فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{فَأَوۡحَيۡنَآ إِلَيۡهِ أَنِ ٱصۡنَعِ ٱلۡفُلۡكَ بِأَعۡيُنِنَا وَوَحۡيِنَا فَإِذَا جَآءَ أَمۡرُنَا وَفَارَ ٱلتَّنُّورُ فَٱسۡلُكۡ فِيهَا مِن كُلّٖ زَوۡجَيۡنِ ٱثۡنَيۡنِ وَأَهۡلَكَ إِلَّا مَن سَبَقَ عَلَيۡهِ ٱلۡقَوۡلُ مِنۡهُمۡۖ وَلَا تُخَٰطِبۡنِي فِي ٱلَّذِينَ ظَلَمُوٓاْ إِنَّهُم مُّغۡرَقُونَ} (27)

{ فَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ } أي أرسلنا إليه رسولا من السماء { أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ } أن مفسرة لما في الوحي من معنى القول ، فلا حاجة إلى جعلها مصدرية ، والفلك السفينة { بِأَعْيُنِنَا } أي بمرأى منا أو متلبسا بحفظنا وكلاءتنا ، وقيل بعلمنا لئلا يتعرض له أحد ولا يفسد عليه عمله ، فالأولى أولى ، وجمع الأعين للمبالغة ، وإن كانت العادة أن الرائي له عينان فقط ، وقد تقدم معنى هذا في هود .

{ وَوَحْيِنَا } أي بأمرنا لك وتعليمنا إياك لكيفية صنعها ، قيل وقد صنعها في عامين وجعل طولها ثلاثمائة ذراع ، وعرضها خمسين ، وارتفاعها ثلاثين ، وجعلها ثلاث طبقات السفلي للسباع والهوام ، والوسطى للدواب والأنعام ، والعليا للإنس كما مر { فَإِذَا جَاء أَمْرُنَا } الفاء لترتيب مضمون ما بعدها على ما قبلها من صنع الفلك ، والمراد بالأمر الأمر بالعذاب { وَفَارَ التَّنُّورُ } أي أن مجيء الأمر هو فور التنور ، أي تنور آدم الذي تخبز فيه حواء الصائر إلى نوح وكان من حجارة وقيل التنور وجه الأرض ، واختلف في مكانه ، فقيل في مسجد الكوفة ، وقيل بالشام وقيل بالهند ، والمعنى إذا وقع ذلك .

{ فَاسْلُكْ } أي فادخل { فِيهَا } يقال سلك في كذا أي دخله ، وأسلكته أدخلته . وقال ابن عباس اجعل معك في السفينة { مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ } قرئ كل بالتنوين وبالإضافة ، ومعنى الأولى منكل أمة زوجين ، ومعنى الثانية من كل زوجين وهما أمة الذكر والأنثى اثنين ، أي من غير البشر ، وإلا فإنه أدخل فيها من البشر سبعين أو ثمانين فأدخل من هذا النوع زيادة على اثنين .

{ وَأَهْلَكَ } أي واسلك فيها أهلك ، أي زوجتك وأولادك { إِلَّا مَن سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ } أي الوعد الأزلي بإهلاكه منهم كابنه كنعان وأمه { وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا } بالدعاء لهم بإنجائهم { إِنَّهُم مُّغْرَقُونَ } تعليل للنهي عن المخاطبة أي إنهم مقضي عليهم بالإغراق لظلمهم ، ومن كان هكذا فهو لا يستحق الدعاء له