فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{فَأَوۡحَيۡنَآ إِلَيۡهِ أَنِ ٱصۡنَعِ ٱلۡفُلۡكَ بِأَعۡيُنِنَا وَوَحۡيِنَا فَإِذَا جَآءَ أَمۡرُنَا وَفَارَ ٱلتَّنُّورُ فَٱسۡلُكۡ فِيهَا مِن كُلّٖ زَوۡجَيۡنِ ٱثۡنَيۡنِ وَأَهۡلَكَ إِلَّا مَن سَبَقَ عَلَيۡهِ ٱلۡقَوۡلُ مِنۡهُمۡۖ وَلَا تُخَٰطِبۡنِي فِي ٱلَّذِينَ ظَلَمُوٓاْ إِنَّهُم مُّغۡرَقُونَ} (27)

{ فَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ } عند ذلك أي أرسلنا إليه رسولاً من السماء { أَنِ اصنع الفلك } وأن هي مفسرة لما في الوحي من معنى القول { بِأَعْيُنِنَا } أي متلبساً بحفظنا وكلاءتنا ، وقد تقدّم بيان هذا في هود . ومعنى { وَوَحْيِنَا } : أمرنا لك وتعليمنا إياك لكيفية صنعها ، والفاء في قوله : { فَإِذَا جَاء أَمْرُنَا } لترتيب ما بعدها على ما قبلها من صنع الفلك ، والمراد بالأمر : العذاب { وَفَارَ التنور } معطوف على الجملة التي قبله عطف النسق ؛ وقيل : عطف البيان ، أي إن مجيء الأمر هو فور التنور ، أي تنور آدم الصائر إلى نوح ، أي إذا وقع ذلك { فاسلك فِيهَا مِن كُلّ زَوْجَيْنِ اثنين } أي ادخل فيها ، يقال : سلكه في كذا أدخله وأسلكته أدخلته . قرأ حفص : { من كلّ } بالتنوين ، وقرأ الباقون بالإضافة ، ومعنى القراءة الأولى : من كلّ أمة زوجين ، ومعنى الثانية : من كل زوجين ، وهما أمة الذكر والأنثى اثنين ، وانتصاب { أَهْلَكَ } بفعل معطوف على { فاسلك } لا بالعطف على زوجين ، أو على { اثنين } على القراءتين لأدائه إلى اختلاف المعنى ، أي واسلك أهلك { إِلاَّ مَن سَبَقَ عَلَيْهِ القول مِنْهُمْ } أي القول بإهلاكهم منهم { وَلاَ تخاطبني فِي الذين ظَلَمُواْ } بالدعاء لهم بإنجائهم ، وجملة : { إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ } تعليل للنهي عن المخاطبة أي إنهم مقضي عليهم بالإغراق لظلمهم ، ومن كان هكذا فهو لا يستحق الدعاء له .

/خ41