وقوله تعالى : { ويدع الإنسان } ، حذف الواو لفظاً لاستقبال اللام الساكنة كقوله : { سندع الزبانية } [ العلق – 18 ] ، وحذف في الخط أيضاً وهي غير محذوفة في المعنى . ومعناه : ويدعو الإنسان على ماله وولده ونفسه ، { بالشر } ، فيقول عند الغضب : اللهم العنه وأهلكه ونحوهما ، { دعاءه بالخير } ، أي : كدعائه ربه بالخير أن يهب له النعمة والعافية ولو استجاب الله دعاءه على نفسه لهلك ، ولكن الله لا يستجيب بفضله { وكان الإنسان عجولاً } بالدعاء على ما يكره أن يستجاب له فيه . قال جماعة من أهل التفسير ، وقال ابن عباس : ضجراً ، لا صبر له على السراء والضراء .
{ 11 } { وَيَدْعُ الْإِنْسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الْإِنْسَانُ عَجُولًا }
وهذا من جهل الإنسان وعجلته حيث يدعو على نفسه وأولاده وماله بالشر عند الغضب ويبادر بذلك الدعاء كما يبادر بالدعاء في الخير ، ولكن الله -بلطفه{[469]} - يستجيب له في الخير ولا يستجيب له بالشر . { وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ }
والمراد بالإِنسان هنا : الجنس وليس واحدا معينا .
قال الآلوسى : وقوله : { دعاءه بالخير } أى : دعاء كدعائه بالخير ، فحذف الموصوف وحرف التشبيه وانتصب المجرور على المصدرية .
والمعنى : ويدعو الإِنسان حال غضبه وضجره ، على نفسه ، أو على غيره ، { بالشر } كأن يقول : " اللهم أهلكنى ، أو أهلك فلانا . . " .
{ دعاءه بالخير } أى : يدعو بالشر على نفسه أو على غيره ، كدعائه بالخير ، كأن يقول : اللهم اغفر لى ولوالدى وللمؤمنين .
قال ابن كثير : يخبر - تعالى - عن عجلة الإِنسان ، ودعائه فى بعض الأحيان على نفسه أو ولده ، أو ماله ، { بالشر } أى : بالموت أو الهلاك والدمار واللعنة ونحو ذلك ، فلو استجاب له ربه لهلك بدعائه ، كما قال - تعالى - : .
{ وَلَوْ يُعَجِّلُ الله لِلنَّاسِ الشر استعجالهم بالخير لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ . . } وفى الحديث : " لا تدعوا على أنفسكم ولا على أموالكم ، أن توافقوا من الله ساعة إجابة يستجيب فيها " .
وقيل المراد بالإِنسان هنا : الكافر ، أو الفاسق الذى يدعو الله - تعالى - بالشر ، كأن يسأله بأن ييسر له أمرا محرما كالقتل والسرقة والزنا وما يشبه ذلك .
وقد أشار القرطبى إلى هذا الوجه بقوله : " وقيل نزلت فى النضر بن الحارث ، كان يدعو ويقول - كما حكى القرآن عنه - : { اللهم إِن كَانَ هذا هُوَ الحق مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ السمآء أَوِ ائتنا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } وقيل : هو أن يدعو فى طلب المحظور ، كما يدعو فى طلب المباح . كما فى قول الشاعر :
أطوف بالبيت فيمن يطوف . . . وأرفع من مئزرى المُسْبَلِ
واسجل بالليل حتى الصباح . . . وأتلوا من المحكمِ المنزلِ
عسى فارج الهم عن يوسفٍ . . . يُسخر لى ربة المَحْمَلِ
ويبدو لنا أن الرأى الأول أقرب إلى الصواب ، لأنه المأثور عن بعض الصحابة والتابعين وهم أدرى بتفسير كتاب الله من غيرهم .
قال ابن جرير - رحمه الله - عند تفسيره لهذه الآية : عن ابن عباس قال فى قوله - تعالى - : { وَيَدْعُ الإنسان بالشر دُعَآءَهُ بالخير . . } يعنى قول الإِنسان اللهم العنه واغضب عليه ، فلو يعجل له الله ذلك كما يعجل له الخير لهلك . . .
وقال قتادة : يدعو على ماله فيلعن ماله ، ويدعو على ولده ، ولو استجاب الله له لأهلكه .
وقال مجاهد : ذلك دعاء الإِنسان بالشر على ولده وعلى امرأته ولا يحب أن يجاب .
وقوله - تعالى - : { وَكَانَ الإنسان عَجُولاً } بيان للسبب الذى حمل الإِنسان على أن يدعو بالشر كما يدعو بالخير .
والعجول من العجل - بفتح العين والجيم - وهو الإِسراع فى طلب الشئ قبل وقته .
يقال : عجل - بزنة تعب - يعجل فهو عجلان ، إذا أسرع .
أى : وكان الإِنسان متسرعا فى طلب كل ما يقع فى قلبه ، ويخطر بباله ، لا يتأنى فيه تأنى المتبصر ، ولا يتأمل تأمل المتدبر .
وشبيه بهذه الجملة قوله - تعالى - : { خُلِقَ الإنسان مِنْ عَجَلٍ سَأُوْرِيكُمْ آيَاتِي فَلاَ تَسْتَعْجِلُونِ }
القول في تأويل قوله تعالى : { وَيَدْعُ الإِنْسَانُ بِالشّرّ دُعَآءَهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الإِنْسَانُ عَجُولاً } .
يقول تعالى ذكره مذكرا عباده أياديه عندهم ، ويدعو الإنسان على نفسه وولده وماله بالشرّ ، فيقول : اللهمّ أهلكه والعنه عند ضجره وغضبه ، كدعائه بالخير : يقول : كدعائه ربه بأن يهب له العافية ، ويرزقه السلامة في نفسه وماله وولده ، يقول : فلو استجيب له في دعائه على نفسه وماله وولده بالشرّ كما يستجاب له في الخير هلك ، ولكن الله بفضله لا يستجيب له في ذلك . وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : وَيَدْعُ الإنْسانُ بالشّرّ دعاءَه بالخَيْرِ وكانَ الإنْسان عَجُولاً يعني قول الإنسان : اللهمّ العنه واغضب عليه ، فلو يُعَجل له ذلك كما يُعجِل له الخير ، لهلك ، قال : ويقال : هو وإذَا مَسّ الإنْسَانَ الضّرّ دَعَانَا لِجَنِبِهْ أوْ قَاعِدا أَوْ قائِما أن يكشف ما به من ضرّ ، يقول تبارك وتعالى : لو أنه ذكرني وأطاعني ، واتبع أمري عند الخير ، كما يدعوني عند البلاء ، كان خيرا له .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : وَيَدْع الإنْسَانُ بالشّرّ دعاءَهُ بالخَيْرِ وكانَ الإنْسَانُ عَجُولاً يدعو على ماله ، فيلعن ماله وولده ، ولو استجاب الله له لأهلكه .
حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ويَدْعُ الإنْسانُ بالشّرّ دُعاءَهُ بالخَيْرِ قال : يدعو على نفسه بما لو استجيب له هلك ، وعلى خادمه ، أو على ماله .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد وَيَدْعُ الإنْسانُ بالشّرّ دُعاءَهُ بالخَيْرِ وكانَ الإنْسانُ عَجولاً قال : ذلك دعاء الإنسان بالشرّ على ولده وعلى امرأته ، فيعجل : فيدعو عليه ، ولا يحب أن يصيبه .
واختلف في تأويل قوله : وكانَ الإنْسانُ عَجُولاً فقال مجاهد ومن ذكرت قوله : معناه : وكان الإنسان عَجولاً ، بالدعاء على ما يكره ، أن يُستجاب له فيه .
وقال آخرون : عنى بذلك آدم أنه عجل حين نفخ فيه الروح قبل أن تجري في جميع جسده ، فرام النهوض ، فوصف ولده بالاستعجال ، لما كان من استعجال أبيهم آدم القيام ، قبل أن يتمّ خلقه . ذكر من قال ذلك :
حدثنا محمد بن المثنى ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شُعبة ، عن الحكم ، عن إبراهيم ، أن سلمان الفارسيّ ، قال : أوّل ما خلق الله من آدم رأسه ، فجعل ينظر وهو يُخلق ، قال : وبقيت رجلاه فلما كان بعد العصر قال : يا ربّ عَجّل قبل الليل ، فذلك قوله : وكانَ الإنْسانُ عَجُولاً .
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا عثمان بن سعيد ، قال : حدثنا بشر بن عمارة ، عن أبي رَوْق ، عن الضحاك عن ابن عباس ، قال : لما نفخ الله في آدم من روحه أتت النفخة من قبَل رأسه ، فجعل لا يجرى شيء منها في جسده ، إلا صار لحما ودما فلما انتهت النفخة إلى سرّته ، نظر إلى جسده ، فأعجبه ما رأى من جسده فذهب لينهض فلم يقدر ، فهو قول الله تبارك وتعالى : وكانَ الإنْسانُ عَجُولاً قال : ضَجِرا لا صبر له على سرّاء ، ولا ضرّاء .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.