فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَيَدۡعُ ٱلۡإِنسَٰنُ بِٱلشَّرِّ دُعَآءَهُۥ بِٱلۡخَيۡرِۖ وَكَانَ ٱلۡإِنسَٰنُ عَجُولٗا} (11)

{ وَيَدْعُ الإِنسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الإِنسَانُ عَجُولاً ( 11 ) }

{ وَيَدْعُ } القياس أن تثبت واو يدع لأنه مرفوع ، إلا انه لما وجب سقوطها لفظا لاجتماع الساكنين سقطت في الخط أيضا على خلاف القياس ، ونظيره سندع الزبانية .

{ الإِنسَانُ بِالشَّرِّ } المراد بالإنسان الجنس لوقوع هذا الدعاء من بعض أفراده ، وهو دعاء الرجل على نفسه وماله وولده وعند الضجر بما لا يحب أن يستجاب له نحو اللهم أهلكه اللهم العنه ونحو ذلك .

{ دُعَاءهُ بِالْخَيْرِ } أي مثل دعائه لربه بالخير لنفسه ولأهله ، كطلب العافية والرزق ونحوهما ، فلو استجاب الله دعاؤه على نفسه بالشر لهلك ، لكنه لم يستجب تفضلا منه ورحمة .

ومثل ذلك { ولو يجعل الله للناس الشر استعجالهم بالخير } وقد تقدم في سورة يونس أنه يستجاب له بالخير ولا يستجاب له في الشر فراجعه ، وقيل المراد بالإنسان القائل هذه المقالة هو الكافر يدعو لنفسه بالشر وهو استعجال العذاب دعاءه بالخير كقوله : { اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم } .

وقال ابن عباس : قوله اللهم العنه واغضب عليه ، وقيل هو أن يدعو في طلب المحظور كدعائه في طلب المباح .

{ وَكَانَ الإِنسَانُ عَجُولاً } أي مطبوعا على العجلة يسارع إلى كل ما يخطر بباله لا ينظر إلى عاقبته ، ومن عجلته أنه يسأل البشر كما يسأل الخير وقال ابن عباس : ضجرا لا صبرا له على سراء ولا ضراء ، والمراد بالإنسان الجنس لأن أحدا من الناس لا يعرى عن عجلة ، ولو تركها لكان تركها أصلح في الدين والدنيا .

وقيل أشار به إلى آدم عليه السلام حين نهض قبل أن يكمل فيه الروح ، فعن سلمان الفارسي قال : أول ما خلق الله من آدم رأسه فجعل ينظر وهو يخلق وبقيت رجلاه ، فلما كان بعد العصر قال يا رب أعجل قبل الليل ، فذلك قوله : { وَكَانَ الإِنسَانُ عَجُولاً } والمناسب للسياق هو الأول .