مدارك التنزيل وحقائق التأويل للنسفي - النسفي  
{فَأَوۡحَيۡنَآ إِلَيۡهِ أَنِ ٱصۡنَعِ ٱلۡفُلۡكَ بِأَعۡيُنِنَا وَوَحۡيِنَا فَإِذَا جَآءَ أَمۡرُنَا وَفَارَ ٱلتَّنُّورُ فَٱسۡلُكۡ فِيهَا مِن كُلّٖ زَوۡجَيۡنِ ٱثۡنَيۡنِ وَأَهۡلَكَ إِلَّا مَن سَبَقَ عَلَيۡهِ ٱلۡقَوۡلُ مِنۡهُمۡۖ وَلَا تُخَٰطِبۡنِي فِي ٱلَّذِينَ ظَلَمُوٓاْ إِنَّهُم مُّغۡرَقُونَ} (27)

{ فَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ } أي أجبنا دعاءه فأوحينا إليه { أَنِ اصنع الفلك بِأَعْيُنِنَا } أي تصنعه وأنت واثق بحفظ الله لك ورؤيته إياك ، أو بحفظنا وكلاءتنا كأن معك من الله حفاظاً يكلئونك بعيونهم لئلا يتعرض لك ولا يفسد عليك مفسد عملك ومنه قولهم «عليه من الله عين كالئة » . { وَوَحْيِنَا } أمرنا وتعليمنا إياك صنعتها . رُوي أنه أوحي إليه أن يصنعها على مثال جؤجؤ الطائر .

{ فَإِذَا جَاء أَمْرُنَا } أي عذابنا بأمرنا { وَفَارَ التنور } أي فار الماء من تنور الخبز أي أخرج سبب الغرق من موضع الحرق ليكون أبلغ في الإنذار والاعتبار . روي أنه قيل لنوح : إذا رأيت الماء يفور من التنور فاركب أنت ومن معك في السفينة ، فلما نبع الماء من التنور أخبرته امرأته فركب وكان تنور آدم فصار إلى نوح وكان من حجارة . واختلف في مكانه فقيل : في مسجد الكوفة . وقيل : بالشام . وقيل : بالهند . { فاسلك فِيهَا } فأدخل في السفينة { مِن كُلّ زَوْجَيْنِ } من كلّ أمتي زوجين وهما أمة الذكر وأمة الأنثى كالجمال والنوق والحصن والرماك { اثنين } واحدين مزدوجين كالجمل والناقة والحصان والرمكة . روي أنه لم يحمل إلا ما يلد ويبيض من كل حفص والمفضل أي من كل أمة زوجين اثنين و { اثنين } تأكيد وزيادة بيان { وَأَهْلَكَ } ونساءك وأولادك { إِلاَّ مَن سَبَقَ عَلَيْهِ القول } من الله بإهلاكه وهو ابنه وإحدى زوجتيه فجيء ب «على » مع سبق الضار كما جيء باللام مع سبق النافع في قوله { وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا المرسلين } [ الصافات : 171 ] ونحوها { لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكتسبت } { مِنْهُمْ وَلاَ تُخَاطِبْنِى فِى الذين ظَلَمُواْ إِنَّهُمْ مُّغْرَقُونَ } ولا تسألني نجاة الذين كفروا فإني أغرقهم .