معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{فَأَوۡحَيۡنَآ إِلَيۡهِ أَنِ ٱصۡنَعِ ٱلۡفُلۡكَ بِأَعۡيُنِنَا وَوَحۡيِنَا فَإِذَا جَآءَ أَمۡرُنَا وَفَارَ ٱلتَّنُّورُ فَٱسۡلُكۡ فِيهَا مِن كُلّٖ زَوۡجَيۡنِ ٱثۡنَيۡنِ وَأَهۡلَكَ إِلَّا مَن سَبَقَ عَلَيۡهِ ٱلۡقَوۡلُ مِنۡهُمۡۖ وَلَا تُخَٰطِبۡنِي فِي ٱلَّذِينَ ظَلَمُوٓاْ إِنَّهُم مُّغۡرَقُونَ} (27)

قوله تعالى : { فأوحينا إليه أن اصنع الفلك بأعيننا ووحينا فإذا جاء أمرنا وفار التنور فاسلك فيها } أدخل فيها ، يقال سلكته في كذا وأسلكته فيه ، { من كل زوجين اثنين وأهلك إلا من سبق عليه القول منهم } أي من سبق عليه الحكم بالهلاك .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{فَأَوۡحَيۡنَآ إِلَيۡهِ أَنِ ٱصۡنَعِ ٱلۡفُلۡكَ بِأَعۡيُنِنَا وَوَحۡيِنَا فَإِذَا جَآءَ أَمۡرُنَا وَفَارَ ٱلتَّنُّورُ فَٱسۡلُكۡ فِيهَا مِن كُلّٖ زَوۡجَيۡنِ ٱثۡنَيۡنِ وَأَهۡلَكَ إِلَّا مَن سَبَقَ عَلَيۡهِ ٱلۡقَوۡلُ مِنۡهُمۡۖ وَلَا تُخَٰطِبۡنِي فِي ٱلَّذِينَ ظَلَمُوٓاْ إِنَّهُم مُّغۡرَقُونَ} (27)

{ فَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ } عند استجابتنا له ، سببا ووسيلة للنجاة ، قبل وقوع أسبابه ، { أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ } أي : السفينة { بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا } أي : بأمرنا لك ومعونتنا ، وأنت في حفظنا وكلاءتنا بحيث نراك ونسمعك .

{ فَإِذَا جَاءَ أَمْرُنَا } بإرسال الطوفان الذي عذبوا به { وَفَارَ التَّنُّورُ } أي : فارت الأرض ، وتفجرت عيونا ، حتى محل النار ، الذي لم تجر العادة إلا ببعده عن الماء ، { فَاسْلُكْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ } أي : أدخل في الفلك من كل جنس من الحيوانات ، ذكرا وأنثى ، تبقى مادة النسل لسائر الحيوانات ، التي اقتضت الحكمة الربانية إيجادها في الأرض ، { وَأَهْلَكَ } أي : أدخلهم { إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ } كابنه ، { وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا } أي : لا تدعني أن أنجيهم ، فإن القضاء والقدر ، قد حتم أنهم مغرقون .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{فَأَوۡحَيۡنَآ إِلَيۡهِ أَنِ ٱصۡنَعِ ٱلۡفُلۡكَ بِأَعۡيُنِنَا وَوَحۡيِنَا فَإِذَا جَآءَ أَمۡرُنَا وَفَارَ ٱلتَّنُّورُ فَٱسۡلُكۡ فِيهَا مِن كُلّٖ زَوۡجَيۡنِ ٱثۡنَيۡنِ وَأَهۡلَكَ إِلَّا مَن سَبَقَ عَلَيۡهِ ٱلۡقَوۡلُ مِنۡهُمۡۖ وَلَا تُخَٰطِبۡنِي فِي ٱلَّذِينَ ظَلَمُوٓاْ إِنَّهُم مُّغۡرَقُونَ} (27)

وقد أجاب الله - تعالى - دعاء عبده نوح فقال : { فَأَوْحَيْنَآ إِلَيْهِ } أى : فأوحينا إليه فى أعقاب دعائه وتضرعه .

{ أَنِ اصنع الفلك بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا } أى : أوحينا إليه أن ابتدىء يا نوح فى صنع السفينة وأنت تحت رعايتنا وحفظنا ، وسنرسل إليك وحينا ليرشدك إلى ما أنت فى حاجة إليه من إتقان صنع السفينة ، ومن غير ذلك من شئون .

وفى التعبير بقوله - سبحانه - { أَنِ اصنع } إشارة إلى أن نوحاً - عليه السلام - قد باشر بنفسه صنع السفينة التى هى وسيلة النجاة له وللؤمنين معه .

وقى قوله - تعالى - : { بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا } إشارة إلى أن نوحاً بجانب مباشرته للصنع بنفسه ، كان مزوداً من الله - تعالى - بالعناية والرعاية وبحسن التوجيه والإرشاد عن طريق الوحى الأمين .

وذلك لأن سنة الله - تعالى - قد اقتضت أن لا يضيع عمل عباده المخلصين ، الذين يبذلون أقصى جهدهم فى الوصول إلى غاياتهم الشريفة .

والباء فى قوله { بِأَعْيُنِنَا } للملابسة ، والجار والمجرور فى موضع الحال من ضمير " اصنع " .

والفاء فى قوله - سبحانه - { فَإِذَا جَآءَ أَمْرُنَا } لترتيب مضمون ما بعدها على إتمام صنع السفينة .

والمراد بالأمر هنا : العذاب الذى أعده الله - تعالى - لهؤلاء الظالمين من قوم نوح - عليه السلام - . ويشهد لذلك قوله - سبحانه - فى آية أخرى : { لاَ عَاصِمَ اليوم مِنْ أَمْرِ } أى : من عذابه { إِلاَّ مَن رَّحِمَ } والمراد بمجىء هذا الأمر : اقتراب وقته ، ودنو ساعته ، وظهور علاماته وقوله - تعالى : { وَفَارَ التنور } بيان وتفسير لمجىء هذا الأمر ، وحلول وقت إهلاكهم .

وقوله : { فَارَ } من الفوران : بمعنى شدة الغليان للماء وغيره . يقال للماء فار إذا اشتد غليانه . ويقال للنار فارت إذا عظم هيجانها . ومنه قوله - تعالى - { إِذَآ أُلْقُواْ فِيهَا سَمِعُواْ لَهَا شَهِيقاً وَهِيَ تَفُورُ } وللمفسرين فى المراد بلفظ { التنور } أقوال منها : أن المراد به الشىء الذى يخبز فيه الخبز ، وهو ما يسمى بالموقد أو الفرن .

ومنها أن المراد به وجه الأرض . أو موضع اجتماع الماء فى السفينة ، أو طلوع الفجر . . . وقد رجح الإمام ابن جرير القول الأول فقال : وألوى الأقوال بالصواب قول من قال : وهو التنور الذى يخبر فيه ، لأن هذا هو المعروف من كلام العرب . . .

ويبدو أن فوران التنور كان علامة لنوح على أن موعد إهلاك الكافرين من قومه قد اقترب .

أى : فإذا اقترب موعد إهلاك قومك الظالمين يا نوح ، ومن علامة ذلك أن ينبع الماء من التنور ويفوز فوراناً شديداً { فاسلك فِيهَا } فأدخل فى السفينة { مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثنين } ولفظ { زَوْجَيْنِ } تثنية زوج . والمراد به هنا : الذكر والأنثى من كل نوع .

وقراءة الجمهور : { مِن كُلِّ زَوْجَيْنِ اثنين } بدون تنوين للفظ كل ، وبإضافته إلى زوجين . .

وقرأ حفص { مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثنين } بتنوين كل ، وهو تنوين عوض عن مضاف إليه . والتقدير : فأدخل فى السفينة من كل نوع من أنواع المخلوقات التى أنت فى حاجة إليها ذكراً وأنثى ، ويكون لفظ { زَوْجَيْنِ } مفعولاً لقوله { فاسلك } ولفظ اثنين : صفة له .

والمراد بأهله فى قوله - تعالى - { وَأَهْلَكَ } : أهل بيته كزوجته وأولاده المؤمنين ، ويدخل فيهم كل من آمن به - عليه السلام - سواء أكان من ذوى قرابته أم من غيرهم ، بدليل قوله - تعالى - فى سورة هود : { قُلْنَا احمل فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثنين وَأَهْلَكَ إِلاَّ مَن سَبَقَ عَلَيْهِ القول وَمَنْ آمَنَ وَمَآ آمَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ } وجملة : { إِلاَّ مَن سَبَقَ عَلَيْهِ القول مِنْهُمْ } استثناء من الأهل . والمراد بمن سبق عليه القول منهم : من بقى على كفره ولم يؤمن برسالة نوح - عليه السلام - كزوجته وابنه كنعان .

أى : أدخل فى السفينة ذكراص وأنثى من أنواع المخلوقات ، وأدخل فيها - أيضاً - المؤمنين من أهلك ومن غيرهم ، إلا الذين سبق منا القول بهلاكهم بسبب إصرارهم على الكفر . فلا تدخلهم فى السفينة ، بل اتركهم خارجها ليغرقوا مع المغرقين .

قال الآلوسى : وجىء بعلى فى قوله : { إِلاَّ مَن سَبَقَ عَلَيْهِ القول مِنْهُمْ } لكون السابق ضارا ، كما جىء باللام فى قوله : { إِنَّ الذين سَبَقَتْ لَهُمْ مِّنَّا الحسنى } لكون السابق نافعاً .

وقوله - تعالى - : { وَلاَ تُخَاطِبْنِي فِي الذين ظلموا إِنَّهُمْ مُّغْرَقُونَ } نهى منه - سبحانه - لنوح - عليه السلام - عن الشفاعة لهؤلاء الكافرين ، أو عن طلب تأخير العذاب المهلك لهم .

أى : اترك يا نوح هؤلاء الظالمين ، ولا تكملنى فى شأنهم ، كأن تطلب الشفاعة لهم أو تأخير العذاب عنهم ، فإنهم مقضى عليهم بالإغراق لا محالة . ولا مبدل لحكمى أو إرادتى .

ويبدو - والله أعلم - أن هذه الجملة الكريمة ، كانت نهيا من الله - تعالى - لنوح عن الشفاعة فى ابنه الذى غرق مع المغرقين ، والذى حكى القرآن فى سورة هود أن نوحاً قد قال فى شأنه :

{ رَبِّ إِنَّ ابني مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الحق وَأَنتَ أَحْكَمُ الحاكمين }

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{فَأَوۡحَيۡنَآ إِلَيۡهِ أَنِ ٱصۡنَعِ ٱلۡفُلۡكَ بِأَعۡيُنِنَا وَوَحۡيِنَا فَإِذَا جَآءَ أَمۡرُنَا وَفَارَ ٱلتَّنُّورُ فَٱسۡلُكۡ فِيهَا مِن كُلّٖ زَوۡجَيۡنِ ٱثۡنَيۡنِ وَأَهۡلَكَ إِلَّا مَن سَبَقَ عَلَيۡهِ ٱلۡقَوۡلُ مِنۡهُمۡۖ وَلَا تُخَٰطِبۡنِي فِي ٱلَّذِينَ ظَلَمُوٓاْ إِنَّهُم مُّغۡرَقُونَ} (27)

23

( فأوحينا إليه أن اصنع الفلك بأعيننا ووحينا ، فإذا جاء أمرنا وفار التنور فاسلك فيها من كل زوجين اثنين ، وأهلك - إلا من سبق عليه القول منهم - ولا تخاطبني في الذين ظلموا . إنهم مغرقون ) . .

وهكذا مضت سنة الله في تطهير الطريق من العقبات المتحجرة لتمضي الحياة في طريقها المرسوم . ولما كانت البشرية قد أسنت على عهد نوح ، وجمدت كالشجرة الناشئة تعوقها الآفة عن النمو فتيبس وتعجز وهي رقيقة العود . . كان العلاج هو الطوفان ، الذي يجتب كل شيء ، ويجرف كل شيء . ويغسل التربة ، لتعاد بذرة الحياة السليمة من جديد ، فتنشأ على نظافة ، فتمد وتكبر حتى حين :

( فأوحينا إليه أن اصنع الفلك بأعيننا ووحينا ) . . والفلك وسيلة للنجاة من الطوفان ، ولحفظ بذور الحياة السليمة كيما يعاد بذرها من جديد . وقد شاء الله أن يصنع نوح الفلك بيده ، لأنه لا بد للإنسان من الأخذ بالأسباب والوسائل ، وبذل آخر ما في طوقه ، ليستحق المدد من ربه . فالمدد لا يأتي للقاعدين المستريحين المسترخين ، الذين ينتظرون ولا يزيدون شيئا على الانتظار ! ونوح قدر الله له أن يكون أبا البشر الثاني ؛ فدفع به إلى الأخذ بالأسباب ؛ مع رعاية الله له ، وتعليمه صناعة الفلك ، ليتم أمر الله ، وتتحقق مشيئته عن هذا الطريق .

وجعل الله له علامة للبدء بعملية التطهير الشاملة لوجه الأرض المؤوف : ( فإذا جاء أمرنا وفار التنور ) ، وانبجس منه الماء ، فتلك هي العلامة ليسارع نوح ، فيحمل في السفينة بذور الحياة : ( فاسلك فيها من كل زوجين اثنين ) . . من أنواع الحيوان و الطيور والنبات المعروفة لنوح في ذلك الزمان ، الميسرة كذلك لبني الإنسان ( وأهلك إلا من سبق عليه القول منهم )وهم الذين كفروا وكذبوا ، فاستحقوا كلمة الله السابقة ، وسنته النافذة ، وهي الهلاك للمكذبين بآيات الله .

وصدر الأمر الأخير لنوح ألا يجادل في أمر أحد ، ولا يحاول إنقاذ أحد - ولو كان أقرب الأقربين إليه - ممن سبق عليهم القول .

( ولا تخاطبني في الذين ظلموا إنهم مغرقون ) .

فسنة الله لا تحابي ، ولا تنحرف عن طريقها الواحد المستقيم ، من أجل خاطر ولي ولا قريب !