فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَإِذِ ٱعۡتَزَلۡتُمُوهُمۡ وَمَا يَعۡبُدُونَ إِلَّا ٱللَّهَ فَأۡوُۥٓاْ إِلَى ٱلۡكَهۡفِ يَنشُرۡ لَكُمۡ رَبُّكُم مِّن رَّحۡمَتِهِۦ وَيُهَيِّئۡ لَكُم مِّنۡ أَمۡرِكُم مِّرۡفَقٗا} (16)

{ وإذا اعتزلتموهم } أي فارقتموهم في الاعتقاد أو أردتم الاعتزال الجسماني وتنحيتم عنهم جانبا أي عن العابدين للأصنام .

{ وما يعبدون إلا الله } عطف على الضمير المنصوب وما موصولة أو مصدرية أي إذا اعتزلتموهم ومعبوديهم إلا الله أو وعبادتهم إلا عبادة الله ، وعلى التقديرين فالاستثناء استثناء منقطع على تقدير أنهم لم يعبدوا إلا الأصنام أو متصل على تقدير أنهم شركوهم في العبادة مع الله سبحانه .

وقيل هو كلام معترض إخبار من الله سبحانه عن الفتية أنهم لم يعبدوا غير الله فيكون ما على هذا نافية { فأووا } أي الجئوا وصيروا { إلى الكهف } واجعلوه مأواكم . قال الفراء : هو جواب إذ ومعناه اذهبوا إليه واجعلوه مأواكم ، وقيل هو دليل على جوابه ، أي إذا اعتزلتموهم اعتزالا اعتقاديا فاعتزلوهم اعتزالا جسمانيا أو إذا أردتم اعتزالهم فافعلوا ذلك بالالتجاء إلى الكهف .

{ ينشر } أي يبسط ويوسع { لكم ربكم } مالك أمركم { من رحمته } في الدارين { ويهيئ } أي يسهل وييسر { لكم من أمركم } الذي أنتم بصدده من الفرار بالدين { مرفقا } بكسر الميم وفتحها لغتان قرئ بهما مأخوذ من الارتفاق وهو الانتفاع وقيل فتح الميم أقيس كسرها أغلب ، وأكثر العرب على كسر الميم من الأمر ومن مرفق الإنسان ، وقد تفتح العرب الميم فيهما فهما لغتان .

وكأن الذين فتحوا أرادوا أن يفرقوا بين المرفق من الأمر والمرفق من الإنسان . وقال الكسائي : الكسر في مرفق اليد ، وقيل المرفق بالكسر ما ارتفقت به والمرفق بفتح الميم الأمر الرافق ، والمراد هنا ما يرتفقون به وينتفعون بحصوله والتقديم{[1102]} في الموضعين يفيد الاختصاص ، وإنما قالوا ذلك ثقة بفضل الله وقوة في رجائهم لتوكلهم عليه أو أخبرهم به نبي عصرهم .


[1102]:أي تقديم الجار والمجرور في ينشر لكم، ويهيئ لكم.