التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور  
{فَأَوۡحَيۡنَآ إِلَيۡهِ أَنِ ٱصۡنَعِ ٱلۡفُلۡكَ بِأَعۡيُنِنَا وَوَحۡيِنَا فَإِذَا جَآءَ أَمۡرُنَا وَفَارَ ٱلتَّنُّورُ فَٱسۡلُكۡ فِيهَا مِن كُلّٖ زَوۡجَيۡنِ ٱثۡنَيۡنِ وَأَهۡلَكَ إِلَّا مَن سَبَقَ عَلَيۡهِ ٱلۡقَوۡلُ مِنۡهُمۡۖ وَلَا تُخَٰطِبۡنِي فِي ٱلَّذِينَ ظَلَمُوٓاْ إِنَّهُم مُّغۡرَقُونَ} (27)

جملة { أن اصنع } جملة مفسره لِجملة { أوحينا } لأن فعل { أوحينا } فيه معنى القول دون حروفه ، وتقدم نظير جملة { واصنع الفلك بأعيننا ووحينا } في سورة هود ( 37 ) .

وفرع على الأمر بصنع الفلك تفصيل ما يفعله عند الحاجة إلى استعمال الفلك فوُقِّت له استعماله بوقت الاضطرار إلى إنجاء المؤمنين والحيوان .

وتقدم الكلام على معنى { فار التنور } ومعنى { زوجين اثنين وأهلك إلا من سبق عليه القول } في سورة هود ( 40 ) .

والزوج : اسم لكل شيء له شيء آخر متصل به بحيث يجعله شَفعا في حالة مَّا . وتقدم في سورة هود .

وإنما عبر هنالِك بقوله : { قلنا احمل فيها } [ هود : 40 ] وهنَا بقوله : { فاسلُك فيها } لأن آية سورة هود حكت ما خاطبه الله به عند حدوث الطوفان وذلك وقت ضيق فأُمرّ بأن يحمل في السفينة من أراد الله إبقاءهم ، فأسند الحمل إلى نوح تمثيلاً للإسراع بإركاب ما عُيِّن له في السفينة حتَّى كأنّ حاله في إدخاله إيَّاهم حالُ من يحمل شيئاً ليضعه في موضع ، وآية هذه السورة حكت ما خاطبه الله به من قبل حدوث الطوفان إنباء بما يفعله عند حدوث الطوفان فأمَره بأنه حينئذ يدخل في السفينة من عَيَّن الله إدخالهم ، مع ما في ذلك من التفنن في حكاية القصة .

ومعنى { اسلك } أدخِل ، وفعل ( سلك ) يكون قاصراً بمعنى دخل ومتعدياً بمعنى أدخل ومنه قوله تعالى : { ما سَلَكَكُم في سَقَر } [ المدثر : 42 ] . وقول الأعشى :

كما سلَك السَّكِّيَّ في الباب فَيْتَقُ

وتقدم الكلام على مثل قوله : { ولا تخاطبني في الذين ظلموا إنهم مغرقون } في سورة هود ( 37 ) .

وقرأ الجمهور { من كل زوجين } بإضافة { كل } إلى { زوجين } . وقرأه حفص بالتنوين { كلَ } على أن يكون { زوجين } مفعولَ { فاسلك } ، وتنوين { كل } تنوين عوض يُشعرُ بمحذوف أضيف إليه { كل } . وتقديره : من كل ما أمرتك أن تحمله في السفينة .