{ وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر ومن البقر والغنم حرمنا عليهم شحومهما إلا ما حملت ظهورهما أو الحوايا أو ما اختلط بعظم ذلك جزيناهم ببغيهم وإنا لصادقون 146 فإن كذبوك فقل ربكم ذو رحمة واسعة ولا يرد بأسه عن القوم المجرمين 147 } .
{ وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر } قدم الظفر على الفعل للدلالة على أن هذا التحريم مختص بهم لا يجاوزهم إلى غيرهم وهم اليهود ، ذكر الله ما حرمه عليهم عقب ذكر ما حرمه على المسلمين ، والظفر واحد الأظفار ، ويجمع أيضا على أظافير ، وزاد الفراء في جمع ظفر أظافر وأظافرة ، وذو الظفر ما له أصبع من دابة أو طائر ، ويدخل فيه الحافر والخف والمخلب ، فيتناول الإبل والبقر والغنم والنعام والأوز والبط ، وكل ما له مخلب من الطير وحافر من الدواب ، وتسمية الحافر والخف ظفرا مجاز .
والأولى حمل الظفر على ما يصدق عليه اسم الظفر في لغة العرب لأن هذا التعميم يأباه ما سيأتي من قوله : { ومن البقر والغنم } فإن كان في لغة العرب بحيث يقال على البقر والغنم كان ذكرهما من بعد تخصيصا آخر ، حرم الله ذلك عليهم عقوبة لهم على ما وقعوا فيه من الظلم كما قال تعالى : { فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم } .
عن ابن عباس قال : هو الذي ليس بمنفرج الأصابع من البهائم والطير يعني مشقوقها كالبعير والنعامة ونحو ذلك من الدواب ، وقال مجاهد : هو كل شيء لم ينفرج قوائمه من البهائم ، وما انفرج أكلته اليهود ، قال انفرجت قوائم الدجاج والعصافير فيهود تأكله ، ولم ينفرج خف البعير ولا النعامة ولا قائمة الوزينة فلا تأكلها اليهود ولا تأكل حمار الوحش ، وفي الظفر لغات خمس ذكرها أعلاها بضم الظاء والفاء وهي قراءة العامة .
{ ومن البقر والغنم حرمنا عليهم شحومهما } لا غير هذا المذكورات كلحمها والشحوم يدخل فيها الثواب وشحم الكلية وقيل الثروب جمع ثرب وهو الشحم الرقيق الذي يكون على الكرش والأمعاء كما في القاموس ، والمراد بها هنا ما على الكرش فقط كما فسر به القرطبي ، ولا يراد ما على الأمعاء وتفسيره بما على الأمعاء نظرا لمعناها اللغوي .
{ إلا ما حملت ظهورهما } أي ما علق بالظهر والجنب من داخل بطونهما من الشحم ، استثنى الله سبحانه من الشحوم هذا الشحم فإنه لم يحرمه عليهم ، وقال السدي وأبو صالح : الإلية مما حملت ظهورهما وهذا مختص بالغنم لأن البقر ليس لها إلية .
{ أو } حملت { الحوايا } أي الأمعاء وهي المباعر التي يجتمع فيها البعر ، فما حملته هذه من الشحوم غير حرام عليهم ، وبه قال جمهور المفسرين وهو قول ابن عباس ، وواحدها حاوية مثل ضاربة وضوارب وقيل : واحدهما حوياء ، مثل قاصعاء وقيل حوية كسفينة وسفائن ، قال الفارسي : يصح أن يكون جمعا لكل من الثلاثة ، وقال أبو عبيدة : الحوايا ما تحوي من البطن أي استدار وهي محتوية أي مستديرة وقيل الحوايا خزائن اللبن وهي تتصل بالمباعر وقيل الأمعاء التي عليها الشحوم .
{ أو ما اختلط بعظم } فإنه غير محرم ، قال الكسائي والفراء وثعلب معطوف على ما في { ما حرمت } وقيل على الشحوم ولا وجه لهذا التكليف ولا موجب له ، لأنه يكون المعنى أن الله حرم عليهم إحدى هذه المذكرات ، والمراد بما اختلط ما لصق بالعظام من الشحوم في جميع مواضع الحيوان من الجنب والرأس والعين ، ومنه الإلية فإنها لاصقة بعجب الذنب .
عن ابن عباس قال : ما اختلط من شحم الإلية بالعصعص فهو حلال ، وكل شحم القوائم والجنب والرأس والعين والأذن يقولون قد اختلط ذلك بعضم فهو حلال لهم ، إنما حرم عليهم الثرب وشحم الكلية .
{ ذلك } التحريم المدلول عليه بحرمنا ، وقيل الإشارة إلى الجزاء المدلول عليه بقوله { جزيناهم } وهو تحريم ما حرمه الله عليهم { ببغيهم } أي بسبب بغيهم وظلمهم كما سبق في سورة النساء من قوله { فبما نقضهم ميثاقهم وكفرهم بآيات الله } إلى أن قال { فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات } فكانوا كلما ارتكبوا معصية من هذه المعاصي عوقبوا بتحريم شيء مما أحلهم ، وهم ينكرون ذلك ويدعون أنها لم تزل محرمة على الأمم قبلهم .
{ وإنا لصادقون } في كل ما نخبر به ، ومن جملة ذلك هذا الخبر وهو موجود عندهم في التوراة ونصها حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير ، وكل دابة ليست مشقوقة الحافر وكل حوت ليس فيه شقاشق أي بياض انتهى .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.