السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{وَعَلَى ٱلَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمۡنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٖۖ وَمِنَ ٱلۡبَقَرِ وَٱلۡغَنَمِ حَرَّمۡنَا عَلَيۡهِمۡ شُحُومَهُمَآ إِلَّا مَا حَمَلَتۡ ظُهُورُهُمَآ أَوِ ٱلۡحَوَايَآ أَوۡ مَا ٱخۡتَلَطَ بِعَظۡمٖۚ ذَٰلِكَ جَزَيۡنَٰهُم بِبَغۡيِهِمۡۖ وَإِنَّا لَصَٰدِقُونَ} (146)

{ وعلى الذين هادوا } أي : اليهود واليهود علم على قوم موسى عليه الصلاة والسلام وسموا به اشتقاقاً من هادوا أي : مالوا إما عن عبادة العجل وإما عن دين موسى عليه السلام أو من هاد إذا رجع من خير إلى شر أو من شر إلى خير لكثرة انتقالهم عن مذاهبهم وقيل : لأنهم يتهوّدون أي : يتحرّكون عند قراءة التوراة وقيل : معرب من يهوذا بن يعقوب بالذال المعجمة ثم نسب إليه فقيل : يهودي ثم حذف الياء في الجمع فقيل : يهود { حرّمنا } أي : بسبب ظلمهم عليهم { كل ذي ظفر } أي : ما هو كالإصبع للآدمي من دابة أو طير وكان بعض ذوات الظفر حلالاً لهم فلما ظلموا حرّم عليهم فعم التحريم كل ذي ظفر بدليل قوله تعالى : { فبظلم من الذين هادوا حرّمنا عليهم طيبات أحلت لهم } ( النساء ، 160 ) .

{ ومن البقر والغنم } أي : التي هي ذوات الأظلاف { حرّمنا عليهم شحومهما } أي : الصنفين والمراد شحم الجوف وهو الثروب قال الجوهري : هو شحم قد غشي الكرش والأمعاء رقيق ثم استثنى من الشحوم ما ذكره بقوله : { إلا ما حملت ظهورهما } أي : إلا ما علق بالظهر والجنب من داخل بطونهما { أو الحوايا } أي : ما حملته الحوايا وهي الأمعاء التي هي متعاطفة ملوية جمع حوية فوزنها فعائل كسفينة وسفائن ، وقيل : جمع حاوية أو حاوياء كقاصعاء فهو فواعل { أو ما اختلط } أي : من الشحوم { بعظم } مثل شحم الإلية فإن ذلك لا يحرم عليهم .

روي أنه صلى الله عليه وسلم قال عام الفتح وهو بمكة : ( إن الله ورسوله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام ) فقيل : يا رسول الله أرأيت شحوم الميتة فإنها تطلى بها السفن ويدهن بها الجلود ويستصبح بها الناس فقال : «لا هو حرام » أي : بيعها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك : ( قاتل الله اليهود إن الله تعالى لما حرم عليهم شحومهما أجملوه أي : أذابوه ثم باعوه وأكلوا ثمنه ) { ذلك } أي : التحريم العظيم وهو تحريم الطيبات { جزيناهم } به { ببغيهم } أي : بسبب مجاوزتهم الحدود { وإنا لصادقون } أي : في الإخبار عما حرمنا عليهم وعن بغيهم .