخِلال : السحاب .
وقوله : وَيُنَزّلُ مِنَ السّماءِ مِنْ جِبالٍ فِيها مِنْ بَرَدٍ : قيل في ذلك قولان : أحدهما : أن معناه : وأن الله ينزل من السماء من جبال في السماء من بَرَد ، مخلوقة هنالك خلقه . كأن الجبال على هذا القول ، هي من بَرَد ، كما يقال : جبال من طين . والقول الاَخر : أن الله ينزل من السماء قَدْر جبال وأمثال جبال من بَرَد إلى الأرض ، كما يقال : عندي بَيْتان تبنا . والمعنى : قدر بيتين من التبن ، والبيتان ليسا من التبن .
وقوله : فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشاءُ وَيَصْرِفُهُ عَمّنْ يَشاءُ يقول : فيعذّب بذلك الذي ينزل من السماء من جبال فيها من بَرَد من يشاء فيهلكه ، أو يهلك به زروعه وماله . وَيَصْرِفُهُ عَمّنْ يَشاءُ من خلقه ، يعني عن زروعهم وأموالهم .
وقوله : يَكادُ سَنا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بالأبْصَارِ يقول : يكاد شدّة ضوء برق هذا السحاب يذهب بأبصار من لاقى بصره . والسنا : مقصور ، وهو ضوء البرق . ) كما :
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جُرَيج ، عن عطاء الخُراسانيّ ، عن ابن عباس ، قوله : يَكادُ سَنا بَرْقِهِ قال : ضوء برقه .
حدثنا الحسن ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، عن معمر ، عن قَتادة ، في قوله : يَكادُ سَنا بَرْقِهِ يقول : لَمَعان البرق يذهب بالأبصار .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : يَكادُ سَنا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بالأبْصَارِ قال : سناه : ضوء يذهب بالأبصار .
وقرأت قرّاء الأمصار : يَكادُ سَنا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بفتح الياء من «يَذْهب » ، سوى أبي جعفر القارىء فإنه قرأه بضم الياء : «يُذْهِبُ بالأبْصَارِ » .
والقراءة التي لا أختار غيرها هي فتحها ، لإجماع الحجة من القرّاء عليها ، وأن العرب إذا أدخلت الباء في مفعول «ذهبت » ، لم يقولوا : إلا ذهب به ، دون أذهبت به . وإذا أدخلوا الألف في «أذهبت » ، لم يكادوا أن يدخلوا الباء في مفعوله ، فيقولون : أذهبته ، وذهبت به .