معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَإِذِ ٱعۡتَزَلۡتُمُوهُمۡ وَمَا يَعۡبُدُونَ إِلَّا ٱللَّهَ فَأۡوُۥٓاْ إِلَى ٱلۡكَهۡفِ يَنشُرۡ لَكُمۡ رَبُّكُم مِّن رَّحۡمَتِهِۦ وَيُهَيِّئۡ لَكُم مِّنۡ أَمۡرِكُم مِّرۡفَقٗا} (16)

ثم قال بعضهم لبعض : { وإذ اعتزلتموهم } يعني قومهم { وما يعبدون إلا الله } ، قرأ ابن مسعود وما تعبدون من دون الله وأما القراءة المعروفة فمعناها : أنهم كانوا يعبدون الله ويعبدون معه الأوثان ، يقولون : وإذ اعتزلتموهم وجميع ما يعبدون إلا الله فإنكم لم تعتزلوا عبادته { فأووا إلى الكهف } فالجأوا إليه { ينشر لكم } يبسط لكم { ربكم من رحمته ويهيئ لكم } يسهل لكم { من أمركم مرفقاً } أي : ما يعود إليه يسركم ورفقكم . قرأ أبو جعفر و نافع و ابن عامر مرفقاً بفتح الميم وكسر الفاء ، وقرأ الآخرون بكسر الميم وفتح الفاء ، ومعناهما واحد ، وهو ما يرتفق به الإنسان .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَإِذِ ٱعۡتَزَلۡتُمُوهُمۡ وَمَا يَعۡبُدُونَ إِلَّا ٱللَّهَ فَأۡوُۥٓاْ إِلَى ٱلۡكَهۡفِ يَنشُرۡ لَكُمۡ رَبُّكُم مِّن رَّحۡمَتِهِۦ وَيُهَيِّئۡ لَكُم مِّنۡ أَمۡرِكُم مِّرۡفَقٗا} (16)

القول في تأويل قوله تعالى { وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إَلاّ اللّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبّكُم مّن رّحْمَتِهِ وَيُهَيّىءْ لَكُمْ مّنْ أَمْرِكُمْ مّرْفَقاً } .

يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل بعض الفتية لبعض : وإذا اعتزلتم أيها الفتية قومكم الذين اتخذوا من دون الله آلهة وَما يَعْبُدُونَ إلاّ اللّهَ يقول : وإذا اعتزلتم قومكم الذين يعبدون من الاَلهة سوى الله ، ف «ما » إذ كان ذلك معناه في موضع نصب عطفا لها على الهاء ، والميم التي في قوله وإذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ . وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله وَإذَ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَما يَعْبُدُونَ إلاّ اللّهَ وهي في مصحف عبد الله : «وَما يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ » هذا تفسيرها .

وأما قوله : فَأْوُوا إلى الكَهْفِ فإنه يعني به : فصيروا إلى غار الجبل الذي يسمّى بنجلوس ، يَنْشُرْ لَكُمْ رَبّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ يقول : يبسط لكم ربكم من رحمته بتيسيره لكم المخرج من الأمر الذي قد رُمِيتم به من الكافر دقينوس وطلبه إياكم لعرضكم على الفتنة .

وقوله : فَأْوُوا إلى الكَهْفِ جواب لإذ ، كأن معنى الكلام : وإذ اعتزلتم أيها القوم قومكم ، فأْوُوا إلى الكهف كما يقال : إذ أذنبت فاستغفر الله وتب إليه .

وقوله : ويُهَيّىءْ لَكُمْ مِنْ أمْرِكُمْ مِرْفَقا يقول : وييسر لكم من أمركم الذي أنتم فيه من الغمّ والكرب خوفا منكم على أنفسكم ودينكم مرفقا ، ويعني بالمرفق : ما ترتفقون به من شيءْ . وفي المرفق من اليد وغير اليد لغتان : كسر الميم وفتح الفاء ، وفتح الميم وكسر الفاء . وكان الكسائي يُنكر في مِرْفَق الإنسان الذي في اليد إلا فتح الفاء وكسر الميم . وكان الفرّاء يحكي فيهما ، أعني في مرفق الأمر واليد اللغتين كلتيهما ، وكان ينشد في ذلك قول الشاعر :

*** بتّ أُجافِي مِرْفَقا عَنْ مِرْفَقِي ***

ويقول : كسر الميم فيه أجود .

وكان بعض نحويّي أهل البصرة يقول في قوله : مِنْ أمْرِكُمْ مِرْفَقا شيئا ترتفقون به مثل المقطع ، ومرفقا جعله اسما كالمسجد ، ويكون لغة ، يقولون : رفق يَرْفُق مَرْفقا ، وإن شئت مَرْفقا تريد رفقا ولم يُقْرأ .

وقد اختلفت القرّاء في قراءة ذلك . فقرأته عامّة قرّاء أهل المدينة : «ويُهَيّىءْ لَكُمْ مِنْ أمْرِكُمْ مَرْفِقا » بفتح الميم وكسر الفاء ، وقرأته عامّة قرّاء العراق في المصرين مِرْفَقا بكسر الميم وفتح الفاء .

والصواب من

القول في ذلك أن يقال : إنهما قراءتان بمعنى واحد ، قد قرأ بكلّ واحدة منهما قرّاء من أهل القرآن ، فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب . غير أن الأمر وإن كان كذلك ، فإن الذي أختار في قراءة ذلك : ويُهَيّىءءْ لَكُمْ أمْرِكُمْ مِرْفَقا بكسر الميم وفتح الفاء ، لأن ذلك أفصح اللغتين وأشهرهما في العرب ، وكذلك ذلك في كلّ ما ارتُفق به من شيء .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَإِذِ ٱعۡتَزَلۡتُمُوهُمۡ وَمَا يَعۡبُدُونَ إِلَّا ٱللَّهَ فَأۡوُۥٓاْ إِلَى ٱلۡكَهۡفِ يَنشُرۡ لَكُمۡ رَبُّكُم مِّن رَّحۡمَتِهِۦ وَيُهَيِّئۡ لَكُم مِّنۡ أَمۡرِكُم مِّرۡفَقٗا} (16)

وقولهم { وإذ اعتزلتموهم } الآية أن القيام في قوله { إذ قاموا } عزماً كما تضمن التأويل الواحد وكان القول منهم فيما بينهم فهذه المقالة يصح أن تكون من قولهم الذي قالوه عند قيامهم ، وإن كان القيام المذكور مقامهم بين يدي الملك فهذه المقالة لا يترتب أن تكون من مقالهم بين يدي الملك ، بل يكون في الكلام حذف تقديره وقال بعضهم لبعض ، وبهذا يترجح أن قوله تعالى : { إذ قاموا فقالوا } إنما المراد به إذ عزموا ونفذوا لأمرهم ، وقوله { إلا الله } إن فرضنا الكفار الذين فر أهل الكهف منهم لا يعرفون الله ولا علم لهم به ، وإنما يعتقدون الألوهية في أصنامهم فقط ، فهو استثناء منقطع ليس من الأول ، وإن فرضناهم يعرفون الله ويعظمونه كما كانت تفعل العرب لكنهم يشركون أصنامهم معه في العبادة فالاستثناء متصل ، لأن الاعتزال وقع في كل ما يعبد الكفار إلا في جهة الله تعالى ، وفي مصحف ابن مسعود «وما يعبدون من دون الله » ، قال قتادة هذا تفسيرها ، قال هارون وفي بعض مصاحفه «وما يعبدون من دوننا » ، فعلى ما قال قتادة تكون { إلا } بمنزلة غير ، و { ما } من قوله { وما يعبدون } في موضع نصب عطفاً على الضمير في قوله { اعتزلتموهم } ، ومضمن هذه الآية أن بعضهم قال لبعض إذ فارقنا الكفار وانفردنا بالله تعالى فلنجعل الكهف مأوى ونتكل على الله تعالى فإنه سيبسط لنا رحمته وينشرها علينا ويهيىء لنا من أمرنا { مرفقاً } ، وهذا كله دعاء بحسب الدنيا ، وعلى ثقة من الله كانوا في أمر آخرتهم ، وقرأ نافع وابن عامر «مَرفِقاً » بفتح الميم وكسر الفاء ، وهو مصدر كالرفق فيما حكى أبو زيد ، وهي قراءة أبي جعفر والأعرج وشيبة ، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم وحمزة والكسائي والحسن وطلحة والأعمش وابن أبي إسحاق «مِرفَقاً » بكسر الميم وفتح الفاء ، ويقالان جميعاً في الأمر وفي الجارحة ، حكاه الزجاج ، وذكر مكي عن الفراء أنه قال : لا أعرف في الأمر وفي اليد وفي كل شيء إلا كسر الميم ، وأنكر الكسائي أن يكون «المرفق » من الجارحة إلا بفتح الميم وكسر الفاء ، وخالفه أبو حاتم ، وقال «المَرفق » بفتح الميم الموضع كالمسجد وهما بعد لغتان .