معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَعَلَى ٱلَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمۡنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٖۖ وَمِنَ ٱلۡبَقَرِ وَٱلۡغَنَمِ حَرَّمۡنَا عَلَيۡهِمۡ شُحُومَهُمَآ إِلَّا مَا حَمَلَتۡ ظُهُورُهُمَآ أَوِ ٱلۡحَوَايَآ أَوۡ مَا ٱخۡتَلَطَ بِعَظۡمٖۚ ذَٰلِكَ جَزَيۡنَٰهُم بِبَغۡيِهِمۡۖ وَإِنَّا لَصَٰدِقُونَ} (146)

قوله تعالى : { وعلى الذين هادوا حرمنا } يعني اليهود .

قوله تعالى : { كل ذي ظفر } ، وهو ما لم يكن مشقوق الأصابع من البهائم ، والطير . مثل : البعير ، والنعامة ، والأوز ، والبط ، قال القتيبي : هو كل ذي مخلب من الطير ، وكل ذي حافر من الدواب ، وحكاه عن بعض المفسرين ، وقال : سمي الحافر ظفراً على الاستعارة .

قوله تعالى : { ومن البقر والغنم حرمنا عليهم شحومهما } يعني شحوم الجوف ، وهي الثروب ، وشحم الكليتين .

قوله تعالى : { إلا ما حملت ظهورهما } ، أي : إلا ما علق بالظهر والجنب من داخل بطونهما .

قوله تعالى : { أو الحوايا } ، وهي المباعر ، واحدتها : حاوية وحوية ، أي : ما حملته الحوايا من الشحم .

قوله تعالى : { أو ما اختلط بعظم } ، يعني : شحم الألية ، هذا كله داخل في الاستثناء ، والتحريم مختص بالثرب وشحم الكلية .

أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنا محمد بن يوسف ، ثنا محمد بن إسماعيل ، ثنا قتيبة ، أنا الليث ، عن يزيد بن أبي حبيب ، عن عطاء بن أبي رباح ، عن جابر بن عبد الله أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول عام الفتح وهو بمكة : إن الله ورسوله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير ، والأصنام . فقيل : يا رسول الله أرأيت شحوم الميتة ، فإنه يطلى بها السفن ، ويدهن بها الجلود ، ويستضيء بها الناس ؟ فقال : لا ، هو حرام .

ثم قال رسول الله عند ذلك : قاتل الله اليهود ، إن الله عز وجل لما حرم شحومها جملوه ثم باعوه فأكلوا ثمنه .

قوله تعالى : { ذلك جزيناهم } ، أي : ذلك التحريم عقوبة لهم .

قوله تعالى : { ببغيهم } ، أي : بظلمهم من قتلهم الأنبياء ، وصدهم عن سبيل الله ، وأخذهم الربا ، واستحلال أموال الناس بالباطل .

قوله تعالى : { وإنا لصادقون } ، في الإخبار عما حرمنا عليهم وعن بغيهم .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَعَلَى ٱلَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمۡنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٖۖ وَمِنَ ٱلۡبَقَرِ وَٱلۡغَنَمِ حَرَّمۡنَا عَلَيۡهِمۡ شُحُومَهُمَآ إِلَّا مَا حَمَلَتۡ ظُهُورُهُمَآ أَوِ ٱلۡحَوَايَآ أَوۡ مَا ٱخۡتَلَطَ بِعَظۡمٖۚ ذَٰلِكَ جَزَيۡنَٰهُم بِبَغۡيِهِمۡۖ وَإِنَّا لَصَٰدِقُونَ} (146)

وأما ما حرم على أهل الكتاب ، فبعضه طيب ولكنه حرم عليهم عقوبة لهم ، ولهذا قال : { وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ } وذلك كالإبل ، وما أشبهها { وَ } حرمنا عليهم .

{ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ } بعض أجزائها ، وهو : { شُحُومَهُمَا } وليس المحرم جميع الشحوم منها ، بل شحم الألية والثرب ، ولهذا استثنى الشحم الحلال من ذلك فقال : { إِلَّا مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوِ الْحَوَايَا } أي : الشحم المخالط للأمعاء { أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ }

{ ذَلِكَ } التحريم على اليهود { جَزَيْنَاهُمْ بِبَغْيِهِمْ } أي : ظلمهم وتعديهم في حقوق الله وحقوق عباده ، فحرم الله عليهم هذه الأشياء عقوبة لهم ونكالا . { وَإِنَّا لَصَادِقُونَ } في كل ما نقول ونفعل ونحكم به ، ومن أصدق من الله حديثا ، ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَعَلَى ٱلَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمۡنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٖۖ وَمِنَ ٱلۡبَقَرِ وَٱلۡغَنَمِ حَرَّمۡنَا عَلَيۡهِمۡ شُحُومَهُمَآ إِلَّا مَا حَمَلَتۡ ظُهُورُهُمَآ أَوِ ٱلۡحَوَايَآ أَوۡ مَا ٱخۡتَلَطَ بِعَظۡمٖۚ ذَٰلِكَ جَزَيۡنَٰهُم بِبَغۡيِهِمۡۖ وَإِنَّا لَصَٰدِقُونَ} (146)

ثم بين - سبحانه - بعد ذلك ما حرمه الله على اليهود بسبب ظلمهم وبغيهم فقال - تعالى - { وَعَلَى الذين هَادُواْ حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ } .

فقوله - تعالى - { وَعَلَى الذين هَادُواْ حَرَّمْنَا } بيان لما حرمه الله - تعالى - على بنى إسرائيل جزاء ظلمهم ، وفى هذا البيان رد على اليهود ، وتكذيب لهم ، إذ زعموا أن الله لم يحرم عليهم شيئاً ، وإنما هم حرموا على أنفسهم ما حرمه إسرائيل على نفسه ، فجاءت هذه الآية الكريمة لتبين بعض ما حرمه الله عليهم من الطيبات - التى كانت حلالا لهم - بسبب فسقهم وطغيانهم .

والمراد بقوله تعالى { كُلَّ ذِي ظُفُرٍ } ما ليس بمنفرج الأصابع من البهائم والطير ، كالإبل والنعام والإوز والبط ، كما روى عن ابن عباس وسعيد ابن جبير وقتادة .

قال الإمام الرازى : قوله - تعالى - : { وَعَلَى الذين هَادُواْ حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ } يفيد تخصيص هذه الحرمة بهم من وجهين :

الأول : أن قوله - تعالى - { وَعَلَى الذين هَادُواْ حَرَّمْنَا } كذا وكذا يفيد الحصر فى اللغة ، لتقدم المعمول على عامله .

الثانى : أنه لو كانت هذه الحرمة ثابتة فى حق الكل لم يبق لقوله { وَعَلَى الذين هَادُواْ حَرَّمْنَا } فائدة .

ثم بين - سبحانه - ما حرم عليهم من غير ذوى الظفر فقال - تعالى - : { وَمِنَ البقر والغنم حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَآ إِلاَّ مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوِ الحوايآ أَوْ مَا اختلط بِعَظْمٍ } .

والشحم : هو المادة الدهنية التى تكون فى الحيوان وبها يكون لحمه سمينا والعرب تسمى سنام البعير ، وبياض البطن شحماً ، وغلب إطلاق الشحم على ما يكون فوق أمعاء الحيوان .

والحوايا : - كما قال ابن جرير - جمع حاوياء وحاوية ، وحوية هى ما تحوى من البطن فاجتمع واستدار ، وفسرت بالمباعر ، والمرابض التى هي مجتمع الأمعاء فى البطن .

والمعنى : كما حرمنا على اليهود كل ذى ظفر ، فقد حرمنا عليهم كذلك من البقر والغنم شحومهما الزائدة التى تنتزع بسهولة ، إلا ما استثنيناه من هذه الشحون وهو ما حملت ظهورهما او ما حملت حواياهما ، أو اختلط من هذه الشحوم بعظمهما . فقد أحللناه لهم .

ثم بين - سبحانه - أن هذا التحريم كان نتيجة لطغيانهم فقال تعالى : { ذلك جَزَيْنَاهُم بِبَغْيِهِمْ وِإِنَّا لَصَادِقُونَ } أى : هذا الذى حرمناه على الذين هادوا من الأنعام والطير ومن البقر والغنم ، وهذا التضييق الذى حكمنا به عليهم ، إنما ألزمناهم به ، بسبب بغيهم وظلمهم ، وتعديهم حدود الله تعالى .

قال قتادة : إنما حرم الله عليهم ما ليس بخبيث عقوبة لهم وتشديداً عليهم .

ولما كان هذا النبأ عن شريعة اليهود ، من الأنباء التى لم يكن النبى صلى الله عليه وسلم وقومه يعلمون عنها شيئاً لأميتهم ، وكان تكذيب اليهود له بأن الله لم يحرم ذلك عليهم عقوبة لهم ، لما كان الأمر كذلك ، أكد الله هذا النبأ بقوله : { وِإِنَّا لَصَادِقُونَ } . أى : وإنا لصادقون - يا محمد - فيما أخبرناك به ، ومن بينه ما أعلمناك عنه مما حرمناه على اليهود من الطيبات وهم الكاذبون فى زعمهم أن ذلك إنما حرمه إسرائيل على نفسه ، وأنهم إنما حرموه لتحريم إسرائيل إياه على نفسه .

ومع أن الشحوم جميعها باستثناء ما أحله لهم منها محرمة عليهم ، فإنهم تحايلوا على شرع الله ، وأخذوا يذيبونها ويستعملونها فى شئونهم المختلفة أو يبيعونها ويأكلون ثمنها ، ولقد لعنهم النبى صلى الله عليه وسلم بسبب هذا التحايل فى أحاديث متعددة .

من ذلك ما روى عن ابن عباس - رضى الله عنهما - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان قاعداً خلف المقام ، فرفع بصره إلى السماء وقال : " لعن الله اليهود - ثلاثا - إن الله حرم عليهم الشحوم فباعوها وأكلوا ثمنهان وإن الله لم يحرم على قوم أكل شىء إلا حرم عليهم ثمنه " .

وعن جابر بن عبد الله قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول عام الفتح " إن الله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام فقيل يا رسول الله أرأيت شحوم الميتة فإنها يدهن بها الجلود ، وتطلى بها السفن ويستصبح بها الناس ، فقال : " لا . هو حرام " ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك " قاتل الله اليهود " ، إن الله لما حرم عليهم شحومها جملوها . أى : أذابوها ثم باعوها وأكلوا ثمنها " .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَعَلَى ٱلَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمۡنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٖۖ وَمِنَ ٱلۡبَقَرِ وَٱلۡغَنَمِ حَرَّمۡنَا عَلَيۡهِمۡ شُحُومَهُمَآ إِلَّا مَا حَمَلَتۡ ظُهُورُهُمَآ أَوِ ٱلۡحَوَايَآ أَوۡ مَا ٱخۡتَلَطَ بِعَظۡمٖۚ ذَٰلِكَ جَزَيۡنَٰهُم بِبَغۡيِهِمۡۖ وَإِنَّا لَصَٰدِقُونَ} (146)

136

فأما اليهود فقد حرم الله عليهم كل ذي ظفر من الحيوان - أي كل حيوان قدمه غير مشقوقة ؛ وذلك كالإبل والنعام والأوز والبط . وحرم كذلك شحم البقر والغنم - إلا شحم الظهر ، أو الدهن الملتف بالأمعاء ، أو ما اختلط منه بالعظم . . وكان ذلك عقوبة لهم على بغيهم بتجاوز أوامر الله وشرائعه :

( وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر . ومن البقر والغنم حرمنا عليهم شحومهما - إلا ما حملت ظهورهما أو الحوايا أو ما اختلط بعظم - ذلك جزيناهم ببغيهم ، وإنا لصادقون ) والنص يبين سبب هذا التحريم ، وهو سبب خاص باليهود ، ويؤكد أن هذا هو الصدق ، لا ما يقولونه هم من أن إسرائيل ، وهو يعقوب جدهم ، هو الذي حرم هذا على نفسه فهم يتبعونه فيما حرم على نفسه . . لقد كان هذا مباحا حلالاً ليعقوب . ولكنه حرم عليهم بعد ما بغوا ، فجازاهم الله بهذا الحرمان من الطيبات .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَعَلَى ٱلَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمۡنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٖۖ وَمِنَ ٱلۡبَقَرِ وَٱلۡغَنَمِ حَرَّمۡنَا عَلَيۡهِمۡ شُحُومَهُمَآ إِلَّا مَا حَمَلَتۡ ظُهُورُهُمَآ أَوِ ٱلۡحَوَايَآ أَوۡ مَا ٱخۡتَلَطَ بِعَظۡمٖۚ ذَٰلِكَ جَزَيۡنَٰهُم بِبَغۡيِهِمۡۖ وَإِنَّا لَصَٰدِقُونَ} (146)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَعَلَى الّذِينَ هَادُواْ حَرّمْنَا كُلّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَآ إِلاّ مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوِ الْحَوَايَآ أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذَلِكَ جَزَيْنَاهُم بِبَغْيِهِمْ وِإِنّا لَصَادِقُونَ } .

يقول تعالى ذكره : وحرّمنا على اليهود كلّ ذي ظفر ، وهو من البهائم والطير ما لم يكن مشقوق الأصابع كالإبل والأنعام والأوز والبط .

وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني المثنى ، وعليّ بن داود ، قالا : حدثنا عبد الله بن صالح ، قال : ثني معاوية بن صالح ، عن عليّ بن أبي طلحة ، عن ابن عباس ، قوله : وَعلى الّذِينَ هادُوا حَرّمْنا كُلّ ذِي ظُفُرٍ وهو البعير والنعامة .

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : وَعلى الّذِينَ هادُوا حَرّمْنا كُلّ ذِي ظُفُرٍ قال : البعير والنعامة ونحو ذلك من الدوابّ .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا يحيى بن آدم ، عن شريك ، عن عطاء ، عن سعيد : وَعلى الّذِينَ هادُوا حَرّمْنا كُلّ ذِي ظُفُرٍ قال : هو ليس الذي بمنفرج الأصابع .

حدثني عليّ بن الحسين الأزديّ ، قال : حدثنا يحيى بن يمان ، عن شريك ، عن عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جبير ، في قوله : وَعلى الّذِينَ هادُوا حَرّمْنا كُلّ ذِي ظُفُرٍ قال : كل شيء متفرّق الأصابع ، ومنه الديك .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قال : كُلّ ذِي ظُفُرٍ : النعامة والبعير .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، مثله .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : وَعلى الّذِينَ هادُوا حَرّمْنا كُلّ ذِي ظُفُرٍ فكان يقال : البعير والنعامة وأشباهه من الطير والحيتان .

حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، قال : حدثنا معمر ، عن قتادة : كُلّ ذِي ظُفُرٍ قال : الإبل والنعام ، ظفر يد البعير ورجله ، والنعام أيضا كذلك ، وحرّم عليهم أيضا من الطير البط وشبهه ، وكلّ شيء ليس بمشقوق الأصابع .

حدثني محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن المفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ : أما كلّ ذي ظفر : فالإبل والنعام .

حدثني الحرث ، قال : حدثنا عبد العزيز ، قال : حدثنا شيخ ، عن مجاهد ، في قوله : وَعلى الّذِينَ هادُوا حَرّمْنا كُلّ ذِي ظُفُرٍ قل : النعامة والبعير شقّا شقّا ، قال : قلت : «ما شقّا شقّا ؟ » قال ، كل ما لم تفرّج قوائمه لم يأكله اليهود ، البعير والنعامة والدجاج والعصافير تأكلها اليهود لأنها قد فرجت .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد : كُلّ ذِي ظُفُرٍ قال : النعامة والبعير شقّا شقّا ، قلت للقاسم بن أبي بزة وحدثنيه : «ما شقّا شقّا ؟ » قال : كل شيء لم يفرج من قوائم البهائم ، قال : وما انفرج أكلته اليهود ، قال : انفرجت قوائم الدجاج والعصافير ، فيهود تأكلها . قال : ولم تنفرج قائمة البعير خفه ولا خفّ النعامة ولا قائمة الوزّين ، فلا تأكل اليهود الإبل ولا النعام ولا الوزين ولا كلّ شيء لم تنفرج قائمته ، وكذلك لا تأكل حمار وحش . وكان ابن زيد يقول في ذلك بما :

حدثني به يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : وَعلى الّذِينَ هادُوا حَرّمْنا كُلّ ذِي ظُفُرٍ الإبل فقط .

وأولى القولين في ذلك بالصواب ، القول الذي ذكرنا عن ابن عباس ومن قال بمثل مقالته لأن الله جلّ ثناؤه أخبر أنه حرّم على اليهود كلّ ذي ظُفُر ، فغير جائز إخراج شيء من عموم هذا الخبر إلا ما أجمع أهل العلم أنه خارج منه . وإذا كان ذلك كذلك ، وكان النعام وكلّ ما لم يكن من البهائم والطير مما له ظفر غير منفرج الأصابع داخلاً في ظاهر التنزيل ، وجب أن يحكم له بأنه داخل في الخبر ، إذ لم يأت بأن بعض ذلك غير داخل في الاَية خبر عن الله ولا عن رسوله ، وكانت الأمة أكثرها مجمع على أنه فيه داخل .

القول في تأويل قوله تعالى : وَمِنَ البَقَرِ وَالغَنمِ حَرّمْنا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُما إلاّ ما حَمَلَتْ ظُهُورُهُما .

اختلف أهل التأويل في الشحوم التي أخبر الله تعالى أنه حرّمها على اليهود من البقر والغنم ، فقال بعضهم : هي شحوم الثروب خاصة . ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : وَمِنَ البَقَرِ الغَنمِ حَرّمْنا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُما الثروب . ذكر لنا أن نبيّ الله صلى الله عليه وسلم كان يقول : «قاتل الله اليهود حَرّمَ اللّهُ عَلَيْهِمْ الثّرُوبَ ثُمّ أكَلُوا أثمَانَها » .

وقال آخرون : بل ذلك كان كلّ شحم لم يكن مختلطا بعظم ولا على عظم . ذكر من قال ذلك :

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، قال : قال ابن جريح ، قوله : حَرّمنْا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُما قال : إنما حرّم عليهم الثّرْب ، وكلّ شحم كَدْن كذلك ليس في عظم .

وقال آخرون : بل ذلك شحم الثّرْب والكُلى . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن مفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ ، قوله : حَرّمْنا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُما قال : الثرب وشحم الكليتين . وكانت اليهود تقول : إنما حرّمه إسرائيل فنحن نحرّمه .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : حَرّمْنا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُما قال : إنما حرّم عليهم الثروب والكليتين . هكذا هو في كتابي عن يونس ، وأنا أحسب أنه الكلى .

والصواب في ذلك من القول أن يقال : إن الله أخبر أنه كان حرّم على اليهود من البقر والغنم شحومهما إلا ما استثناه منها مما حملت ظهورهما أو الحوايا أو ما اختلط بعظم ، فكلّ شحم سوى ما استثناه الله في كتابه من البقر والغنم ، فإنه كان محرّما عليهم .

وبنحو ذلك من القول ، تظاهرت الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وذلك قوله : «قاتَلَ اللّهُ اليَهُودَ حُرّمَتْ عَلَيْهُمُ الشّحُومُ فجَمَلُوها ثُمّ باعُوها وأكَلُوا أثمَانها » .

وأما قوله : إلاّ ما حَمَلَتْ ظُهُورُهُما فإنه يعني : إلا شحوم الجنب وما علق بالظهر ، فإنها لم تحرّم عليهم .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني المثنى ، قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس : إلاّ ما حَمَلَتْ ظُهُورُهُما يعني : ما علق بالظهر من الشحوم .

حدثني محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن مفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ : أما ما حملت ظهورهما : فالأليات .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبو أسامة ، عن إسماعيل ، عن أبي صالح ، قال : الألية مما حملت ظهورهما .

القول في تأويل قوله تعالى : أوِ الحَوَايا .

قال أبو جعفر : والحوايا جمع ، واحدها حاوياء وحاوية وحَوِيّة : وهي ما تحوّى من البطن فاجتمع واستدار ، وهي بنات اللبن ، وهي المباعر ، وتسمى المرابض ، وفيها الأمعاء . ومعنى الكلام : ومن البقر والغنم حرّمنا عليهم شحومهما إلا ما حملت ظهورهما أو ما حملت الحوايا ، فالحوايا رفع عطفا على الظهور ، و«ما » التي بعد «إلاّ » ، نصب على الاستثناء من الشحوم .

وبمثل ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : أوِ الحَوَايا وهي المبعر .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قول الله : أوِ الحَوَايا قال : المبعر .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : الحوايا : المبعر والمَرْبض .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبو أسامة ، عن شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : أو الحَوَايا قال : المبعر .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا يحيى بن يمان ، عن سفيان ، عن عطاء ، عن سعيد بن جبير : أوِ الحَوَايا قال : المباعر .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا يحيى بن آدم ، عن شريك ، عن عطاء ، عن سعيد بن جبير : أوِ الحَوَايا قال : المباعر .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : أوِ الحَوَايا قال : المبعر .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : أوِ الحَوَايا قال : المبعر .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبو أسامة والمحاربي ، عن جويبر ، عن الضحاك ، قال : المبعر .

حُدثت عن الحسين بن الفرج ، قال : سمعت أبا معاذ ، قال : حدثنا عبيد بن سليمان ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : أوِ الحَوَايا يعني : البطون غير الثروب .

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : أوِ الحَوَايا هو المبعر .

حدثني محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن المفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ : أوِ الحَوَايا قال : المباعر . وقال ابن زيد في ذلك ، ما :

حدثني به يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : أوِ الحَوَايا قال : الحوايا : المرابض التي تكون فيها الأمعاء تكون وسطها ، وهي بنات اللبن ، وهي في كلام العرب تُدعى المرابض .

القول في تأويل قوله تعالى : أوْ ما اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ .

يقول تعالى ذكره : ومن البقر والغنم حرّمنا على الذين هادوا شحومهما سوى ما حملت ظهورهما ، أو ما حملت حواياهما ، فإنا أحللنا ذلك لهم ، وإلا ما اختلط بعظم فهو لهم أيضا حلال . فردّ قوله : أوْ ما اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ على قوله : إلاّ ما حَمَلَتْ ظُهُورُهُما ف«ما » التي في قوله : أوْ ما اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ في موضع نصب عطفا على «ما » التي في قوله : إلاّ ما حَمَلَتْ ظُهُورُهُما . وعنى بقوله : أوْ ما اخْتَلَطَ بِعَظْم شحم الألية والجنب وما أشبه ذلك . كما :

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج : أوْ ما اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ قال : شحم الألية بالعُصْعُص ، فهو حلال ، وكلّ شيء في القوائم والجنب والرأس والعين قد اختلط بعظم ، فهو حلال .

حدثني محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن المفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ : أوْ ما اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ مما كان من شحم على عظم .

القول في تأويل قوله تعالى : ذلكَ جَزَيْناهُمْ بِبَغْيهِمْ وَإنّا لَصَادِقُونَ .

يقول تعالى ذكره : فهذا الذي حرّمنا على الذين هادوا من الأنعام والطير ، ذوات الأظافير غير المنفرجة ، ومن البقر والغنم ، ما حرّمنا عليهم من شحومهما الذي ذكرنا في هذه الاَية ، حرّمناه عليهم عقوبة منا لهم ، وثوابا على أعمالهم السيئة وبغيهم على ربهم . كما :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : ذلكَ جَزَيْناهُمْ بِبَغْيِهِمْ وَإنّا لَصَادِقُونَ إنما حرّم ذلك عليهم عقوبة ببغيهم .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : ذلكَ جَزَيْناهُمْ بِبَغْيِهِمْ فعلنا ذلك بهم ببغيهم .

وقوله : وَإنّا لَصَادِقُونَ يقول : وإنا لصادقون في خبرنا هذا عن هؤلاء اليهود عما حرّمنا عليهم من الشحوم ولحوم الأنعام والطير التي ذكرنا أنا حرّمنا عليهم ، وفي غير ذلك من أخبارنا ، وهم الكاذبون في زعمهم أن ذلك إنما حرّمه إسرائيل على نفسه وأنهم إنما حرّموه لتحريم إسرائيل إياه على نفسه .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَعَلَى ٱلَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمۡنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٖۖ وَمِنَ ٱلۡبَقَرِ وَٱلۡغَنَمِ حَرَّمۡنَا عَلَيۡهِمۡ شُحُومَهُمَآ إِلَّا مَا حَمَلَتۡ ظُهُورُهُمَآ أَوِ ٱلۡحَوَايَآ أَوۡ مَا ٱخۡتَلَطَ بِعَظۡمٖۚ ذَٰلِكَ جَزَيۡنَٰهُم بِبَغۡيِهِمۡۖ وَإِنَّا لَصَٰدِقُونَ} (146)

{ وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر } كل ماله أصبع الإبل والسباع والطيور . وقيل كل ذي مخلب وحافر وسمي الحافر ظفرا مجازا ولعل المسبب عن الظلم تعميم التحريم . { ومن البقر والغنم حرمنا عليهم شحومهما } الثروب وشحوم الكلى والإضافة لزيادة الربط . { إلا ما حملت ظهورهما } إلا ما علقت بظهورهما . { أو الحوايا } أو ما اشتمل على الأمعاء جمع حاوية ، أو حاوياء كقاصعاء وقواصع ، أو حوية كسفينة وسفائن . وقيل هو عطف على شحومهما واو بمعنى الواو . { أو ما اختلط بعظم } هو شحم الإلية لاتصالها بالعصعص . { ذلك } التحريم أو الجزاء . { جزيناهم ببغيهم } بسبب ظلمهم . { وإنا لصادقون } في الإخبار أو الوعد والوعيد .