محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{فَأَوۡحَيۡنَآ إِلَيۡهِ أَنِ ٱصۡنَعِ ٱلۡفُلۡكَ بِأَعۡيُنِنَا وَوَحۡيِنَا فَإِذَا جَآءَ أَمۡرُنَا وَفَارَ ٱلتَّنُّورُ فَٱسۡلُكۡ فِيهَا مِن كُلّٖ زَوۡجَيۡنِ ٱثۡنَيۡنِ وَأَهۡلَكَ إِلَّا مَن سَبَقَ عَلَيۡهِ ٱلۡقَوۡلُ مِنۡهُمۡۖ وَلَا تُخَٰطِبۡنِي فِي ٱلَّذِينَ ظَلَمُوٓاْ إِنَّهُم مُّغۡرَقُونَ} (27)

فَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا } أي ملتبسا بحفظنا وكلاءتنا ، لا تلحقها آفة ولا يعترضها نقص . عبر بكثرة آلة الحس التي بها يحفظ الشيء ، ويراعى من الاختلال والزيغ ، عن المبالغة في الحفظ والرعاية ، على طريق التمثيل ، وقيل : المعنى بمرأى منا ومشهد في حفظنا وكلاءتنا . بناء على أن المراد بالعين البصر ، وانه يسمى بالبصر عينا لأجل أنه مما يتعلق به ويقوم به من باب تسمية الشيء باسم محله . وباسم ما هو قائم به .

قال الإمام ابن فورك في ( متشابه الحديث ) - بعد حكاية نحو ما تقدم- : وقد اختلف أصحابنا فيما يثبت لله عز وجل من الوصف له بالعين . فمنهم من قال : إن المراد به البصر والرؤية . ومنهم من قال : إن طريق إثباتها صفة لله تعالى بالسمع . وسبيل القول فيها كسبيل القول في اليد والوجه . انتهى .

ومذهب السلف ؛ أن الصفات يحتذى فيها حذو الذات . فكما أنها منزهة عن التشبيه والتمثيل والتكييف ، فكذلك الصفات إثباتها منزه عن ذلك وعن التحريف والتأويل . وقوله تعالى { وَوَحْيِنَا } أي أمرنا وتعليمنا كيف تصنع { فَإِذَا جَاءَ أَمْرُنَا } أي عذابنا { وَفَارَ التَّنُّورُ } كناية عن الشدة . كقولهم ( حمي الوطيس ) . و{ التنور } كانون الخبز حقيقة . وأطلقه بعضهم على وجه الأرض ومنبع الماء ، للآية مجازاً { فَاسْلُكْ فِيهَا } أي فادخل في الفلك { مِنْ كُلٍّ } أي من كل أمة { زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ مِنْهُمْ وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا } أي في الدعاء لهم بالنجاة عند مشاهدة هلاكهم { إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ } أي في بحر الهلاك ، كما غرقوا في بحر الضلال وظلمهم أنفسهم ، بعد أن أملى لهم الدهر المتطاول