معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَيَدۡعُ ٱلۡإِنسَٰنُ بِٱلشَّرِّ دُعَآءَهُۥ بِٱلۡخَيۡرِۖ وَكَانَ ٱلۡإِنسَٰنُ عَجُولٗا} (11)

وقوله تعالى : { ويدع الإنسان } ، حذف الواو لفظاً لاستقبال اللام الساكنة كقوله : { سندع الزبانية } [ العلق – 18 ] ، وحذف في الخط أيضاً وهي غير محذوفة في المعنى . ومعناه : ويدعو الإنسان على ماله وولده ونفسه ، { بالشر } ، فيقول عند الغضب : اللهم العنه وأهلكه ونحوهما ، { دعاءه بالخير } ، أي : كدعائه ربه بالخير أن يهب له النعمة والعافية ولو استجاب الله دعاءه على نفسه لهلك ، ولكن الله لا يستجيب بفضله { وكان الإنسان عجولاً } بالدعاء على ما يكره أن يستجاب له فيه . قال جماعة من أهل التفسير ، وقال ابن عباس : ضجراً ، لا صبر له على السراء والضراء .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَيَدۡعُ ٱلۡإِنسَٰنُ بِٱلشَّرِّ دُعَآءَهُۥ بِٱلۡخَيۡرِۖ وَكَانَ ٱلۡإِنسَٰنُ عَجُولٗا} (11)

{ 11 } { وَيَدْعُ الْإِنْسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الْإِنْسَانُ عَجُولًا }

وهذا من جهل الإنسان وعجلته حيث يدعو على نفسه وأولاده وماله بالشر عند الغضب ويبادر بذلك الدعاء كما يبادر بالدعاء في الخير ، ولكن الله -بلطفه{[469]}  - يستجيب له في الخير ولا يستجيب له بالشر . { وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ }


[469]:- في ب: من لطفه.
 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَيَدۡعُ ٱلۡإِنسَٰنُ بِٱلشَّرِّ دُعَآءَهُۥ بِٱلۡخَيۡرِۖ وَكَانَ ٱلۡإِنسَٰنُ عَجُولٗا} (11)

والمراد بالإِنسان هنا : الجنس وليس واحدا معينا .

قال الآلوسى : وقوله : { دعاءه بالخير } أى : دعاء كدعائه بالخير ، فحذف الموصوف وحرف التشبيه وانتصب المجرور على المصدرية .

والمعنى : ويدعو الإِنسان حال غضبه وضجره ، على نفسه ، أو على غيره ، { بالشر } كأن يقول : " اللهم أهلكنى ، أو أهلك فلانا . . " .

{ دعاءه بالخير } أى : يدعو بالشر على نفسه أو على غيره ، كدعائه بالخير ، كأن يقول : اللهم اغفر لى ولوالدى وللمؤمنين .

قال ابن كثير : يخبر - تعالى - عن عجلة الإِنسان ، ودعائه فى بعض الأحيان على نفسه أو ولده ، أو ماله ، { بالشر } أى : بالموت أو الهلاك والدمار واللعنة ونحو ذلك ، فلو استجاب له ربه لهلك بدعائه ، كما قال - تعالى - : .

{ وَلَوْ يُعَجِّلُ الله لِلنَّاسِ الشر استعجالهم بالخير لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ . . } وفى الحديث : " لا تدعوا على أنفسكم ولا على أموالكم ، أن توافقوا من الله ساعة إجابة يستجيب فيها " .

وقيل المراد بالإِنسان هنا : الكافر ، أو الفاسق الذى يدعو الله - تعالى - بالشر ، كأن يسأله بأن ييسر له أمرا محرما كالقتل والسرقة والزنا وما يشبه ذلك .

وقد أشار القرطبى إلى هذا الوجه بقوله : " وقيل نزلت فى النضر بن الحارث ، كان يدعو ويقول - كما حكى القرآن عنه - : { اللهم إِن كَانَ هذا هُوَ الحق مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ السمآء أَوِ ائتنا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } وقيل : هو أن يدعو فى طلب المحظور ، كما يدعو فى طلب المباح . كما فى قول الشاعر :

أطوف بالبيت فيمن يطوف . . . وأرفع من مئزرى المُسْبَلِ

واسجل بالليل حتى الصباح . . . وأتلوا من المحكمِ المنزلِ

عسى فارج الهم عن يوسفٍ . . . يُسخر لى ربة المَحْمَلِ

ويبدو لنا أن الرأى الأول أقرب إلى الصواب ، لأنه المأثور عن بعض الصحابة والتابعين وهم أدرى بتفسير كتاب الله من غيرهم .

قال ابن جرير - رحمه الله - عند تفسيره لهذه الآية : عن ابن عباس قال فى قوله - تعالى - : { وَيَدْعُ الإنسان بالشر دُعَآءَهُ بالخير . . } يعنى قول الإِنسان اللهم العنه واغضب عليه ، فلو يعجل له الله ذلك كما يعجل له الخير لهلك . . .

وقال قتادة : يدعو على ماله فيلعن ماله ، ويدعو على ولده ، ولو استجاب الله له لأهلكه .

وقال مجاهد : ذلك دعاء الإِنسان بالشر على ولده وعلى امرأته ولا يحب أن يجاب .

وقوله - تعالى - : { وَكَانَ الإنسان عَجُولاً } بيان للسبب الذى حمل الإِنسان على أن يدعو بالشر كما يدعو بالخير .

والعجول من العجل - بفتح العين والجيم - وهو الإِسراع فى طلب الشئ قبل وقته .

يقال : عجل - بزنة تعب - يعجل فهو عجلان ، إذا أسرع .

أى : وكان الإِنسان متسرعا فى طلب كل ما يقع فى قلبه ، ويخطر بباله ، لا يتأنى فيه تأنى المتبصر ، ولا يتأمل تأمل المتدبر .

وشبيه بهذه الجملة قوله - تعالى - : { خُلِقَ الإنسان مِنْ عَجَلٍ سَأُوْرِيكُمْ آيَاتِي فَلاَ تَسْتَعْجِلُونِ }

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَيَدۡعُ ٱلۡإِنسَٰنُ بِٱلشَّرِّ دُعَآءَهُۥ بِٱلۡخَيۡرِۖ وَكَانَ ٱلۡإِنسَٰنُ عَجُولٗا} (11)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَيَدْعُ الإِنْسَانُ بِالشّرّ دُعَآءَهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الإِنْسَانُ عَجُولاً } .

يقول تعالى ذكره مذكرا عباده أياديه عندهم ، ويدعو الإنسان على نفسه وولده وماله بالشرّ ، فيقول : اللهمّ أهلكه والعنه عند ضجره وغضبه ، كدعائه بالخير : يقول : كدعائه ربه بأن يهب له العافية ، ويرزقه السلامة في نفسه وماله وولده ، يقول : فلو استجيب له في دعائه على نفسه وماله وولده بالشرّ كما يستجاب له في الخير هلك ، ولكن الله بفضله لا يستجيب له في ذلك . وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : وَيَدْعُ الإنْسانُ بالشّرّ دعاءَه بالخَيْرِ وكانَ الإنْسان عَجُولاً يعني قول الإنسان : اللهمّ العنه واغضب عليه ، فلو يُعَجل له ذلك كما يُعجِل له الخير ، لهلك ، قال : ويقال : هو وإذَا مَسّ الإنْسَانَ الضّرّ دَعَانَا لِجَنِبِهْ أوْ قَاعِدا أَوْ قائِما أن يكشف ما به من ضرّ ، يقول تبارك وتعالى : لو أنه ذكرني وأطاعني ، واتبع أمري عند الخير ، كما يدعوني عند البلاء ، كان خيرا له .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : وَيَدْع الإنْسَانُ بالشّرّ دعاءَهُ بالخَيْرِ وكانَ الإنْسَانُ عَجُولاً يدعو على ماله ، فيلعن ماله وولده ، ولو استجاب الله له لأهلكه .

حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ويَدْعُ الإنْسانُ بالشّرّ دُعاءَهُ بالخَيْرِ قال : يدعو على نفسه بما لو استجيب له هلك ، وعلى خادمه ، أو على ماله .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد وَيَدْعُ الإنْسانُ بالشّرّ دُعاءَهُ بالخَيْرِ وكانَ الإنْسانُ عَجولاً قال : ذلك دعاء الإنسان بالشرّ على ولده وعلى امرأته ، فيعجل : فيدعو عليه ، ولا يحب أن يصيبه .

واختلف في تأويل قوله : وكانَ الإنْسانُ عَجُولاً فقال مجاهد ومن ذكرت قوله : معناه : وكان الإنسان عَجولاً ، بالدعاء على ما يكره ، أن يُستجاب له فيه .

وقال آخرون : عنى بذلك آدم أنه عجل حين نفخ فيه الروح قبل أن تجري في جميع جسده ، فرام النهوض ، فوصف ولده بالاستعجال ، لما كان من استعجال أبيهم آدم القيام ، قبل أن يتمّ خلقه . ذكر من قال ذلك :

حدثنا محمد بن المثنى ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شُعبة ، عن الحكم ، عن إبراهيم ، أن سلمان الفارسيّ ، قال : أوّل ما خلق الله من آدم رأسه ، فجعل ينظر وهو يُخلق ، قال : وبقيت رجلاه فلما كان بعد العصر قال : يا ربّ عَجّل قبل الليل ، فذلك قوله : وكانَ الإنْسانُ عَجُولاً .

حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا عثمان بن سعيد ، قال : حدثنا بشر بن عمارة ، عن أبي رَوْق ، عن الضحاك عن ابن عباس ، قال : لما نفخ الله في آدم من روحه أتت النفخة من قبَل رأسه ، فجعل لا يجرى شيء منها في جسده ، إلا صار لحما ودما فلما انتهت النفخة إلى سرّته ، نظر إلى جسده ، فأعجبه ما رأى من جسده فذهب لينهض فلم يقدر ، فهو قول الله تبارك وتعالى : وكانَ الإنْسانُ عَجُولاً قال : ضَجِرا لا صبر له على سرّاء ، ولا ضرّاء .